للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[هم العدو]

عبد الله التميمي

سألتُ أحد العامة في معرض حديثنا عن فتن هذا الزمان: هل يوجد منافقون

في هذا العصر؟ فأجاب بأنه لا يوجد، بل كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،

ثم ذهبوا بذهابه! فقلت: وما يدريك؟ فقال: إنا لا نسمع الآن عنهم شيئاً.

إن هذا النموذج الذي يمثل جزءاً من عامة الناس يترك أمراً مهماً غاية

الأهمية، ويغفل عن قضية من أخطر القضايا. فهو ينام في أحضان عدوه ويظنه

أمه، ويطعنه العدو من خلفه ويظنه أخاه يمازحه، ويعتقد أنه لا يوجد منافقون.

ولا غرابة! فإنه قلَّما يسمع عن المنافقين في مجتمعاتنا وعن أساليبهم هذا إن سُمُّوا

منافقين فهو إن سمع يسمع أخباراً عن العلمانيين أو الحداثيين أو غيرهم دون أن

يدرك أن هؤلاء هم المنافقون.

لقد حذر الله في كتابه العزيز أفضل خلقه وأتقاهم وأعلمهم حذَّره من المنافقين

وأخبره بأنهم هم الأعداء الحقيقيون، فقد قال تعالى: [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ

اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] (المنافقون: ٤) يقول الشيخ السعدي رحمه الله: «فهؤلاء هم

العدو على الحقيقة؛ لأن العدو البارز المتميز أهون من العدو الذي لا يُشعَر به،

وهو مخادع ماكر، يزعم أنه وليُّ وهو العدو المبين» [تفسير السعدي، ص

٨٠١] فالمنافقون هم الخطر الأكبر على الأمة؛ إذ إنهم يكونون في وسط الصف

يدسُّون فيه السم، وينفثون فيه نار الفتنة دون أن يشعر بهم أحد؛ ولأن طبيعتهم

الخوف والذعر فإنهم لا يستطيعون مواجهة المجتمع بشكل مباشر وبارز، بل

يعتمدون على المكر والخديعة وإشعال نار الفتنة بين الثلة المؤمنة حتى يزعزعوا

قوتهم وهيمنتهم فيعتلُوا بعد ذلك ويتولوا المناصب، وهم لا يستطيعون أن يواجهوا

الإسلام بشكل عام والصحوة بشكل خاص مواجهة رجل لرجل، بل دائماً يحاولون

أن يتخفوا حتى إذا وجدوا أهل الصحوة قد غفلوا عنهم خرجوا وأفسدوا ما

يستطيعون ثم يرجعون عندما يسمعون صيحة المنذر: [يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ]

(المنافقون: ٤) .

فهم كالفئران تماماً، تجدهم في جحورهم ما دام الناس موجودين وأهل

الصحوة منتبهين؛ فإذا ذهبوا وغفلوا أخرجت الفئران أنوفها المنتنة ورؤوسها

الخاوية لتتحسس: هل هناك من أحد؟ هل هناك من دعاة يقفون لهم بالمرصاد؟

فإذا شعرت بأمان المكان وخلو الساحة خرجت فأفسدت ما تستطيع، وبثت سمومها

في كل مكان تسير عليه، ثم سرعان ما تعود إلى جحورها خاسئة عندما يرجع

الناس ويفيق الدعاة لهم ولمكرهم.

والمجتمع يكره المنافقين ويعاديهم؛ لأن الله كرههم وذكر نصوصاً كثيرة في

سبِّهم وفضحهم وتبيين أخلاقهم السيئة وأعمالهم المفسدة، لذلك تجد المجتمع يحذِّر

منهم غاية الحذر ويقابلهم بالشدة كما حدث مع عمر رضي الله عنه في أكثر من

حادثة (دعني أضرب عنق هذا المنافق) وغيره من الصحابة كخالد وسعد

وغيرهم.

فما أن يسمع المجتمع كلمة منافق حتى تجده يكره ويعادي ويحذر من نُعِتَ

بهذه الصفة أعاذنا الله وإياكم من النفاق وأهله أما إذا سمع عن العلمانيين أو غيرهم

فتجده لا يكرههم ولا يعاديهم مثل كرهه وعداوته للمنافقين لا لشيء إلا لأنه لم يطلق

عليهم لقب المنافقين، وتجد أن عامة الناس لا يدركون أن هؤلاء العلمانيين وغيرهم

هم المنافقون وهم المفسدون أحفاد عبد الله بن أبيِّ بن سلول وغيره ممن سار على

نهجه.

لذلك فإني أتوجه إلى العلماء والدعاة وطلبة العلم أن يحذِّروا الناس من النفاق

وأهله، ويبينوا للناس أساليبهم كما كان نهج القرآن مع رسول الله صلى الله عليه

وسلم، وأن يسموا العلمانيين والحداثيين وغيرهم ممن سار على شاكلتهم بالمنافقين

مع الأخذ بالاعتبار عدم إطلاقها على المعيَّن حتى يتلقاهم المجتمع بحزم وحذر أكثر،

ويكرههم غاية الكراهية، وعندما يقرأ المسلم مواقفهم في سورة آل عمران أو

النساء أو الأنفال أو التوبة أو الحشر أو المنافقون أو غيرها يُنزِل هذه الآيات على

الواقع ويدرك خطورة الأمر وبذلك يكسب أهلُ الصحوةِ المجتمعَ تلك القوةَ الضاربة

في مواجهة أولئك الفئران (المنافقين) دون تعب أو عقد محاضرات وكتابة مقالات؛

إذ المجتمع جاهز لمعاداة هؤلاء ومحاربتهم ما داموا منافقين.

أسأل الله أن يكفي المسلمين شر المنافقين، وأن يفضحهم بين العالمين، وأن

يرد كيدهم في نحورهم ويريح المسلمين منهم.