للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

القضية الفلسطينية.. مآس متجددة

[أخطبوط الاستيطان الصهيوني في فلسطين]

باسل يوسف النيرب

بدأت عملية الاستيطان اليهودي منذ أواخر القرن التاسع عشر للميلاد من

خلال خطوات مدروسة، ولم تخلُ التسويغات الاستيطانية الصهيونية من العنصر

الديني؛ فقد استوطن اليهود المدن الفلسطينية القديمة (صفد، طبريا، الخليل،

القدس) وخلال هذه الفترة نشأ العديد من المستوطنات في القرى الزراعية المحاذية

للقرى الفلسطينية دون أن تثير أي مشاكل لدى الفلسطينيين، وإثر وضوح النوايا

في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن - ببروز دعم الانتداب والدول الأوروبية

لمشروع الاستيطان، وظهور عمل العصابات الصهيونية على استملاك الأراضي

بالشراء من بعض الإقطاعيين المستملكين أراضي من فلسطين وضحت أبعاد

المسألة، ومع ذلك لم تتجاوز النسبة ٦. ٥% من مجموع مساحة فلسطين، مما

جعل الفلسطينيين يأخذون حذرهم من الخطر الصهيوني.

الدور الأوروبي:

تتحمل الدول الأوروبية الدور الأكبر في منح فلسطين لليهود؛ فبريطانيا

منحتهم وعد بلفور المشؤوم ١٩١٧م مدعية أن تلك الأرض لا سكان فيها، وكانت

قبل ذلك في عام ١٨٧١م قد سهلت قيام فرع منظمة الأليانس العالمية - الاتحاد

الإسرائيلي العالمي - لمساعدة (المضطهدين) اليهود والمشاركة بشكل رسمي

لإنشاء الدولة العبرية.

عمد رئيس وزراء بريطانيا آنذاك (بالمرستون) ، إلى الطلب من سفيره في

إسطانبول أن يحاول إقناع السلطان العثماني بفتح أبواب الهجرة إلى فلسطين، وبعد

مؤتمر بال ١٨٩٧م، أقيم العديد من الجمعيات الاستيطانية ومنها صندوق الائتمان

اليهودي للاستعمار، وشركة أنجلو فلسطين المحدودة، وشركة أنجلو ليفتين

المصرفية المحدودة، والصندوق الثقافي اليهودي، وشركة المكابي للأراضي

المحدودة.

كما ساعدت بريطانيا على بناء العديد من المستوطنات بخلفية الشعور الديني

القائم على المذهب البروتستانتي؛ فالمذهب البروتستانتي يرى في قيام (إسرائيل)

علامة على قرب عودة المسيح المنتظر، مما دفع أتباع هذا المذهب للمساعدة على

قيام (إسرائيل) .

ولم تختلف مساعي فرنسا ومشاعرها كثيراً عن بريطانيا؛ ونجد هذا واضحاً

في النداء الذي أرسله نابليون إلى اليهود أثناء حصار عكا قائلاً: (يا ورثة فلسطين

الشرعيين ندعوكم للمساهمة في السيطرة على بلادكم من أجل بناء أمتكم، وحتى

تصبحوا أسياد فلسطين الشرعيين) كما أن مؤسسة الإليانس كانت نشأتها الأولى في

فرنسا عام ١٨٦٠م.

وتُعَدُّ ألمانيا هي صاحبة الدور الأبرز في بناء المستوطنات، وصاحبة فكرة

مستوطنات الهيكل وصاحبها فوتمبرج WUTTEMBERG، وأعلنت ألمانيا

موقفها من لجنة التحقيق لعام ١٩٣٧م، بأنها ليست مع قيام دولة يهودية تحت

الانتداب البريطاني؛ لأنها لا تستطيع استيعاب جميع يهود العالم؛ ولكنها توافق

على أن تكون فلسطين قاعدة قانونية لدولة اليهود.

وتذكر الوثائق التاريخية أن أول قطعة أرض امتلكها اليهود في فلسطين كانت

في عهد السلطان عبد المجيد (١٨٣٩ ١٨٦١م) عام ١٨٥٤م، وهي التي أقيم عليها

حي مونتفيوري، وكان قد اشتراها موسى مونتفيوري الذي شجع فكرة الاستيطان

ونشر التعليم الزراعي بين يهود فلسطين.

