للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأقلامهن

[وماذا تريد المرأة من نفسها؟ !]

رزان بنت سعد آل يحيى

إن المرأة وأنا واحدة من هذا الجنس تقرع قلبها قبضة الاضطراب والخوف

وهي ترى الحرب الضروس تطحن أخوات لها كُنَّ من السرعة حينما سقطن في

شراكها، ويتزايد نبض فؤادها بتزايد الطروحات التي تنادي بسفور المرأة

واسترجالها واقتحامها ميادين الشقاء تحت شعارات شتى براقة اللفظ ضخمة

والمعنى، سقيمة المقصد بعيدة المرمى.

وفي الوقت الذي لم يألُ دعاة تغريب المرأة جهداً في النيل من ثوابت الأمة

والسعي لنخر قيمها وتهشيم مُثُلها وفق خطط مرسومة، في الوقت نفسه كان ما لدى

كثير من النساء من الأهداف والطموحات والقناعات السامية القدر الضئيل! !

إنه من المؤسف ألا يكون لامرأة حازت مستوى تعليمياً جيداً أهداف واضحة.

المرأة المعاصرة (في الجملة) ليست مشكلتها في ماهية الأهداف فحسب، بل في

وضوح تلك الأهداف، إنه من الندرة بمكان من يمتلكن أهدافاً واضحة، وإذا كان

فلا يوجد في بعض المجتمعات من يعمل لهدف واضح إلا نسبة ٣%، والذين

يكتبون أهدافهم أقل من ١%، فما نسبة النساء من بينهم؟ !

إن الضبابية التي غشت نظرة المرأة في أهدافها شتَّتت فكرها وشتَّتت

رؤاها؛ ولكنها لا تدري ما السعادة التي تحن إليها؟ ولا أين مظان الأنس وراحة

الصدر اللذين ترومهما؟ هي تتطلع للتميز ولو كان عن طريق موضة ساذجة أو

صرخة مبتدعة، ومرة تستشرف الكمال الذي لم تتحدد معالمه لديها بعد.

فماذا تريد المرأة من نفسها؟ !

لا أظن شيئاً أخطر على الإنسان من نفسه؛ فهو إنما يؤتى من قِبَلها بتفريطه

في معالي الأمور تارة، وازوراره عن المبادرات تارة، وفتوره عن العمل تارة،

وامتطائه للسلبية تارة، وتحقيره للعظائم، وتضخيمه للصغائر، وركونه للأحلام

والتخيلات تارات أخرى.

لم أرد بهذا الطرح كشف عيوبنا معشر نساء المسلمين ولا تعميم الحكم على

بعض الأخوات من جنسي؛ لكني أخاف على أخواتي أن يصيبهن ما أصابني عند

قراءة ملف (ماذا يريدون من المرأة؟) الذي نشرته مشكورة مجلة البيان؛ فقد بدأ

يداخلني وأنا أقرأ هذا العنوان وأتملى ما كُتب فيه أن ما أصاب بعض النساء من

انحراف في السلوك وضعف في الاهتمامات ما كان سببه الخطوات (المقننة) التي

حاكتها أصابع لفيف من المستغربين من العلمانيين واليساريين والشهوانيين فقط،

دون تحميل المرأة ذاتها مسؤولية ما كان وما سيكون، ودون محاولة إلقاء الضوء

على جهودنا الدعوية القاصرة؛ إذ كدنا ننسى مع موجة (اتهام الآخر) أن ما قدمناه

للمرأة في ميزان الأعمال الناجحة ضئيل للغاية؛ ولذلك رغبت في التنبيه على أن

المرأة نفسها بسبب أنها قد تجهل الغاية التي خُلقت من أجلها، والطبيعة التي فُطرت

عليها، والمقاصد السامية التي رُسمت لها بسبب ذلك: لم تدر ماذا يراد منها ولا

ماذا يراد لها، ولا ماذا تريد هي من نفسها؟ ! فحيناً تنتابها رغبة جامحة لأمر ما

فتنسى عقلها، أو تفيض عاطفتها بشيء يعصف بضده فتعيش أمواجاً متلاطمة تظن

أنها تفتت الصخر، وإنما هي جعجعة بلا طحن.

ولم يكن هذا الذي تعيشه المرأة إفرازاً فطرياً بحتاً، أو نشاطاً تغريبياً فجاً، أو

تعمية إعلامية فنية؛ إنما كان نتيجة حتمية لواقع العمل الدعوي النسائي، وصورة

عكسية للجهود الفاترة في صفوف الفتيات، وهذا فيما أظن لا يتحمله الرجال وحدهم؛

فإن ما قدمه الرجال ويقدمونه لن يؤثر في النساء بالدرجة الفعلية ما لم يكن فيهن

من يترجم الأفكار إلى اللغة التي تفهمها المرأة، ويلامس عاطفتها ويفهم نفسيتها

وفق القواعد الشرعية المعتبرة.

وهذه طائفة من العناصر أرى أن في إشهارها مشاركةً في رسم مشروع

استدراك بناء المرأة؛ حيث تمر المرأة بصعوبات في الدعوة والتربية ما أيسر

تخطيها على من وفقها الله. ومن أهم هذه الصعوبات:

١ - أن تجربة المرأة في الدعوة إلى الله وفق الأساليب المعاصرة جديدة تفتقر

إلى التعرف على التجارب السابقة؛ ونظراً لأن كثيراً منها تجارب لم يتحدد الحكم

الشرعي فيها بعد، أو كانت تجارب رجالية؛ فإن تواصل المرأة مع الرجل من

غير محارمها يتعرض لحساسيات شرعية جديرة بالبحث عن علاج.

