للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[أقباط المهجر الدور والمخططات]

حسن الرشيدي

«أنا مصرية قبطية مضطهدة في بلادي، إنهم ينظرون إليَّ بازدراء؛ لأن

على صدري صليباً ... الأقباط في مصر مطاردون ومقتولون ومعذبون، ولا بد أن

تتحرك أمريكا لوقف هذه الفظائع» ! !

هذه كلمات فتاة مصرية قبطية تصرخ بها في أمريكا في كل مؤتمر سياسي

سواء للحزب الديمقراطي أو الجمهوري في غرب الولايات المتحدة أو شرقها،

وحين تنتهي من كلماتها تجلس وسط تصفيق الحاضرين، وقبل ذلك تكون قد أخذت

قسطاً من أضواء كاميرات الصحف، والتليفزيون التي تغطي المؤتمر.

هذه الأفعال جزء من استراتيجية عامة وحملة مدروسة تقوم بها جهات قبطية

نشطة ليس في أمريكا فقط ولكن في سائر دول الغرب، صورت الأقباط أنهم أقلية

مضطهدة، واستغلتها الولايات المتحدة وأطراف أخرى في أهداف خاصة بها.

فمن هم أقباط المهجر؟ وماذا يريدون؟

الأقباط - عامة - هم أهل مصر عندما فتحها المسلمون بقيادة عمرو بن

العاص - رضي الله عنه - في عهد الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -

رضي الله عنه -، ويؤرخ للكنيسة المصرية بمجيء (مرقص) وهو أحد حواريي

المسيح كما تقول المصادر النصرانية. وقبل القرن الخامس الميلادي لم يكن هناك

حديث عن انقسام نصراني بين مذهبي الأرثوذكس والكاثوليك، ولكن بعد انعقاد

المجمع المسكوني الرابع في عام ٤٥١ ميلادية ظهر أول انشقاق في الجسم الكنسي؛

حيث انفصل التيار الذي وافق على قرارات المجمع عن التيار الذي اعترض على

قرارات المجمع، وكان الاختلاف حول طبيعة المسيح؛ فقد اتفق الجميع على أن

المسيح له لاهوت (من الله) وناسوت (من البشر) حيث قال بعضهم بأن

اللاهوت والناسوت يكوِّنان طبيعة واحدة وهم الذين رفضوا قرارات المجمع؛ في

حين قال بعضهم الآخر بوجود طبيعتين داخل أقنوم [١] واحد وهو ما صدر رسمياً

عن المجمع. والقائلون بالطبيعة الواحدة هم الذين سُمُّوا: الأرثوذكس ومنهم الأقباط،

والقائلون بالطبيعتين هم الكاثوليك. وآمن الرومان الذين كانوا يحتلون مصر

حينذاك بالمذهب الكاثوليكي وأذاقوا الأقباط أشد أنواع العذاب ليعدلوا عن مذهبهم

حتى كما تقول الروايات إن شقيق البطريرك القبطي قتلوه بإسالة شحمه بالشموع

المشتعلة، ووضعوه في جِرابٍ مثقَّب وأنزلوه في البحر عدة مرات، وهرب

البطريرك (رئيس الكنيسة) واختفى عشرات السنين في الكهوف والجبال والأديرة

البعيدة عن رقابة الرومان. وتتفق روايات ألد المؤرخين عداوة للإسلام على أنه لو

لم يقع الفتح الإسلامي لأبيد الأقباط بإبادة كنيستهم وفتنتهم عن دينهم.

أقباط المهجر:

تختلف التقديرات بالنسبة لعدد الأقباط المهاجرين؛ حيث يتراوح عددهم بين

٦٠٠ ألف حتى يصل إلى ٢ مليون في بعض المصادر القبطية، ولعل إشكالية

عددهم هذا تتشابه مع إشكالية تعداد الأقباط داخل مصر؛ فبينما يقول زعماء الأقباط

إن نسبتهم حوالي ٢٠% من تعداد السكان تقول مصادر الحكومة المصرية إن

نسبتهم لا تتعدى ١٠%، وأن هذه النسبة تشمل الأقباط الأرثوذكس والكاثوليك

والبروتستانت وغيرهم من الطوائف النصرانية، وأن نسبة الأرثوذكس في حدود

٥. ٧% مع الأخذ في الاعتبار أن شكاوى الاضطهاد تأتي دائماً من جانب الأرثوذكس

كل ذلك طبقاً للإحصائيات التي يقوم بها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء

المصري كل عشر سنوات. ومن المعروف أن نسبة الأقباط هذه المعلن عنها من

قِبَل الجهات الرسمية المصرية ثابتة منذ أكثر من قرن من الزمان؛ حيث كان

يشرف على عملية التعداد حينئذ الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر.

