للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الافتتاحية

خمسة عشر عامًا من عمر البيان

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه

ومن والاه، وبعد:

فمنذ صدور مجلة البيان قبل خمسة عشر عاماً، حددت الأطر والخطوط

العامة لسياستها وثوابتها، وكان من أبرز تلك الخطوط ما صرحت به من أنها

صوت من أصوات أهل السنَّة والجماعة، تعمل على نشر المفاهيم الصحيحة

للإسلام وتعميقها وفق فقه السلف الصالح للإسلام المأخوذ عن فهم الصحابة

رضي الله عنهم، للكتاب والسنة، وأنها تخاطب الدعاة في أنحاء العالم

الإسلامي من منطلق المحبة الصادقة، والأخوة الإسلامية الرحبة، لا الحزبية

المحدودة أو العصبية الضيقة، وأنها لأجل ذلك تعتبر نفسها إحدى روافد العمل

الدعوي الإسلامي الذي يُفترض فيه التكامل والتكافل لأداء أسمى المهمات وأجلِّ

الغايات وهي: الدعوة إلى الله بالقول والعمل: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ

وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] (فصلت: ٣٣) .

واليوم، ومجلتكم قراءَنا الأحبة تدخل عامها السادس عشر؛ فإن القائمين

عليها يسرهم أن ينتهزوا الفرصة ليجددوا معكم ما عهدتموه من البيان، وما عاهدتكم

عليه، وهو أن تظل وفيَّة للكلمة الجادة والتناول المسؤول والتأصيل الواضح، وأن

تظل كما كانت سلفية المنهاج عصرية الطرح.

هذا ما سبق أن حددت البيان توجهها إليه، وما جددت العهد على المسير

عليه، وبين التحديد والتجديد هذه وقفات وتأملات نوجزها في النقاط الآتية:

* إن مجلة البيان وهي تنحاز إلى المنهج السلفي، وتلتزم ثوابته؛ فإنها تفرِّق

بوضوح بين المنهج والتطبيق؛ إذ المنهج فوق الأشخاص والممارسات، ولا مجال

لنقضه أو نقده من أي كان؛ لأن منهج السلف هو المنهج المتلقَّى عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم بنقل الصحابة العدول رضي الله عنهم، وهو الإسلام الصحيح

ذاته. أما حمل الأشخاص والجماعات والهيئات والمجتمعات لهذا المنهج وتطبيقهم

له، فإن ذلك أمر يدخل فيه اجتهاد هؤلاء الأشخاص والجماعات وفق فهمهم وعلمهم

هم بمنهج السلف ومناطاته وتنزيلاته، ومن ثم فإن هذا الاجتهاد قابل للتقويم

والملاحظات والمناصحات؛ ولهذا فإن المجلة لا تتبرم بنقد أو نصيحة في الأداء،

ولا تضيق صفحاتها عن كلمات تمليها روح الإخاء؛ بل تعتقد أنَّ هذا هو الطريق

الصحيح الذي تبرأ به الذمة، تحقيقاً لقول الله تعالى: [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا

بِالصَّبْرِ] (وَالعصر: ٣) .

* إن مجلة البيان وهي تنحاز إلى ذلك المنهج السلفي، وتتصدى لمسؤولية

القيام به، لا تدَّعي التفرد بذلك، ولكن تدعو إلى تلاقي الجهود كلها لخدمة هذا

المنهج، وتفسح صفحاتها لكل طرح أو تصور أو مشروع جاد من شأنه أن يثري

أداء الدعوة السلفية في أي من جوانبها الشرعية أو التربوية أو الدعوية أو السياسية

أو الثقافية.

* إذا كان التواضع لله مطلوباً للقيام بواجب العبودية، فإن التحدث بنعمة الله

أيضاً مطلوب لأداء واجب الشكر، ومن الشكر لله والتحدث بنعمته أن نقول إننا

نحسب أن مجلة البيان قد سدد الله خطاها وله الحمد في سد ثغرة خطرة في جدار

الإعلام الإسلامي؛ وذلك بقيامها بدور في التأصيل لواقع الدعوة المعاصر ومعالجتها

لهموم هذا الواقع على أسس من المنهج القويم، منهج أهل السنَّة والجماعة، وهي

لهذا عندما تطلب العون والتأييد من حَمَلَة هذا المنهج تجد في نفسها الشجاعة لطلب

ذلك؛ لأنها لا تطلبه لحساب جهة أو جماعة أو حزب، وإنما تطلبه لأجل تقوية هذا

المنهج وتنميته.

