للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

تأثرت بأصالة القرآن وصحته

حوار مع الشيخ جمال الدين زرابوزو

نبذة عن الضيف:

فضيلة الشيخ جمال زرابوزو عَلَم من أعلام الدعوة الإسلامية في أمريكا

الشمالية، عرف بتميزه العلمي، وحرصه على التأصيل الشرعي، له عناية خاصة

بعلم الحديث. ترجم عدداً من الكتب إلى اللغة الإنجليزية من أبرزها: كتاب فقه

السنة، وهو مطبوع، وشرح العقيدة الطحاوية، نسأل الله - تعالى - أن ييسر

طباعته. ومن أبرز مؤلفاته: شرح الأربعين النووية، وهو شرح مفصل طبع في

ثلاثة مجلدات. كما أسس فضيلته مجلة (البشير) ، وهي مجلة متخصصة تعنى

بنشر الدراسات والأبحاث الشرعية، ولكنها توقفت عن الصدور.

ويسعدنا في هذا اللقاء أن نستضيف فضيلة الشيخ لنتحاور معه في عدد من القضايا

في الساحة الأمريكية.

البيان: لعلنا نبدأ حوارنا مع فضيلتكم بالتعرف على سبب إسلامك، ثم

اهتمامك بدراسة العلوم الشرعية؟

- إنني في الأصل من إسبانيا، وقد نشأت في عائلة إسبانية كاثوليكية

«تقليدية» . وأقول «تقليدية» بمعنى أننا لم نكن متدينين جداً. ولقد بدأت

رغبتي بالدين عندما دعاني أحد أصدقائي إلى كنيسة من كنائس جماعة «شهود

يهوه» ، ولما أتى الوقت لأنتسب إلى تلك الكنيسة بشكل رسمي قررت أنه لا بد لي

قبل ذلك من دراسة أديان أخرى قبل الانضمام إلى تلك الكنيسة كي أتأكد أن تلك

الكنيسة هي الكنيسة الحقة. وهذا في الحقيقة هو الذي دعاني لدراسة الإسلام

واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها. ولدى دراستي الإسلام تأثرت بأمرين

أولهما: أصالة القرآن وصحته، و «نقاوة» الإيمان بالله، بعيداً عن

الخرافات، والترَّهات، والآلهة البشرية وغير ذلك. وبعد عدة أشهر فقط من بداية

دراستي لهذا الدين العظيم قررت أن أُسلم؛ علماً بأني لم أقابل مسلماً قطُّ في ذلك

الوقت، وكذلك كنت شبه مقتنع بأنه لم يكن هناك مسلمون على الإطلاق في تلك

القرية الصغيرة التي كنت أقيم فيها.

وبفضل الله ونعمته فقد وجدت عدداً من الطلبة المسلمين في تلك البلدة. وكان

في البلدة عدد من الإيرانيين الشيعة يقيمون في تلك البلدة في ذلك الوقت، إلا أنني،

والحمد لله، لم أشعر بأي انجذاب أو تجاوب لتعاليمهم وما يدرسونه. وكان أكبر

الأثر عليَّ لإخوةٍ من المسلمين من الكويت والمملكة العربية السعودية. وقد كانوا

بحق مجموعة من الإخوان الطيبين الذين أثَّروا فيَّ بشكل كبير. وبعد حمد الله

وشكره، فإنني أتوجه بالشكر الخالص إلى أولئك الإخوة على دعوتهم وإخائهم

الطيب.

ونظراً لخلفيتي ودراستي للأديان المختلفة فقد شعرت بأهمية العودة إلى

المراجع الأصلية للعلم والمعرفة؛ وذلك لأميز بين ما أصبح «ممارسة» عادية

للملتزمين باسمٍ مَّا، وبين التعاليم الحقيقية للدين. ولذا، فقد قررت مبكراً، بأنني

إذا قررت الالتزام بدينٍ جديد فيجب أن ألتزم به بشكل جدي، وأنه يجب عليَّ بذل

قصارى جهدي لدراسة هذا الدين من مصادره الموثوقة المعتمدة الصحيحة والأصيلة.