أقسام الأقباط في المهجر:

يمكن تقسيم أقباط المهجر إلى فئتين رئيستين:

الفئة الأولى: الكنائس في المهجر.

الفئة الثانية: أقباط خارج الكنيسة أو الشعب بالمصطلح الكنسي: وهم الأفراد

من غير طبقة رجال الدين.

أولاً: كنائس المهجر:

كانت أول كنيسة قبطية تأسست في الولايات المتحدة هي كنيسة مار مرقص

في جيرسي سيتي، وكان ذلك في عام ١٩٦٤م، وفي عام ١٩٦٨م سجلت ثاني

كنيسة قبطية للمهاجرين في نيويورك، وتبعتها كنيسة في المدينة نفسها عام ١٩٧٠م،

وبعد أن تولى الأنبا شنودة كرسي البابوية توالت الكنائس في جميع بلاد المهجر

حتى إنها بلغت ٤٦ كنيسة في أمريكا، و ٣٨ في أوروبا، و ١٥ في كندا و ٢٣

في أستراليا وغيرها من البلدان. والمرء يندهش وتتملكه الحيرة من كثرة عدد

الكنائس في المهجر خاصة بعد تولي الأنبا شنودة شؤون بطريركية الأقباط في

مصر، ويزداد الاندهاش حينما يعلم أن بعض البلدان العربية توجد فيها

كنائس قبطية؛ حيث يقول الأنبا شنودة: «لنا كنائس في أبي ظبي، ودبي،

والبحرين، ومسقط، وبغداد، والأردن، والكويت، ولبنان، والقدس، وليبيا،

والسودان» .

ولكن ما الدور المنوط بهذه الكنائس؟ يقول الأنبا شنودة: «ولاهتمامي

بشؤون المهجر أنشأت مكتباً في المقر البابوي بالقاهرة لشؤون المهجر يتلقى أخبار

كنائس المهجر والرسائل والفاكسات، ويعد ملفاً لكل كنيسة ولكل موضوع ... » ،

ويضيف قائلاً: «نحن لا نعمل لليوم، ولكن نعمل للمستقبل، ونرى أن تمتد

الرعاية لكل قبطي في الخارج مهما يكن في أماكن بعيدة» .

ويقول في حديث آخر عندما سئل عن الأسباب التي أدت إلى تمدد الكنيسة

خارج الحدود؛ فأجاب مباشرة: «ربطهم انتمائياً إلى الكنيسة» ، ويقول في

موضع

آخر: «الجنسية شيء والولاء شيء آخر ... والأطفال في الصلوات يذَكَّرون

باستمرار بالكنيسة وآبائها ورئاستها وقوانين الكنيسة» .

ولكل كنيسة من كنائس المهجر مجلة فضلاً عن توزيع كنائس المهجر لمجلة

الكنيسة مترجمة باللغة الإنجليزية، وبخلاف ذلك تقوم كنائس المهجر بالتحرك على

محاور أخرى لربط أقباط الخارج بها مثل: إنشاء مراكز قبطية تعتبر بيوتاً للخلوة

وتلقى فيها المحاضرات، إقامة كليات لاهوت كالتي في سيدني بأستراليا وجيرسي

سيتي بالولايات المتحدة، ترجمة الكتب الدينية بلغات أبناء المهجر.

هل الرعاية هي غاية الكنيسة المصرية أم أن هناك دوراً لهذه الكنائس

الخارجية يخطط له شنودة؟ لقد ظهر فيما بعد هذا الدور؛ فعندما تبدأ كنائس مصر

إضراباً وصياماً تساندها كنائس المهجر؛ وبذلك يكون الصوت مدوياً في أرجاء

المعمورة وليس قاصراً أو منزوياً في دولة، ويقول شنودة متحدثاً عن زيارة

الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة التي جاءت في أعقاب حوادث قرية الكشح

المصرية وما تبعها - كالعادة - من اتهام الحكومة المصرية باضطهاد الأقباط:

«لقد أمرتُ كهنة الكنائس هناك يقصد بالخارج بالخروج لاستقبال الرئيس» ، والذي

يأمر بالخروج قادر على إصداره أوامر بالمقاطعة في الوقت الذي يريد.

ونتيجة لمحاولة الأنبا شنودة السيطرة على أقباط المهجر بواسطة الكنائس،

واتباعه الأساليب الحزبية المعهودة عنه لبسط نفوذه توالت الانشقاقات عليه في

الخارج كما حدث في الداخل.