مراحل الاستيطان:

مرت العمليات الاستيطانية بأربع مراحل:

المرحلة الأولى: كانت في العهد العثماني؛ حيث قامت الحركة الصهيونية

بزرع عدد من المستوطنات فكانت كالجزر المعزولة وسط المناطق العربية،

وأصبحت فيما بعد نقاط ارتكاز، فبعد أن كان عدد اليهود عام ١٨٨٢م ٢٤ ألف

يهودي قفز في عام ١٩١٧م إلى أكثر من ٨٥ ألف يهودي، وبلغ عدد المستوطنات

عام ١٨٨٤م خمس مستوطنات في كل منها ١٠٠ مستوطن، أقيمت ثلاث منها في

جوار يافا، وواحدة في الحولة وأخرى في حيفا، وارتفع عدد المستوطنات عام

١٩٠٠م إلى ٢٢ مستوطنة ضمت ٥٤١٠ من المستوطنين، ومعظم هذه

المستوطنات في السهل الساحلي حيث بلغ عددها فيه ١٢ مستوطنة، وفي الجليل ٧، وفي القدس اثنتين، وواحدةً في الغور.

بلغ عدد المستوطنات وفي عام ١٩١٤م ٤٧ مستوطنة: منها: ٢٦ مستوطنة

في السهل الساحلي، و١٢ في الجليل، ومستوطنتان في القدس، وواحدة في كل

من الغور ومرج بني عامر، وبلغ عدد المستوطنين ١١٩٩٠ مستوطن، وحتى

نهاية عام ١٩١٨م كان بحوزة اليهود من أراضي فلسطين ٤١٨ دونم.

المرحلة الثانية: ترافقت مع الانتداب البريطاني على فلسطين واقتطع

الانتداب أخصب الأراضي في مرج ابن عامر ووادي الحوارث وغيرها من

المناطق، ووصل عدد اليهود إلى٤٦٩. ٦٠٠ يهودي في آخر فترة الانتداب.

وقد عملت سلطات الانتداب على تكثيف الهجرة لتحقيق التوازن العددي بين

السكان الأصليين والمستوطنين، وحرصت على زيادة المساحات التي في حوزة

اليهود وخاصة الأراضي الزراعية، وقلب الوضع الاقتصادي بالاستيلاء على

المرافق الحيوية والصناعات الناشئة في ذلك الوقت، وتغيير الوضع بالنسبة

للأماكن المقدسة.

بلغ عدد المستوطنات المقامة من ١٩١٨ - ١٩٤٨م نحو ٣٦٣ مستوطنة،

وأزيلت خمس قرى في قضاء صفد وحولت إلى مستعمرات ومثلها في طبريا،

وأربع في قضاء بيسان، وعشر في قضاء الناصرة، وست في قضاء عكا،

وعشرون في قضاء حيفا، وخمس في قضاء يافا، وبلغت مجموع القرى التي

محيت إحدى وستين قرية.

المرحلة الثالثة: مع قيام الدولة اليهودية بدأت مرحلة أخرى من الاستيطان

من الجليل شمالاً حتى النقب جنوباً وجرت خلال هذه المرحلة عمليات ترحيل ...

(ترانسفير) وطرد منظم للسكان العرب من فلسطين. وأوضح ما يبين هذه الصورة

رسالة موشي شاريت إلى ناحوم جولدمان عام ١٩٤٨م التي يقول فيها: إن إخراج

العرب هو حدث رائع في تاريخ (إسرائيل) كما يعتبر الحدث - وفق مفهوم معين- أروع من إقامة دولة (إسرائيل) نفسها، إضافة إلى ما كتبه الكونت برنادوت

الذي اغتيل على يد عصابات الهاجاناه: (إن عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم

ويهجروا ممتلكاتهم طوعاً أو اختياراً؛ بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب) ، وأعلن

ابن غوريون بأن على (إسرائيل) عمل كل شيء لضمان ألا يعود أحد من ...

الفلسطينيين المطرودين إلى بيوتهم.

المرحلة الرابعة: وجاءت إثر عدوان حزيران سنة ١٩٦٧م واحتلال الضفة

الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وهنا اختلف الاستيطان عن ذي قبل، وأخذ

طابعاً جيوسياسياً مغلَّفاً بالدوافع القومية الدينية.