والحمد لله؛ فمنذ أصبحت مسلماً أقمت في بيئة يوجد فيها عدد من الإخوة العارفين

بهذا الدين، والذين يحبون مساعدة الآخرين من مختلف أرجاء العالم. ولقد كانوا

خير مثالٍ وقدوة لي، وشجعوني دائماً على الدراسة والتعلم. فعلى سبيل المثال:

بعد أن بدأت أقرأ العربية وأكتبها، بدأ عدد من الإخوة - جزاهم الله خير الجزاء -

بمساعدتي للحصول على المراجع الأساسية من مختلف بلدان ما وراء البحار؛ إذ لم

يكن هناك سوى أمكنة قليلة يمكن شراء الكتب العربية منها في أمريكا. وبتوفيق

الله - سبحانه وتعالى - ثم بمساعدة هؤلاء الإخوة الكرام تمكنت من متابعة

دراساتي وتحصيلي العلمي في مادة القرآن الكريم، والحديث، والفقه وغيرها

من العلوم الشرعية.

البيان: ذكرتم تأثركم بالقرآن ولكن؛ هناك عدد كبير من الترجمات

الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم؛ فما تقويمكم لها، وما أحسن الترجمات فيما ترون؟

- نعم! لا شك أن هناك عدداً كبيراً من الترجمات لمعاني القرآن الكريم

بالإنجليزية متوفرة حالياً، وكي أكون صريحاً معكم فإن هذه الترجمات تتفاوت ما

بين «سيئة جداً» إلى «قريبة من الممتازة» . فإذا تكلمنا عن ترجمة معاني

الآيات الكريمة فقط، فأفضل الترجمات، في رأيي، ترجمة خان والهلالي،

وترجمة «صحيح انترناشيونال» ، وترجمة محمد بكتال، وترجمة عبد الله يوسف

علي. وعلى جودة هذه الترجمات - كلٌّ على حدة - فإن هناك ما ينقصها ويعيبها.

فعلى سبيل المثال: ترجمة خان والهلالي، على ما أخبرني عبد الملك مجاهد

شخصياً [ناشر الترجمة] ؛ فقد تقرر أن توضع «ملاحظات الشرح» والهوامش

ضمن أقواس داخل نص الترجمة ذاته، وليس في الحواشي المستقلة. وإن هذا

يجعل النص صعب القراءة، وغالباً لا يستطيع القارئ تمييز نص الآية ذاتها

والملاحظات الشارحة لها. وأما ترجمة عبد الله يوسف علي فهي بلغة قديمة

مهجورة تقريباً، وهو يؤول معاني من معاني الآيات الكريمة، كما أن حواشيه

وتعليقاته غاصةٌ بمظاهر التوبيخ والشجب. وإنني لا أوصي بترجمة يوسف علي

بما تحتويه من الكم الهائل من التعليقات والحواشي عليها، علماً بأن هناك إصدارين

جديدين من هذه الترجمة متوفرين في الأسواق، وقد قدما كثيراً من التحسينات على

الترجمة الأصلية.

وإنني أعتقد أن ما ينقص المكتبة القرآنية باللغة الإنجليزية هو وجود حواشٍ

وتعليقات على معاني القرآن الكريم يتم تقديمها على ضوء السنة المطهرة والحديث

النبوي الشريف، وأقوال الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، وقدامى المفسرين،

كما يجب تناول القضايا والموضوعات التي لا بد من مناقشتها وتناولها لقراء اللغة

الإنجليزية. ولعل أفضل وأكمل شرح أو تعليق على معاني القرآن الكريم نجده

اليوم هو كتاب العلامة أبي الأعلى المودودي مترجماً بالإنجليزية هو «تفهيم

القرآن» . ومع ذلك، فإن هذا الكتاب أيضاً عليه ما عليه من المآخذ، كما هو

معروف لكثير من قرائكم. وقد نشرت مكتبة دار السلام مؤخراً طبعةً موجزةً

مختصرةً جديدةً من المجلد الأول من تفسير ابن كثير، وأرجو أن يكون هذا

العمل الجليل إسهاماً هاماً للمكتبة الإسلامية بالإنجليزية، إلا أن هذا العمل لم

يُكْتَب للقارئ الإنجليزي، لذا فإنه لن يسدَّ كافة الفجوات التي يجب سدُّها في

هذا المجال.

وإن مشكلة فراغ المكتبة الإسلامية باللغة الإنجليزية من شرحٍ فعَّالٍ ومؤثر

لمعاني القرآن الكريم هي إحدى المشكلات التي ما فتئ الدكتور جعفر شيخ إدريس

يعالجها، وكذلك أنا شخصياً، خلال السنوات الماضية. وأرجو الله - سبحانه

وتعالى - أن يجعل اليوم الذي تتوفر فيه تفاسير أفضل وأعمق باللغة الإنجليزية

لقرائها كما هو متاح لقراء العربية.