ثانيا: الأقباط خارج الكنيسة:

عند استقراء حالة الأقباط المهاجرين تواجه الباحث صعوبات عدة لاعتبارات

عديدة منها: أنها لم تدرس دراسة علمية وحقلية حتى الآن؛ بحيث يمكن للباحث أن

يتلمس الخريطة المعلوماتية والسوسيولوجية للأقباط في كل دولة ومجتمع غربي

على حدة من زاوية أعدادهم الحقيقية والعاملين منهم والعاطلين وهياكلهم العمرية

وأجيالهم وسنوات الهجرة وتخصصاتهم ... كذلك ما زالت التضاريس السياسية لهذا

التعبير العام والغامض المسمى أقباط المهجر مجهولاً آخر: كم عدد المنخرطين في

الحياة السياسية في بلدان المهجر سواء في أحزاب سياسية في دول المهجر، ومدى

مشاركتهم السياسية في الانتخابات العامة وغيرها، وكم عدد النشطاء في المنظمات

القبطية التي تتخذ مواقف سياسية إزاء الدولة المصرية أو تمارس أدواراً معينة

سواء تجاه الكنيسة معها أو ضدها؛ وخاصة أن الكتلة الكبرى هي للأقباط

الأرثوذكس في المهجر، ومع ذلك فإن ثمة أقباطاً ينتمون إلى الكنائس الكاثوليكية

والإنجيلية، وهل يشاركون جميعاً في إطار هذه المنظمات ... ؟ كل هذه الأبعاد

المختلفة لموضوع أقباط المهجر لا تزال غائبة عن الدراسة الأكاديمية والمقاربات

الميدانية نظراً لغياب بنية معلوماتية دقيقة عن هؤلاء الأقباط، ولكننا سنحاول

الاقتراب قدر الإمكان من تاريخهم، وتنظيماتهم على ضوء المعلومات القليلة

المتوفرة.

بدايات الهجرة:

بدأت هجرة المصريين عموماً تتسع مع بدايات حركة الضباط الأحرار

المؤسسين لثورة عبد الناصر في ١٩٥٢م حيث كان النزوح الأول لعدد كبير من

الناس، وهؤلاء انقسموا فئتين: فئة هاربة بدينها من اضطهاد رجال الثورة الذين

شنوا حملة لا هوادة فيها على الإسلام، والفئة الأخرى كانت من الرأسماليين

وأصحاب الأراضي التي استولت الثورة على أموالهم بدعوى توزيعها على الفقراء،

واستقر هؤلاء في أوروبا وأمريكا، وكان فيهم عدد كبير من الأقباط يمتلكون

حوالي ١٥% من ثروة مصر.

ومع بداية الستينيات كان النزوح الثاني الذي اشتد في السبعينيات

والثمانينيات، واستمر حتى يومنا هذا وشمل جميع فئات مصر، وهو يختلف عن

النزوح الأول الذي كان خروج أغنياء، أما الثاني فهو خروج بحث عن هوية مفتقدة

أو بطالة لا تفي بمتطلبات العيش وأعباء الحياة.

بينما اتجه الشطر الأكبر من هذه الهجرة إلى الدول العربية وكانت غالبيتهم

الساحقة من المسلمين، اتجه بعضهم صوب الغرب في أوروبا وأمريكا، وكانت

نسبة الأقباط فيهم مرتفعة.

وفي ظروف بدت غامضة لبعض الناس ظهرت منظمات الأقباط في المهجر،

وعند التحري عن توقيتها بدت وكأنها متصلة مع غيرها من الصدامات القبطية في

مصر.

أهم المنظمات القبطية في المهجر:

١ - الهيئة القبطية:

وتعد من أنشط المنظمات القبطية المعارضة وأقواها في المهجر وصاحبة

الصوت العالي، تأسست في جيرسي ستي بولاية نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام

١٩٧٤م على يد شوقي فلتاؤس كراس، ومن أهدافها المعلنة:

١ - العمل على احترام حقوق الإنسان.

٢ - نشر الثقافة القبطية على الصعيد العالمي، وتأسيس معهد للدراسات

القبطية.

٣ - إحياء القومية القبطية والتاريخ القبطي.

٤ - إنشاء مركز ثقافي لنشر الثقافة القبطية، وللرد على أسئلة المستفسرين

عن تاريخ الأقباط وحضارتهم.

٥ - مساعدة الأقباط المهاجرين.

وبمرور الوقت أصبح للهيئة العديد من الفروع في الولايات المتحدة وبلدان

المهجر الأخرى مثل كندا وأستراليا. وشوقي كراس هو رئيسها في الولايات

المتحدة، ويشغل سليم نجيب هذا المنصب في كندا، وصموئيل فهد في أستراليا،

وأطلق على هذا التجمع الدولي الجديد الاتحاد العالمي للهيئات القبطية.

