للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات تربوية

[من أسباب تساقط الشباب]

أحمد العميرة

تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أهمية الدعوة وفضلها؛ فلن أستطرد

في ذلك، وما دامت هذه الطاعة قد انتسبت إلى الإيمان فإنها معرضة لما يتعرض له

الإيمان من الزيادة والنقص؛ فالإيمان يزيد وينقص كما هو معلوم، وأصبحت

الدعوة باعتبارها من الإيمان ككل عمل إيماني يعلو فيصل الأوج والذروة أحياناً،

اعتقاداً وحماساً، وينحدر متضائلاً تارة أخرى، والفائز الذي لا يغالي عند

التعالي، ولا يسرف عند الهبوط، وذلك بأن يلزم هدي السنة النبوية الشريفة، كما ... قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل عمل شِرَّة ولكل شرة فترة؛ فمن كانت فترته إلى سُنَّتي فقد اهتدى) [١] ، وفي لفظ آخر: (ومن كانت شرته إلى سنتي ... فقد اهتدى) [٢] .

ولعلنا نختصر أكثر فنقول: إن ما نريد طرحه نستطيع أن نسميه بـ

(التساقط) ، ويجب أن نفرق بين عدة مصطلحات قد يحصل الخلط بينها (الردة ثم

الانحراف والانتكاسة ثم الفتور ثم ضعف الإيمان ثم القعود عن الدعوة) والأخير هو

الذي نسميه: (التساقط في طريق الشاب) .

الأسباب:

١- عدم إخلاص النية لله، قال تعالى: [ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ

لَهُ الدِّينَ] . [البينة: ٥] .

٢- تخويف أعداء الله للعبد بقطع المعاش أو الفصل من الوظيفة ونحوها.

قال تعالى: [إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وخَافُونِ إن كُنتُم

مُّؤْمِنِينَ] [آل عمران: ١٧٥] .

٣- خذلان أهل الحق والخير ممن كان يُؤمَّل فيهم نصرة الدعوة. قال الشاعر

وما أحسن ما قال:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند

٤- قراءة الواقع قراءة سلبية تؤدي بالداعية للإحباط واليأس، فيترك طريق

الدعوة.

٥- عدم القناعة الكافية بطريق الدعوة.

٦- تعلق قلب الداعية بالدنيا وكراهية الموت.

٧- الانفتاح على الأعمال التجارية والدنيوية دون الالتزام بوسائلها الشرعية.

٨- الأمراض النفسية كالعجب والغرور والحسد وغيرها.

٩- الحيل النفسية وهي كثيرة، منها: احتقار الداعية لنفسه، أو الخوف

الموهوم، أو الخجل المذموم أو غيرها.

١٠- فقدان التربية الذاتية الجادة؛ فمجرد الابتعاد عن وسط من الأوساط قد

يكون كفيلاً بأن يرجع الداعية الضعيف عما كان عليه من العمل الدعوي.

١١- غياب الأهداف الرئيسة للدعوة الإسلامية في هذا الوقت عن ذهن الشاب

المسلم كالرجوع بالأمة الإسلامية إلى عزها ومكانتها، وإعادة حكم الله في الأرض،

ونشر العقيدة الصحيحة، إضافة إلى الحرص على هداية الناس.

١٢ - تسرب فكرة (طلب العلم أولاً ولفترة معينة، ثم الانتقال إلى الدعوة إلى

الله) ولم يبيِّن لنا أصحاب هذه الفكرة: إلى متى يطلبون العلم؟ وما هو الحد الذي

إذا وصلوه سينتقلون منه إلى الدعوة إلى الله؟ وأصحاب هذه الفكرة بلا شك لم

يستوعبوا طبيعة هذا الدين منذ أن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس. يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (بلِّغوا عني ولو آية) [٣] .

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من علم لا ينفع؛ فقد ورد ذلك في

حديث زيد بن أرقم وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله

عنهم: (اللهم أعوذ بك من علم لا ينفع) [٤]

وعن جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (سلوا علماً نافعاً،

وتعوَّذوا بالله من علم لا ينفع) [٥] ، وعن سلمان رضي الله عنه قال: (علم لا

يُقَالُ به ككنز لا ينفق منه) [٦] ، وحين سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه

وسلم: ما بال الهلال يبدو صغيراً ثم يكبر؟ نزل قول الله تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ

الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِّ ولَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولَكِنَّ

البِرَّ مَنِ اتَّقَى وأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا] [البقرة: ١٨٩] ، وحين سأل رجل النبي

صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال له: (ماذا أعددتَ لها؟) [٧] . ...

