للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات في الشريعة والعقيدة

[التعريف بمنكري السنة النبوية]

د. عبد المُهدي عبد القادر عبد الهادي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين،

سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين. وبعد:

فإن من عظمة الإسلام أن نصوصه خالدة، تحافظ على إنسانية الإنسان

وسموِّه، وتعالج مشاكل الحياة في كل زمان ومكان، فلا توجد مشكلة إلا ونصوص

القرآن الكريم، والسنة النبوية تحددها، وتصف الدواء لها، والدواء هنا شافٍ كافٍ.

ومن هنا فحينما نسمع الذين ينكرون السنة النبوية فإننا لا نستغرب. نعم! لا

نستغرب؛ بل إننا نزداد إعظاماً للإسلام، ولكتاب ربنا، وسنة نبينا؛ ذلك أن

القرآن الكريم قد بيّن أنه ستوجد طائفة لا تقبل الفكر المستقيم ولا الهَدْي القويم،

وإنما هي حريصة على الباطل والضلال، تتمسك به، وتدعو إليه، وتوهم الناس

أن القرآن الكريم يشهد لفكرها! !

كما أن السنة النبوية قد بينت أنه سيظهر من ينكر السنة، وأنه سَيَلُفُّون باطلهم

بثوب من القرآن الكريم، ليُعمُّوا على الناس، وليُضلوا أتباعهم.

إن إنكار السنة خطأ جسيم، إلا أنه لا يُخْشى على الإسلام منه؛ فشأن الإسلام

أن السهام توجه إليه، فتعود إلى صدر راميها، ويظل الإسلام عالياً، لا ينال منه

عدوه مهما كان.

حديث القرآن عن منكري السنة:

يقول الله - تعالى -: [وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن

يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما

يفترون. ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم

مقترفون] [الأنعام: ١١٢، ١١٣] .

والمعنى: وكما جعلنا لك - يا محمد - أعداءاً يخالفونك، ويعاندونك، جعلنا

لكل نبي من قبلك أيضاً أعداءاً، فلا يحزنك ذلك. إن شياطين الإنس والجن

يعاندون أهل الحق في كل زمان ومكان، يساعد بعضهم بعضاً بالقول المزوق،

وباللفظ المزخرف الذي يفتن به من لا يعرف حقيقة الأمر.

إن الله - سبحانه وتعالى - لو شاء لمنعهم من ذلك، لكنه - سبحانه - يتركهم

اختباراً وابتلاء لترتفع درجة الصادقين بثباتهم على الحق، فدعهم وما يكذبون،

دعهم وافتراءاتهم؛ فإن الله سيكفيكهم وسينصرك عليهم.

ثم يقول - سبحانه -: [ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة] أي

إن هذا الباطل الذي يتعاون في ابتكاره شياطين الإنس والجن، هذا الباطل ستميل

إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ليرضوه، أي: وسيقبلون عليه، يحبونه

ويريدونه وليقترفوا ما هم مقترفون أي: وليعملوا ما هم عاملون.

وهكذا تبين الآيتان الكريمتان أن هناك في الكون شياطين من الإنس والجن،

يتعاونون في إلباس الباطل ثوب الحق مزوقاً، يزخرفون القول، ويتظاهرون بالعلم، ويدّعون أنهم على الحق، ويحاولون الأخذ بيد الناس إلى ما هم عليه من الضلال، إلا أن باطلهم هذا لا يقبله إلا أمثالهم من أصحاب القلوب المريضة، والفِطَر

المنكوسة.

وفي الآيتين تحذير لكل مسلم من دعوة الضلال، ومن فكر الأبالسة الذين

يزينون القول، ويبهرجون المنطق [١] .

على كل مسلم أن يحذر، فليس كل فكر يقبل، وليس كل كلام مفيداً؛ إن الله

قال عن طائفة من الناس: [وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن

مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون. وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن

الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون]

[البقرة: ١١ - ١٣] .

رفضوا أن يكون الإفساد صفة لهم فأثبته الله عليهم!

ووصفوا الصالحين بالسفه، فسجل الله السفه وصفاً لهم.

وفي آية أخرى يقول ربنا - تبارك وتعالى -: [وإن الشياطين ليوحون إلى

أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون] [الأنعام: ١٢١] .

إن أتباع الشياطين تلقنهم شياطينهم الكثير من الأباطيل، يجادلون، ويُلبسون

الباطل ثوب الحق في إشهاره، ومن اتبع هؤلاء الضُّلاَّل فقد أشرك؛ فإن الحكم

والأمر والنهي إنما هو لله وحده، ومن اتبع غير حكم الله فقد أشرك [٢] .

وها هو المختار بن أبي عبيد الثقفي [٣] ، الكذاب الذي ادعى النبوة، ها هو

يدّعي أنه يوحى إليه، ويَبلُغ ذلك بعض الصحابة الكرام، فيصدقون أنه يُوحى إليه، لكنه يوحى إليه من الشياطين، ويقرءون هذه الآية: [وإن الشياطين ليوحون

إلى أوليائهم ليجادلوكم ... ] [الأنعام: ١٢١] .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قيل له: إن المختار الثقفي يزعم أنه

يوحى إليه، فقال ابن عمر: صدق، ثم تلا الآية: [وإن الشياطين ليوحون

إلى أوليائهم ليجادلوكم ... ] [٤] .

وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن أبي زميل قال: كنت قاعداً عند ابن عباس،

وحج المختار بن أبي عبيد، فجاء رجل فقال: يا ابن عباس، زعم أبو إسحاق أنه

أوحي إليه الليلة، فقال ابن عباس: صدق. فنفرت، وقلت: يقول ابن عباس:

صدق! ؟ فقال ابن عباس: هما وحيان: وحي الله، ووحي الشيطان؛ فوحي الله - تعالى - إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ووحي الشياطين إلى أوليائهم، ثم قرأ: ... [وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ... ] [٥] .

إن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهما - لم يستغربا أن يوحى إلى هذا

الكذاب، إلا أنه يوحى إليه من الشياطين، ونحن أيضاً لا نستغرب أن يدعي بعض

منكري السنة أنه نبي! ! فلقد ادعى رشاد خليفة أنه نبي، وكان اسمه محمد رشاد

خليفة، فحذف (محمد) من اسمه، وسمى نفسه رشاد خليفة، وحينما زاره أحمد

صبحي منصور في أمريكا اختلفا على ادعاء النبوة.

كما أننا لا نستغرب أن يدعي أحدهم أنه وحده القادر على تفسير القرآن الكريم!! فلقد ادعى د. محمد سعيد مشتهري، وهو حاصل على دكتوراه في الدراسات الاقتصادية، ادعى أنه ليس في طوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفسر القرآن، ولا في طوق أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولا في طوق الطبري والقرطبي، ولا في طوق ابن كثير والألوسي، ليس في طوق هؤلاء وأمثالهم تفسير القرآن، وإنما هو وحده الذي يفسر القرآن الكريم!

كما أننا لا نستغرب أن يدعو بعضهم إلى ترك هَدْي رسول الله! فها هو

أحمد صبحي منصور، وعدد من أعضاء مركز ابن خلدون في القاهرة، وإسماعيل

منصور، وجمال البنا، ومحمد شبل، هؤلاء يدعون الناس للاقتداء بهم في فهم

الإسلام، بعيداً عن سنة رسول الله، وفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام!

إننا لا نستغرب من كل ذلك؛ فلقد أعلمنا ربنا ذلك في كتابه، فلا نستغرب

وإنما نحتاط ونحذر.

ويقول الله - تعالى -: [وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا

تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله

عليم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم

وإن الظالمين لفي شقاق بعيد] [الحج: ٥٢، ٥٣] .

والمعنى: أن الأنبياء والمرسلين يدعون الناس إلى صراط الله، وإن

الشياطين تعارض ذلك، فيدعون الناس إلى الضلال والردى، ولا يقبل ما تلقيه

الشياطين إلا المنافقون أصحاب القلوب المريضة، والكافرون أصحاب القلوب

القاسية، أما أهل الإيمان فيعلمون أن ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم

فإنما هو الحق، فيؤمنون به، وتطمئن له قلوبهم، والله يوفقهم إلى الصراط

المستقيم.

وهكذا تبين الآية بجلاء أن الشياطين أعداء الرسل، وأعداء الدين الحق،

وأعداء الدعاة إلى الله - تعالى - يعارضون دعوتهم، ويحاولون صرف الناس

عنهم، فيستجيب لهم المنافقون والكفار، ويقبلون ضلالهم. أما المؤمنون فهم

المتبعون لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول الله - تعالى -: [يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في

الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب

سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا

فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك

الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم]

[المائدة: ٤١] .

يقول الحافظ ابن كثير - في تفسير هذه الآية وما بعدها: نزلت هذه الآيات

الكريمات في المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة الله ورسوله، المقدمين

آراءهم وأهواءهم على شرائع الله - عز وجل -: من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم

تؤمن قلوبهم أي: أظهروا الإيمان بألسنتهم، وقلوبهم خراب خاوية منه، هم

المنافقون ومن الذين هادوا أعداء الإسلام وأهله، وهؤلاء كلهم سماعون للكذب أي:

مستجيبون له، منفعلون عنه سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي: يستجيبون لأقوام

آخرين، لا يأتون مجلسك يا محمد، أو أنهم يستمعون الكلام ويُنهونه إلى قوم

آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي:

يتأوّلونه على غير تأويله، ويبدلونه من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون [٦] .

تخبر الآيات الكريمات عن وجود أناس يقولون: آمنا، لكنهم يقولون ذلك

بأفواهم، أما قلوبهم فلم تؤمن؛ هؤلاء يحذر القرآن منهم؛ فهم لا يفهمون كلام الله

بقلوب خاشعة، وأفكار متزنة، وإنما دفعهم نفاقهم إلى تأوُّل كلام الله على غير

حقيقته، وأدّت بهم قساوة قلوبهم إلى حمل كلام الله على ما تميل إليه طباعهم

السقيمة.