وتصدر الهيئة مجلة (الأقباط) باللغتين العربية والإنجليزية، وهي مجلة

تطبع أكثر من ١٥ ألف نسخة، وتوزع بالمجان على رؤساء الدول والسياسيين

ورجال الدين وجمعيات حقوق الإنسان، كما تقوم الهيئة بإصدار نشرات صحفية في

المناسبات المختلفة وإرسالها إلى قادة دول العالم، وفي الوقت نفسه تعمل على نشر

الإعلانات في الصحف الأمريكية الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست

لتوضيح وشرح ما تسميه قضية الشعب القبطي في مصر، وتولت الهيئة طباعة

الكتب القبطية التاريخية القديمة.

٢ - المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان:

تأسست هذه المنظمة في أول يناير ١٩٩٥م، ومن أهدافها المعلنة:

* تعزيز مبادئ السلام والتعايش بين الجماعات والتجمعات العرقية والدينية.

* الدفاع عن حقوق الإنسان الفرد وحقوق الأقليات.

* تقوية ودعم مبادئ الديمقراطية.

وتحددت الوسائل المعلنة لهذه المنظمة على النحو الآتي:

١ - القيام بالأبحاث والدراسات في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأقليات.

٢ - المشاركة في أنشطة البرامج القانونية والاجتماعية والتعليمية

والاقتصادية والثقافية وتطويرها لتدعيم تحقيق أهداف المنظمة.

٣ - تقديم منح دراسية للنشطاء والمهتمين بحقوق الإنسان.

٤ - استضافة المؤتمرات وعقدها حول القضايا الخاصة بحقوق الإنسان.

٥ - تأسيس روابط وعلاقات مع منظمات مشابهة.

وتصدر المنظمة نشرة باسم المساواة باللغتين العربية والإنجليزية، وصدر

العدد الأول منها في يونية ١٩٩٦م ويرأسها نبيل عبد الملك.

ومن خلال استعراض أهداف المنظمة المعلنة يتضح أنها تعتمد على الأسلوب

غير المباشر في التعامل مع قضية الأقباط من خلال الولوج من موضوع حقوق

الإنسان بعكس الهيئة القبطية التي تتبنى قضية الأقباط بصورة مباشرة وتصادمية.

كما تتواجد أيضاً عدة هيئات وتجمعات صغيرة بعضها يصدر نشرات دورية

وغير دورية مثل نشرة الرسالة التي تصدرها جمعية الدراسات القبطية في نيو

جيرسي منذ عام ١٩٨٢م وتعرِّف نفسها بأنها صوت الشعب القبطي الصارخ من

أجل الكنيسة وتقاليدها، ويرأس تحريرها (رودلف يني) من بنسلفانيا، وهناك

المؤسسة القبطية ويرأس مجلس إدارتها (عصمت زقلمة) ، والفيدرالية القبطية

ويمثلها (منير بشاي) ، والاتحاد القبطي ويمثله الدكتور (محب ميخائيل)

و (رفيق ميخائيل) ، وأخيراً أعلن في أمريكا عن تأسيس منظمة التحرير

القبطية.

ماذا يريد أقباط المهجر؟

هل أهدافهم هي أهداف أقباط الداخل المعلنة نفسها؟ أم تتجاوزها لتعبر بالفعل

وبالكلمة عن أمانٍ دفينة ورغبات مكبوتة يعجز من بالداخل عن إظهارها؟

تقول جريدة صوت الأقباط: «إنه علينا أن نعمل بكل جهدنا وطاقتنا وأموالنا

وذكائنا وأن نطرد الشر ونقاوم كل سهامه الشريرة، وأن نستأصل الاستعمار

الإسلامي من جذوره في مصر.. كل مصر؛ فأمة الأقباط ليست لبني إسماعيل فيها

جذور، وإذا كان المستعمر المسلم قد فقد كرامته وحياءه فوجب عليه أن يرحل

بإرادته عن مصر ويترك أصحاب الأرض الأقباط في حالهم؛ لذا وجب عيلنا نحن

الأقباط الذين هاجرنا بعيداً عن عبودية الإسلام أن نعمل جاهدين على طرد

المستعمر المسلم قبل أن يبيد المسيحيين ويطردهم من ديارهم؛ فإن كان طرد

الاستعمارالإسلامي قد يأخذ أجيالاً ولكنه في الإمكان طرده؛ فقد حدث في أسبانيا بعد

استعمار إسلامي لقرون طويلة، وحدث في الفلبين وبعض جزر اليونان، ولن

يخرج الاستعمار الإسلامي من مصر إلا بالقوة: القوة العسكرية الأمريكية أو

الإسرائيلية أو بتدخل دول العالم المحبة للسلام، إننا نعلنها بصراحة أننا سنستخدم

القوة السياسية لتحريك مجاري الأمور في السياسة الأمريكية، ونستخدم المخابرات

الأمريكية لضمان خدمة مصالح الأقباط أصحاب أرض مصر، وسنحررها من

الاستعمار الإسلامي آجلاً أم عاجلاً، نحن قوة لا يستهان بها، لقد أصبحنا صوتاً

قوياً سيزعزع عروشكم الإسلامية، وتذكروا أن غرابكم هو الذي نكش على خراب

عشه» .