البيان: نرجو من فضيلتكم أن تحدثونا عن المسلمين الأمريكيين من حيث

تأريخهم ونسبتهم وتأثيرهم السياسي والاجتماعي.

- في الحقيقة إن للإسلام تاريخاً طويلاً وممتعاً في أمريكا. وإنني لست

متخصصاً في هذا المجال من جهة، وليس هذا المجال مجال خوض في التفاصيل

عن هذا الموضوع بالذات، ومع ذلك فيمكنني أن أسرد بعض الملاحظات العامة.

فالإسلام قد دخل إلى أمريكا على عدة موجات مختلفة، بما في ذلك مرحلة موجة

المكتشفين الجغرافيين قبل كولومبوس وذلك من شمال إفريقية، والعبيد الذين

أكرهوا على المجيء أثناء فترة «تجارة العبيد» من مختلف أرجاء العالم الإسلامي

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. إلا أن معظم هذه الموجات المبكرة من أفواج

المسلمين لم يكن لهم كبير أثرٍ مباشرٍ على الوجود الإسلامي المعاصر في أمريكا.

ولا يزال عدد المسلمين اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية صغيراً نسبياً. وإن

التقديرات الأولية العامة لعدد المسلمين حالياً في أمريكا يتراوح ما بين (٣ - ٩)

ثلاثة إلى تسعة ملايين مسلم. إلا أننا يجب أن ندرك أن هذه التقديرات العامة لا

يمكن الاعتماد عليها تماماً. والأهم من هذا كله يجب أن ندرك أن هذه التقديرات لا

تفرق بين المسلمين الملتزمين، ومن لهم أسماء مسلمة فقط، أو أنهم ينتسبون

للإسلام فقط؛ لأنهم انحدروا من أصول مسلمة، أو أتوا من بلدان إسلامية، وليس

لأنهم يمارسون الإسلام في حياتهم العملية. ويمكن القول بشكل عام: إن التأثير

السياسي والاجتماعي للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال ضئيلاً جداً،

وخاصةً خارج الشواطئ الشرقية لأمريكا. ولا زلت أقابل - حتى هذا الوقت -

أشخاصاً أمريكيين يعربون عن دهشتهم إذا سمعوا أن هناك مسلمين في أمريكا، أو

أن تكون أعداد هؤلاء المسلمين بالملايين.

البيان: تنتشر الاتجاهات الصوفية عند بعض إخواننا المسلمين من ذوي

الأصول الأوروبية، فما حجم هذا الانتشار وما أسبابه؟

أولاً: من الصعب جداً أن نحاول تقدير حجم هذه الظاهرة. ومع ذلك، فمما

لا شك فيه أن نسبة كبيرة من الأمريكيين الأوروبيين ينجذبون لمختلف أشكال

الطرق الصوفية. ومن الصعب عليَّ أن أحاول أن أبدي رأياً في هذا الأمر بناءً

على عدد النقاشات التي أجريتها مع أمثال هؤلاء. كما أن من الصعب أيضاً شرح

الأسباب الداعية إلى ذلك. ولقد قابلت عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص ويمكنني أن