أناس يحرصون على حمل الآيات القرآنية على غير معناها، همتهم التضليل، وغايتهم صرف الناس عن الإيمان بالله تعالى.

إنهم أناس قلوبهم مريضة، يُظهرون غير ما يبطنون، يبذلون الحيل لإقناع

الناس بباطلهم، ويتلوّنون لإضفاء القبول على باطلهم، يجتهدون في إذاعة أفكارهم، ويداومون على معاداة الحق الناطق بعكس ضلالتهم.

ويكفينا أن الله - تعالى - قد عَرّف بهم، وحذّر من طريقهم، ويكرر المسلم

فاتحة الكتاب الكريم في كل ركعة، داعياً ربه - جل جلاله -: [اهدنا الصراط

المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين]

[الفاتحة: ٦، ٧] .

إنه بقراءة هاتين الآيتين يقرر أن هناك طرقاً متعددة، منها: الصراط

المستقيم أي (الطريق القويم) وهو طريق الذين أنعم الله عليهم، ورضي عنهم.

وهناك طرق أخرى تختلف عنه تماماً، إنها طرق المغضوب عليهم، والضالين؛

أما المغضوب عليهم فهم الذين يعرفون الحق ويبتعدون عنه، وأما الضالون فهم

الذين لا يعرفون الحق ولا يتبعونه.

إن وجود هاتين الآيتين في سورة الفاتحة التي تُقرأ في كل ركعة دليل على

أهمية أن يعرف المسلم أن الطرق متعددة، والطريق السليم منها هو طريق

المرسلين، طريق الصالحين، أما غير هذه الطريق فإنها ليست موصلة إلى

رضوان الله، وإنما هي موصلة إلى غضب الله وسخطه.

ومن هنا فلا غرابة أن يظهر أناس ينكرون السنة النبوية. إن العيب فيهم،

والداء في قلوبهم، وقد عرّفَنا الله بهم أنهم يعادون الحق، ويكرهون الصدق، ومن

هنا يعادون القرآن والسنة، ويكرهون طريق المؤمنين، ويبغضون عباد الله

الصالحين، وقد قال الله - تعالى -: [ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له

الهدى. ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى. ونصله جهنم وساءت مصيرا]

[ {النساء: ١١٥] .

الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن منكري السنة:

ومن ضلال هؤلاء المنحرفين عن صراط الله المستقيم إنكار السنة النبوية،

وهؤلاء أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيظهرون، وحذر منهم:

فعن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ألفين أحدكم متكئا

على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري،

ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) [٧] .

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين) أي: لا أجدن. وهذا نهي عن تلك

الحالة على سبيل المبالغة، و (أريكته) أي: سريره المزين بأنواع الزينات، وفيه

إشارة إلى أن إنكار الحديث إنما يأتي من المترفين، وهؤلاء شأنهم حب الشهوات،

وعدم المبالاة بأحكام الشريعة، وشأنهم أيضاً عدم الاهتمام بالعلم، إنه صلى الله

عليه وسلم ينهى عن هذه الحالة، يعني: حالة عدم قبول السنة، وترك العمل بها،

ينهى عن هذه الحالة نهياً شديداً واضحاً فيه الغضب منه صلى الله عليه وسلم على

من فعل هذا.

وعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا

هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم

كتاب الله؛ فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما

حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله) [٨] .

إنه صلى الله عليه وسلم يبين أنه سيظهر من ينكر السنة النبوية، ويتعلل بأنه

يتبع القرآن، ثم يبين صلى الله عليه وسلم بأن ما حرمه رسول الله صلى الله عليه

وسلم حكمه حكم ما حرمه الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم ما حرمه إلا بأمر الله -

سبحانه وتعالى - وكذلك ما أحله؛ فإنه ما أحله إلا بأمر الله - تعالى - اكتفى بذكر

أحد المتقابلين عن الآخر.

إن إخباره صلى الله عليه وسلم بهذه الحال عَلَمٌ من أعلام نبوته، ودليل من

أدلة وحي الله إليه وعصمته.

ولذا يورد البيهقي هذين الحديثين في كتابه (دلائل النبوة) تحت عنوان:

(باب ما جاء في إخباره بشبعان على أريكته يحتال في رد سنته بالحوالة على ما في

القرآن من الحلال والحرام دون السنة فكان كما أخبر، وبه ابتدع من ابتدع وظهر

الضرر) [٩] .

السلف ومنكرو السنة:

ولقد تكلم السلف عن منكري السنة، وأبانوا أنهم ضلال، وأنهم ليسوا على

ملة الإسلام.

إنهم سيتركون الكثير من الدين، فسيتركون الصلاة وأحكامها، وسيعجزون

عن امتثال أمر الله - سبحانه -: [ ... وآتوا الزكاة ... ] [ {المزمل: ٢٠] ،

وسيهجرون الكثير مما هو معلوم من الدين بالضرورة.

يقول أيوب السختياني [١٠] : (إذا حدّثت الرجل بالسُّنَّة فقال: دعنا من هذا، وحدثنا من القرآن، فاعلم أنه ضال مضل) [١١] .