ويقول أديب مجلي في مجلة صوت مصر الحر: «أنا القبطي الفرعوني

صاحب الأرض، أنا القبطي الشامخ صاحب هذا الوطن الذي سُلِبَ مني منذ الغزو

الإسلامي وإلى الآن، وسيرحل قريباً كما رحل من أسبانيا، فلم تعد النعرة

الإسلامية لها جاذبيتها الآن في جو أصبح الغرب المتحضر يفهم أن العرب جرب» .

إن هذه الأجزاء من مقالات نقطة في بحر من الذي ينشر في المجلات

والنشرات القبطية في المهجر، وتوزع مجاناً بالبريد وغيره.

ومن خلال هذه الكلمات التي تقطر حقداً وغلواً، وتفوح نتناً وعفناً تظهر لنا

نوايا الأقباط التي طالما حاولوا إخفاءها ومداراتها، ولكن عندما سنحت لهم الفرصة

عمدوا إلى نشرها وتبيانها، ولسنا هنا في مجال تحامل أو هجوم أو اقتطاف أجزاء

مبتورة عن الجو العام في مصر؛ فالذين يعيشون في هذا البلد واختلطوا بالأقباط

هذه الأيام من السهل عليهم تصديق هذا الكلام ويعلمون خلفياته ومراميه؛ فعندما

نسمع عن طالب قبطي لم يتجاوز عمره الثانية عشرة يقف ويقول لمدرسه المسلم:

إن لويس التاسع الذي قاد إحدى الحملات الصليبية على مصر وهزم في المنصورة

وتم اقتياده أسيراً يقول عنه هذا الصبي أمام زملائه في الفصل: إنه قديس، وجاء

ليحررنا من الاحتلال. عندما نسمع ذلك ندرك جيداً ما الذي يربى عليه الطفل سواء

في البيت أو الكنيسة؟ ! ثم ما هو الانطباع الذي يمكن أن يوحيه خروج طلاب

الجامعة الأقباط في الإسكندرية إثر صدامات وقعت بينهم وبين بعض الطلبة

المسلمين ليطوفوا شوارع المدينة هاتفين: لا إسلام بعد اليوم؟

إن أجواء التعصب المذمومة التي تم بثها في الأقباط والشعور الكاذب بالظلم

والاضطهاد لم يحس به أحد طوال القرون الماضية عندما دخل الإسلام مصر؛ لأن

العلاقة حينئذ كانت تقوم على أساس ودستور رباني جاءت به الشريعة الإسلامية،

وحددت طريقة التعامل وأسلوب التعاطي مع أهل الكتاب الذين هم في ذمة المسلمين،

فكانت الأمور واضحة مقننة، ولكن عندما نُحِّيَتْ شريعة الله واستُبدل منهج رب

البشر بمناهج قاصرة من وضع البشر كان من السهل أن تنهار العلاقة بين المسلمين

والأقباط في مصر؛ لأنها - أي العلاقة - أصبحت كالسراب يحسبها الظمآن ماء

حتى إذاجاءه لم يجده شيئاً.

أمريكا والأقباط:

مع نهاية الحرب الباردة وانفراد أمريكا بالهيمنة في العالم بدأت باتباع أساليب

جديدة تحاول بها فرض عولمتها ومناهجها وثقافتها واقتصادها وإعلامها على العالم،

فكانت سياسة أوراق اللعب وهي سياسة تقوم على البحث عن نقاط الضعف في

الطرف أو الدولة التي تحس منها أمريكا أنها تريد أن يكون لها دور إقليمي أو

عالمي على حساب الهيمنة الأمريكية؛ ونقاط الضعف تلك قد تكون اقتصادية

كالديون والعجز المالي، وقد تكون حيوية كالمياه والتحكم فيها، وقد تكون مصدراً

للطاقة لا غنى عنه للصناعة والتدفئة وغيره كالبترول، وقد تكون نقطة الضعف

دفاعية كدولة تحتاج للأسلحة أو قطع غيار لها أو تخشى جاراً طامعاً فيها أو صوَّرته

أمريكا طامعاً فيها وفي ثروتها، وقد تكون نقطة الضعف أيضاً وجود أقليات عرقية

أو طائفية داخل الدولة.

