للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

المسلمون في فيتنام

وصف عن قرب

خالد علي حسن

لا توجد في فيتنام أي هيئة إسلامية من خارج البلاد على الرغم من وجود

مئات الجمعيات التنصيرية.

أعجبني ما كتبه الدكتور محمد ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة

العالم الإسلامي في مجلة الدعوة العدد ١٢٥٨١ بعنوان: (كيف ضاعت دولة

تشامبيا الإسلامية؟) [*] فأحببت أن ألقي الضوء على أوضاع المسلمين في فيتنام

عن قرب؛ حيث إنني مكثت فيها قرابة عام، وتجولت في العديد من ولاياتها

الجنوبية.

أولاً: تعداد المسلمين:

يبلغ عدد المسلمين حوالي ٧٥ ألف نسمة أي ما يعادل ٠.٠٠١% موزَّعين

على قرى ومحافظات المنطقة الجنوبية لفيتنام، والغالبية العظمى منهم في محافظة

(آن يان) التي تبعد حوالي ٢٠٠ كم عن العاصمة القديمة (هوشِمَنَّه) وهذا العدد هو

من تعداد ٥٧ مليون فيتنامي منهم البوذيون والنصارى.

والمسلمون في فيتنام غالبيتهم من أصل (تشامب) وهم السكان الأصليون

لفيتنام الجنوبية والباقي من أصول (عربية يمنية هندية فيتنامية) .

ثانياً: طرق الكسب:

يعمل غالبية المسلمين في القرى بالزراعة؛ حيث يمتلك بعضهم قطع أرض

صغيرة لا يكفي محصولها للإنفاق على الأسرة، وبعضهم يعمل أجيراً في الأرض،

وبعضهم يعمل بقطع المطاط لحساب شركات فيتنامية، وهؤلاء أسوأ حالاً من

المزارعين. أما الذين يسكنون المدن فغالبيتهم بدون عمل وقليل منهم يعمل في

بعض الحرف البسيطة مثل صناعة المفاتيح، ولا يوجد منهم موظفون ولا

مسؤولون في الحكومة إلا في القطاع الخاص.

ثالثاً: التعليم:

١ - التعليم الحكومي:

معظم أبناء المسلمين لا يكملون الدراسة في الجامعات لصعوبة النفقات،

ويكتفون بالثانوية أو المتوسطة، ويوجد الآن عدد لا بأس به من الطلاب المسلمين

في جامعات فيتنام خاصة في كلية التجارة (الإدارة الكمبيوتر) ولا توجد أي مؤسسة

أو هيئة تعتني بهم؛ فهم يعيشون مثل حياة الفيتناميين، وهناك ٤ منح سنوياً من

البنك الإسلامي للدراسة في إندونيسيا تتحكم الجمعية الإسلامية فيهم وتبتز الأموال

من الذين وقع عليهم الاختيار حتى إن الطالب ينتظر سنتين ليحصل على هذه

المنحة، وأحياناً تضيع منح العام نتيجة التأخير؛ وقد يصل المبلغ الذي يدفعه ولي

أمر الطالب للجمعية نظير مصروفات المنحة إلى ٨٠٠ دولار على الرغم من أنها

مجانية.

٢ - التعليم الديني:

المساجد ليس لها أي نشاط في تعليم الكبار والشباب ودعوتهم، وجل ما تفعله

أن تحتفل بالأعياد والمولد وتدعو المسؤولين الفيتناميين للمشاركة، فيجلسون

ويدخنون جميعاً في المسجد دون تعظيم لحرمته!

أما تعليم الصغار فحسب المكان: فهناك بعض المحافظات تسمح بتعليم

الأطفال في المساجد، وأخرى لا تسمح. ويتعلم الأطفال: جزء عم، الحروف

العربية، مبادئ التوحيد، الطهارة، والصلاة. وعادة يستعملون مقرئ القرآن

للتعليم.

أما المدرسون فغالبهم غير مؤهلين حتى لتدريس الصغار؛ كذلك هم منشغلون

بتحصيل أرزاقهم، ويجعلون وقت التدريس فيما زاد عنهم؛ حيث إنهم لا يتلقون

أي مساعدات من أي هيئة، والحكومة لا تعترف بهم، عدا قرية واحدة تساعد

الحكومة المدرسين فيها.

