للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأقلامهن

[إضاءات عاجلة نحو النهوض بمستوى المرأة]

فاطمة بنت محمد السليمان

إن القلب يذوب حسرة، ويتفطر ألماً على واقع المرأة المسلمة وكيف أنها

تسير وفق مخططات الأعداء، تُلدَغُ من الجحر نفسه مرة بعد مرة، لا تروعها

التجارب، ولا تعتبر بغيرها، تراها تسير بنفس خطوات أختها التي ذاقت مرارة

الحرية المزعومة حينما عصت الله ورسوله، وتخلت عن عبودية ربها.

تسير في طريقها، وهي تسمع صيحات الغيورين، وتحذيرات العلماء متبعة

هوى نفسها كأنما على بصرها غشاوة. وقد أدرك الأعداء أهمية دور المرأة،

وكيف أن كأساً وغانية تفعل في أمة محمد ما لا يفعله سيف ومدفع، كما جاء في

بروتوكولات حكماء صهيون؛ ولذلك فقد جلبوا للمرأة قضية تحتاج إلى دفاع،

ونصبوا أنفسهم مدافعين عنها مع أن قضية المرأة لا يكابر في الحق فيها إلا ذو

هوى كما يذكر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله فهذا إما مراهق لا يفكر إلا في

أهوائه الجنسية، أو كاتب يرى في إرضاء غرور المرأة ودغدغة عواطف

المراهقين والمراهقات طريقاً إلى رواج كتاباته، وطاغية يتقرب للغرب بأنه متجدد

غير متعصب.

وما زادنا هذا التذبذب عزة ... ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا

أقول إن الناظر في هذا الواقع المرّ لا يملك إلا أن يطلق زفرة وهو يقول:

تكتلت قوة الدنيا بأجمعها ... في طعنة مزقت صدري وما فيه

لكن البكاء والعويل لا يجدي، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحزن:

«بأنه إن أفضى إلى ضعف القلب، واشتغاله به عمَّا أمر الله ورسوله به كان

مذموماً عليه من تلك الجهة» .

بل إن الواجب هو العمل حسب الوسع والطاقة وفق خطط منظمة مدروسة

يحاسب المسلم فيها نفسه: ماذا قدم، وماذا تحقق من الأهداف؟ ليكون ذلك دافعاً له

إلى تقديم المزيد، أو إعادة النظر في خططه ووسائله، ونحو ذلك. وقد حاولت أن

أطرح بعض الأفكار للعمل للنهوض بمستوى المرأة المسلمة ومن ثَمَّ بمستوى الأمة:

أولاً: احتواء الشباب الصالح، والفتيات الصالحات ممن نجد عند كثير منهم

استعداداً للعمل والعطاء لكنه يريد من يوجهه، ويأخذ بيده، وذلك عن طريق

الدورات العلمية، واللقاءات الدورية، وهذه نقطة مهمة إذا أُعمِلت سدت كثيراً من

الثغور إذا ما أعطى كلٌّ في مجال تخصصه، وإذا أُهملت أهدَرت كثيراً من

الطاقات الفاعلة.

ثانياً: نشر العلم الشرعي الصحيح بين الفتيات والشباب خاصة؛ فإن أهل

الضلالة في هذه الأوقات الحرجة يدعون إلى باطلهم مصبوغاً بصبغة الشرع؛ فكم

قرأنا في الصحف لمن ينادي بتغيير هيئة الحجاب الشرعي الذي تلبسه المرأة في

بلادنا؛ لأنه لم ينزل من السماء بهيئته تلك، وماذا يحصل للحجاب لو أن العباءة

وضعت على الكتف؟ ! لأنهم يعلمون أنهم لو قالوا للمرأة المسلمة: انزعي حجابك

لقالت لهم: تباً لكم ولا كرامة. ولكن بهذه الخطوات الشيطانية تسايرهم المرأة،

وهي مرتاحة الضمير.

وكم قرأنا في الصحف والمجلات عمن ينادي بضبط تعدد الزوجات بضوابط

معينة كالراتب المالي، وغيره مما لم يُنزل الله به من سلطان [فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا

فَوَاحِدَةً] (النساء: ٣) ، ويذكرون في دعوتهم تلك روح الشريعة، وضوابط

الشريعة جهلاً منهم، أو مخادعة وهو الغالب؛ لأنهم لو راموا حكم الشريعة لسألوا

علماء الشرع. وكم قرأنا في الصحف عن الدعوة إلى تحديد النسل، وسلطة الرجل،

وتسلطه، ووجوب نزع الولاية من يده، وأن المرأة الآن أصبحت ذات مال

خاص يحق لها التصرف والخروج بدون إذن الرجل أو الرجوع إليه وتصوير

المرأة مظلومة مضطهدة في مجتمعنا ... إلخ.

وهم في طرحهم هذا يحاولون دغدغة مشاعر المرأة، والضرب على الوتر

الحساس.