وضعت السلطات الإسرائيلية العديد من القوانين التي تمنع عودة أصحاب

الأراضي إليها، ويُعرف عن هذه القوانين أنها تشكل إحدى الدعامات التي مهدت

للاستيلاء على الأرض، ومنها قانون (حارس أملاك الغائبين) وحاولت (إسرائيل) من خلال هذا القانون إقناع الرأي العام العالمي أن الهدف هو الحفاظ على أملاك

الغائبين، وصدر الأمر العسكري رقم ٥٨ لسنة ١٩٦٧م، الذي ينظم عمل قانون ...

(حارس أملاك الغائبين) والمناط به حق التصرف في أملاك الغائبين، وأن يتخذ

الإجراءات الضرورية لذلك، ولحارس أملاك الغائبين الحق بالموافقة أو عدم

الموافقة على بيع وشراء وتأجير أي صفقة ينطبق عليها قانون أملاك الغائبين، ثم

عملت هذه السلطات على مصادرة الأراضي لأغراض عسكرية: للرماية،

والتدريبات، واعتبرتها مناطق أمن للجيش، وكان الصندوق القومي اليهودي

ومؤسسة هيمنوتا التابعة للصندوق يقومان قبل عام ١٩٧٩م بالشراء، ثم أصدرت

السلطات العسكرية أمراً عسكرياً بمنع المحاكم من النظر في مسألة بيع الأراضي

وتحويل تسجيلها إلى لجنة خاصة، وبعد عام ١٩٧٩م سمحت السلطات الإسرائيلية

بالشراء للأفراد، وكانت أغلب الصفقات عبارة عن بيوع مزيفة، كما أعلنت العديد

من الأراضي أراضي حكومية لا يجوز التصرف بها إلا من قِبَل الدولة.

القدس والاستيطان:

يجب التأكيد في البداية على أن الاختلاف القائم بين اليهود على الاستيطان

ليس ضد التوسيع أو البناء؛ لكن ضد التوقيت الذي يعلن فيه عن قيام المستوطنة؛

ففي القدس يحظى الاستيطان بإجماع عام داخل الأحزاب الدينية والعلمانية؛ فبعد

الانتهاء من حرب ١٩٦٧م، أصدر ليفي أشكول رئيس الوزراء الأسبق قراراً

بتوحيد القدس، وأشار إلى أن (إسرائيل) مستعدة لإعادة الجولان وسيناء مقابل

السلام، أما بالنسبة إلى القدس فقال: إننا مستعدون للموت دون التنازل عنها، ثم

أعلنت (إسرائيل) العديد من القوانين واتخذت الإجراءات الكافية لضم القدس، ثم

شرعت في البناء، وعملت على خلق واقع ديمغرافي جديد.

يبلغ عدد المستوطنين حالياً في القدس الشرقية ما يزيد عن ١٧٠ ألف،

والمدقق في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين يخرج بنتيجة أكيدة وهي: إجماعهم

على أنه لا (إسرائيل) بدون القدس وأنها يجب أن تبقى عاصمة أبدية (لدولتها)

وهذا تنفيذ لمقولة مؤسس (إسرائيل) بن غوريون: (من الواجب جلب يهود إلى

القدس بأي ثمن، من الواجب توطين عشرات الآلاف من اليهود هناك في غضون

فترة قصيرة) .

تصنيف المستوطنات:

تصنف المستوطنات من حيث المساحة إلى أربع فئات:

الفئة الأولى: مساحتها أكثر من ١٥٠٠ دونم، وتمثل ما نسبته ٧. ٥٨%.

الفئة الثانية: مساحتها بين ١٠٠٠ - ١٤٩٩ دونم.

الفئة الثالثة: مساحتها بين ٥٠٠ - ٩٩٩ دونم وتشكل ما نسبته ٧. ٦%.

الفئة الرابعة: وهي المستوطنات المحاذية للخط الأخضر، ومساحتها

الإجمالية ١٥١٣٠ دونم، ويبلغ عددها ١٧ مستوطنة.

تتشكل أغلب البؤر الاستيطانية في ألوية القدس، ورام الله، والخليل،

ونابلس؛ فالاستيطان فيها قائم على أسباب استراتيجية وديمغرافية ضمن سياسة

عزل وتفتيت المناطق العربية بعضها عن بعض بواسطة الكتل الاستيطانية.

وتنتشر المستوطنات المخصصة للسكان في الضفة الغربية بنسبة ٧٦. ٧%

وقطاع غزة بنسبة ٧٣. ٤٥% إضافة إلى بعض المستوطنات الزراعية في أريحا،

وبيت لحم، ونابلس.

