للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضايا دعوية

[نحو إدارة دعوية واعية]

محمد يحيى بن يحيى

كثير هم المخلصون الذين وفقهم الله لخدمة دينهم بسد شيء من الثغرات

العلمية والتربوية والدعوية، أو ثغرات العلوم الطبيعية والإدارية ونحوها , ويهمني

هنا الحديث في مجال الثغرات الإدارية، لا لأشير إلى أهمية هذا المجال أو تطور

علم الإدارة ونقد النظريات الإدارية، ولكن لأشير إلى تأخر الجانب التطبيقي

للمفاهيم الإدارية العامة - أو قل المسلَّمات الإدارية - من الواقع الدعوي، مما قد

يؤخر ثمرات الجهود فترات طويلة في بعض الأحيان. وأكتفي هنا بالحديث عن

واحد من أهم المفاهيم الإدارية التي ينبغي أن تظهر بالشكل المطلوب في الأوساط

الدعوية آملاً أن يكون فاتحة للحديث في مفاهيم أخرى تنقص الساحة الدعوية.

تحديد الهدف بدقة ووضوح قبل التفكير في رسم الخطة:

قد يقول مدرس حلقة القرآن: نحن نخطط ليتم الطالب حفظ كتاب الله في

ثلاث سنوات.

ويقول مسؤول النشاط الصيفي: نخطط لاستيعاب ضعف العدد الحالي بعد

عامين.

وقد تسمع من مسؤول مركز خيري: نخطط لإصدار مجلة تزيد من شهرة

اسم المركز.

فإذا ما سألت كل واحد منهم عن الهدف الذي يرغب تحقيقه كرر العبارة

نفسها.. في خلط واقعي بارز بين مفهومي الهدف والخطة، نتج عنه ما يمكن أن

يسمى: (الخطة الهدفية) أو (الهدف التخطيطي) الذي يعني القيام بالعملين في

حين واحد.. وحديثنا فيما يلي يعنى بعمل وضع الهدف، وهو أساس الخطط

المتكاملة.

إن وجود هدف واضح محدد لجميع العاملين في أمر ما بات مسلَّمة إدارية لا

تقبل النقاش لصنع نجاح جماعي في أقصر وقت وبأقل جهد وتكاليف. وهذه مرحلة

يشهد الواقع بتجاوز الكثير من العاملين في حقل الدعوة لها، وإن كان الواضح أيضاً

أنه ما زال يشوبها شيء من العلل القادحة الخفية الآتية:

١ - الاكتفاء برسم الأهداف قصيرة المدى التي تنتهي دورة العمل فيها خلال

فترة زمنية قصيرة مثل تحديد أهداف نشاط صيفي أو موسم خيري لعام واحد.

٢ - غياب كثير من الأهداف بعيدة المدى عن أكثر العاملين ذوي المسؤوليات

على اختلافها أي عدم معرفتهم بها تحديداً (مثل الأهداف التي يسعى النشاط

لتحقيقها على مستوى المنطقة بعد خمس سنوات) .

٣ - عدم إشراك كثير من المسؤولين عن العمل في صياغة الهدف؛ مما قد

يسبب تعارضاً منشؤه اختلاف الأولويات المرحلية، ويبرز هذا عند من لا يدرك

الأهداف العامة البعيدة.

٤ - عدم الاكتفاء بتغيير الخطط التي يفترض أصلاً فيها المرونة، وإنما

تغيير الأهداف بنسب متفاوتة؛ وهذا نتاج طبيعي لظاهرة (الخطة الهدفية) ،

ومثال ذلك تغيير هدف الاستقطاب الدعوي إلى هدف التركيز التربوي والعلمي بناءً

على مستجدات من نوع ما.

تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الأهداف قد يتعذر تحقيقها أو تتحقق بنسب أقل

بكثير مما أريد لها، وعند التدقيق نجد أن العاملين قد بذلوا جميع الأسباب الشرعية

والمادية مما يحدث حيرة حقيقية في طبيعة ما حدث!