أقول: إن المرأة المسلمة إذا قرأت مثل ذلك مما هو موافق لهوى نفسها

مصبوغاً بصبغة الشرع أخذته على علاته، وهي وإن لم تفعله إلا أن نفسها تتشربه

من حيث شعرت أو لا تشعر، وانعكس ذلك على تربية النشء في الأمد البعيد، كما

هو ظاهر الآن.

لذلك يجب إثارة المسائل نفسها التي تثيرها الصحف وذلك بالرد عليها بردود

علمية مؤصلة بالأدلة في الصحف نفسها التي وجدت فيها هذه المقالات إن أمكن،

أو في غيرها من وسائل الإعلام الممكنة.

ثالثاً: نشر الوعي بين الفتيات والشباب بمخططات الأعداء، والاعتبار بحال

المرأة المسلمة في كثير من البلاد الإسلامية، وما جنت على نفسها وعلى مجتمعها

من ويلات، وبدأت ترجع إلى حجابها، وتجدد عهدها بربها.

ويكون نشر الوعي عن طريق توضيح وسائل الأعداء، وضرب الصور

والأمثلة من الواقع.

وكما قيل: (عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه، ومن لا يعرف الشر يوشك أن

يقع فيه) .

كما أنه لا بد من الوعي بأن الأعداء أذكى من أن يدعوا إلى ما يريدون

بأنفسهم، بل إنهم ينصبون لذلك نساءاً ورجالاً من ذوي الفكر، بل ومن ذوي الدين

من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا؛ ليكون لكلامهم وقع في النفوس على كثير من

فتيات المسلمين وشبابهم الذين هم في الغالب سليمو الصدر ناقصو الوعي،

وتوعيتهم بعداء اليهود والنصارى لنا بصور من عصرنا الحاضر الذي ينادون فيه

بالسلام وتوحيد الأديان، ويكون نشر ذلك الوعي بالذهاب إلى أماكن تواجد الشباب

والفتيات سواء أكان عن طريق الدروس والمحاضرات أو عن طريق الكتابة في

الصحف والمجلات والنشرات والإنترنت، أو عن طريق الحديث عن ذلك في

المجالس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

رابعاً: مشاركة الناصحين والناصحات في شغل أوقات الشباب والفتيات بما

يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة خاصة أنه قد كثرت منافذ الشر التي تشغل

أوقاتهم ما شاؤوا من ساعات الليل والنهار من القنوات الفضائية والإنترنت والتي

تثير غرائزهم وتشعل شهواتهم، والقلب إذا امتلأ بالشهوة عمي العقل، وانتهكت

الحرمات لسد هذه الشهوات التي لا تجد لها في الغالب منفذاً مباحاً، وسد هذه

المنافذ غير ممكن في الغالب؛ لذلك لا بد من احتواء هؤلاء الشباب والفتيات

وترشيدهم، وإيجاد البدائل الممكنة بمشاركة كل ناصح وناصحة بأفكاره، وتفعيل

المناسب منها.

وينبغي أن يكون بذل هؤلاء الناصحين والناصحات خالصاً لوجه الله تعالى

لتظهر بركته، فيُقدم فيها كلُّ واحد منهم في فكره وعمله المصلحة على حظ نفسه،

مذكراً نفسه بين حين وآخر بهدفه الذي يسعى لتحصيله.

خامساً: توعية الآباء والأمهات بضرورة تربية النشء على العقيدة الصحيحة

والفقه في الدين، وتذكيرهم بعظم المسؤولية «كلكم راع وكلكم مسؤول عن

رعيته» [١] .

هذا بعض ما جاد به خاطري للنهوض بمستوى المرأة المسلمة، وهو وإن

كان بطيئاً كما يقولون إلا أنه أكيد المفعول؛ لأن تربية الفتيات والشباب

بالمحاضرات فقط التي تُلقى عليهم في الشهر أو نحوه مرة، مع أنهم يكونون قد

أمضوا أمام الشاشات أكثر ساعات اليوم كما تدل على ذلك الإحصائيات المذهلة

والتي ليس هذا مقام سردها أقول: إن التربية بالمحاضرات وحدها لمثل أولئك لا

تكفي، وخاصة أن التربية عن طريق هذه الشاشات يكون بأسلوب محبب للنفس

تتشربه من حيث لا تشعر.

وأخيراً وإن كان واقع الأمة الإسلامية الذي نعيشه اليوم من أسوأ عصورها،

وإن تكاثرت على هذه الأمة السهام، وتواترت مصائبها إلا أن الله متم نوره ولو

كره الكافرون، ولو كره المشركون.

ونحن أُمرنا بالعمل ولا ننتظر النتيجة، وإن كنا نحبها ونرجوها [وَمَا كَانَ

رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ] (هود: ١١٧) .

والله أسأل أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وأن يصلحنا ويصلح بنا، وأن

يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم؛ إن ربي قريب مجيب.


(١) رواه البخاري، ح/٨٤٤.