للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متابعات

علم الاجتماع.. هل هو مجرد خرافة؟

اعترافات علماء الاجتماع عرض وتقويم

د. رفيق يونس المصري [*]

في عام ١٤٢١هـ = ٢٠٠٠م، نَشَر «المنتدى الإسلامي» كتاباً للدكتور

أحمد خضر، بعنوان: «اعترافات علماء الاجتماع» ويقع الكتاب في ٣٢٢

صفحة، وهو مقسَّم إلى ٢١ فصلاً، تفصيلها يعطي القارئ فكرة عن مضامين

الكتاب واتجاهاته:

١ - علم الاجتماع: شعوذة الأزمنة الحديثة.

٢ - اعترافات علماء الاجتماع في بلادنا.

٣ - علم الاجتماع: صياغة دينية لمعتوه فرنسي.

٤ - مؤشرات الارتباط بين الماسونية وعلم الاجتماع.

٥ - أين يلتقي الطهطاوي بعلم الاجتماع؟

٦ - الهدف ليس علم الاجتماع فحسب.

٧ - علم الاجتماع غبش في التصور وتشوش في النظرية.

٨ - علم الاجتماع نزعة علمية مزيفة.

٩ - علم الاجتماع رطانة غامضة.

١٠ - علم الاجتماع كلام عامي.

١١ - علم الاجتماع بحوث سطحية وأخرى استعمارية.

١٢ - الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع.

١٣ - فهم الإسلام عبر المكتبة الغربية.

١٤ - رجال الاجتماع ومهمة تفكيك الدين.

١٥ - لمن تمنح الدولة جائزتها في علم الاجتماع؟

١٦ - المسلمون الفيبريون (نسبة إلى ماكس فيبر) نموذج آخر لمعاداة

الإسلام.

١٧ - الصحوة الإسلامية ورجال الاجتماع.

١٨ - الاعتراف بفشل التحليلات الماركسية عن الصحوة الإسلامية.

١٩ - المتدينون والمرض العقلي.

٢٠ - رجال الاقتصاد وثغرة في جدار الصحوة.

٢١ - هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟

انتقد الكاتب على لسان غيره معظم المشتغلين بعلم الاجتماع، الذين تحولوا

إلى مفكرين بأجر، يبحثون ويكتبون في حدود ما يطلب منهم ويُؤجرون عليه

(ص ٢٧) . ونقل أن هناك فئات لا يستطيع المجتمع أن يعيش بدونها،

كالفلاحين والعمال ورجال الإدارة والجيش، وفئات لا يستطيع أن يتقدم بدونها

كالمهندسين والأطباء وخبراء التكنولوجيا والاقتصاد.

أما علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا والنفس والسياسة والإعلام فيمكن للمجتمع

أن يعيش بدونهم ويتقدم (ص ٣١١) ، كما نقل الكاتب اعترافات بعض علماء

الاجتماع بأن الكتب العربية في علم الاجتماع رديئة وسطحية ومترجمة ومستعارة

من مجتمعات أخرى (ص ٣١٤) ، ومعقدة إما بقصد الإيحاء بجهبذة فكرية، أو

وهو الغالب لعدم فهم كاتبيها لما ينقلونه من المصادر الأجنبية (ص ٣١٦) .

والكاتب أحمد خضر لم أكن أعرفه قبل قراءة هذا الكتاب، مع أننا في مركب

واحد؛ فهو يعمل في حقل الاجتماع، وأنا أعمل في حقل الاقتصاد، وكلانا ينطلق

من الإسلام، ولكنه وصل إلى نتيجة لم أصل إليها؛ فهو قد كفر بعلم الاجتماع،

بأصوله وفروعه، وأنا لم أفعل الشيء نفسه في الاقتصاد.

وإني أشعر بأن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً في جمع كتابه، وتلقُّط شواهده؛

ومع أني غير متخصص في علم الاجتماع إلا أنني أحس بأن الكاتب صادق ومحب،

وبالرغم من أنني استفدت من كتابه، إلا أن شكوكاً ساورتني في أن يكون علم

الاجتماع لا شيء، أو أنه مجرد شعوذات، كما يقول، وهناك من يدَّعي مثل ذلك

حيال علم الاقتصاد، وينكر أن تكون هناك مشكلة ندرة، أو مشكلة اقتصادية،

وليس هذا موضوعي الآن، ولكني قد كتبت ردوداً هنا وهناك على من يدَّعي هذه

الدعوى، ويغالي إلى حد تكفير القائلين بالندرة.

وحتى لو سلَّمنا جدلاً بصحة كل ما يقوله د. أحمد خضر، لكن لي عليه مآخذ،

وهي:

١ - كنت أتمنى أن يُخرج ما عنده بالتدريج، وربما بالقطارة؛ ذلك لأن

الجرعة التي قدمها جرعة قاتلة، قلَّما يخلو باحث متعمق مسلم أو غير مسلم من

التعرض لما تعرض له أحمد خضر، ولكن بمقادير مدروسة، قد تأتي صحيحة،

وقد تكون تعبيراً عن استراحة محارب، أما أحمد خضر فقد جاء عياره زائداً على

الحد، وعلى ما يحتمله القارئ والجامعة والمجتمع.