وعن طريق أوراق اللعب هذه والتحكم فيها تعيد الولايات المتحدة الدول

الشاردة إلى حظيرتها لتدور في فلكها ولا تخرج مرة أخرى عن الدور المنوط بها

من قِبَل الهيمنة الأمريكية.

وأدرك أقباط المهجر هذه الخاصية فسارعوا إلى استثمارها؛ ولكن كيف

السبيل إلى صانعي القرار في الولايات المتحدة للتأثير عليه؟

إن الطريق الميسر لكل صاحب فكرة في أمريكا يريد أن يصل بفكرته إلى

الأجهزة التنفيذية هناك هو الجماعات الضاغطة؛ وليس أسهل من الالتقاء بقوى

اللوبي الصهيوني المعروف بعدائه التقليدي لكل ما يمت للإسلام والعرب بصلة؛

وهنا لا يفتأ هذا اللوبي باحثاً عن كل وسيلة وسلاح ليحارب به الإسلام والمسلمين

وعندها يجد ضالته في أقباط المهجر عند ذلك تتقاطع المصالح: مصالح الحكومة

الأمريكية، ومصالح الأقباط، ومصالح اللوبي الصهيوني.

وتتعدد جماعات الضغط التي تحالف معها الأقباط ومن أهمها:

١ - التحالف المسيحي: وهو منظمة أمريكية تضم ٦٠ جماعة دينية معظمها

من الأحزاب اليهودية الأمريكية، ويضم في عضويته اتجاهات اليمين المسيحي

برئاسة جيري فويل وهو مبشر بروتستانتي يؤمن بعودة اليهود إلى فلسطين وإعادة

بناء هيكل سليمان وهدم المسجد الأقصى كمقدمة لعودة المسيح، ومن أبرز أعضاء

هذا التحالف فرانك وولف صاحب مشروع أول قانون لمناهضة اضطهاد الأديان

وهو بروتستانتي متشدد. وقد أصدر هذا التحالف تقريراً جاء فيه: «إن الحكومة

المصرية تساعد وتساهم في بناء المساجد التي وصل عددها إلى ٧٠٠ ألف مسجد؛

بينما تضع العقبات أمام بناء الكنائس، كما تقوم الجماعات الإسلامية المتطرفة التي

تناضل ضد الحكومة بأعمال عنف ضد المسيحيين؛ والكنيسة القبطية تجد نفسها في

وضع معاناة وهجمات من جانب المسلمين، وتتعرض السيدات المسيحيات للإجبار

على الزواج من مسلمين» .

٢ - رابطة مناهضي التمييز: وهذه تتحالف مع الاتحاد القبطي وتدعمه

معنوياً ومادياً، ولها اتصالات كبيرة مع الكونجرس الأمريكي، ونجحت هذه

الرابطة في تنظيم اجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نتنياهو وأعضاء

الاتحاد القبطي، واستخدم نتنياهو هذه الورقة أيضاً في محادثاته مع المسؤولين

الأمريكيين عندما قال لهم: «إن معاملة العرب في إسرائيل أفضل من معاملة

الأقباط في مصر» .

٣ - لجنة مسيحيي الشرق الأوسط: وهو تحالف يضم بالإضافة إلى أقباط

مصر موارنة لبنان، ونصارى شمال العراق، ونصارى جنوب السودان. وأعلنوا

صراحة: «أن هدف هذا التجمع هو التصدي للسيطرة العربية والإسلامية على

الشرق الأوسط» ، وفي بيان لها قالت: إن ايجاد دولة إسرائيل يعد تطوراً إيجابياً

عظيماً في أعين غير العرب، فالمسيحيون في الشرق الأوسط يدركون أن إعادة

ولادة إسرائيل وتجميع الشعب اليهودي في أرضهم التاريخية بمثابة بشرى

لتحريرهم في المستقبل.