فماذا تعني بالله عليكم الاستعاذة من علم لا ينفع، والتوجيه إلى السؤال العملي

الجاد؟ أليس يعني أن العلم ما لم يَقُدْ صاحبه إلى نتيجة عملية يعتبر من العبث، بل

مما يُستعاذ منه؟ فحري بطلبة العلم أن يتربوا ويُرَبُّوا على أن لا يكون شحذ الذهن

بالمعلومات هو الهدف النهائي والغاية القصوى، بل يكون التعلم للعمل والدعوة إليه، وأن يدركوا أن مجرد التعلم والانشغال به لا يغني عن تصحيح النية وإخلاصها لله

وحده، إذاً فلا علم بلا دعوة، ولا دعوة بلا علم، وهذا هو دين الله، وعلى من

يعترض علينا أن يأتي ببينة سليمة من سيرة السلف تشهد لكلامه.

١٣ - جهل الواقع والبعد عن فقهه ومعرفته فلا يستطيع التعرف على

مشكلات مجتمعه وواقعه ويؤدي ذلك به إلى ترك الدعوة أو الضعف عنها.

١٤ - تأثير التفرق والاختلاف بين الدعاة والجماعات الإسلامية على الداعية، فيؤدي به ذلك إلى اجتناب طريق الدعوة قال تعالى: [ «ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا

وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] [الأنفال: ٤٦] .

١٥- قلة العلم وقلة التأصيل الشرعي للقضايا والمسائل الحادثة والنوازل؛

فهذا بدوره يُضعف الداعية عن المضي قدماً في دعوته.

١٦ - الإغراق في الجدل مع أصحاب الأهواء وإضاعة الوقت في ذلك، فهذا

مما يضعف الهمة ويغفل عن جوانب أخرى كثيرة، وقد يتأثر بهم ويسقط معهم.

١٧ - عدم فقه المصالح والمفاسد وإدراك ظروف المرحلة التي تعيشها الدعوة، فيقدم المفضول على الفاضل، وهكذا.

١٨ - عدم الصبر عند وقوع الابتلاء والأذى في سبيل الله.

١٩ - عدم التعود على إنكار المنكر والنفرة منه ومجابهته، فيألف المنكر مما

يسبب له التساقط والنكوص.

٢٠- التنازل عن أمور لا يجوز شرعاً التنازل عنها من الدعوة، فتقوده

السلسلة من التنازلات إلى النكوص والتراجع.

٢١ -عدم التدرج في الدعوة؛ فيبدأ بأعمال غير مؤهَّل لها، فيصاب بشيء

من الضعف نتيجةً لذلك.

٢٢ - عدم الانضباط مع الصحبة الصالحة التي هي الزاد للداعية في طريقه، وانعدام الاستشارة في الأعمال الدعوية أو قلتها.

٢٣ - الارتباط بصحبة بطَّالة أو مثبِّطة ذات اهتمامات دنيئة مما يضعف عزم

الداعية.

٢٤ - استعجال الثمرة واعتقاد قربها.

٢٥ - ضعف اليقين بنصر الله لعباده المؤمنين قال تعالى: [إنَّا لَنَنصُرُ

رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] [غافر: ٥١] .

٢٦ - عدم الاعتراف بالأخطاء، وعدم تقبل النصيحة.

٢٧ - ارتكاب المعاصي والاستهانة بالصغائر من الذنوب.

٢٨ - قلة الاهتمام بالجانب العبادي لدى الداعية كقيام الليل والأذكار اليومية.

٢٩ - ترك الدعاء الذي هو سلاح المؤمن.

٣٠ - ضعف شخصية الداعية فيسهل التأثير عليها بأي شيء.

٣١ - عدم التنظيم للعمل الدعوي، وقلة التخطيط السليم.

٣٢ - التحريش بين الدعاة، وتحريض بعضهم على بعض.

٣٣ - تغير المجتمع أو الوسط الذي يعيش فيه وقد كان زاداً على الاستمرار

في الدعوة.

٣٤ - العاطفة الزائدة والحماس المفرط الذي قد يؤدي للغلو في أمور كثيرة،

وبعد فترة يجد نفسه متراجعاً عن كل عمل دعوي.

كانت تلك أبرز أسباب التساقط اجتهدت فيها بالاختصار والدمج بين سببين في

سبب واحد، وعدم التكرار في الصيغة النهائية لها.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق في الدارين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


(١) مسند الإمام أحمد، ح/ ٦٤٧٣.
(٢) المصدر السابق.
(٣) رواه البخاري، ح/ ٣٢٠٢.
(٤) رواه مسلم، ح/ ٤٨٩٩.
(٥) رواه ابن ماجة، ح/ ٣٨٣٣.
(٦) رواه الدارمي، ح/ ٥٥٤.
(٧) رواه البخاري، ح/ ٣٤١٢.