أقدم أفكاري فقط حول هذا الموضوع بناءً على عدد من المناقشات مع هؤلاء

الأشخاص. وينحدر كثير من هؤلاء الأشخاص من عوائل متوسطة أو عالية

المستوى ومن خلفيات متحررة نسبياً. ولا يتطلع كثيرٌ منهم نحو طريقة جديدة في

الحياة، أو إجراء تغيير في حياتهم؛ فهم سعداء بنوعيات حياتهم، كما أنهم سعداء

بما هم عليه. وكل ما يبحثون عنه هو الرضى الروحي أو القناعة والسعادة

الروحية المفقودة. أو - بمعنى آخر - إنهم يبحثون عن شخص يخبرهم أن كل ما

يعملونه هو «صواب» ، طالما أن قلوبهم سليمة. وإن هذا بالضبط هو ما يجدونه

في الحركة الصوفية. وسترى أنهم سيستمرون في حياتهم العادية تماماً قبل أن

يعتنقوا الإسلام، أو على الأكثر؛ فإن التغييرات التي يجب عليهم إجراؤها في

حياتهم هي قليلة جداً. وفي الوقت ذاته، فإن كثيراً من الأشخاص قد انجذبوا للفكر

الصوفي لأسباب مختلفة تماماً. إن أمثال هؤلاء الأشخاص يحاولون أن يرتقوا

بأرواحهم، إلا أنهم يشعرون بركود كبير أثناء القراءة والاستماع للمحاضرات

المتوفرة عن الإسلام. وإنني لم أستطع، حتى هذا اليوم، معرفة السبب الذي يؤكد

فيه إخواننا على نشر مواد أولية فقط لأمثال هؤلاء، دون أن يكون فيها أي عمق

في المحتوى. وكذلك الحال تماماً بالنسبة للمؤتمرات والمحاضرات التي تعقد بشكل

عام. وتصبح هذه المواد، وبسرعة كبيرة جافةً جداً، ومكرورةً، ومملةً. فإذا أراد

الأمريكيون الذين لا يحسنون قراءة العربية الانتقال من ذلك النوع من القراءة، فإن

أمامهم ثلاثة خيارات هي: الأدب الصوفي، والأدب الحديث، أو أدب المستشرقين.

ومن نافلة القول أن نقول: ليس أي من هذه الخيارات المتاحة مشجعاً، إلا أنه لا

بد مما ليس منه بدُّ؛ فليس هناك أية خيارات أخرى، وترى أن كثيراً من القراء

يغوصون في هذه الأنواع الثلاثة من أنواع الأدب الإسلامي. ولسوء الحظ، فإن

كثيراً ممن يقرؤون مثل هذه الكتب تضطرب أفكارهم، أو تستغرقهم مثل هذه

الأعمال، ولذا فإنهم يتجهون إلى مسارات غير سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم،

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

البيان: المسلمون من أصول إفريقية يمثلون نسبةً كبيرةً في أمريكا مقارنةً

بغيرهم، ولكن ظهرت في أوساطهم منذ عهد قديم دعوات منحرفة مثل دعوة

البلاليين، وأخيراً برز من قياداتهم لويس فرخان، فهل يمكن أن تحدثونا عن ذلك

من الناحية التاريخية والعقدية المنهجية؟

- يحتاج الجواب على هذا السؤال، في الحقيقة، مجالاً أوسع من مجال هذه

المقابلة. وإذا لم يسبق لمجلتكم الغراء أن كتبت سابقاً عن هذا الموضوع فيستحسن

أن تفردوا له مجالاً خاصاً فيها، إذ إنه يمثل، في اعتقادي، إحدى القضايا الهامة

التي تُشْكِل على كثير من إخواننا المقيمين في العالم العربي وغيره. وباختصار،

فإن كثيراً من التاريخ الإسلامي، فيما يتعلق بالأفارقة الأمريكيين، يتركز حول ما

يسمى حركة: «نيشن أوف إسلام» (أمة الإسلام) . ويعتقد أتباع هذه الحركة أن

الحق - سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً - أتى بشكل «رجل» يسمَّى

«فرد محمد» ، والتقى مع من يدعى «أليجا محمد» واختاره ليكون «رسولاً»

له.

وكان من تعاليم أليجا محمد: أن العرق البشري الأبيض هم شياطين.

وكما يتضح من التعاليم الأساسية لهذه الجماعة، فإن تعاليمهم - وإن استخدموا

لفظة «الإسلام» ، وأشاروا إلى القرآن الكريم، فإن تعاليمهم كانت كفراً بواحاً -

نعوذ بالله من الشيطان الرجيم - وكانت بعيدةً بعداً كبيراً عن تعاليم الإسلام الحق.

وبعد موت أليجا محمد عام ١٩٧٦، أجرى ابنه والاس محمد، أو وارث الدين

محمد، بعض التغييرات على مفاهيم الجماعة وأفكارها، وقرَّبها نسبياً من الإسلام.

فبدأ أفراد هذه الجماعة يصلَّون، ويسمعون عن حديث رسول الله صلى الله عليه

وسلم. ولسوء الحظ، فإن أحداً لم يدرس كيف يمكن النظر وتقييم «الكفر»

