للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضايا دعوية

[الداعية المطلوب]

محمد بن عبد الله التميمي

إن مضمار الدعوة إلى الله - تعالى - هو المضمار الذي تتسابق إليه النفوس

الطموحة والعقول الواعية المفكرة لخوضه وكسب قصب السبق فيه - إي وربِّي!

نعم إنها لكذلك، وإنها لأجلُّ من ذلك ... فلكم قُدِّمت لأجلها رؤوس ...

وأُزهقت أنفس ... وأُدميت أعقاب ... وذرفت دموع! ...

إنها (صناعة الحياة) والآسي [١] المضمِّد لجراحات الأمة (وما أكثرها!)

وهي المهندس الذي يبني (قلعة) الإسلام ويُرمِّمُ بِنْيَة جدارها الذي يُريد أن ينقضَّ،

وهي الضوء والخرِّيت [٢]- الذي يشق العُبابات ويجلي الغبش عن نواظر الأمة

ليَمدَّ لها طريقاً في الأفق يبدأ من منطلق: [واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا]

[النساء: ٣٦] عبر محور: [فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في

الدين] [التوبة: ١٢٢] مروراً بمبدأ: [وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما

صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون] [السجدة: ٢٤] كل هذا يصاغ ببوتقة: [ولو

كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك] [آل عمران: ١٥٩] ، [ولا تصعر

خدك للناس] [لقمان: ١٨] .

أَجْمِلْ بالداعية وهو يصعد عالي البحار وسافل الوهاد يَجُوبُ الأرض قائلاً:

[يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم ... ] [النساء: ١] مذكراً كلَّ مدَّكرٍ،

ومعلماً كل جاهل، ويداً حنونة تعطف على من تنكَّب الجادَّة، ومَنْهلاً روِيًّا يطفئ

غليل كل طاغية.. وابتسامة متفائلةً في وجه كل الصعوبات، وأمام كلِّ العقبات ...

وثباتاً على المبدأ عند المنعطفات وتحت وطأة كل التيارات؛ أجل ... فالدعوة هي

سُلَّمُ النهوض بالأمة الإسلامية من سباتها العميق ومشهدها الدامي الحزين! !

والداعية هو البطل الذي سَيَنْتَشِلُ قرة عينه (الأمة الإسلامية) من كَنَفِ الرذيلة، وحمأة الضلالة، ومنعطفات الغواية، ومن شؤم المعصية إلى حلاوة الإيمان

وزورق الحياة السعيدة وجمال الحسنة وبَرِّ الأمان؛ حداؤه في برنامجه الدعوي: ... [ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين]

[فصلت: ٣٣] ليحوز الخيرية (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر

النعم) [٣] .

لكن (العمل الدعوي) ليس باباً مفتوحاً على مصراعيه، أو ماءاً الناسُ فيه

شركاء، لا، ثم لا.. فإن صُنَّاع الحياة لا بد لهم من معايير ومقاييس يسيرون على

ضوئها؛ ومن أبرزها:

- الإخلاص والمتابعة (شرطان لذاتهما ولغيرهما) .

- المصداقية في القول والعمل.

- ترجمة (الأوامر والنواهي) إلى واقع محسوس في حياة الداعية، ثم إلى

مسرح الحياة.

- الصبر. وفي الحديث: (والصبر ضياء) [٤] قال الشاعر:

أحرى بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... وُمْدمِنِ القرع للأبواب أن يلِجا

بل إنَّ مدارالإمامة في الدين على الصبر واليقين كما قال الحسن البصري -

رحمه الله تعالى - مصداقاً لقول الله - سبحانه -: [وجعلنا منهم أئمة يهدون

بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون] [السجدة: ٢٤] .

- (التأصيل العلمي) وجمع المسائل العلمية [٥]- وإن كان هذا المعيار تدور

حوله القضية الساخنة (العلم، والدعوة، والصراع) [٦] إلا أننا ندرك أن الدعوة

إلى الله - تعالى - دائرة حول (الأحكام التكليفية والوضعية) وهي مفتقرة إلى الدليل

الذي يدعم حكمها - قلَّ أو كثُر - قال صلى الله عليه وسلم: (بلِّغوا عني ولو

آية) [٧] وقال: (رُبَّ حاملِ فقه لا فقه له) [٨] .

- صب الاهتمام بكليات المسائل من غير إذابة لجزئياتها عملاً بقاعدة: (إذا

تزاحمت المصالح قُدِّمَ الأعلى منها) .

وهذه (المقاييس والمعايير) هي السلاح الذي يغدو به (الداعية إلى الله) صانعاً

للحياة مؤدياً رسالته على الوجه المطلوب.

وجماع هذه المقاييس والمعايير محوران: (التحصيل العلمي الصحيح) ... و (المخزون الإيماني) بجانب - الخلق الدمث النبيل - وإن لم تكن هذه (المقاييس

والمعايير) في جعبة الداعية فما عليه إلا أن يتنحى عن الطريق لغيره؛ لأن فاقد

الشيء لا يعطيه.


(١) الآسي: الطبيب.
(٢) الخريت: الماهر.
(٣) البخاري، ح/٢٧٢٤، ومسلم، ح/٤٤٣٣.
(٤) مسلم، ح/٣٢٨.
(٥) ليس المراد أن لا يدعوإلى الله حتى يرسخ باعه ويعلو كعبه في العلم، وإنما أن يكون معه من العلم مايجعله لايتكلم من (فراغ) وذلك لأن الداعية هو من أكثر الناس تعرضا للتيارات المنحرفة والأفكار الهدامة.
(٦) هناك مقال (لايمل) في هذه القضية للشيخ (عبد الله المسلم) ، أنظر البيان (١١٤) .
(٧) البخاري، ح/٣٣٠٢.
(٨) رواه احمد، ح/١٦١٣٨.