قال الأوزاعي [١٢]- معلقاً على كلام أيوب السابق -: (يقول الله - تعالى -: [وما آتاكم الرسول فخذوه] [الحشر: ٧] ، [من يطع الرسول فقد أطاع ...

الله] [النساء: ٨٠] ويدعوه إلى تأويل القرآن برأيه) [١٣] !

وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: (من كفر بالرجْم فقد كفر

بالقرآن من حيث لا يحتسب) [١٤] .

وقال ابن حزم: (ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان

كافراً بإجماع الأمة) [١٥] .

وهكذا يتضح أن الله - تبارك وتعالى - بيّن لنا أن للحق أعداءاً، وأن للباطل

دعاة! !

وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الناس من سيتنكر لسنته صلى

الله عليه وسلم.

وثبت السلف على كتاب الله وسنة نبيه، وحكموا على من أنكر السنة

بالخروج عن الملة، وتعجبوا منهم: كيف لا يقبلون بيان القرآن من رسول الله

صلى الله عليه وسلم، ويقبلون بيانه من عند أنفسهم.

معلوماتي عن منكري السنة:

ظهر في هذه الآونة عدد من الحريصين على إنكار السنة، وعلى الرغم من

قلَّتهم إلا أنهم يكتبون كثيراً، ولقد حرصت على جمع معلومات عنهم، فكانت

صورتهم كما يأتي:

١ - ليسوا من علماء الإسلام: فليس هناك عالم من علماء الإسلام ينكر السنة، وإنما هم جميعاً يعرفون قدرها، ويعملون بها، أما منكرو السنة فإنهم ليسوا من

علماء الإسلام، ولم نعرف لهم مؤلفات في خدمة الدعوة الإسلامية، ولا في أي فرع

من فروع الدراسات الإسلامية.

بل إنهم بعيدون كل البعد عن ذلك؛ فمنهم من هو كاتب أمام محكمة، ومنهم

من دراسته في الهندسة، ومن دراسته في التجارة، ومن دراسته في الفلسفة، ومن

يعمل بالقانون، ومن كان يعمل في العسكر.

وباحترام التخصص فهؤلاء لا قيمة لرأيهم، بل كان الأحرى بهم أن لا يكتبوا؛ فإن كل عِلْم يؤخذ من أهله، يعرف ذلك كل عاقل.

ويبدو أنهم يُختارون بعناية؛ بحيث تتوافر فيهم صفات تُعَمِّي على المسلم

العامي، أو الذي لا يعرفهم؛ فهذا ابن شيخ كبير، وآخر شقيق داعية فاضل!

ويحملون ألقاباً تتفق مع ألقاب العلماء، فيكون أحدهم حاصلاً على دكتوراه في

علم غير علوم الإسلام، أو يحمل لقب أستاذ، فيلقب نفسه بـ (دكتور) أو ... (أستاذ) مما يجعل بعض الناس يظن أنه يحمل الدكتوراه أو الأستاذية في علوم الإسلام.

ولو أنصفت الجامعات لمنعت استعمال الألقاب العلمية إلا إذا كتب الأستاذ في

تخصصه.

وعليه فاستعمال (دكتور) أو (أستاذ) لا قيمة لها في مؤلفاتهم؛ فإنهم كتبوا في غير تخصصاتهم.

فكيف يقبل قول قسيس في القرآن والسنة؟

وكيف يُقبَل كلام مهندس لا يحفظ القرآن الكريم؟ كيف يُقبَل قوله في مسائل

في غاية الدقة في الإسلام؟

وكيف يقبل كلام رجل أمضى عمره في خدمة القوانين، ولم يُعرف عنه في

الإسلام علم ولا عمل كيف يقبل قوله حينما يعيب علماء الإسلام السابقين واللاحقين؟ إن عمله بالقانون لا علاقة له بالدراسات الإسلامية، اللهم إلا أنه زاده جرأة على

الحق، وتعالياً على الخلق، مع ما فيه من قدرة على الهمز واللمز، وحسبنا الله

ونعم الوكيل.

إن كتابة ألقاب كهذه نوع من التضليل، تنطق بكذبهم، وهي دليل كامل على

افترائهم وتزويرهم.

وليت أحدهم حينما كتب (دكتور) ، أو (أستاذ بجامعة كذا) كتب تخصصه

ليعرف الناس تخصصه، وليعرف الناس أنه لا علاقة له بالتخصص في العلوم

الإسلامية.

إن الألقاب لا تؤهل في حد ذاتها؛ فالأستاذ في الهندسة لا يستطيع أن يفتح

عيادة لاستقبال المرضى، ولو فعلها ما ذهب إليه عاقل، ولو ذهب إليه جاهل فإنه

يضره ولا ينفعه.

إن أنظمة الدنيا لا تسمح بفتح عيادة الأستاذ في الهندسة، ولا دكتور في

الاقتصاد، لكن لست أدري كيف يتكلم هؤلاء في دين الله؟ !

إن رجل القانون حسبه القانون. أما أن يذهب فيكتب في دين الله، ويعيب

الأئمة الأعلام فهذا ضلال، وبُعد عن الفكر السليم والمنهج القويم.