٢ - نقل الكاتب عن كل عالم اجتماع بعض مساوئ هذا العلم، ولكنه جمع

هذه المساوئ كلها، من المؤلفين كلهم، في كتاب واحد، ولشخص واحد، وهنا

أذكر مرة أنني اقترحت على أحد العلماء أن يجمع في كتاب واحد فكاهاته المتناثرة

في بطون كتبه الكثيرة، فأبى!

٣ - كنت أتمنى ألاَّ يكون ما كتبه حول الموضوع بهذا الحجم، وكان من

المستحسن أن يكتفي بمقالة قصيرة، أو كتيب صغير، لعله يكون أكثر نفعاً وتأثيراً.

إنه يقول بأن علم الاجتماع علم خلافي (ص ١١٨) ، وأرجو ألاَّ يكون هذا

الحكم هو الذي صرفه عن العلم، ونفَّره منه؛ فالعلوم الاجتماعية: الاجتماع

والاقتصاد، وربما الطب أيضاً، كلها خلافية، أو فيها قدر لا يستهان به من

الخلاف، ونحن نلمس آثاره عندما نراجع الأطباء، ونستمع إلى أقوالهم، وهذا

الخلاف موجود حتى في العلوم الشرعية؛ فإن قيل: إن العلوم الشرعية لها أصول

متفق عليها، وسلَّمنا بهذا دون فحص ولا غوص في مطولات الأئمة، فإن الشرائع

تختلف عن العلوم؛ إذ قد يكون فيها قليل من الاتفاق، ولكن العلوم أكثرها أو كلها

ظنية، وكونها ظنية لا يعني أن علينا تركها وهجرها، حتى العلوم الشرعية تعتمد

على الظن، والأنشطة الاقتصادية كذلك، ولم يكن هذا داعياً إلى هجرها، بل

العكس، إن التصدي لها واجب شرعاً وعقلاً، وعلماً وعملاً. وإن متعة الباحث

يجدها في الخلاف، ولا يجدها في الإجماع، وذلك لأجل الموازنة الدقيقة والعميقة

بين الأدلة والحجج والبراهين، ثم محاولة الترجيح بينها، فهذه متعة علمية وعملية،

شاحذة للأذهان، ومدِّربة لها على الاجتهاد، وربما نستطيع بعد ذلك أن ننقل

بعض الأحكام من مجال الشك إلى مجال الظن، أو من مجال الظن إلى مجال اليقين.

وأذكر أن بعض السلف كانوا يقولون: عندنا صناديق من العلم لم تفتح.

فالباحث يتكبد المشقة والمتعة في اكتشاف المجهول وتنمية المعلوم، حتى إذا ما

دفقت عليه المعارف والعلوم كان عليه أن يترفق بنفسه وبغيره، فيخرجها على

جرعات؛ فهذا يحميه من العزلة الشعورية والاجتماعية، كما يحمي مجتمعه

وإخوانه من عزلة مماثلة.

إني أتمنى أن يقوم د. أحمد خضر بجمع كتاب آخر يذكر فيه أفضل علماء

الاجتماع، وأحسن ما عندهم، لا أدري، ولربما يعتبر أن هذا الذي نقله هو أحسن

ما عندهم! وأرجو أن ينطلق في هذا الكتاب المقترح من إسهامات ابن خلدون،

وغيره من علماء المسلمين وفقهائهم ومؤرخيهم؛ فكثيرون يعتقدون حتى من

الغربيين بأن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، ولم أجد أن الكاتب قد أفرد

فصلاً في كتابه لابن خلدون، ولعله يجمع في هذا الكتاب المقترح «الأشياء

الصحيحة» في علم الاجتماع، التي ذكرها ناشر الكتاب في تقديمه.

أحمد خضر طاقة تفكيرية وتعبيرية، ولكنه يحتاج إلى مدير ناجح لأعماله، أو إلى

مُخرج حاذق؛ فإنه أنكر علم الاجتماع، وأنكر أي محاولة إسلامية لتأصيله،

واستراح. لعلِّي لم أفهم ما يقوله: أحقيقة هو أم إحباط؟ ! وهل هذا الإحباط ناشئ

من العلم نفسه، أم من فرص العمل المتاحة لخريجيه؟ ما أسهل أن يقول الإنسان:

هذا كله حلال، أو هذا كله حرام. إن التفصيل صعب، ولكني أرجو أن يكون هو

الأصوب.

في الكتاب قليل من الأخطاء المطبعية واللغوية، منها في الصفحة الخامسة:

«ضاعت سني حياتنا» ، والصواب «سنو» ، وفي الصفحة ٢٨١:

«المتدينون والمرضى العقليين» ، والصواب: «العقليون» ، وفي الصفحة

٣٠٢: «قبل (....) مفاهيماً ماركسية» ، والصواب: «مفاهيم» بفتحة

واحدة لا بفتحتين؛ لأنه ممنوع من الصرف؛ إذ هو على صيغة منتهى

الجموع.


(*) باحث في الاقتصاد الإسلامي.