للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[الفجر الجديد]

محمد بن سعيد حجاب

في غمار هذه الفتن والمحن المتلاطمة وما يُلاقيه المسلمون من ألوان

العذاب والنكال في كل بقاع الأرض لا ترى مسلماً إلا ويذوب قلبه ويتفطر مما

يرى من تسلط الأعداء من حوله، ومما يرى من تخاذل المسلمين ونكوصهم عن

نصرة إخوانهم؛ ففي هذا العقد خصوصاً ظهرت أبشع العداوات السافرة

والحروب الضارية التي اصطلى المسلمون بنارها في كل مكان، ولك أن تنظر

إلى هؤلاء اللاجئين والمشردين لترى في وجه كل واحد منهم صفحة تقرأ في

سطورها كل معاني الفقر والفاقة والجوع والحرمان؛ فلكل مهاجر قصة، ولكل

لاجئ حكاية، ولكل أسرة ألف حكاية وحكاية.

نعم! فلقد أصبح جسدُ هذه الأمة جسداً مُثخناً بالجراح؛ فعن أي شيء أتحدث

يا أمتي؟ أأتحدث عن مستنقعات الدماء وكأنك ترى مذبحاً بشرياً؟ أم أتحدث عن

مصيبة هذه الأمة حين فارقت دينها وجهلت حدود ما أنزل الله على نبيها صلى الله

عليه وسلم؟ أم أتحدث عن مُصابها الفادح حينما حاربت دُعاة الإسلام ووصفتهم

بالتطرف والإرهاب والشطط الفكري؟ وهنا قد يتساءل سائل: ولكن أما لهذا الليل

من فجر قريب؟ فأقول: نعم فعما قريب إن شاء الله يبزغ فجر، وتعلو رايات أمتنا،

ويشهد الكون نصر دعوتنا وقيام دولتنا. قال - تعالى -: [كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا

وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] (المجادلة: ٢١) . نعم! فإن ما نراه من حولنا

يوحي بأن هناك جولة جديدة للإسلام بإذن الله يغير الله بها هذا الواقع المرير الذي

يحكم الأرض، ويستبدل به صفحة مشرقة يعيش الناس في ظلها، ولسوف تملأ

الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله الفعال لما يريد، وبالرغم من وجود

كثير من المعوقات إلا أن المبشرات أقوى منها وأجدر أن تكون هي صاحبة الكلمة

الأخيرة.

فنحن نرى أن الحرب التي خاضها الأعداء ضد الدعوة الإسلامية لم تكن

لتوقف هذا المد الإسلامي الذي يثبت جذوره في كل أنحاء المعمورة؛ فنحن أمة

يحركها قدر الله، ويقودها كتاب الله، ويجدد معالم طريقها رسول الله صلى الله

عليه وسلم، والمبشرات بنصر هذا الدين كثيرة تجيء في مقدمتها آيات الذكر

الحكيم، وأحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك قوله

تعالى: [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ]

(غافر: ٥١) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون

اليهود فيقتلهم المسلمون» [١] ، وغيرها من الآيات والأحاديث الصحيحة التي تبشر

بنصرة هذا الدين، ولكن ينبغي للدعاة ألا يركنوا، وعليهم أن يتوقعوا مزيداً من

المحاربة والبطش؛ فعليهم التسلح بالإيمان، وعلى الصحوة كذلك أن تحاول كسب

قلوب الناس لمناصرة الدعوة، وأن تكون قادرة على الالتحام بالمجتمع، وعليها

أيضاً أن تكون قادرة على التفكير الإيماني. وعلى التيارات الإسلامية أن تحذر من

مغبة التشرذم والتفرق، ولتتعلم كيف تختلف دون أن تفترق وتتخاصم، وعلى

المسلمين أن يستيقظوا من سباتهم العميق، وليعملوا على تغيير ما بأنفسهم حتى

يُمكِّن الله لهم دينهم، ويُعيد إليهم دورهم السالف؛ مصداقاً لقول رسول الله صلى الله

عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا

وبر إلا أدخله هذا الدين» [٢] .


(١) رواه البخاري من حديث أبي هريرة (٦/٢٦١) .
(٢) رواه أحمد في المسند عن تميم الداري، (٤/١٠٣) والألباني في السلسلة الصحيحة، (١/ ٧) .