وفي هذه الأيام ظهرت ألقاب لا أصل لها، قُصِد بها التعمية على المسلمين

مثل: (الكاتب الإسلامي) ، و (المفكر الإسلامي) وهذه ليست مستنداً يؤهل للكتابة في أمور الدين.

أما لقب (صحفي) فتطاول به البعض لينتقد الصحابة الأخيار، والأئمة

الأبرار، فتحْت ستار عنوان: (كاتب صحفي) ينتقد أحدهم أئمة الإسلام الأجلاء

أمثال: الإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، ولست أدري كيف صار لقب

(كاتب صحفي) مؤهِّلاً لأن ينصِّب صاحبه ناقداً وحكماً على فكر الأئمة الأخيار،

فيعترض على هذا، ويعيب هذا؟ بل غالى أحدهم فعاب الأمة بأسرها، وانتقد أهل

السنة والجماعة! !

ألا ليت كل إنسان يعرف قدره، ويخاف سيئاته ووزره! !

٢ - في كتاباتهم تلبيس على غير المتخصص في السنة: فيوهمون القارئ

بأنهم سيتبعون (الأسلوب العلمي) و (الفكر الحر) و (النظر الثاقب) و (تحرير

المسائل) ، و (التدقيق في كل أمر) ، و (الحيدة) ، و (النزاهة) إلى غير ذلك من

الكلمات البراقة التي توهم القارئ أنهم سيحققون في المسائل تحقيقاً لم يسبقهم إليه

أحد.

وإنك لتعجب حينما تسمع لحامل دكتوراه في علوم التجارة يتحدث أنه لا

يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفسر القرآن، ولا أبو بكر الصديق،

ولا عمر الفاروق، ولا الطبري، ولا ابن كثير وإنما هذا الدكتور وحده هو الذي

يستطيع أن يفسر القرآن الكريم! !

سبحان الله! !

هل هذا فكر؟ هل هذا احترام التخصص؟

بل هل هذا عقل؟

أرجلُ التجارة يفسر القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفسره؟

وفي هذه الأيام ظهر نوع آخر من التلبيس؛ حيث يستعمل أصحابه النظريات

التي درسوها في كتاباتهم لتكون فوق أسلوب القارئ فيظن أنهم من العلماء، وأن

تفسيرهم للقرآن برأيهم له قيمته.

إلا أن هذا التلبيس وهذا الخداع لا ينطلي على من درس السنة النبوية، فإنه- بادئ ذي بدء - يتجلى له زيف كلامهم، وباطل مدعاهم.

٣ - افتراءاتهم مزورة: إن أعداء الإسلام قديماً قد افتروا وكذبوا على الإسلام، فجاء منكرو السنة المعاصرون فأخذوا أقوال أعداء الإسلام السابقين، وراحوا

يرددونها على أنها طعنات للإسلام عامة، وللسنة خاصة، وينسبونها لأنفسهم زوراً، يدرك ذلك من قرأ كتاب (الرسالة) للإمام الشافعي الذي أجاب فيه على فرية

إنكار السنة، والتي كانت قد ظهرت بمصر وهي جزء من الحملة المعادية للإسلام.

إن الفرية هي هي يرددها المعاصرون من منكري السنة، لم تتغير منذ زمن

الشافعي الذي عاش في القرن الثاني الهجري وتوفي سنة ٢٠٤ هـ، ومن راجع

هذا الكتاب عرف الجواب.

ومن مصادر افتراءاتهم أيضاً أن يقرؤوا كتب أئمة الإسلام، فإذا صوَّر الأئمة

إشكالاً وأجابوا عليه أخذ هؤلاء الإشكال ورددوه في كتبهم، وقد تنكروا للجواب.

ومن زورهم أنهم يكذبون في إيراد الحقائق: قرأت لأحدهم خبراً نقله من

كتاب الإحكام لابن حزم مفاده: أن عمر بن الخطاب حبس ابن مسعود وأبا موسى

وأبا الدرداء في المدينة على الإكثار من الحديث، فلما راجعت الإحكام (ج ٢، ص

٢٤٩، ٢٥٠ طبعة العاصمة) وجدت عجباً، وجدت ابن حزم ذكر الخبر وحكم

عليه بالكذب، فإذا بعَدوِّ السنة يأخذه ليستدل به [١٦] ! ! وهذا يدل على أنهم

يتعمدون الكذب في سبيل بلوغ غايتهم! !

٤ - افترءاتهم لا تنطلي إلا على السذج: وافتراءات أعداء السنة هزيلة،

تزول بقراءة موضوعها في كتب السنة، شأنها شأن الافتراءات على الإسلام عموماً؛ فإنها لا تُقبل إلا عند من ليست عنده دراية، ولا فطانة.

أما الدارسون للإسلام، أو حتى من عندهم ذكاء ودربة فكرية فإن افتراءات

أعداء الإسلام لا تجد عندهم قبولاً.

فمثلاً: يكثرون الكلام عن كتابة السنة، ويقولون: إنها لم تدوّن إلا على

رأس المائة الأولى وإن علماً ظل مائة عام بدون كتابة لا بد أن يدخله الزيادة

والنقص.

هذا كلام ينطلي على من ليس عنده دراية بتاريخ السنة، وليس عنده دربة

فكرية.