الهيئات والمؤسسات الإسلامية في فيتنام:

لا توجد أي هيئة أو مؤسسة إسلامية من خارج البلاد، ويرجع ذلك لصعوبة

قوانين البلاد التي تحرم إقامة أي هيئة دينية لمساعدة طائفة بعينها؛ على الرغم من

وجود مئات الجمعيات النصرانية التي تتواجد في مناطق عديدة في فيتنام تعمل

وتدعو تحت ستار العمل الخيري للإنسانية. وعلى الرغم من ذلك فلم تقصر

الهيئات الإسلامية في السعي للحصول على ترخيص مثل: (جمعية أم القرى

الخيرية) ، (لجنة العالم الإسلامي) ، (جمعية إحياء التراث الإسلامي) ؛ ولكنهم لم

يتمكنوا من ذلك على الرغم من شهرة هذه الجمعيات في العالم الإسلامي بعملها

المنظم الإنساني الثقافي.

كما أن لهذه الجمعيات أعمالاً قائمة إلى يومنا هذا مثل: كفالة الأيتام، وكفالة

المدرسين، بناء المدارس، طباعة الكتب وخاصة القرآن الكريم المترجم إلى اللغة

الفيتنامية، بالإضافة إلى المشروعات الموسمية مثل: الأضاحي، الإفطارات

الرمضانية. ولكن الناظر إلى حال المسلمين في فيتنام يجدهم في حاجة إلى تواجد

قوي ومنظم من قِبَلِ هذه الهيئات عن طريق التمثيل وفتح مكتب أو فرع للهيئة هناك؛ وذلك للحفاظ على هويتهم الإسلامية؛ حيث توجد أماكن في العاصمة القديمة

الجنوبية (هوشمنه) لا تستطيع أن تميز فيها المسلمين من غيرهم. أما في داخل

فيتنام فتوجد جمعية واحدة أنشأتها الحكومة، اسمها: (الجمعية الإسلامية بهوشمنه)

ويقتصر عملها على مدينة هوشمنه فقط؛ ولكنها تحاول بسط نفوذها على المسلمين

في باقي الولايات الأخرى، وتحاول الحكومة الآن إنشاء جمعية أخرى في ولاية

(آن يان) ؛ حيث الأغلبية المسلمة؛ لأن ذلك من مصلحتها؛ حيث تقوم الجمعية

بمراقبة أعمال المسلمين من الألف إلى الياء ومن ثم إخبار الحكومة بها، وهذه

الجمعية ليس لها أي نشاط إيجابي مؤثر في المسلمين.

الحالة الأمنية للبلاد:

لدى الحكومة خوف شديد من الإسلام والمسلمين بخاصة الأجانب وعلى وجه

التحديد (العرب) ، وكثيراً ما يذيعون وينشرون الأخبار التي فيها قتل وإيذاء في بلاد

المسلمين لتخويف الناس من الدين، وقد شعرت بذلك أثناء وجودي هناك؛ وهذا

بالنسبة للإسلام أما غيره من الديانات والعقائد فلا.

كذلك فهم يعملون على تجنيد عيون لهم حيث يقطن المسلمون. والعجيب أن

هؤلاء العيون أكثرهم مسلمون وبعضهم يحمل بطاقة الحزب الشيوعي. والجدير

بالذكر أن المسلمين أنفسهم إذا رأوا ما لا يعجبهم من شخص أشعروا به الشرطة.

الحالة الدعوية للبلاد:

المسلمون في جهل وفقر شديدين، ولكن المهم أن لديهم قابلية للتغيير،

ونستطيع أن نقول: إنه لا توجد دعوة في فيتنام ولا أفراد يحملون همَّها إلا بعض

الأفراد القلائل، وهم مدرسون مكفولون من جمعية إحياء التراث الإسلامي، ومع

ذلك فهم ليسوا على المستوى المطلوب والوعي الكافي؛ فأحياناً يتسببون في

مشكلات كبيرة مع أهل القرى التي يزورونها، ومن ثَمَّ ترفع الشكاوى بحقهم إلى

الحكومة فتوقف الشرطة نشاطهم وتمنعهم من التحرك خارج القرية، وهؤلاء الأفراد

يسكنون محافظة (آن يان) في قرية (شودوك) .