٤ - بيت الحرية: وهو مؤسسة يهودية أمريكية يرأسها مايكل هوروفيتز،

وهو محامٍ يهودي عمل في إدارة الرئيس الأسبق ريجان، وهو أول من أطلق فكرة

ضرورة تدخل الولايات المتحدة لإنقاذ المسيحيين الذين يتعرضون للاضطهاد

والموت في العالم، وقد بدأ هوروفيتز حملته من القاعدة بإنشاء شبكة من التحالفات

مع عشرات الكنائس الأمريكية في عام ١٩٩٥م؛ حيث أرسل خطابات إلى ١٥٠

كنيسة طلب من مجلس إدارتها أن يقوم المصلون بإرسال خطابات إلى أعضاء

الكونجرس الأمريكي لحثهم على تولية عناية أكبر لقضية اضطهاد المسيحيين. ثم

انطلق في تكوين تحالفات معقدة ومختلفة مع التجمعات الكنسية، والتجمعات

اليهودية، وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي لحثهم ومنظمات سياسية معظمها

ينتمي إلى اليمين المسيحي الإنجيلي في أمريكا. وفي يناير عام ١٩٩٦م انضم

هوروفيتز إلى نيتاتشي رئيسة برنامج حقوق الإنسان في جماعة بيت الحرية ومؤلفة

كتاب: (في عرين الأسد) الذي يتناول اضطهاد النصارى في العالم، وقد أدلت

بشهادتها أمام الكونجرس الأمريكي، ومن ذلك قولها: «.. وفي مصر تتلاشى

الأقلية المسيحية تحت وطأة الاضطهاد والعنف؛ حيث أجبر آلاف ألأقباط على

الفرار وترك وطنهم خشية ورغبة في عدم اعتناق الإسلام قسراً بعد أن دمرت

الجماعات الإسلامية قراهم في صعيد مصر في عام ١٩٩٦م» .

وغير هذه المنظمات كثير مثل منظمة مجلس أبحاث العائلة، ومنظمة تقوية

أمريكا، ومعهد الدراسات المسيحية، ومنظمة التضامن المسيحي الدولية، والرابطة

الدولية لليهود والمسيحيين في شيكاغو، ومنظمة الدفاع عن حقوق المسيحيين ضد

الأسلمة.

وأسهم هذا التحالف القبطي الصهيوني البروتستانتي من خلال وصوله إلى

صانعي القرار الأمريكي في صدور قانون الاضطهاد الديني؛ فقرب نهاية عام

١٩٩٧م تم وضع خطوط أساسية لمشروع القانون هذا، وتضمن أسماء ١٥ دولة

من بينها مصر، وفيها اتهام كل دولة بإساءة استخدام أدواتها القمعية لاضطهاد أقلية

دينية ما على أرضها مع فرض العقوبات عليها، ووافق مجلس النواب الأمريكي

على مشروع القانون بأغلبية ساحقة بعد أن نجح الرئيس الأمريكي في إضافة بند

إليه يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل أو منع فرض عقوبات على أية دولة إذا كان

فرض العقوبات سيؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية.

وتبع ذلك زيارة وفد من الإدارة الأمريكية إلى قرية الكشح المصرية في صعيد

مصر، ومقابلته للقس المتعصب (ويصا) ثم زيارة عضو مجلس الشيوخ

الأمريكي وولف ممثلاً للكونجرس الأمريكي وإجراؤه تحقيقاً للمذابح التي يزعم أنها

تمت للأقباط هناك.

الحكومة المصرية وموقفها من هذه التطورات:

في فترة سابقة ومع نهاية حرب الخليج بدأ الاقتصاد المصري ينتعش تدريجاً،

وازداد معدل نمو الاقتصاد المصري ليصل ذروته ٧%، وفي إبريل ١٩٩٨م

طلبت الحكومة المصرية آنذاك من الجانب الأمريكي خفض المعونة الأمريكية

وزيادة الاستثمارات وهو ما أدى بالإدارة المصرية إلى النزوع نحو تبني سياسة

خارجية مستقلة بعض الشيء عن الأجندة الأمريكية، وتجلى ذلك في عدة مسائل

منها مساندة مصر للحكومة السودانية عندما أحكمت أمريكا عليها الحصار من جانب

الدول المحيطة بها خاصة أثيوبيا وأوغندة وأريتريا، وتجلى أيضاً في وقوف

الحكومة المصرية إلى جانب الشعب العراقي وتنديدها بالعدوان الأمريكي عليه، ثم

بروز مواقف مساندة للقضية الفلسطينية وللسلطة الفلسطينية أثناء مفاوضات السلام.

وهنا تحركت أمريكا مستغلة أوراقها فكانت ورقة السدود الأثيوبية عند منابع

النيل، والتلويح بتمويل مشروعات الحكومة الإثيوبية هناك على نهر النيل مما

يسبب تهديداً حيوياً لمصر في شريانها المائي الوحيد، وجاءت ورقة اضطهاد

الأقباط لتصب في ذلك الاتجاه.

