للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنتدى

[قد لا نصل]

بدرية محمد

دوي المدافع قد علا في القرية، لا يُسمع إلا هو، بعد لحظات بدأت صرخات

الأطفال والنساء تعلو، دخان الصواريخ قد غطَّى سماء القرية، أصبحت سوداء

مظلمة، الكل بدأ يخرج ولكن أين يهرب؟ بعد لحظات بدأ الكل يسمع صوت

الرشاشات إنهم الوحوش الضارية يدخلون القرية الوادعة، الكل يفر ويخرج، قبل

أن يبدؤوا بالخروج أمرهم القائد بالاستسلام ثم سمح لهم أن يخرجوا رافعي أيديهم ما

عدا واحداً كان يحمل ابنته، رشقوه برصاصهم، سقط في بركة من الدم هو وابنته،

وقفت على جثته امرأة عجوز ونظرت إليه نظرة رحمة وشفقة ... صفعها القائد

وقال لها بلهجة غليظة: أتريدين أن أُلحقكِ به؟ ! سارت العجوز والدموع تنهمر

من عينيها مع الجموع المتدفقة من القرية في قافلة؛ إلا أن الصبيَّة سلافة وأمها

تأخرتا؛ لقد كانت منشغلة بجمع ملابسها وابنتها، حملت الأم ابنتها بسرعة وفي اليد

الأخرى متاعها ... بدأت الصبية تبكي ويعلو نشيجها: أمي! دميتي.. ألعابي.

الأم: لا وقت لدينا إنهم كلاب ضارية، خرجت الأم لتلحق بالقافلة لكنها أبعدت ولا

ترى إلا ظلالهم، عادت منكسرة الخاطر بدأت تتمتم لابنتها: ذهبوا ونحن هنا،

ولكننا سوف نسير قبل حلول الظلام بساعة. ذهبت الأم وابنتها إلى غرفة صبيتها

بدأت تنظر وتجول بناظريها في محتويات الغرفة، الطفلة: ماما! هذه دميتي وهذه

علبة التلوين! سقطت من عيني الأم دموع الحزن على براءة طفلتها، حملت الطفلة

الكرسي المتهالك وأسندته إلى الحائط أحضرت اللوحة، مدَّتها إلى والدتها، سقطت

دموعها على اللوحة؛ كادت الدموع أن تتلف اللوحة البسيطة! في أثناء ذلك دخل

أحد الوحوش صرخ في وجه الأم: أما زلتم هنا! أشار إليها بالرشاش، توسلت

رمت نفسها على قدميه: لا تفعلها. نظر إليها نظرة ذئب إلى فريسته: أمامك ١٥

دقيقة فإن لم تخرجي جعلتكِ كخروف الجزار. وأخذ ذلك الوغد يقهقه كالسكران.

حملت ملابسها، مدَّت الصبية يدها إلى الدمية لكي تحملها وبيدها الأخرى اللوحة،

نزعها الوحش، رمى بها الحائط، تكسَّرت، بكت الصبية، حملتها أمها وهربت،

سارت بين أزقِّة القرية حتى خرجت، نظرت إليها وهي تقول: قد لا أعود يا

قريتي! لا تحملي هَمِّي فإني في نعيم.

بدأت تسير تحث الخُطى لكنها تعبت، اكفهرت السماء، بدأ صوت الرعد،

بدأت تمطر، جلست الأم برهة لكي تستريح واصلت السير، بدأت قطع من الثلج

تسقط، وحلَّ الظلام، واصلت السير سقطت البنت: أمي! لقد تعبت، هل

الطريق طويل؟ نظرت الأم نظرة بعيدة لعلها ترى جبالاً يوجد بها كهف لتنام فيه؛

لكنها لم تر شيئاً، أخرجت الملابس وفرشتها على الأرض، ضمَّت جسدها بعضه

إلى بعض، ضمَّت إليها ابنتها وغطت بباقي الثياب جسدها، بدأت ابنتها تشكو من

الجوع: أمي! أريد حليباً وفطيرة. الأم: حينما نصل يا ابنتي إلى القرية المجاورة.

البنت: ومتى نصل إلى القرية المجاورة؟ الأم: قد لا نصل قد لا نصل.

ضمَّت ابنتها إليها بقوة وغطَّت في سبات عميق، وغطَّت زخَّات الثلج جسديهما

بندائف منه عديدة.