للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[دموع الغروب]

عبد الله بن حماد البلوي

وقف ذلك الشاب.. ينظر غروب الشمس.. ويرمقها وهي تختفي بعيداً..

ويختفي معها نورها الذي كسا الأفق.. فدمعت عيناه.. فقد تذكر أن غروب هذه

الشمس إنما هو غروب عام كامل.. فلقد انتهى العام.. ولم يبق منه سوى بقايا هذه

الأشعة التي بدأت في الرحيل.

فمر به شريط حياته في هذه السنة.. ليشاهد نفسه المعرضة ترخي زمام

الهوى، ولتمضي به بعيداً عن الله وعن طريقه..

شاهد نفسه الغارقة في بحر الشهوات الذي تقاذفته أمواجه في كل مكان..

وهو بلا حراك..

شاهد الصائمين في رمضان يخرجون من المساجد بعيون دامعة وقلوب

منكسرة وهو في لعب ولهو.

تذكر أنه في هذا العام الذي رحل قد عق أمه كثيراً، وخالف أمرها كثيراً،

فدمعت عينه لهذا العقوق..

انهال دمعه أيضاً وهو يرى أهله يصومون أياماً من شوال؛ وهو لم يفكر

بقضاء ما عليه من رمضان..

ويمضي هذا الشريط ليرى الناس وقوفاً في عرفة يدعون الله ويبتهلون إليه

بالمسألة حين كان هو مقبلاً على قنوات الفضاء بكل جوارحه.

في هذه الأثناء توارت الشمس وغابت عن الأنظار، وادلهمَّ الليل، فشعر هذا

الشاب بالخوف، وأحس أن الحياة تمضي وهو في إعراضه غارق.. وفجأة سمع

صوت الأذان وكأنه يسمعه لأول مرة.

وقال في نفسه: كم ناداني المؤذن في هذا العام وأنا في إعراض عن ندائه؟

وتساءل في نفسه: هل سيغفر الله هذا الذنب؟ وهل سيمحو هذه الخطيئة؟ وأنا لا

أذكر متى دخلت المسجد! فما أشد إعراضي وما أكبر ذنبي! ! فأجهش بالبكاء..

وحين أراد القيام سمع صوت الإمام يقرأ بصوت شجي ندي آياتٍ أحيت فيه الأمل

وحركت منه الفؤاد: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ

اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] (الزمر: ٥٣) .