من ناحية أخرى لا توجد دعوة لغير المسلمين البتة؛ وكيف يكون ذلك

والمسلمون منشغلون بالخلافات المذهبية ثم تحصيل لقمة العيش؟ ثم كيف يكون

ذلك والبلد لا يوجد فيها دعاة أكفاء؟ ! أما النصارى فعددهم الآن كثير جداً،

والكنائس في كل مكان، وهم محترمون من قِبَلِ الحكومة؛ لأنهم لا يعملون أعمالاً

من شأنها الإساءة إلى دينهم وذلك على اختلاف مذاهبهم.

جماعة الزاهدين:

والغريب أن هناك جماعة أصولهم إسلامية يسكنون في ولاية فارنج في

الجنوب الشرقي لفيتنام اسمهم (الزاهديون) [١] كانوا على الإسلام، ولكنهم حين

انتشر فيهم الجهل وخالطوا البوذيين وأصحاب الملل الكافرة انحرفوا عن الشريعة

الغراء، وأصبحوا يعملون أعمالاً غريبة منها قراءة كتاب مكتوب بخط اليد فيه

بعض آيات القرآن الكريم بالحروف العربية وفيه كلام آخر غير مفهوم، هذا الكتاب

يتوارثه أبناء أئمة المساجد، وبه يصير الابن إماماً بعد موت أبيه، كما أن الإمام

هو الذي يصلي ويصوم عن الناس! نظير بعض الطعام أو المال الذي يقدم إليه من

الشخص، وعندهم مساجد مهجورة لا يذهب إليها إلا الإمام، لا يعرفون عن الدين

شيئاً، وهم غير مشاركين في الحياة المدنية، وغالبهم في القرى يعمل بالزراعة،

ولهم تجمعات وأعياد خاصة.

هذه الجماعة لا تجد من يدعوها للعودة إلى الإسلام والسنة وهم قطاع كبير

(عدة آلاف) يرجع منهم إلى الإسلام القليل بنفسه؛ حيث يرى من المسلمين السنة

دعوة أو هدية أو تجديد مسجد كان قديماً أو غير ذلك من الأمور البسيطة.

المشروعات التي يمكن عملها في فيتنام:

المسلمون في فيتنام من المسلمين المنسيين، وهذا المقال تذكير بواجبنا ...

نحوهم، ومن المشروعات المقترحة لتجديد الإسلام في المنطقة: ...

١ - رعاية الأيتام سواء في منازلهم أو عن طريق إقامة دار لرعايتهم وكفالتهم فيها، مع العناية القصوى بتربيتهم وتعليمهم أصول الإسلام وآدابه.

٢ - عمل دورات شرعية للمدرسين خارج فيتنام مثل تايلند أو كمبوديا.

٣ - إرسال الطلاب المتميزين للتعلم خارج البلاد ليعودوا دعاة لقومهم.

٤ - كفالة المدرسين والأئمة والدعاة للحفاظ على البقية الباقية من ثقافتهم الإسلامية، مع الحرص الشديد على تعليمهم أصول الإسلام وأركانه وحثهم على الالتزام بتعاليمه وآدابه.

٥ - بناء العيادات الصغيرة للخدمات الصحية، والتوليد خاصة؛ حيث لا توجد طبيبة مسلمة واحدة. أما الأطباء المسلمون فهناك طبيب واحد فقط من محافظة (آن يان) .

٦ - إنشاء مركز للغة العربية على غرار المراكز التي تدرس الإنجليزية ولو بالاشتراك مع مركز قديم لتعليم اللغات؛ لأن نشر العربية يساعد في نشر الإسلام.

٧ - إنشاء جمعية للطلاب المسلمين في الجامعات لدعوتهم ورعايتهم والأخذ بأيديهم إلى أن يتخرجوا.

هذا ما يسَّره الله عز وجل من معلومات عن فيتنام حسب علمي.

فإلى الجمعيات الإسلامية التي تعمل في الدعوة إلى الله نقول: هلاَّ نال

إخواننا في فيتنام قسطاً من دعوتكم وإغاثتكم حتى لا ينقرضوا ويعودوا إلى جماعات

بدعية هي للبوذية أقرب!


(*) للشيخ محمد العبودي كتاب وصف فيه رحلته إلى فيتنام بعنوان (أيام في فيتنام) من سلسلة رحلاته الدعوية فجزاه الله خيراً البيان.
(١) هذه الفرقة يوجد مثلها في كمبوديا وخاصة في قرية كمبومج شنان.