للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[من الفائزين]

رياض بن ناصر الفريجي

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال:

«قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى» .

[رواه أبو داود والنسائي]

وإن هاتين الشعيرتين العظيمتين تأتيان بعد موسمين زاخرين بأنواع من

العبادات والطاعات مما يجعل المسلم يفرح ويسرّ لإتمامه شيئاً مما فرضه عليه

خالقه ومولاه: [قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ]

(يونس: ٥٨) .

وإن مما اعتاده الناس تبادل التهاني والدعوات في الأعياد والمناسبات.

ومن هذه الدعوات: من العايدين، من الفائزين.

ولما كان موسم العيد قريباً كان من الحسن أن نعرف أعمالاً تجعل هذا الدعاء

سديداً، وتيسر لنا الفوز حتى يكون سعينا رشيداً.

وإن قرآننا العظيم وهو دستورنا القويم قد أوضح في محكم آياته وسائل للفوز،

وبيّن حقيقته. فإلى هذا المعين الصافي ووقفات مع الآيات التي حوت كلمة

«الفائزين» جعلنا الله منهم برحمته وفضله.

قال تعالى: [الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ] (التوبة: ٢٠) .

فبعد أن صحّ فهم الإيمان، وهجروا الأهل وتركوا الأوطان، وجاهدوا بالمال

والأبدان جازاهم الله بالرحمة والخلود في الجنان؛ كما في الآيتين التاليتين للآية

السابقة (٢١، ٢٢) .

قال السعدي: أي لا يفوز بالمطلوب، ولا ينجو من المرهوب، إلا من

اتصف بصفاتهم وتخلّق بأخلاقهم.

قال تعالى: [إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ]

(المؤمنون: ١١١) .

يأتي هذا الخطاب في معرض الجواب على الكفار لما سألوه الخروج من النار

فيخبرهم الجبار بأن سبب هذا البوار هو سخريتهم بالعباد الأبرار لما دعوا الملك

الغفار: [رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا] (المؤمنون: ١٠٩) فجازاهم الله

بصبرهم على الأذى وتحملهم للابتلاء أعظم الجزاء بالفوز في دار البقاء.

قال السعدي: جزيتهم بما صبروا على طاعتي وعلى أذاكم حتى وصلوا إليّ

بالنعيم المقيم والنجاة من الجحيم.

قال تعالى: [وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ]

(النور: ٥٢) . أطاعوا الله بفعل الواجبات وترك المحرمات، واتبعوا رسوله فيما

أمر، واجتنبوا ما عنه نهى وزجر، ومع ذلك يخافون الله فيما سلف من أيامهم وما

زلّت به أقدامهم ويتقونه فيما بقي من أعمارهم هؤلاء هم السعداء الذين فازوا بكل

خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة.

قال السعدي: أولئك الذين جمعوا بين طاعة الله وطاعة رسوله وخشية الله

وتقواه، هم الفائزون بنجاتهم من العذاب لتركهم أسبابه، ووصولهم إلى الثواب

لفعلهم أسبابه؛ فالفوز محصور فيهم؛ وأما من لم يتصف بوصفهم فإنه يفوته من

الفوز بحسب ما قصر عنه من هذه الأوصاف الحميدة.

ثم تأتي آخر آية حوت هذه اللفظة لتبين حقيقة الفوز وتقرّر مفهومه فيقول

تعالى: [لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ]

(الحشر: ٢٠) .

فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده فاستحق جنات النعيم

والعيش السليم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،

ومن غفل عن ذكره ونسي حقوقه فشقي في الدنيا واستحق العذاب في الآخرة؟

فالأولون هم الفائزون، والآخرون هم الخاسرون.

وأخيراً: تقبل الله منا ومنك «وهي التهنئة التي كان يقولها الصحابة لبعضهم»

كما جاء في فتح الباري. اللهم اسلك بنا سبيل طاعتك، وجنبنا سبيل معصيتك،

واجعلنا ممن فازوا بجنتك برحمتك.