الذي كانت عليه التعاليم السابقة لتلك الجماعة بشكل مباشرٍ وصريح. ومن ناحية

أخرى، فإن لويس فرخان رفض التغييرات التي حدثت في الجماعة، واستمر في

تدريس عقيدة الكفر التي كان يدرسها ويدعو إليها أليجا محمد. وقد ادعى لويس

فرخان، في مناسبات، وخاصةً في الآونة الأخيرة، أنه يعتقد بنبوة محمد صلى الله

عليه وسلم وأنه ينطق بالشهادتين، واستطاع بهذا أن يخدع كثيراً من المسلمين،

بل واستطاع أن يخدع بعض المنظمات والمؤسسات الإسلامية أيضاً. وفي الوقت

ذاته، لم يواجه فرخان أية مشكلة في أن يشرح لأتباعه أن رسول الله صلى الله عليه

وسلم هو خاتم رسل الله رب العالمين، إلا أن أليجا محمد أيضاً هو خاتم

«الرسل» ، نعوذ بالله مما يقول ويفتري. كما أنه استهزأ بالمسلمين والعرب من

أهل السنة في بعض الأحيان، كما سخر من اعتقاداتهم ووممارساتهم الإسلامية.

ولسوء الحظ، فإن لفرخان أثراً كبيراً حتى هذا الحين بين المسلمين الأمريكيين -

الأفارقة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومما يزيد الأمر سوءاً أثر الإعلام على

الناس من الأمريكيين الأفارقة وغيرهم، بل الأدهى والأمرُّ أنهم يعتقدون أن

الإسلام، أو عندما يُسألون عن الإسلام، أن لويس فرخان هو خير من يمثل هذا

الدين بحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

البيان: ماذا عن الدعوة السلفية في أمريكا عامةً، سواء عند المسلمين البيض

أو عند المسلمين السود ذوي الأصول الإفريقية؟ وهل ترون أن العلم الشرعي

الأصيل ينتشر بين المسلمين الأمريكيين؟

- أود أن أجيب على هذا السؤال بالحديث عنه من خلال وجهة نظري

التاريخية. لقد اعتنقت الإسلام، ولله الحمد، في عام ١٩٧٦م، وقد كانت الدعوة

السلفية غير معروفة في أمريكا لا بالاسم ولا بالفكرة. ولحسن الحظ، فقد كانت

أكثر المواد المنتشرة بين المسلمين في تلك الآونة إما من كتابة الإخوان المسلمين،

أو من كتابات الجماعة الإسلامية في الباكستان، وقد احتوت هذه المواد على كثير

من المعلومات الجيدة عن الإسلام، إلا أنه في الوقت ذاته، لم تركز تلك الكتب

على اتباع السنة المؤكدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هديه الكامل في

الحياة، وهدي خلفائه الراشدين - رضي الله عنهم -، وهذا أقل ما يُقال في تلك

الكتب. وكان التركيز ضعيفاً جداً على اجتناب البدع، وكذلك محاولة فهم الإسلام

على أنه الطريقة الحقة الوحيدة للحياة. ولقد كان هذا الأمر، إلى جانب توفر كَمٍّ

كبير من الأدب الصوفي، إلى جانب الأدب الحديث أو الحداثي، اللذين سهَّلا جداً

على الأشخاص أمر الانحراف عن الطريق السوي لهذا الدين المستقيم. والحمد لله؛

فقد تغيرت الأمور تغيراً ملحوظاً منذ ذلك الوقت، وقد أصبح الآن للدعوة السلفية

مؤسسات ومؤتمرات تمثلها وتدعو لها. ولقد تمَّ نشر عدد كبير من الكتب على هذا

المنهاج، وبخاصة تلك الكتب التي تردنا من إنجلترا، والكتب التي يؤلفها وينشرها

أحد رواد هذا المنهج السلفي في بلادنا الدكتور بلال فيليبس. ونحمد الله كذلك على

أن الذين يرغبون باعتناق الإسلام حالياً لن يواجهوا ما واجهه كثير من معتنقي

الإسلام في الماضي. بل، ولله الحمد كذلك، فإن المسلم الجديد الذي يعتنق هذا

الدين العظيم سيجد بسهولة وسرعة ما يوجِّهه إلى منهج السلف الصالح والطريق

القويم لهذا الدين العظيم.