والواقع أن الخلل قد حدث منذ البداية بسبب إغفال عمل تحليل لظروف العمل

ودراسته دراسة منطقية مناسبة، وهذا التحليل حتى يكون متكاملاً فإنه ينبغي أن

يشمل جملة من العناصر يمكن إجمالها فيما يلي:

- حصر الأصول التي نملك استثمارها في هذا العمل ودراسة مقدار الاستفادة

منها (بمعنى معرفة نقاط القوة: مثل عدد العاملين، وتوفر المال اللازم) .

- تحديد وتحليل المشاكل الداخلية التي نواجهها حالياً ويستلزم ذلك معرفة

أسبابها ونتائجها (معرفة نقاط الضعف مثل عدم وجود طاقات قيادية مؤهلة أو عدم

وجود المكان الملائم لإقامة النشاط) .

- دراسة الفرص والبدائل المتاحة على ضوء معرفة الواقع وتحديد نقاط القوة

والضعف (هل نفتتح عدة لجان خيرية تشغل جميع الطاقات، أم نرجئ بعضها

ويشتغل البعض بإعداد طاقات جديدة؟) .

- وأخيراً تحديد المشاكل والتهديدات المتوقعة مع كل من البدائل والفرص،

ووضع الخطط المناسبة لتلافيها مبكراً أو تجاوزها عندما تقع بعيداً عن التأثر

بعنصر المفاجأة.

يمكننا الآن تحديد الهدف المناسب أيّاً كان حجمه المرحلي مع ملاحظة إشراك

العاملين في صياغته، وهو ما يضمن - بإذن الله - حدوث نوع من الحماس

والمسؤولية الجماعية تجاه هذا الهدف، ومن ثم يكون بالإمكان الانتقال لرسم الخطة

المناسبة لتحقيقه.

إن من أعظم الآمال المنعقدة على استخدام هذه الطريقة في وضع الأهداف

انتقال المؤسسات الدعوية لوضع أهداف دقيقة واضحة عملية عظيمة النتاج بإذن

الله؛ فحلقات تحفيظ القرآن الكريم التي تكتفي - عادةً بوضع هدف عام هو أن يُتم

كل من يلتحق بالحلقة حفظ القرآن، ستستطيع بإذن الله صياغة الهدف ليكون: أن

يُتم كل من يلتحق بالحلقة حفظ القرآن وإتقانه في ثلاث سنوات. ثم تضع خطة

زمنية سنوية لإتمام عشرة أجزاء بإتقان، ومن ثم تقوم بتقسيمها دورياً على أساس

مراعاة كل شخص وقدراته، واعتبار البرامج والانشغالات الأخرى.

كما أن المراكز الصيفية التي تهدف لشغل وقت الشباب بالنافع المفيد سيكون

هدفها أكثر تحديداً مثل: استيعاب شباب الحي أو المنطقة السكنية وتربيتهم خلال

سبع سنوات، ثم ترسم الخطة السنوية لاستقطاب نسبة محددة ثم نقلهم إلى خطط

المتابعة التربوية، كذلك الحال في أنشطة المجتمعات المغلقة مثل سكن الشركات أو

المراكز الإسلامية أو الطلابية، سيحدد الهدف لتغطية السكن خلال فترة زمنية، ثم

توضع الأهداف والخطط المرحلية بنسب مناسبة للتوسع المتدرج.

إننا ينبغي أن ندرك أن بذل الوقت والجهد للاهتمام بوضع الأهداف بشكل

دقيق وواضح قبل التفكير في الخطط سيساعدنا بإذن الله على تجاوز كثير من

العوائق، واستثمار كثير من الأوقات والجهود بشكل أفضل بإذن الله تعالى، إضافة

إلى أن مساراتنا ستكون أكثر وضوحاً وثباتاً عند رسم الخطط التنفيذية أو تغييرها

وفق ما يتطلبه الحال، والله أعلم.