للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

أعطوا الحرب فرصة! !

الشيشانيون.. لا بواكي لهم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

للمسلمين مع الروس تاريخ طويل من القهر والاستعباد، والنفي والتشريد،

والتجهيل والتضليل سواء من قِبَلِ روسيا القيصرية (النصرانية) ، أو من قِبَلِ

روسيا الشيوعية، أو حتى من قِبَلِ روسيا الديمقراطية! ! حيث تشهد اليوم فصولاً

من المأساة الشيشانية.

وقد سطَّر المسلمون تاريخاً طويلاً من الجهاد والاستشهاد في مقاومة الروس

ودفع عدوانهم وبغيهم، وسجلوا مواقف بطولية نادرة فداءاً لدين الله وحماية

لأعراض المؤمنين.

[عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا]

[ {النساء: ٨٤] .

وقد كتب الله لنا اليوم أن نشهد فصولاً من الجهاد الشيشاني؛ حيث بدأت

الأحداث بإعلان جوهر دوادييف الضابط السابق في الجيش الروسي، ورئيس

الشيشان الاستقلال عن روسيا، ولم يكن الرد الروسي بالاستفتاء الشعبي حول

الانفصال من عدمه، ولا بمنحهم حق تقرير المصير! ! ولكن بتحرك الآليات

العسكرية الروسية المدمرة، وحلقت الطائرات لتمطر أرض الشيشان بأنواع القنابل

لتأتي على الأخضر واليابس على مدى عشرين شهراً ١٩٩٤- ١٩٩٦م والعالم كله

يتفرج على ما يجري على أرض الشيشان وكأن الأمر لا يعنيه!

ولكن - وبفضل الله تعالى ثم بثقة المجاهدين بربهم وحسن توكلهم عليه بعد

اتخاذ الأسباب الشرعية - استطاعت الفئة قليلة العدد والعتاد دحر الظالمين وتكبيدهم

خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، خرجوا على إثرها من أرض الشيشان الأبية

صاغرين يجرون أذيال الهزيمة.

واتجهت الشيشان لتحكم نفسها وتتحرر من ربقة العبودية لغير الله، فأُعلن

فيها تطبيق الشريعة الإسلامية، فانتشرت المحاكم الشرعية في أنحاء البلاد،

وأقيمت الحدود والتعزيرات الشرعية، ورُدَّت المظالم، وأُخِذَ على أيدي المجرمين، فقرّت عيون أهل الشيشان بالأمن والاستقرار الذي لم تشهده البلاد منذ زمن،

وانتشرت الدعوة والمعاهد الشرعية، وكثر طلاب العلم مما كان له كبير الأثر في

رفع الجهل عن الشعب الشيشاني وتبصيره بدينه.

وقامت اللجان الاحتسابية بمنع المنكرات من الأسواق والأماكن العامة؛

فكسرت أواني الخمر، وأقيم الحد على شاربيها، وبدأ الحجاب ينتشر، وبدأ

الشباب يتجه إلى ربه، وأصبحت عينك ترى المرأة المحجبة والشاب الملتحي،

وأعيد بناء المساجد، وانتشرت حلقات تعليم القرآن، ورأى الناس ثمار جهادهم

على أرض الواقع في أمن مستتب، وحرية مطمئنة وشعائر إسلامية ظاهرة، مع

ضعف صوت الباطل وقلة أنصاره.

ولكن الروس أزعجهم ما يجري على أرض الشيشان، وأقلقهم نجاح التجربة

الشيشانية في الاستقلال مما يحدو باقي الجمهوريات لاتباعها، وبدلاً من أن يدفع

الروس تعويضاً عن التدمير الذي لحق بالشيشان من جراء الاحتلال، وبدلاً من أن

يساعد في إعادة تعمير البنية التحتية للبلاد؛ سعى الروس عن طريق عملائهم في

البلاد إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الداخل، ومحاولة إحداث الفتن والخلافات

بين الفصائل الشيشانية، وبثوا الجواسيس داخل صفوف المجاهدين بهدف الإيقاع

بينهم واغتيال قادتهم، فكشفهم الله وفُضِحوا وأُعلِنت اعترافاتهم في وسائل الإعلام،

وباءت محاولات الروس بإحداث الفتنة داخل الشيشان بالإخفاق، فأخذوا يضيقون

على الشيشان ويحاصرونها، ومنعوا فتح المطار والاتصال بالعالم الخارجي،

وحالوا بينها وبين الاستفادة من مواردها الطبيعية؛ وكل ذلك لم يثن الشيشانيين عن

الاستمرار في التجربة الفريدة.

وها هم الروس اليوم تحركوا لتدمير هذا البلد الآمن باجتياح الشيشان للمرة

الثانية واختلاق المعاذير لذلك، واتخذوا سياسة جديدة في الحرب مستفادة من الغرب

بتكثيف القصف على المدن والمناطق الآهلة وإحداث أكبر قدر من التدمير والقتل

والتهجير، وهددوا بل استخدموا المواد الكيماوية في قتالهم للشعب الأعزل إلا من

سلاح الإيمان، وها هم الآن يجتاحون المناطق ويدمرونها بمساندة الغرب الكافر

واليهود ما بين صمت وتعتيم على ما يجري، وبين دعم مادي ودعم معنوي

بالكوادر العسكرية والاستشارات.