تماسكت الحكومة المصرية في بادئ الأمر نظراً للانتعاش الاقتصادي الذي

كانت تمر به ولم تبد تجاوباً كبيراً مع الضغوط التي مورست عليها، ولكن مع

ازدياد حدة الضغوط وتنوعها وانهيار الإصلاحات الاقتصادية وتراجع الاقتصاد

المصري بدأت المكاسب القبطية تتوالى، ومنها:

* تعيين قبطي لأول مرة في وزارة سيادية وهي وزارة الاقتصاد، وهو

يوسف بطرس غالي.

* إنهاء احتكار الحكومة لأدوات الإعلام؛ حيث جرى تدشين أول قناة فضائية

قبطية وسميت: (سيفين سات) ، وأصبحت مطرانية شبرا الخيمة هي المقر الدائم

لهذه المحطة الفضائية إدارياً وفنياً، وتبث مواد فنية يشترك فيها كبار الفنانين

الأقباط، ولم يقتصر الأمر على القناة الخاصة بهم بل تعدى الأمر إلى التلفزيون

الحكومي نفسه؛ حيث تناولت قنواته أعمالاً درامية لأول مرة عن شخصيات قبطية

لإبراز تأثيرها على الحياة العامة في مصر وتحسين صورتها، وكذلك إظهار

الطقوس القبطية في المناسبات والأعياد وغيرها حتى إن أحد مؤلفي هذه الأعمال

عندما قوبل بحملة صحفية ضده بسبب هذا صرح في إحدى الصحف بأنه قام

بتأليف العمل بناء على توجيهات مباشرة من وزير الإعلام.

* تقويض الخط الهمايوني: ففي يناير ١٩٩٨م قام الرئيس المصري بإصدار

قرار جمهوري يقضي بتفويض المحافظين المصريين في مباشرة اختصاصات

رئيس الجمهورية بالترخيص للطوائف الدينية بتدعيم الكنائس وترميمها، وهو

الاختصاص الذي كان من سلطة رئيس الجمهورية فقط يمارسه مع سلطة إصدار

تراخيص البناء للكنائس، ويبدو أن العملية تسير في خطى متدرجة.

* رد الأوقاف القبطية: ففي أول مارس عام ١٩٩٨م قامت الحكومة المصرية

برد أموال الأوقاف القبطية إلى الكنيسة المصرية، مع العلم أن الأوقاف الإسلامية

في حوزة الحكومة تنفق منها حيث شاءت ولا تردها إلى الأزهر الذي أُوقِفت هذه

الأموال له في الأساس.

* تعديل مناهج التعليم: ليتناول التاريخ القبطي المجهول للطالب المصري

على حد تعبيرهم، وقد أعد هذه المناهج مركز ابن خلدون الذي عرف بأنشطته

التجسسية لصالح المخابرات الغربية وأشرف عليها داخل المركز وزير التربية

والتعليم المصري حسين كامل بهاء الدين بنفسه، وقام بوضعها أحمد صبحي

منصور وهو الذي حكم عليه الأزهر بالكفر والزندقة وشاركه بعض الباحثين

الأقباط، وسمي المشروع: (نحو حساسية أكبر لهموم الأقباط) . ونسوق فقرة من

التي تم تعديلها في المناهج بدون تعليق لنعرف مدى الخطورة التي وصل إليها هذا

التغيير المنشود لعقول أبنائنا المسلمين؛ ففي كتاب: (رؤية في دليل المعلم

للتربية الإسلامية) ورد ما يلي: «كانت الحقبة القبطية هي فترة الاستشهاد، ولم

ينقطع اضطهاد الأقباط بعد الفتح الإسلامي؛ إذ اضطهدهم الأمويون الذين تعصبوا

للجنس العربي ضد الأمم المفتوحة، ثم اضطهدهم العباسيون الذين تعصبوا ضد

غير المسلمين» .

* ولكن أخطر المكاسب القبطية التي تحققت تمثلت في انهيار الحاجز النفسي

الاعتقادي بين المسلمين والأقباط لحساب علو الرابطة الوطنية التي يراد رفعها فوق

رابطة العقيدة، فأصبحت كل الفئات والهيئات والأحزاب تتنافس في موالاة الأقباط

ومودتهم حتى بعض الاتجاهات والشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي في

مصر لم تتردد في تهنئتهم في أعيادهم وإظهار المودة لهم، والحرص على رضاهم

وكسبهم في صفوفهم.

إن الحملة الأمريكية الصهيونية القبطية لم تنته، والضغط الأمريكي قائم،

والمستقبل يحمل في طياته الكثير.

نسأل الله أن يلطف بمصر الإسلام، وأن يبطل كيد المبلطين؛ إنه ولي ذلك

والقادر عليه.


(١) الأقنوم: الجوهر والأصل، والجمع أقانيم، وفي اصطلاح النصارى: أحد الأقانيم الثلاثة التي هي: الأب، الابن، الروح القدس.