البيان: هناك جالية مسلمة كبيرة وافدة إلى أمريكا من العرب والهنود وغيرهم،

فما أثر هؤلاء على نشر الإسلام في القارة الأمريكية؟

- أشرت في إجابتي عن بعض الأسئلة السابقة إلى أنه لم يكن للمهاجرين

الأوائل سوى أثر ضئيل جداً. إلا أن المهاجرين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة

الأمريكية في الستينيات وبعدها كانوا مختلفين تماماً عن المهاجرين الأوائل؛ فكانوا،

بشكل عام، أكثر ثقافةً وأفضل حظاً في الوظائف والأعمال التي يتقنونها. فكان

لهؤلاء، إلى جانب الكثير من الطلاب الوافدين، أثرٌ وجهدٌ كبير في تأسيس الكثير

من المساجد وبعض المؤسسات الإسلامية النشيطة. وكان لهؤلاء أيضاً الفضل في

التفكير بإنشاء نواةٍ للمدارس الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، فإن

أثر هذه الموجة الجديدة للهجرة كان إيجابياً وفعالاً إلى حد كبير. إلا أن كثيراً من

هؤلاء اتبعوا ما يمكن أن نسميه «الإسلام التقليدي» ؛ وذلك أنهم اتبعوا ما كان

معروفاً وسائداً في البلدان التي أتوا منها، حتى ولو كان هذا غير صحيحٍ وغير

موافق لما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقد لوحظ أن كثيراً من أولاد

هذه الموجة المهاجرة الوافدة إلى أمريكا أنفسهم، ممن لم يكن لهم ارتباطٌ وطيدٌ

بالتراث الحضاري لآبائهم دعوا للعودة إلى الإسلام الصحيح واتباع القرآن الكريم

والسنة المطهرة. ولقد أدى هذا، لسوء الحظ، إلى شيء من التوتر والشدة

والخلاف، إلا أننا نأمل أن يؤدي إلى نتيجة طيبة بعون الله وتوفيقه.

البيان: مجلة البشير بالإنجليزية من المجلات العلمية الرائدة في بابها، فهل

يمكن أن تحدثونا عن تجربتكم في هذه المجلة؟

- أولاً: أود أن أشكركم على كلامكم الطيب عن مجلة البشير في سؤالكم هذا،

ولله الحمد. فقد كانت مجلة البشير مجلةً تصدر مرةً كل شهرين، واستمرت على

هذا النحو مدة ثماني سنوات ما بين عامي ١٩٨٧- ١٩٩٥ وكان هدفها الأساس

توفير مقالات متعمقة ومتخصصة تُكتَب من قبل متخصصين في مجالاتهم في

موضوعات أساسية عن الدين الإسلامي العظيم، إما في مجال التفسير، أو الحديث،

أو الفقه أو غيرها من المجالات الإسلامية. فقد كان هناك تركيز كبير على المواد

الأساسية التي تعرِّفُ بهذا الدين العظيم، مما جعل من الصعوبة بمكان العثور على

مواد متعمقة ومتخصصة في موضوعاته المختلفة. وكانت مجلة البشير استجابةً

لهذا الطلب الهام. وقد واجهت البشير في البداية مشكلة «ندرة» الكُتَّاب، مما

جعل العبء الأكبر لهذه المجلة على محرِّر المجلة، وهو أنا. وقد تمَّ تشجيع كثير

من الكُتَّاب على الكتابة للمجلة، ووعد كثيرون بالكتابة، إلا أنه وللأسف الشديد لم

يكتب منهم إلا عددٌ ضئيل. وإنني أعتقد أنه يجب ألا تكون هناك مجلة تعتمد على

كاتبٍ واحدٍ فقط. ولذلك، فقد اتجَّه القرار إلى إيقاف المجلة أولاً. ومن جهة أخرى،

فإن المجلة كانت معقولة الثمن جداً، إلا أن كثيراً من القراء آثروا أن يحصلوا

عليها مجاناً بدل أن يقدموا الدعم المادي لها. وفي اعتقادي أن هذه قضية هامة جداً

بالنسبة لكثير من الأنشطة الدعوية الإسلامية. ويشيع بين كثيرٍ من الناس أن كل ما

يتعلق بالأمور الدينية الإسلامية يجب أن يكون مجاناً. والحق أقول، فمن وجهة

نظر عملية، لا يمكن أن يكون هذا عملياً؛ فالذي حدث لمجلة البشير، مثلاً، أنه

كانت بعض المساجد تشتري نسخةً واحدةً من المجلة، ثم يقومون بتصويرها

وتوزيعها مجاناً بعد صلاة الجمعة. وقد أصبحت التبعات المالية كبيرةً وثقيلةً جداً،

وخاصةً بما أنه تمَّ اتخاذ قرار بعدم وضع إعلانات في المجلة، وذلك لعدد من

الأسباب، وبذا، فقد اضطرتْ هذه المجلة لإغلاق بابها. وقد تمَّ بحمد الله وتوفيقه،

نشر عدد من المقالات التي نشرت في العددين الأول والثاني من هذه المجلة في

كتاب مستقل بعنوان: «نحو فهم لديننا» ، وأدعو الله أن يجعل هذا العمل نافعاً

ومفيداً لعامة المسلمين.