ولنا ها هنا وقفات:

١ - في هذا العالم الذي يتغنى بالديمقراطية وحق تقرير المصير وتحرير

الشعوب المضطهدة يبقى المسلمون ليس من حقهم هذا؛ فلكم سمعنا من المصطلحات

الدولية والأعراف والأنظمة العالمية حين كانت قضية تيمور الشرقية، والنداءات

الدولية تصخ الأذان، والضغوط الأمريكية والأوروبية (النصرانية) تتتابع على

إندونيسيا حتى تأثر كثير منا بالإعلام ورأى أن من حق تيمور الشرقية (المضطهدة)

أن تستقل، واستقلت بالفعل! !

ولكن هذه كلها صارت أدراج الرياح في قضية الشيشان، وذابت النداءات كما

يذوب الملح في الماء لا على المستوى الرسمي الدولي ولكن حتى على المستوى

الإعلامي والإنساني (الهيئات التي تُعنى بحقوق الإنسان) . والغرب (الكافر! !)

يقول: (نحن نتفهم أسباب ضرب روسيا للشيشان ونقدرها) ويقول: (الحرب في ...

الشيشان شأن داخلي) ! ! ويقول مندوب الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين بعد زيارة

اللاجئين الشيشان في أنغوشيا: (إن أوضاعهم لم تصل إلى درجة الكارثة) ! !

٢- إنه يمكن لنا أن نفهم معنى سكوت الغرب، ودعمه لما يجري في الشيشان

من قتل للمدنيين وتدمير القرى على أهلها (المسلمين) . لكننا لا نفهم موقف منظمة

المؤتمر الإسلامي الذي صرح (بأنه يؤيد وحدة الأراضي الروسية) يا عجباً وحدة

الأراضي الروسية! !

ألا يدخل هذا في مظاهرة الكافرين على المسلمين؟ !

المستجير بعمرٍو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

نريد أن نفهم: لِمَ كل الحماس على جميع المستويات الذي حظيت به قضية كوسوفا وهي شبيهة إلى حد كبير بقضية الشيشان الذي لم يقتصر على المستوى الرسمي في بلاد المسلمين حيث تدور معظم الأنظمة في فلك (النظام العالمي ... الجديد) بل حتى على مستوى الجمعيات والمؤسسات الخيرية وبعض الأئمة والخطباء والدعاة والعلماء؟ !

ما الفرق بين القضيتين بالنسبة لنا نحن المسلمين؟ !

إن الفرق المؤثِّر هو أن للغرب مصالح في ضرب الصرب والتدخل باسم

حماية حق شعب كوسوفا.

ونحن بالطبع نتفاعل ونخطب ونقنت لتحقيق مصالحنا! لا عفواً بل لتحقيق

مصالح الغرب من حيث لا نشعر! !

٣ - بتنا على ظهر العراء وبين أنياب المنون

نصحو على قصف المدافع، والمجازر بالمئات

وننام والخوف الرهيب يلفنا بالطائرات

أمٌّ هناك وطفلة.. وأب تمزقه الشظايا المحرقات

تبكي وقصف الطائرات يسوقها نحو الممات

حتى متى يا أمتي..؟ !

وإلى متى..؟ !

حتى تُهدَّمَ دورنا وديارنا؟ !

حتى تقطع للعدا أشلاؤنا؟ !

حتى يشرّد أهلنا.. أطفالنا؟ !

حتى تُقادَ عفيفةٌ بالأمس كانت لا تقاد؟ !

إنا نصيح ولا مجيب..!

إنا نئن.. ولا طبيب..!

فأين.. أين المسلمون؟ !

بل أين بعض المسلمين؟ !

بل أين أهل العلم منهم من بقايا الصالحين

لاذوا بأسوار السكوت

لم يمنحوا إخوانهم حتى كليمات القنوت؟ !

وعلى كل حال فمهما تخلى المسلمون عن إخوانهم فإن الله ناصرهم ومؤيدهم،

والذي يظهر لنا والله أعلم أن الحرب ستطول، وسيسيطر الروس على جميع مدن

الشيشان؛ ولكنهم لا يستطيعون الاستمرار فيها والمحافظة عليها؛ حيث ستستمر

حرب العصابات، والنتيجة أن يخرج الروس من خلال سيناريو يحفظ ماء الوجه

لتقوم دولة حرة مسلمة على أرض القوقاز بإذن الله ما لم يتدخل الغرب لمنع قيام

دولة إسلامية، كما في البلقان حين أُجهِضت آمال المسلمين بقيام دولة لهم على

أرض البوسنة باتفاق دايتون الذي لم يكن في حقيقته إلا تبديداً للنجاح الذي حققه

المسلمون على الصرب.

وعلى كل حال فقد وُعِدْنا وعداً لا يخلف: [ولقد كتبنا في الزبور من بعد

الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين]

[الأنبياء: ١٠٥، ١٠٦] .

لكنه النصر القريب

بإذن علام الغيوب

مهما تواترت الخطوب

والنصر آتٍ فوق أشلاء الكماة المخلصين

والنصر آتٍ خلف إمداد الكرام الباذلين

والنصر آتٍ بالدعاء وبالبيان

آتٍ بإذن الله رغم غواية الغاوي وهذرمة الجبان