للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

[أين دور العمل؟]

مرت بالمسلمين فترات ضعف فيها العلم، وخاض الناس في أمور العقيدة أو

الحدث أو الفقه أو الدعوة دون دليل صحيح معتبر، وتكلموا في أخطر قضايا

المسلمين بكلام إنشائي مرصوف، واستشهدوا بالأحاديث الضعيفة والموضوعة

أحياناً، وُيتنبه لهذا النقص والخلل، ويبدأ التركيز على المصادر الإسلامية

الأساسية والنهل من ينبوعها واعتبار الصحة والدليل، وتوثيق النصوص، حتى

يقوم البناء على أساس متين، وهذا شيء لا غبار عليه بل هو مطلوب وضروري،

ولكن كثيراً من الناس لا يستطيعون الاستمرار على طريق الاعتدال والوسطية

فيغالون أو يقصرون في أي أمر يعرض عليهم، فإذا رزقوا العالم الفطن ردهم إلى

الطريق السوي.

فالعلم لابد منه ولا يقوم بنيان على الجهل، ولكن أن يتحول كل الشباب

المسلم المخلص إلى مفتين، ونرى الطبيب والمهندس ومدرس العلوم أو الرياضيات

أو مدرس الأدب واللغة لا يتعمقون في دراساتهم ولا ينفعون المسلمين باختصاصهم، إلا في العموميات، وتجد في مكتبة الطبيب كل كتب التراث، ولا تجد المصادر

الأساسية في مهنته، فهذا وضع غير طبيعي وخلل في فهم الأمور.

فهناك علماء متخصصون يستطيع هذا الأخ سؤالهم إذا استغلق عليه أمر أو

أعيته مسألة. هكذا كان عمر -رضي الله- عنه يفعل إذا طرأت عليه مسألة جديدة، يجمع الصحابة ويشاورهم ولا يتهيأ مسبقاً بحفظ المتون وافتراض المشكلات

والحلول. وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس يقول: أدركت هذا البلد (المدينة)

وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من

العلماء، فما اتفقوا عليه أنفذوه، وأنتم تكثرون من المسائل وقد كرهها رسول الله -

صلى الله عليه وسلم-.

وكبار الصحابة لم يكونوا من مكثري الروايات فقد روى أبو عبيدة ابن

الجراح أربعة عشر حديثاً، وسلمان الفارسي ستين حديثاً، ومعاذ ابن جبل مئة

وسبعة وخمسين حديثاً، وغالبهم لا يروي إلا مئتين حديث أو ثلاث مئة حديث،

وفي الصحيحين والسنن الثلاث والموطأ ثمانية وستين حديثاً في الحث على الجهاد.

(العواصم والقواصم ٢/ ٤٨٨) .

والصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون كانت عنايتهم بالجهاد والأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر وقيام الليل، وتفقد مصالح المسلمين، ولا شك أن ذلك

بعد تحصيل العلم الذي لابد منه، ولم يطلب القرآن العلم الزائد على الكفاية كما

طلب وحث على العمل ومدح الخاشعين في الصلاة المعرضين عن اللغو والصابرين

في البأساء والضراء وحين البأس.

وإذا كان هذا منهج السلف وهم متفرغون للعلم بما فتح الله عليهم من الدنيا،

فكيف بنا الآن ونحن نساس بغيرنا، ويقرر أمرنا غيرنا، ونحتاج لأعداء الإسلام

في كل صغيرة وكبيرة من أمور دنيانا، والمهام الملقاة على عاتقنا كثيرة وحال

المسلمين العلمية الآن أفضل مما كانت عليه قبل قرن؛ فلم يبق إلا المزيد من العمل

والتطبيق.

ولا يخطرن ببال أحد أننا نقلل من أهمية العلم الشرعي أو نضعف من شأنه،

ولكننا ندعو إلى العمل بعد العلم، كما لا يعني هذا أن نحجر على أحد في طلب

العلم الشرعي والتزود منه، بل لابد منه وخاصة لمن يتصدى للدعوة إلى الله والذي

يجمع بين تخصصه والعلم فهذا خير على خير، ولكن الغالب أنه لا يستطيع التمكن

من الاثنين، فهذا ننصحه بالتزود من العلم المطلوب لمثل حاله وأن يفيد المسلمين

في اختصاصه ونحن نعلم أن هناك علوماً شرعية لابد منها لكل مسلم خاصة

المتعلمين منهم حتى يدعو إلى الله على بصيرة، ولا بد من اتقانها، بعضها مجملاً، وبعضها تفصيلاً، وما خفي عنه فشفاء العّي السؤال.