* كلما كان العمل جادًا ومحايدًا اعتورت طريقه عقبات وعقابيل قلَّما تتلقى

مثلَها الأعمالُ الهابطة أو المنحازة، ومن فضل الله أن اختيار البيان للمنهاج الجاد

مع ذلك الحياد قد جلب لها قراءً وكتَّاباً من ذلكم المعدن، ولهذا ندين بالامتنان لهم

ولكل من أعان بعد عون الله تعالى على استمرار البيان على هذا النهج الصادق،

وندعو إلى المزيد.

* والمزيد هنا ليس مجرد الإقبال على الشراء أو الاشتراك؛ فهذا حاصل

ومشكور، ولكن أيضاً بفتح مزيد من النوافذ التي يمكن لـ البيان أن تطل من

خلالها على المسلمين في المشارق والمغارب، وبخاصة أولئك الذين لا يتمكنون من

الحصول عليها إلا مهداةً أو مخفضة الثمن أو دون سعر التكلفة، فإذا أضفنا إلى ذلك

من يحتاجون إلى البيان بمنهجها هي ولغتهم هم، كان الهمُّ أوسعَ والمسؤولية أكبر.

* ومن المزيد: أن تسخو أقلام قادرة على العطاء الفقهي والفكري بزكاة فقهها

وفكرها، ولا تبخل بشيء من بيان الدين وتفصيل أصوله أو فروعه وفق المنهج

المرضي على مجلة جُعلت للبيان، خاصة أن هذا البيان من أهله واجب على كل

قادر بحسبه، كما قال سبحانه: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ

لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ] (آل عمران: ١٨٧) .

ونصارحكم القول بما عانته البيان من بعض هذا الكتمان! أو على الأقل من

الضن والتقتير فيه من فضلاء أغناهم الله به. ونحن إذ نقدر لهؤلاء الفضلاء ضيق

أوقاتهم وكثرة أعمالهم الدعوية التي قد تشغلهم عن المشاركة معنا، فإننا نلتمس منهم

أن يقدروا إلحاحنا عليهم؛ فما ذلك إلا محبة لهم وثقة بهم ورغبة في التعاون معهم

على البر والتقوى.

* إذا كانت المجلة قد أدت بنظر الكثيرين من متابعيها ومحبيها أدوارًا مهمة

في ترشيد الصحوة الإسلامية من جهة التأصيل لقضاياها، والمعالجة لأمورها، فإن

ما ينتظرها نعني البيان من الأدوار أكثر وأكثر، وبخاصة أن الله تعالى يمنُّ عليها

كل حين بأفواج جديدة من المتابعين والمعجبين والناصحين، والمجلة وهي تشعر أن

ذلك يضاعف المسؤولية عليها لتدرك أنه أصبح واجباً عليها ألا تتوقف عن تطوير

أدائها مضموناً وشكلاً، وهي إذ تقبل الاضطلاع بهذه المسؤولية مستعينة بالله،

لتدعو قراءها ومحبيها ألا يتوقفوا أيضاً عن الإسهام بآرائهم وملاحظاتهم في مسيرة

ذلك التطوير.

* المجلة على ضخامة العبء الذي أصبح منوطاً بها، هي إحدى مؤسسات

(المنتدى الإسلامي) وإحدى ثمرات جهوده المباركة في خدمة الدعوة الإسلامية،

وهو ينوء بعبء أكبر؛ إذ يشاطر المجلة دورها العلمي بدور عملي يتمثل في

الأعمال الدعوية، والتربوية والتعليمية الميدانية في الكثير من أصقاع العالم.

ولَكَمْ يسرُّ مجلة البيان أن يقترن دعم قرائها لمسيرتها، ورسالتها العلمية

والفكرية بمتابعة ودعمٍ لمسيرة (المنتدى) ورسالته العملية الميدانية، وخاصة أن

منهج كل منهما وهدفه واحد، وهو: الإسهام بدور فاعل في نصرة منهج الطائفة

المنصورة بإذن الله.

* وأخيراً؛ فإن الخيار الصعب بين سلامة المنهج ومنهج السلامة، وبخاصة

في أزمنة الفتن، يفرض على الصادقين من أهل الدين الصحيح أن يعينوا إخوانهم

على الاختيار الصحيح؛ فلنجدد العهد على الاختيار الصحيح.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.