للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جرح في الجنوب]

حسب اتفاقيات وسياسات الشرق والغرب، فإنه من مصلحتهم جميعاً أن تبقى

نقاط ساخنة في العالم وتكاد تكون كل قارة من القارات النامية (النائمة) آسيا،

أفريقيا، أمريكا الجنوبية تعاني من حروب أهلية أو حروب على الحدود بين دولتين، تستنزف خيرات هذه القارات إلى مصانع السلاح في الشرق والغرب، وتحتكر

القرار السياسي في عواصم السلاح نفسها.

ولعل من هذه النقاط التي يُراد لها أن تُصبح ساخنة في القارة الإفريقية هي

جنوب السودان.

فبعد أن أُغلق مجلس الشعب الإقليمي بجوبا عام ١٩٨٠ تأسست بمدينة

طرابلس الليبية في سبتمبر ١٩٨١ جبهة تحرير السودان بقيادة عثمان إبراهيم

طويل، واتخذت منطقة جنوب السودان ميداناً للصراع المسلح ضد النظام السابق،

ثم انقسمت هذه الجبهة وانفصل عنها عقيد نصراني اسمه جون قرنق بما يسمى

الحركة الشعبية لتحرير السودان، واتخذ من الأراضي الحبشية مقراً له، انفصل

عن رفاقه الذين اتفق معهم في أول الأمر على تحرير السودان من نميري وتسلطه

والرقي بالمجتمع والاقتصاد السوداني قُدماً، وعارض كذلك تطبيق أحكام الشريعة

الإسلامية ولو كانت حسب عقلية النظام السابق، مدفوعاً من كونه نصرانياً، ولكن

بعد زوال نميري، وقيام حكومة مدنية أخرى لم يرجع قرنق، وأعلن أن الجنوب

السوداني نصراني على الرغم من أن النصارى لا يشكلون الغالبية في الجنوب،.

ويريد تخليصه من الشماليين المتسلطين عليه بل ذهب أبعد من ذلك حيث أباد قبيلة

(منداري) إبادة كاملة لأنها كانت موالية للحكومة المركزية في الخرطوم، وكشر عن

أنيابه الحاقدة كيف لا! والهيئات الكنسية العالمية عاونته على انشاء إذاعة في

الأراضي الحبشية، والاتحاد السوفيتي بدوره كالعادة مده بالسلاح عن طريق النظام

الحبشي ذي الميول اليسارية.

ونقلت إلينا الأخبار نبأ إسقاط طائرة مدنية بعد إقلاعها من مطار ملكال الواقعة

في الجنوب على بعد ٤٠٠ كيلو متر من الخرطوم، وقد أسفر هذا الحادث الذي

تعرضت له طائرة من طراز فوكر من طائرات الخطوط الجوية السودانية عن مقتل

٤٥ - ٦٠ شخصاً وعُلم أن من بين ضحايا الحادث عدداً من رجال الإغاثة الدولية

(القبس الكويتية ٢٨/٨/٨٦، والعرب ١٨/٨/٨٦) وكانت حجة قرنق أن الحكومة

السودانية تستغل الطائرات المدنية لنقل الجنود والسلاح إلى الجنوب وتُعد هجوماً

للقضاء عليه، وازداد الأمر سوءاً حيث حذر جيمس انفرام مدير برنامج الغذاء

العالمي في روما (٢٧/٨/٨٦) بأن ما يقرب من مليوني شخص مهددون بالموت

جوعاً في جنوب السودان، وأضاف: إن جسراً جوياً أنشئ في ١٥ أغسطس

الحالي قد توقف بعد ثلاث رحلات جوية بسبب إسقاط الطائرة المدنية بالقرب من

ملكال. وذكر أن المتمردين الجنوبيين في السودان قد أغلقوا معظم المعابر في

جنوب السودان التي كانت تستخدمها وكالات الإغاثة لنقل الأغذية والمؤن، وحذر

المتمردون بأنهم سيسقطون أية طائرة تحلق فوق المناطق التي يسيطرون عليها،

وذكرت جريدة القبس قول العاملين في مراكز الإغاثة في كينيا إن أوغندا أوقفت

إرساليات ومعونات الإغاثة إلى مناطق المجاعة في جنوب السودان، لاتهام أوغندا

السودان بمساعدة المتمردين الأوغنديين في شمال أوغندا، فيبقى الجنوب السوداني

بين سندان الورع ومطرقة الحرب.

لعله مما تقدم نستطيع تفسير مدى اهتمام حملات التنصير - على اختلاف

كنائسها - بجنوب السودان منذ زمن بعيد حيث إنهم يقومون بنشاط واسع بين

القبائل الوثنية والمسلمة في الجنوب ويقيمون المدارس والمستشفيات ومراكز لتجميع

أطفال الفقراء وبالتالي تنصيرهم لإعداد كوادر نصرانية للدولة المزمع إقامتها في

جنوب السودان على يد جون قرنق، أو غيره.

ولعلنا تتاح لنا فرصة في المستقبل القريب للحديث عن حملات التنصير

المحمومة في جنوب السودان.