البيان: نستأذن فضيلتكم بالانتقال إلى موضوع آخر؛ حيث نعيش هذه الأيام

حمى الانتخابات الأمريكية؛ فهل للمسلمين الأمريكيين أثر في انتخابات الرئاسة

الأمريكية، أو انتخابات مجلس الشيوخ، أو الكونجرس؟ وهناك من ينادي في

أمريكا بتكوين فريق من المسلمين للضغط على الساسة الأمريكان ويرون أن

المسلمين يمثلون قوةً فاعلةً في أمريكا، فهل تتفقون مع هذا الرأي؟ وهل هو مجدٍ

من الناحية العملية؟

- سأحاول الرد باختصار جداً على هذين السؤالين. ولذا، ستكون إجابتي

غير مكتملة. وإني أعتقد أن إعطاء ردٍّ كامل على هذين السؤالين لا يمكن استيعابه

في مجال مقابلة في هذه المجلة.

فأولاً: لا يزال أثر المسلمين، حتى هذا التاريخ، ضئيلاً جداً على الانتخابات

في أمريكا، علماً بأن هذا الأثر ينمو ببطء؛ حيث إن المسلمين ينخرطون

في المجال السياسي أكثر وأكثر حالياً. إلا أنه في الوقت ذاته، يجب أن

ندرك أنه إذا أردنا بحقٍّ أن يكون للمسلمين أثر قوي على الانتخابات الأمريكية، فلا

بد أن يقوم الأفراد ببعض الأعمال غير المناسبة أخلاقياً أو قانونياً من وجهة النظر

الإسلامية. وإنني أعتقد أنه يجب على المسلمين أن يكونوا حذرين جداً عندما

يتناولون أموراً مثل هذه.

ثانياً: إني أعتقد أيضاً أن المسلمين في أمريكا ليسوا جاهزين بعدُ لتمثيل أية

قوة سياسية أو حزب سياسي؛ لأن جماهير المسلمين بشكل عام لم يطوِّروا بعدُ

الوعي والإدراك العام ليعرفوا أين ولمن يعطون ولاءهم وإخلاصهم. ولسوء الحظ

فإنني قد قابلت عدداً من المسلمين ممن يعتقدون بولائهم الوطني على أنهم مواطنون

أمريكيون، بنفس القدر الذي يعلنون ولاءهم فيه للإسلام، إن لم يكن ولاؤهم

لوطنيتهم الأمريكية أكثر من ولائهم للإسلام، ويصدق هذا أيضاً حتى عندما يكون

هناك خلاف واضح بين الولاءين. وكما قلت، فإنني لا أريد الخوض في التفاصيل؛

فقد يكون من الخير ألا يكون للمسلمين قوة سياسية كبيرة أو أثر سياسي كبير في

الوقت الحالي؛ فقد لا يكون من النافع لهم والحالة هذه أن يمتلكوا هذه القوة وهم لا

يعرفون كيف يستخدمونها بشكل مناسب. ومن الواضح أن استنتاجي هذا (وقد لا

يكون مقبولاً لدى الكثيرين) ، إنما هو مبني ببساطة على ملاحظاتي الشخصية

خلال السنوات الطويلة للمسلمين في هذه البلاد، والله وحده أعلى وأعلم.

