للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

العلمانية في العالم الإسلامي.. تساقط الأوراق

(٢ - ٣)

وما زال الحديث مستمراً

عندما تُذكَرُ العلمانية يتبادر إلى ذهن بعض الأشخاص شكلاً من أشكال مخالفة

أو محادة الشريعة بمعناها القانوني، وقد تذهب الأنظار بهم إلى بقعة (أو بقاع)

معينة في عالمنا الإسلامي اشتهرت بتلك المخالفة (أو المحادة) ، وهذا التصور إما

أنه ناشئ عن قصور في معرفة العلمانية، أو محدودية في فهم الإسلام، أو عدم

إحاطة بمدى التغلغل العلماني في واقعنا.

فالعلمانية مذهب فكري له أساس عام، تنبثق منه تصورات وأفكار تشمل

الحياة كلها، وتبنى على قاعدة هذه التصورات والأفكار هياكل ومؤسسات ونظم

وتكتلات تتغلغل في حياة الأفراد والجماعات لتصبغهم بصبغتها، وتسيرهم وفق

فلسفتها.

وفي المقابل: فإن الإسلام كما هو معلوم عند جميع المؤمنين به دين يحوي

نظاماً متفرداً وذا خصوصية؛ فهو دين شامل ومهيمن وموجه لحياة الأفراد

والجماعات: أفكارهم وتصوراتهم، مشاعرهم وعلاقاتهم، نظمهم ومؤسساتهم..

فالإسلام على حقيقته والعلمانية في جوهرها ضدان لا يجتمعان ولا يتفقان، وحسب

قوانين الإحلال (أو الاحتلال) فإنه كلما ارتفع أحدهما في مجال (أو أكثر)

انخفض الآخر في هذا المجال، والعكس بالعكس.

ومن هذا المنطلق حرصت البيان أن تكون مشاركات هذا الملف على طرف

من الشمول الموضوعي والتنوع الجغرافي، حتى يقدم مساهمة في إيضاح نماذج

لهذا التنوع والانتشار، آخذين في الاعتبار أن الإحاطة بهذا الموضوع لا يقوم به

ملف واحد ولا حتى مجلد واحد.

ففي الحلقة الماضية قدم لنا الدكتور عوض القرني عرضاً موجزاً لفكرة

العلمانية ومفهمومها وظروف نشأتها في موطنها الأصلي (الغرب) ، وبين أن هذه

الفكرة والظروف لا تتفق مع حقيقة إسلامنا وظروف مجتمعنا الذي قام على هذا

الدين، ثم بحث الأستاذ خالد أبو الفتوح في جذور العلمانية والتغريب ومسيرتها في

عالمنا الإسلامي، متنقلاً بين سنوات التاريخ وحدود الجغرافيا، فتحدث عن مصر

والشام وتركيا والجزائر. وعن الليبرالية العربية المستقاة من الفكر الغربي

تحدث الأستاذ محمود سلطان موضحاً أحد أكبر تجليات العلمانية، وفي المجال

السياسي بيَّن الأستاذ كمال حبيب الأثر المدمر للقومية في مسيرة منطقتنا، موضحاً

إخفاقها في إقامة بديل خالٍ من التبعية والتشرذم لأساس الولاء والبراء في الإسلام،

وأخيراً حدثنا الدكتور مصطفى محمود أبو بكر عن جانب من علمانية الاقتصاد،

رابطاً بين العلمانية والعولمة، وموضحاً إخفاق خطط التنمية التي قامت على هذا

الأساس ومدى الفساد الاقتصادي والاجتماعي الذي صاحبها.

وفي هذه الحلقة يجد القراء استكمالاً لهذا الحديث، من خلال مشاركات عن

العلمانية بوجهها الفكري والسياسي والقانوني والاجتماعي، في بلاد متعددة، كتركيا

وتونس ومصر والهند، نتركك تطالعها بنفسك.. وما زال الحديث مستمراً.