للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متابعات

رؤية

حول مشروع خطة العمل الوطنية

لإدماج المرأة في التنمية بالمغرب

د. أحمد الريسوني [*]

أعدَّت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة بتمويل من

البنك الدولي ما أسمته مشروع (خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية) ،

وبدراسة هذا المشروع يتبين أنه مصادم لأحكام شرعية ثابتة بالكتاب والسنة، وأن

تطبيقه سيؤدي إلى زرع أسباب الشقاق بين أفراد الأسرة ويقضي على أسس المودة

والرحمة والتضامن والتكافل بين أعضائها، فضلاً عن كونه يتضمن بنوداً لا علاقة

لها بتنمية المرأة والمجتمع، ومن ذلك:

١ - السماح للفتيات بالزواج بدون إذن آبائهن وأوليائهن خلافاً لما جاء في

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) [١] ،

مع أن الواقع يثبت أن إرغام الفتيات على الزواج بمن لا يرضين أو منعهن من

الزواج بمن اخترن أمر نادر، وأن إلغاء الولاية في الزواج يصطدم أيضاً بأعرافنا

الاجتماعية التي لا تزال تشترط حضور الأقارب حتى بالنسبة للزوج، وترى في

ذلك ضماناً لنجاح الزواج.

٢ - إخراج الطلاق من صيغه الشرعية المختلفة، وجعله قضية في المحاكم

فقط؛ مما سيدخل ارتباكاً كبيراً في الأسرة وغموضاً في وضع الزوجية خلال

مرحلة الدعوى، وتضييع حقوق الأطفال بسبب تعقيد الإجراءات القضائية وطول

مدة البت، فضلاً عما سيؤدي إليه ذلك من إذكاء العداوة بين الزوجين وقطع طريق

الرجعة، وما سينتج عنه من عزوف عن الزواج، وتشجيع العلاقات المحرَّمة لا

حماية الأسرة من الطلاق كما يدعي ذلك واضعو المشروع.

٣ - اقتسام الثروة التي امتلكها الزوج أثناء الحياة الزوجية عند وقوع الطلاق، وفيه ما فيه من إباحة أكل أموال الناس بالباطل، وهدم أحكام المتعة والنفقة في

العدة، والنفقة على الأولاد، ونظام الإرث والإضرار بأعضاء الأسرة الآخرين

الذين ساهموا في تكوين الثروة بالإضافة إلى ما يؤدي إليه ذلك نظراً لضعف الوازع

الديني والأخلاقي من فسح مجال واسع لاختلاق الأسباب للمطالبة بالتطليق كلما

نمت ثروة الزوج أو الزوجة، ولتحايل أرباب الأسر على أنفسهم وأولادهم لمحاولة

إخفاء ثرواتهم أو اقتنائها تحت اسم أشخاص آخرين، مع ما في ذلك من إنشاء

أوضاع شاذة ونشر ثقافة غريبة عن المجتمع المغربي المسلم.

٤ - رفع سن زواج البنات إلى الثامنة عشرة، وفي ذلك تعسف على حق

شرعي وطبيعي للمرأة قد تُلجئ إليه بعض الأوضاع الخاصة والظروف الاجتماعية، مع العلم أن الزواج المبكر ظاهرة محدودة جداً كما تثبت ذلك الإحصائيات، ولا

يعرقل شيئاً من إدماج المرأة في التنمية، مما يبرز أن المستهدف هو الأحكام

الشرعية التي لا تتماشى مع المواثيق الدولية.

٥ - منع تعدد الزوجات الذي أباحه الله للحاجة إليه في بعض الأحيان ولم

يفرضه، وإنما اشترط فيه العدل كما ورد في قوله تعالى: [فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم

مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ]

[النساء: ٣] هذا مع الإشارة إلى أن التعدد محدود جداً ولا أثر له على استقرار

الأسرة المغربية أو عرقلة إدماج المرأة في التنمية، وأن ما يهددها حقاً هو انتشار

الفساد وتعدد الخليلات والخيانة الزوجية وتزايد العنوسة، وهو مما لم يهتم به

مشروع الخطة أو يلق له بالاً.

لقد أضافت الخطة المذكورة إلى مناقضة أحكام الشريعة ومقاصدها مجموعة

سلبيات منها:

كونها خطة غير وطنية انطلقت من الرغبة في مسايرة مقررات المؤتمرات

الدولية مثل مؤتمر بكين وغيره، وهي المؤتمرات التي دعت إلى الاعتراف

بالفاحشة وتطبيع ممارستها، وتوسيع مفهوم الأسرة كي يشمل (الأسرة) القائمة

على علاقات جنسية محرمة وشاذة، وإشاعة الزنى والفساد من خلال تسهيل

الحصول على العازل المطاطي بدعوى توفير الصحة الإنجابية والوقاية من

الأمراض الجنسية، واعتبار تقسيم الأدوار داخل الأسرة، ومفاهيم الأبوة والأمومة، من التقاليد البالية والتحكمات الاجتماعية المتجاوزة.

كونها تطرح إشكالات غير حقيقية لا علاقة لها بالتنمية، وإنما تستجيب ...

لاعتبارات أيديولوجية.

كونها أيضاً خطة إقصائية قامت على رؤية أحادية تمثل رأي فئة محدودة

من الجمعيات ذات التوجهات اللادينية.

لهذه الاعتبارات ولغيرها من المفاسد التي تضمنتها الخطة، ودفاعاً عن الدين

وحفاظاً على الأسرة فإنه ينبغي رفض هذه الخطة، والمطالبة بخطة بديلة تستجيب

لحاجات المجتمع المغربي في التنمية في إطار الإسلام وأحكامه ومقاصده، وذلك

بكل الوسائل المشروعة ومن بينها التوقيع على العريضة الشعبية المتداولة في هذا

الشأن.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.


(*) رئيس حركة التوحيد والإصلاح بالمغرب، وكاتب إسلامي مغربي معروف.
(١) رواه أحمد، ح/ ٢١٤٨.