البيان: تعمد وسائل الإعلام الأمريكية إلى تشويه الإسلام والهجوم على

المسلمين؛ فهل ترون أن هذا سوء فهم للإسلام؟ أم أن لها خطة مدروسة معلومة

أبعادها؟ وهل هناك خطة من بعض المسلمين أو الجمعيات الإسلامية لمواجهة ذلك؟

- مما لا شك فيه أن هناك عدداً كبيراً من الناس يستخدمون وسائل الإعلام

لمهاجمة الإسلام مثل: دانيال بايبس، ستيف إيمرسون، وغيرهما. وعلاوةً على

ذلك، فإن أكثر مصادر الإعلام لديهم ما يسمونه «خبراء» فيما يتعلق بأمور

الإسلام. وأكثر هؤلاء الخبراء، بوجه عام، هم من المستشرقين الذين تعلموا كيف

يمكرون بدهاء وبطرق خفية لمهاجمة الإسلام وهم يبدون للعامة بأنهم أكاديميون

وباحثون فقط. ويبدو أن هؤلاء الأشخاص الذين يتربعون على القمة في هذا المجال

يحاولون، دون أدنى ريب، أن يستخدموا تأثيرهم ونفوذهم وأدواتهم المختلفة

ليسيئوا إلى الإسلام ويصرفوا الناس عنه. بينما نلاحظ أن الأشخاص الذين هم

أدنى من هؤلاء في مجال الإعلام - وقد قابلت كثيراً منهم خلال السنوات

الماضية - لا يعرفون إلا القليل عن الإسلام، وهم يعتمدون على ما تمدهم به

مصادرهم التي تُدْعى - كما أشرنا آنفاً - «خبراء» . ويصعب تحديد عدد الذين

يودون فعلاً مهاجمة الإسلام، كما يصعب أيضاً تحديد عدد الجاهلين منهم. ويجب

أن نأخذ في الحسبان أن كثيراً من الأمريكيين - بوجه عام- جهلة إلى حد كبير فيما

يتعلق بأمور الإسلام وشؤونه. كما أن العاملين في المجالات الدنيا من الإعلام ليسوا

أحسن حظاً من الجماهير الأمريكية بشكل عام، ولذا، فينبغي ألا نستغرب مدى

جهلهم أيضاً، والحمد لله، فإن هناك بعض المؤسسات والجمعيات الإسلامية حالياً

تراقب بنشاط كبير ما يصدر في الإعلام الأمريكي وترصده، فإذا وجدت أي

مادة منافية أو مضادة مهاجمة، فيبدؤون حملةً إعلاميةً نشطةً للاتصال بتلك

المصادر الإعلامية، ويُعلِمون المسلمين في كافة أرجاء الولايات المتحدة

الأمريكية بما يجري على الساحة الإعلامية. وقد أسست هذه المؤسسات

القاعدة الأساسية والرفض الجماهيري، أو الطلبات القوية التي توجه إلى تلك

المصادر الإعلامية التي تحاول التشويه أو المهاجمة ضد الإسلام والمسلمين لسحب

ما يقولونه ضد الإسلام، أو تصحيحه. وقد كانت جهود هذه المؤسسات موفقةً

جداً، بحمد الله، في بعض الحالات. وقد ساعدت جهودهم الطيبة هذه على

تحسين فهم الإسلام من قِبَلِ هؤلاء العاملين في مجال الإعلام.

البيان: ختاماً، نرجو من فضيلتكم أن تعرفنا بمؤلفاتك والكتب التي ترجمتها،

ثم تخبرونا بمشاريعكم العلمية المستقبلية.

لقد تمكنت - بنعمة ربي ورحمته - من نشر بعض المؤلفات والترجمات.

ولعل من أهم كتاباتي في هذا المجال: «تعليق على الأربعين النووية» . ويقع

هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات ضخمة وهو شرح لهذه الأحاديث الهامة. وقد تكرم

الدكتور جعفر شيخ إدريس بكتابة مقدمة لهذا العمل الضخم. وكذلك، فقد كتبت:

«نحو فهم أفضل للقرآن الكريم» و «مكانة السنة وأهميتها» . وأما

أعمالي المترجمة فتشتمل على: «عالم الجن والشياطين للدكتور عمر الأشقر» ،

وعدد من الكتب التي كتبها الدكتور صالح السدلان، ومنها: «النشوز وفقه الزواج

في ضوء القرآن والسنة» . وأما فيما يتعلق بمشاريعي المستقبلية، فقد تعلمت

منذ زمن طويل أن من الأفضل ألا يناقش المرء مشاريع المستقبل؛ فقد يظن المرء

أنه سيفعل شيئاً ما في المستقبل، إلا أن الله - سبحانه وتعالى - يصرفه عنه

ويوجهه إلى شيء آخر قد يكون مختلفاً تماماً عمَّا أراد. لذا، سأنتظر وإياكم لنرى

المشروع التالي الذي سأنجزه بنعمة الله ورحمته وفضله.

وختاماً، فإني أرجو الله - سبحانه وتعالى - أن يبارك جهودكم الطيبة في

هذه المجلة - البيان - ولله الحمد، فإنها لا تزال ذات نفع عظيم لكثير من

المسلمين. وأرجو الله أن يزيدكم قوة إلى قوتكم، وقدرة إلى قدرتكم لتستمروا

في العطاء والنشر للعديد من السنوات القادمة، بحول الله وتوفيقه.

فجزاكم الله خيراً.