أما من عنده مجرد دربة فكرية فإنه لا يقبله؛ إذ يقول - بادئ ذي بدء -: إن

السنة النبوية مصدر الإسلام مع القرآن الكريم فلا بد أن تحافظ عليها الأمة، وأمة

الإسلام بحمد الله كثيرة، والحفظ كان قوياً فلا بد أن السنة وجدت من يحفظها

ويصونها، ومحال أن تفرط الأمة في مصدر دينها.

أما الدارس لتاريخ السنة فيقول: نعم إن السنة لم تدون إلا على رأس المائة

الأولى الهجرية إلا أن هذا لا يفيد أنها لم تكتب طيلة هذا القرن؛ فالتدوين شيء

والكتابة شيء آخر.

فالتدوين: ترتيب المعلومات، بمعنى أن ترتب الأحاديث على موضوعاتها أو

بحسب الراوي الأعلى، وكل ديوان فمعناه الكتاب الذي رتبت مادته.

أما الكتابة فهي: مطلق خط الشيء [١٧] .

وعليه فقول العلماء: إن السنة لم تدون إلا على رأس المائة الأولى، معناه

أنه لم تظهر الكتب المرتبة، والمراجع المصنفة.

أما مطلق الكتابة - يعني دون ترتيب على الأبواب - فهذا موجود ومتوفر

للسنة في مجالس رسول الله؛ فلقد كتب صلى الله عليه وسلم كتباً وأرسلها إلى

حكام البلاد المجاورة، وكتب كتباً لعماله بيّن فيها الكثير من الأحكام، وكتب

الصحابة أمامه، وأقرهم صلى الله عليه وسلم، وأمر بالكتابة لبعضهم.

إن افتراءهم هذا يزول سريعاً أمام التعقل أو العلم، كما أن النور يزيل الظلام، والشمس تملأ الوجود ضياء.

٥ - منهجهم مختل: لاحظت كثيراً على أعداء السنة اختلال منهجهم،

واعوجاج خطهم:

فتجدهم يطلبون الشيء من غير بابه، يدرسون الإسلام من كتب أعداء

الإسلام! !

إن دراسة الشيء كلما اقتربت من مصدره عظمت ووثق بها، وكلما بعدت

ضعفت وقلَّت الثقة بها، فمن أراد دراسة الإسلام فعليه بالقرآن والسنة وعلومهما؛

فالقرآن في قراءته من أهل الدراية بقراءات القرآن، وفي فهمه من علماء التفسير

الذين جمعوا علوماً متعددة حتى استطاعوا أن يفسروا القرآن الكريم، والسنة تؤخذ

من علمائها: إنْ درايةً فمن علماء الدراية الذين يعرفون كلمات كل حديث، بل

وحروف كل حديث، وإن روايةً فمن علماء الرواية الذين يعرفون روايات كل

حديث، ومعنى كل حديث، وما يستفاد من الحديث.

هذا هو المنهج السليم، أما أعداء السنة فهم عكس ذلك تماماً، لا يقرؤون

كتب أئمة الإسلام، وإنما يقرؤون الإسلام من خلال كتب أعدائه! !

وتجد فكر الواحد منهم في أول الكتاب يختلف عنه في آخر الكتاب. قرأت

كتاباً لأحدهم ففي أول الكتاب أنكر السنة تماماً، وفي وسط الكتاب يثني على أئمة

السنة، ويعترف بقدرهم! !

أما دراسة المسائل فحدِّث عن اعتلال منهجهم فيها ولا حرج.

فيقول: هذا خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دليل لهم على

الخصوصية.

ويخصصون آية بدون مخصص، ويخطئون في فهم النصوص، وينكرون

حجية الإجماع.

يفترون العلل للآيات، لتفسر في ضوء ما افتروه، ويعلقون الحكم على شيء

ثم يلغون المعلق عليه؛ يتضح هذا كثيراً لمن قرأ كتبهم.

وجهلهم بأصول الكتابة والتأليف واضح، فيقتبسون من تعليق ويعزونه إلى

الكتاب والأصل.

ويسوقون الدعوى والدليل، إلا أن الدليل لا يؤيد الدعوى! !

ويسوقون الدعوى ولا دليل! !

ويسوقون الدعوى والدليل ضدها! !

والخروج عن وقار العلم شائع فيهم، فما بين تجريح ودس، وما بين وقيعة

وخبث.

لا يعرفون أدب طالب العلم ولا أخلاق العلماء، بل إن بينهم وبين ذلك بوناً

شاسعاً.

٦- ليسوا طلاب حق: أعداء السنة ليسوا طلاب حق، وإنما هم مقيمون على

عداء السنة والكيد لأهلها، يرددون فكرهم كأنهم ببغاوات، مهما أقمت لهم من حجج

وبراهين لا يقبلون، جُندوا لذلك وعليه حريصون. ناقشت أحدهم رجاء أن يتضح

له الحق، لكنه على الرغم من وضوح الحق باعتراف الحاضرين لم يُسلِّم، وإنما

أصر على باطله، وظهر منه أنه لا يستطيع إلا ذلك فأعرضت عنه.