أما القدس فتضم العدد الأكبر من المستوطنات وعددها ٨٤ مستوطنة، وتضم

الأراضي الاستيطانية ٤٥٦١٥ دونم، ثم يتبعها محافظة نابلس وتبلغ المساحة

العمرانية للمستوطنات ٢٠٦٣٨ دونم، ثم محافظة الخليل، وتشكل مستوطنات لواء

القدس ٥. ٧٦%، ثم رام الله ١. ٩%، ونابلس ١. ٦، وبيت لحم ١. ٥%.

التسوية والاستيطان:

تشير إحصاءات المكتب المركزي للإحصاءات الفلسطينية أن المستوطنات

التي بناها الليكود تقارب ٧٠. ١% في حين ساهم حزب العمل في بناء ٢٩. ٩٥

% من المستوطنات، ومعظم هذه المستوطنات تم بناؤها بين أعوام ١٩٧٦ ١٩٨٢م، و١٩٨٩- ١٩٩١م، ثم توقف تقريباً بناء المستوطنات لتبدأ عمليات توسيع

وتسمين المستوطنات المقامة واستمر حتى ما بعد توقيع اتفاق أوسلو.

ويعتبر الاستيطان مشكلة من المشاكل الكبرى في طريق التسوية النهائية

الجارية حالياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن خلال المفاوضات الجارية

ستعمل (إسرائيل) على المحافظة على المستوطنات باعتبارها عموداً فقرياً لها

ومصاحباً (للدولة) في كل مراحل تطورها، إضافة إلى الإجماع الرسمي والحزبي

على أن المستوطنات تشكل مورداً استراتيجياً ثابتاً يجب المحافظة عليه وتوسعته.

بدأت أولى مراحل البحث عن حلول لمشكلة الاستيطان بعد الاحتلال

الإسرائيلي للضفة والقطاع في عام ١٩٦٧م، عبر مشروع (إيغال آلون) والذي

اقترح ضم غور الأردن إلى (إسرائيل) بشكل رسمي وتكثيف الاستيطان فيه، ثم

قدَّم البروفيسور الإسرائيلي (إبراهام فاكمان) مشروعاً في عام ١٩٦٩م عرف باسم

(الخطة الفقرية المزدوجة) ، كما طرح (معهد ديفيس) التابع للجامعة العبرية اقتراحاً

بتحديد الحدود من خلال ضم المناطق الغربية من الخط الأخضر الفاصل بين

المناطق المحتلة ١٩٤٨م وبين المناطق المحتلة ١٩٦٧م، وهي المناطق التي تضم

أكبر عدد من المستوطنات، وتوالت الاقتراحات التي تدور حول هذا الطرح من

خلال صياغة خارطة تأخذ بالحسبان تحديد الحدود لحزام المستوطنات المقامة

وضمان المياه والديمغرافيا والأمن.

كما صمم فريق من جامعة حيفا برئاسة أرنون سوفير رئيس قسم الجغرافيا

خارطة مقترحة وقُدمت لحزبي العمل والليكود تنص على تعديل الخط الأخضر،

ووضعت مناطق تستوعب الكتل الاستيطانية التي كانت في ذلك الوقت تضم ٥٠

ألف مستوطن، وما يزيد عن ١٤٥ ألف مستوطن في منطقة القدس الشرقية،

وتسمح هذه الخارطة لـ (إسرائيل) بالسعي من خلال ثلاثة ممرات واسعة

للوصول إلى الخط الفاصل مع الأردن، وتمنحها معظم مصادر المياه في الجبال

الوسطى من الضفة الغربية، ثم عُدِّلت الخارطة لتربط المسجد الإبراهيمي بالحرم

القدسي الشريف، على أن تكون مسؤولية سلامة اليهود في الخليل بيد الفلسطينيين، وفي القدس تكون مسؤولية سلامة العرب بيد اليهود.

قدم شارون اقتراحاً نص على: إبقاء سلسلة من الجيوب بيد الفلسطينيين في

الضفة والقطاع وضم المناطق الأخرى باعتبارها مراكز ونقاطاً استيطانية لاحقة لـ

(إسرائيل) ، كما صدرت عن (جمعية سبل الاتفاق الوطني) مقترحات، ومنها: أن

تبقى في يد (إسرائيل) السيطرة الكاملة على كل من القدس الكبرى وغوش

عتصيون وغور الأردن وشمال البحر الميت، وضم الكتل الاستيطانية غير

المأهولة بالسكان العرب.