٢ - وحينما تكون المحاضن التربوية التي تقوم على العناية بالمرأة نادرة

يتضح مدى حجم المعاناة التي تعانيها الداعية أو من تحمل همَّ الإصلاح.

٣ - يزيد المعاناة قلة الوسائل الإعلامية ذات الطابع المحافظ التي تعنى

بالمرأة باعتبارها ذات رسالة وهدف ساميين.

٤ - ورابع الصعوبات أن المرأة ذات طبيعة خاصة؛ فالأصل في حقها

القرار في البيت، واشتغالها بمصالح المنزل والزوج والأولاد، وقد يضاف إلى ذلك

انشغالها بأعباء الوظيفة المناسبة لها ولفطرتها.

٥ - يزيد الأمر سوءاً تعلق نفوس بعض النسوة بالموضة وتتبُّعهن لها، أو

تَطلُّع بعضهن إلى مجاراة بعض أخواتهن في شكليات لا ترقى أن تزاحم قناعات

يُفترض رسوخها.

٦ - من الصعوبات أيضاً حساسية بعض الداعيات المفرطة من النقد، وغلبة

الحياء والخجل.

٧ - الشعور باليأس في مقابلة السيل الهادر من الغزو الموجه، وتعدد صور

الانحراف السافر.

٨ - عدم استشعار حجم التغريب الموجه؛ بعدم الاطلاع على وسائله

ومخرجاته.

٩ - قلة المعين والناصر والموجِّه، وبخاصة أقرب الناس لها كالزوج أو

الأب أو الأخ.

هذا وإن من العوامل المؤثرة في تصحيح الوضع الراهن ما يلي:

١ - إيجاد معهد لتخريج الداعيات تتولاه وزارات الشؤون الإسلامية [*] أو

رئاسة تعليم البنات، أو المؤسسات الخيرية ذات الاهتمام بالمرأة وشؤون الأسرة.

٢ - تطوير الدور النسائية لتحفيظ القرآن الكريم، وتعميمها في شتى بلاد

المسلمين، وتوسيع دائرة المستفيدات منها، وتصحيح مفهوم قصرها على حفظ

القرآن الكريم دون التأثر به والتدريب على العمل بما فيه، وخدمتها إعلامياً،

وإقناع الناس بأثرها على بناتهم.

٣ - أهمية قيام مراكز الدعوة بتخصيص قسم مميز يهتم بالمرأة وقضاياها،

ولا يكون مجرد مكتب للخادمات ونساء الجاليات! ! ويراعى في إعداده وتصميمه

الأحكام الشرعية، والجوانب التي تهتم بها المرأة.

٤ - كفالة الداعيات أسوة بالدعاة، وتوفير البديل عن الوظائف الرسمية،

لتحقيق التفرغ.

٥ - إبراز جهود العاملات في حقل الشؤون الدعوية والتربوية التي تشارك

في توجيه الداعيات والمبتدئات منهن، وتعمل على فتح آفاقهن عن طريق الهاتف،

والهاتف المجاني.

٦ - تكثيف البرامج الترغيبية في مشاركة المرأة في الدعوة.

٧ - تكثيف المدارس الصيفية للطالبات التي يتولى الإشراف عليها نخبة من

أهل العلم والدين.

٨ - على مراكز التسجيلات الإسلامية توفير الإصدارات السمعية والمرئية

الدعوية والتربوية الموجهة للمرأة والأسرة والعناية بها بشكل يرغب في اقتنائها.

٩ - الاهتمام بالفتيات في المرحلة العمرية (١٥ ٢٥) ؛ فالمرحلة العمرية

التي يمررن فيها منعطف خطر.

١٠ - إصدار مجلات إسلامية، واستكتاب النساء بأسمائهن الصريحة فما دام

أن ما يكتبنه خيراً فلماذا يُتحفظ على الأسماء بلا مسوِّغ.

١١ - العمل على تطوير قدرات النساء متوسطات المحافظة وعاليات

المحافظة للوصول إلى درجة الداعيات الفاعلات.

إلى غير ذلك من المقترحات التي من شأنها تعريف المرأة بماذا تريد من

نفسها؟ فتعمل على رسم أهدافها وإيضاحها لها، وتنتفع بها في توسيع مداركها

وترقية اهتماماتها، ويصبح لديها من الإيمان بالمنهج الذي فطرها الله عليه ما يبعثر

الأطروحات العلمانية، ويكشف عوارها، ويفضح مغالطة المتأثرين بها، والله أعلم

وأحكم وهو الهادي إلى سواء السبيل.


(*) الألفاظ التالية (تتولاه.. على) ليست على جهة الأمر باعتباره أمراً لكن ثبت بالتجربة الحية
أن الأفكار التي تبنى للمجهول ولا تسند لجهة ما يكون مصير تنفيذها عالم المجهول، وقد تركت
بالفعل إسناد بعض الأفكار؛ لأن من يمكنه فعل ذلك كثير؛ فتركت الإسناد لكثرة من يجب عليهم.