للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصفحة الأخيرة

نعم أسلمنا.. ولكن هل حسن إسلامنا؟

رضا محمد فهمي

كثيراً ما نقرأ في سير الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً مثل هذا التعبير:

( ... ثم أسلم وحسن إسلامه) .

وقد استوقفتني هذه العبارة وتذوقت لها طعماً في قلبي؛ مما دفعني إلى أن

أسائل نفسي: نعم أنا أسلمت؛ ولكن هل حسن إسلامي؟

ثم تاه هذا المعنى كغيره من المعاني في خضم هذه الحياة وأحداثها.

حتى جاء الموقف الأول وكنت أشرب الماء متوجساً من نقائه، فتمنيت بيني

وبين نفسي أن لو كان المشرف على تنقية هذا الماء وتعقيمه ممن حسن إسلامهم،

فحينها لن أشعر بأدنى توجس لثقتي بإتقان عمله، فهو من حُسن إسلامه.

ثم جاء الموقف الثاني: وكنت في مدرسة المرور لاستخراج رخصة قيادة،

وقد أُحلتُ إلى المشرف لتحديد المستوى، وقُبيل حلول دوري أُذِّن لصلاة الظهر؛

فتوقف العمل من أجل الصلاة لا حرمنا الله من ذلك في بلادنا الإسلامية جميعها

وبعد الصلاة تأخر المشرف قليلاً ولا تخفى حرقة الشمس في فصل الصيف في ذلك

الوقت فتمنيت أن يكون هذا المشرف ممن حسن إسلامهم فيرعى مصالح المسلمين

التي كُلِّفَ بأدائها، فحينها لن أشعر أنا ولا غيري بقلق من ضياع الوقت بعد الصلاة. ...

أما الثالث: فقد جاءني صديق وأخذ يسألني عن أشياء خاصة، ويلح في

السؤال، وكان ينتقل بأسئلته من حيث تنتهي إجابتي. فقلت في نفسي: ليته كان

ممن حسن إسلامهم واشتغل فيما ينفع! وتذكرت لحظتها حديث المصطفى صلى الله

عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [١] .

تحدثت بهذا المعنى مع أخ كريم فوجدت المعنى نفسه يشغله؛ لكنه كان أفطن

مني؛ حيث تحسس مواقفه هو وتمنى أن لو كان فيها ممن حسن إسلامهم.

وكم من أناس مثلي قد اطمأنوا لإسلامهم؛ فلم ينشغلوا بحسنه ولا تحسينه؛

بل راحوا يزنون الآخرين ويقيِّمون أفعالهم!

نعم! إن لحسن الإسلام واقعه الملموس في شتى مجالات الحياة، وليس كما

يحصره بعضنا داخل مسجد، أو في ناحية تهواها نفسه دون أخرى تشق عليه؛ بل

له آثاره في وظيفتنا وبيتنا، في لساننا وجهادنا، بل في مشيتنا وسلامنا، وقبل ذلك

في أهدافنا وغاياتنا وحبنا وبغضنا.

وحبذا لو تحسسنا ذلك عندنا قبل أن نتحسسه عند الآخرين. قال تعالى: ... [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ومَن تَابَ مَعَكَ ولا تَطْغَوْا] [هود: ١١٢] وقال صلى الله عليه

وسلم: (عرفت فالزم) [٢] .

ولعله يختلج في نفس من قصُر فهمه: كيف يحسن إسلامنا في شتى المجالات

والصحابة أنفسهم صدرت منهم بعض الأخطاء في مجالات شتى؛ والأمثلة على

الخطأ معروفة؛ فلنبحث عن مجال نتقنه ونحسن فيه إسلامنا.

ويذكرني مثل هذا بمن أراد أن يتاجر مع الله جملة؛ فبنى لله مسجداً ضخماً

على نفقته الخاصة، ثم لم يصلِّ هو فيه؛ بل لزم بيته في الصلاة معتقداً أن له من

الأجر مثل أجور من يصلون في مسجده. ولا عجب؛ فالجنون فنون!

أخي الحبيب: يجب أن نعتقد والعمل وليد الفكر والاعتقاد أن إحسان الإسلام

يكون شاملاً، وينطلق من حسن تفاعل القلب مع أمر الله تعالى ونهيه ومع سنة

رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم جهد المرء بجوارحه لتطبيق ما يؤمن به ويعتقده،

ولا بأس بعد ذلك من الخطأ أو النسيان ولو تكرر طالما يفرق هذا التكرار توبةٌ

نصوح.

ومن هذا الباب كانت الهفوات بل والزلات من بعض الصحابة الذين حسن

إسلامهم وشُهد لهم بالجنان؛ فقد أتبعوا الخطأ بتوبة نصوح فاستمر لهم حسن

إسلامهم. [والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ]

[العنكبوت: ٦٩] .

أما أن يكون للمرء منا خبيئة يمعن في إخفائها ويحسن التوجه لله تعالى بها،

لتكون له ذخراً عند الله يتشفع بها عند الشدائد، ويحتسب أجرها في الآخرة فذلك

فضل من الله وتوفيقه.

ولكن هذا لا يغني عن تمثُّل الإسلام واقعاً حياً يشمل مناحي الحياة جميعاً،

ولنحذر واقع هذه المرأة التي حُكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير

صلاتها وصيامها لكنها تؤذي جيرانها فقال: (هي في النار) [٣] . اللهم! إنا

نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.


(١) رواه الترمذي، ح/ ٢٢٣٩.
(٢) المعجم الكبير، ح/ ٣٣٦٧.
(٣) رواه أحمد، ح/ ٩٢٩٨.