يجعلون فكرهم هو الأساس وله تُطوى كل الحقائق، وتُقصف أعناق

النصوص.

فإذا كان المجال مجال اللغة فلا يهمه ماذا تقول كتب اللغة، وإنما المهم أن

يفسر الشيء حسبما يقتضيه فكره.

وإذا كان المجال مجال حكم شرعي فليس يعنيه أن يرجع إلى كتب الفقه،

وإنما يعنيه أول ما يعنيه أن يفرض باطله، وإن خالف الكثير من النصوص.

قرأت لأحدهم أنه إذا كانت الآية: [للذكر مثل حظ الأنثيين]

[النساء: ١١] . أي أن الولد يرث ضعف البنت لما عليه من مسؤوليات تجاه الكثيرين من أم وأخوات، وخالات وعمات.

قرأت لأحدهم يقول: إن الولد الذكر يرث ٦٦. ٦ بحد أقصى، والبنت ترث

٣٣. ٦ بحد أدنى.

ولست أدري من أين جاء بحد أقصى في الذكر وبحد أدنى في البنت! !

ثم راح يقول: ويجوز لنا أن نقربهما من بعضهما فلو أعطينا الذكر ٦٠%

والبنت ٤٠% فهذا جائز.

إن المهم عنده مخالفة الآية والأحاديث التي في الموضوع.

ولو كان طالب حق لقال بما قرره الله - سبحانه وتعالى - ثم قال به علماء

الإسلام على مر التاريخ: للذكر ضعف ما للبنت.

وآخر منهم يقول: نترك هذه الآية: [للذكر مثل حظ الأنثيين]

[النساء: ١١] . ونأخذ بالآية الأخرى: [للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا] [النساء: ٧] . يقول: فنسوي بين الذكر والأنثى في الميراث، وأتعجب من هذا الفهم، أنترك الآيات التي حددت الأنصبة: [يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما. ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ... ] [النساء: ١١، ١٢] .

إننا نلاحظ أن الآيات حددت الأنصبة بدقة وبشروط فكيف نعرض عنها إلى

الآية التي أثبتت أصل الميراث؟ أيُّ فهم هذا؟ !

[للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك

الوالدان والأقربون] [النساء: ٧] . على فهم هذا الخارج عن سبيل المؤمنين

يصبح كل الرجال وكل النساء سواسية في الميراث من الأبوين والأقربين! ! فيرث

الابنُ كما يرث ابن الأخ، كما يرث ابنُ الأخت كل على درجة سواء! وترث

البنتُ عن أمها كما يرث خالها كما ترث خالتها كما ترث بنتُ خالتها فهل هذا يعقل؟ أترث البنت من أمها كما ترث بنت خالتها؟

إن هؤلاء يريدون إخراج الأمة من دينها بكل حيلة! !

وصدق الله العظيم إذ يقول: [ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو

يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين. يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم

والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق

ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون] [الصف: ٧ - ٩] .

٧ - مصادر بحوثهم مصطنعة: ومنكرو السنة يكتبون ويضعون لكتاباتهم

مصادر، إلا أنه يلاحظ أن مصادرهم لا تُوثِّق بحوثهم؛ بل تشهد بخطئها:

فما قيمة كتاب يأخذون منه ويعتبرونه مصدراً لدراساتهم الإسلامية بينما

مؤلف هذا الكتاب غير مسلم؟ ! !

وما قيمة كتاب كتبه عدو للإسلام؟

وما قيمة كتاب كتبه إنسان لا يعرف الإنصاف؟

إن الكثير من مصادرهم لمستشرقين، من النصارى، واليهود.

وكثير منها لفرق تُحسب على الإسلام ظلماً.

وكثير منها لمؤلفين معروفين بالضلال والزيغ.

ومنكرو السنة في هذه الآونة جعلوا من أنفسهم مصادر لهم؛ فهذا يأخذ عن

هذا وهذا وهذا، وذاك يأخذ عن هذا وهذا وهذا، وهكذا يؤيد كل منهم كلامه بكلام

أمثاله، وهم جميعاً لا قيمة لكلامهم من المنظور الشرعي؛ فليس كل من تكلم يُقبل

كلامه، ولا كل من كتب تقبل كتابته، وإنما يقبل علم التقي الورع الملتزم بالقرآن

والسنة الذي يشهد له علماء الأمة بالاستقامة والفضل قال الله - تعالى -: [يا أيها

الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما

فعلتم نادمين] [الحجرات: ٦] .

وأجد مصادر لهم مؤلفها حُكم بردته وكثير من مصادرهم حكم علماء الإسلام

بضلال مؤلفيها، وهم - منكري السنة - يقبلون على هذه المصادر بكل حرص،

مما أفقد مؤلفاتهم وزنها، وأبان عوار كتبهم وزيفها، وأظهر بطلان أفكارهم

وضلالها.

وختاماً: فأسأل الله الكريم أن يشرح صدري وصدور القراء، وأن يكون من

خلال هذا البحث قد اتضح أنه لا غرابة في ظهور من ينكر السنة، ويعادي الإسلام؛ فلقد بيّن ربنا ذلك في كتابه، وحذّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وفهِمَ

السلف مسلك هؤلاء فخالفوهم وحذّروا منهم.

