للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متابعات

[وقفات مع: قراءة سياسة لبيعة العقبة]

د. محمد بن صامل السلمي [*]

لقد اطلعت على العدد (١٥٤) من مجلة (البيان) فوجدته حافلاً بالدراسات

والموضوعات المفيدة، وإني أشكركم وجميع إخوانكم في مجلة البيان على اهتمامكم

وحرصكم الدائم على الارتقاء بمستوى المجلة موضوعات وإخراجاً.

وفيما قرأت موضوع: «قراءة سياسية لنصوص بيعة العقبة» من إعداد

عبد الحكيم الصادق، والباحث قد بذل جهداً يشكر عليه، لكن طغت عليه

المصطلحات المعاصرة، وأسقط دلالة هذه المصطلحات على حوادث السيرة

النبوية؛ وهذا أمر فيه خطورة ومجانبة للمنهج العلمي.

يقول الباحث: «بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الجولة السياسية

لمدينة الطائف ... ولقائه مع ممثلي الأمم من النبيين ... قام بعد ذلك بتعديل منهج

التغيير؛ حيث اعتمد العمل من خلال مؤسسات المجتمع الجاهلي وأعمدته ... »

إلخ.

وهذا الكلام خطير جداً ليس في استخدام المصطلحات فقط، ولكن من حيث

التقرير والاستنتاج الذي حمل عليه استخدام المصطلحات المعاصرة وقياس الحال

عليها؛ فكيف يتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد العمل من خلال

مؤسسات المجتمع الجاهلي؟ ! وهل يسوغ للمسلمين قياساً على هذا القول العمل من

خلال البرلمانات والمحاكم القانونية، والإعلام الكفري، والأحزاب، ... إلخ وهي

مؤسسات المجتمع الجاهلي؟ !

انظر إلى ألفاظ أخرى مثل قوله في ص ٣٠: «إقامة الجماعة السياسية

لضبط جدلية النظام والحركة» وقوله ص ٣١: «فالرسول يرى ضرورة السلطة

والتنظيم كضرورة الماء للكائن الحي» ، وهذه مبالغة، وقوله في العمود الثاني من

ص ٣١: «لقد كان رسول الله مدركاً تمام الإدراك للدور الذي تلعبه السلطة» .

وذكر في البعد السياسي لبيعة العقبة أن الهدف عند الأنصار من البيعة هو

إقامة الدولة (ص٣٣) والذي صرح به الأنصار وحرصوا عليه هو إقامة الدين

ولهم الجنة على ذلك، ولم يعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الجنة،

ففرحوا وقالوا: «ربح البيع؛ لا نقيل ولا نستقيل» ، وإقامة الدولة وسيلة من

وسائل إقامة الدين.

وقد كرر هذا وقريباً منه في دوافع البيعة، فجعل من دوافعها الدافع السياسي،

وعلل ذلك بتعليلات لا أرى أنها تصل إلى درجة أن تكون دافعاً للبيعة؛ فالبيعة

للرسول صلى الله عليه وسلم كانت مقصداً شرعياً وليست بهدف سياسي، لكن مما

صنعه الله لرسوله كما قالت عائشة رضي الله عنها قتل كثير من زعماء الأوس

والخزرج في حرب بعاث إذ هيأ الأمر لرسول الله في المدينة؛ حيث بذهاب

الزعماء الذين يعارضون الدعوة في العادة تهيأ الأمر لأهل المدينة فقبلوا الحق

وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذكره الباحث من وجود دافع عسكري

ودافع اجتماعي لبيعة العقبة غير واضح، ولا يوجد في نصوص البيعة وأخبارها ما

يدل عليه، والبيعة كانت ذات هدف ديني وتصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم

والتزاماً بما يأمر به وينهى عنه، وبواعثها ودوافعها كذلك؛ فليس منها مساومات

واقتسام مصالح دنيوية، بل هي بيعة على الإيمان وما يوجبه عليهم، وحماية

لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجهاد معه بما شرع الله.

هذه ملاحظاتي على المقالة، وأرجو أن تقبلوها بصدر رحب؛ ولكم تحياتي

وتقديري.


(*) أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى مكة المكرمة.