للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[دعوة للمصالحة والوحدة]

محمد فضل محمد فضل

الصلح شَعِيرة عظيمة حثَّ عليها الإسلام في قوله تعالى: [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ]

(النساء: ١٢٨) والدعوة الإسلامية أحوج ما تكون لمثل هذه الشعيرة وهي تشق

طريقها في وجه التحديات والمخاطر التي تحاك ضد الإسلام، ولما ظلت تتعرض

له الدعوة الإسلامية من تصدع وانقسامات أثرت سلباً على مسارها الدعوي وكان له

انعكاس سيئ على أفرادها، فمن كان يصدق أن الدعوة الإسلامية سيصيبها ما

أصاب الأمم الأخرى من الشتات والتحزب إلى جماعات وفرق حتى أصبح كل

فريق يكيل للآخر السباب ويتحين الفرص للانقضاض عليه، وفقد كلا الفريقين

الثقة في الآخر، فانتشر بينهما سوء الظن، وانفرط عقد الأخوة الإسلامية وحل

محلها الكراهية والبغضاء حتى أصبح الأخ ينفر من أخيه المسلم، وإذا رآه في

المجالس العامة لا يصافحه ولا يسلِّم عليه؛ وهكذا ضاعت الأخوة الإسلامية في

وسط هذا الركام من الخلافات والنزاعات التي لا يوجد ما يسوغها خاصة أن الفرقاء

يجتمعون في الأصول؛ وقد يختلفون في مسائل اختلف فيها أهل الفضل قديماً،

وليس عيباً أن يختلفوا اختلافاً سائغاً ولكن العيب أن يقنن البعض لهذا الخلاف

ويسعى لتحزيب الناس عليه.

وقد اختلف السلف الصالح في مسائل كثيرة ولكنهم لم يتحزبوا ولم يدعو إلى

مقاطعة مخالفيهم ولا إشاعة الكراهية بينهم؛ لأنهم كانوا يدركون أن الشخص قد

يجتمع فيه الخير والشر، فيحبون ما عنده من خير، ويبغضون ما عنده من شر،

وظلت جذوة الأخوة الإسلامية متقدة في صدورهم؛ ولهذا دانت لهم الأمم والشعوب

واستطاعوا أن يسودوا العالم، فما أحوج الدعوة الإسلامية اليوم لهذا الفقه (أدب

الخلاف) فالتاريخ يحدثنا أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: «من زعم أن

محمداً صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية» بينما كان ابن

عباس وجمهور الأمة يقول بالرؤية ولم نسمع أن أحداً قد وصف عائشة رضي الله

عنها بأنها قد جاءت بمنكر من القول، بل اعتبرها المخالفون أنها قد اجتهدت ولها

أجر الاجتهاد، ولم يسعوا إلى تجريمها أو اتهامها بالانحراف والخروج عن منهج

السلف. وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط؛ «ولو كان كلما اختلف

مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة، ولقد كان أبو بكر

وعمر رضي الله عنهما سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير،

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة:» لا يصلين أحدٌ العصر إلا

في بني قريظة « [١] فأدركتهم العصر في الطريق، فقال قوم: لا نصلي إلا في

بني قريظة ففاتهم العصر، وقال قوم: لم يرد منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق،

فلم يُعب أياً من الطائفتين» أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر؛ وهذا

إن كان في الأحكام فما لم يكن في الأصول المهمة فهو ملحق بالأحكام « [٢] .


(١) أخرجه البخاري وغيره، ح/٩٤٦.
(٢) الفتاوى، ج ٢٤، ص ١٧٢.