تُجْمِعُ قوى اليمين واليسار حالياً في (إسرائيل) على وثيقة عرفت باسم

(وثيقة العمل والليكود) ، التي تنص على أن لا عودة لحدود الرابع من حزيران

١٩٦٧م، وأن معظم المستوطنات ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية مع الحفاظ على

تواصل بين المستوطنات عبر ربطها بالكتل الاستيطانية، كما نصت الوثيقة على:

أن المستوطنات التي سيتم ضمها لـ (إسرائيل) ستحظى بترتيبات خاصة ومتفق

عليها في إطار يحافظ من خلاله المستوطنون على الجنسية الإسرائيلية ويحافظون

على حقهم في المرور الآمن إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

يشكل الاستيطان عامل انقسام داخل القوى السياسية الإسرائيلية، فترى

أحزاب الوسط واليسار إمكانية وجود مستوطنات داخل الدولة الفلسطينية مقابل عدم

تفكيكها، وثمة رأي آخر داخل هذا التيار يقف مع تفكيك بعض المستوطنات

الصغيرة، وفي المقابل تعزيز المستوطنات في غور الأردن والمنطقة الشرقية من

الخط الأخضر وحول القدس.

والتيار الآخر الذي يتزعمه الجناح اليميني وأحزاب الوسط يطالب بتعزيز

المستوطنات حتى داخل التجمعات الفلسطينية مع البحث عن دور وظيفي

للفلسطينيين في إدارة شؤونهم المدنية دون السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، ولذلك أقيمت الطرق الالتفافية حول المستوطنات وربطت بعضها ببعض، ثم

خصصت الميزانيات الضخمة لتسمين المستوطنات حتى وإن كانت غير مأهولة.

إن الحل السياسي المطروح حالياً لا يضمن إزالة المستوطنات التي أقيمت

على الرغم من معارضة القانون الدولي لذلك، بل يضمن بقاء المستوطنات ضمن

المدن والقرى في مناطق الإدارة الفلسطينية وفق ترتيبات تعد الآن، كما أن

المستوطنين لن يخرجوا من الأراضي الفلسطينية؛ فقد عملت (إسرائيل) على

زيادة زخم الاستيطان وإقامة الحقائق على الأرض؛ لأن جميع الاتفاقيات بدءاً من

أوسلو وحتى واي ريفر ٢ أخفقت في منع (إسرائيل) من استغلال المرحلة النهائية، مما يعني أن الحل السياسي الدائر حالياً سيصب في المصلحة الإسرائيلية. ...

إن الحديث عن موضوع الاستيطان متشعب وفيه الكثير من الآراء؛ ولكن

علينا أن لا ننسى أن المستوطنين هم الذين أسسوا الحركات السرية لملاحقة

الفلسطينيين وحملهم على الخروج من أراضيهم، ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما

نشر في عهد حكومة إسحاق شامير ١٩٩٠م، وكان تحت عنوان: (دليل

المستوطنين) ، وفيه توصيات وتوجيهات لكيفية أداء العمليات الانتقامية ضد السكان

العرب، ويدعو الدليل إلى استخدام الذخيرة الحية، والعمل على سرقة الأسلحة

واستخدامها، ويقول الدليل: (طوبى لك إذا قررت القيام بعملية مدبرة، وتهانينا لك

إذا قمت بتنفيذ العملية) ويشرح الدليل كيفية التصرف إذا اعتقل المستوطن، وسوَّغ

التقرير أفعال المستوطنين بأنها رد على كل حجر يلقيه عربي، فعلى المستوطنين

القيام بعمليات انتقامية سرية أو بعمليات جماعية، وإلحاق الخسائر الفادحة

بالممتلكات العربية.

وختاماً لا بد من التأكيد على أن المستوطنات التي أقيمت فوق الأرض

الفلسطينية استولت على المياه والموارد الطبيعية والأرض، وقطعت القرى

الفلسطينية عن المدن، وفصلت الاتصال العمراني بين المناطق الفلسطينية، كما

أثرت على الاقتصاد الفلسطيني بأن جعلت العمال الفلسطينيين يعملون في البناء

والزراعة داخل المستوطنات مما جعل مصدر الرزق الوحيد العمل داخلها،

وساهمت المستوطنات في إبقاء الفلسطينيين بلا بُنية تحتية وتحت رحمة

(إسرائيل) .