للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

نريد رجالاً كهؤلاء

محمد العيسى

إن المتبصر في أحوال أمتنا الإسلامية لا يستطيع أن ينكر مدى ما تعيشه من

خذلان ومدى ما تلاقيه وتعانيه من أنواع الإذلال والقهر؛ فها هي تعيش في مؤخرة

الركب، وتأكل من فتات موائد الأنذال اللئام، وتتوالى عليها الصفعات تلو

الصفعات؛ فما تكاد تفيق من واحدة إلا وتأتيها أخرى، ونحن ننظر إلى الأمة وهي

تحتضر وتلفظ أنفاسها الأخيرة؛ فأي شباب نحن؟ وأي جيل هذا الجيل؟

إن واجبنا تجاه أمتنا وعقيدتنا لا يحتاج إلى مزيد شرح وبيان؛ فطالما تكلم

بذلك المتكلمون والدعاة إلى الله - سبحانه - ولكن وللأسف صُمَّت الآذان، فقد

استمرأنا الهوان وظللت سماءنا سحب الخَوَر والإحباط! !

أخي! إنني أدعوك أن تقلِّب معي دفتر الذكريات وصفحات التاريخ لننظر

سوياً إلى رجال ذلك الجيل الذي علت فيه الأمة وسادت؛ فما أحوجنا إلى رجال

أمثالهم يقودون السفينة التي عصفت بها ريح الكفر وهبت عليها أعاصير الحقد

والكراهية للإسلام وأهله! لذا كان هذا الموضوع: (نريد رجالاً كهؤلاء) .

الصبر على قدر الله:

امرأة يُقتل أبوها وزوجها وأخوها يوم أحد فلما أتاها خبرهم قالت: ما فعل

الله برسول الله؟

قالوا: بحمد الله كما تحبين.

قالت: أرونيه حتى أنظره، فلما رأته صاحت من أعماق قلبها: كل مصيبة

صغيرة بعدك يا رسول الله!

إنه الصبر الجميل على قدر الله، إنه الصبر الذي افتقده كثير من رجال

زماننا، الصبر مدرسة تخرج الأبطال الأشداء الذين يثبتون عندما تزل الأقدام

ويحتسبون عندما ييأس أصحاب العزائم الخاملة؛ فبالصبر تنال المكرمات.

نعم نريد رجالاً كهذه المرأة في صبرها.

شجاعة وإقدام:

عندما وصل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى شاطئ دجلة وجد

على مد البصر مدينة المدائن في عظمتها وقصر كسرى في بهائه، وانتهى به

الرأي أن يعبر مع رجاله على خيولهم وكان هذا أمراً غريباً وجديداً عليهم؛ فلم

يلبث أن تقدم عاصم بن عمرو ومعه ستمائة من أهل النجدة، فساروا حتى بلغوا

شاطئ دجلة يريدون أن يعبروا أولاً ليحموا الشاطئ، فلما وجد بعض رجاله

يترددون تلا قول الله تعالى: [وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا]

[آل عمران: ١٤٥] ثم رفع رأسه فاقتحم النهر واقتحمه زملاؤه؛ فلما رأى القعقاع

الكتيبة الأولى تتقدم في سبحها، ونظر فإذا العدو في الجانب الآخر يتأهبون لردها

أمر سائر أصحابه الستمائة فدفعوا خيولهم إلى النهر فدخلوه كما دخله عاصم

وأصحابه، وتولى العدوَّ العجبُ لهذا الصنيع، فأرسلوا فرسانهم ليمنعوهم من

الخروج وليقاتلوهم على الماء، وصاح عاصم: (الرماحَ الرماحَ أسرعوها وتوخوا

العيون) ، وخرجت كتيبة الأهوال سالمة.

وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام

نعم نريد رجالاً كهؤلاء.