إن وجودهم ليس مشكلة، بل ربما كان نفعاً للإسلام وللمسلمين؛ فالإسلام هو

الدين الحق، نصوصه ثابتة، وأحكامه واضحة، وأهله يثقون به، وإنما وجود

هؤلاء يجعل أهل الإسلام يدرسونه أكثر، ويتمسكون به أعظم، وما أشبههم إلا

بالتطعيم الذي يقدم للناس تحصيناً لهم، وحرصاً على سلامتهم.

ومسلك المؤمن تجاه هؤلاء أن يعتز بدينه، وأن يتعلمه، حتى لا يقبل شبهة،

ولا تنطلي عليه حيلة، فإذا لم يستطع الرد على شبهة فلا ينزعج، وإنما ليقدمها إلى

أحد العلماء، فإنه يرد عليها سريعاً.

وهناك كتب تحصن المسلم ضد شبه هؤلاء، أذكر منها:

١- السنة المحمدية لمحمد بن نصر المروزي.

٢- السنة النبوية: مكانتها وعوامل بقائها وتدوينها، د. عبد المُهدي عبد

القادر.

٣- الحديث والمحدثون، د. محمد أبو زهو.

٤- حجية السنة، د. عبد الغني عبد الخالق.

٥- المدخل إلى السنن الكبرى، للحافظ البيهقي.

٦- دراسات في علوم الحديث والمحدثين، د محمد علي العمري.

٧- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي.

٨- المدخل إلى السنة النبوية، د. عبد المُهدي عبد القادر.

٩- مختصر الصواعق المرسلة، للإمام ابن قيم الجوزية.

١٠- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، د. الأعظمي.

١١- دلائل التوثيق المبكر للسنة النبوية، د. امتياز أحمد.

١٢- الموافقات للشاطبي.

وهذه الكتب موجودة في المكتبات الإسلامية، فإذا لم تستطع الحصول عليها

فاسأل العلماء أو طلاب العلم فإنهم سيرشدونك إلى هذه المكتبات.

إن الإسلام دين فوق الشبهة، وأصالة علومه تستولي على العقل المنصف،

ولا يمكن لأعداء الإسلام أن يشككوا المسلم إلا إذا كان يجهل دينه، فإذا تعلمتَ

الإسلام، وعملتَ بما فيه من عقائد وأحكام، فأنت ضد هذه الشبهات، وأنت تردها

بسهولة بتوفيق الله - تعالى -.

جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ورزقنا الحسنى وزيادة،

وختم لنا بالخير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه

والتابعين، والحمد لله رب العالمين.


(١) راجع تفسير ابن كثير، ٢/١٦٦.
(٢) راجع تفسير ابن كثير، ٢/١٧٠.
(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء، ٣/٥٣٨.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم، ٤/١٣٧٩، رقم ٧٨٤٠، ٧٨٤١.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم، ٤/١٣٧٩، رقم ٧٨٤٠، ٧٨٤١.
(٦) تفسير ابن كثير، ٢/٥٨.
(٧) أخرجه أبو داود في السنة، باب في لزوم السنة ١٢/٣٥٦، وأخرجه الترمذي في العلم باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٧/٤٢٤، وأخرجه ابن حبان في المقدمة باب الاعتصام بالسنة، ١/١٩٠، وأخرجه الحاكم ١/١٠٨، والخطيب في الفقيه، ١/٢٦٢، والآجري في الشريعة، ١/١٧٧ - ١٧٩.
(٨) أخرجه الأئمة في تخريج الحديث السابق.
(٩) دلائل النبوة، ج٦، ص ٥٤٩.
(١٠) أيوب بن كيسان السختياني إمام كبير من أئمة الإسلام الأوائل، رأى أنس بن مالك وحفظ كثيرا مع الدين والورع، قال عنه الإمام مالك: (كان من العالمين العاملين الخاشعين) توفي سنة ١٣١، تهذيب التهذيب، ١/٣٩٧.
(١١) الكفاية، ص ٤٩.
(١٢) عبد الرحمن بن عمرو الشامي، شيخ الإمام مالك وشعبة والثوري فقيه الشام، ومن كبار المحدثين وكان أفضل أهل زمانه علماً وعملاً، توفي سنة ١٥٨، تهذيب التهذيب ٦/٢٤٠.
(١٣) الكفاية ص ٣٤٩.
(١٤) أخرجه الحاكم في الحدود باب من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن، ٤/ ٣٥٩.
(١٥) الإحكام، ٢/٨٠.
(١٦) فصلت القول في هذا في بحث نشر في مجلة منبر الإسلام العدد ١١ لسنة ٥٤، ١١ / ١٤٠٧ هـ، ٧/ ١٩٨٧، ص ٤١ العمود الأول.
(١٧) راجع كتابي (السنة النبوية مكانتها وعوامل بقائها وتدوينها) راجع فيه باب (كتابة السنة وتدوينها وتصنيفها) ص ٩٣ فقد أعطيت هذا الموضوع شيئا من حقه.