للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حوار

حوار مع فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني

جاءنا صندوق النقد الدولي بالجوع والربا وتحطيم الإنتاج

أجرى الحوار: عبد الرحمن بن عبد القادر الحفظي

ضيفنا في سطور

* ضيفنا عالم وداعية سلفي جليل، تميز - حفظه الله - بسلامة المنهج،

وسعة الأفق، وقوة التأثير.

* له مكانة بارزة في العمل الإسلامي عموماً، وبخاصة في بلاد اليمن

خصوصاً.

* نذر نفسه لنشر الدعوة الإسلامية والعلوم الشرعية، وأسس جامعة الإيمان

في صنعاء.

* له جهود مشكورة في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وواجه بذلك كثيراً من

العلمانيين والماديين.

البيان: تمر الأمة الإسلامية في هذه المرحلة من تاريخها بتغيرات فكرية

وسياسية واجتماعية عديدة؛ ففي ضوء هذه التغيرات كيف يُقوِّم فضيلتكم دور

الصحوة الإسلامية بشكل عام؟ ثم ما السبيل إلى النموذج الأمثل في العمل

الإسلامي؟

* أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله

والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

نحن في فترة شخَّصها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يوشك الأمم

أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟

قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل» [١] . هذه الحالة السائدة في

أمتنا، هي الغثائية، والغثاء هو الزبد الذي يعلو السيل، وهو خليط غير متماسك

من أوراق وتراب وبعض أخشاب يعلو على السطح ويحركه التيار من أسفل، هكذا

تيار السياسات الدولية هو الذي يجرفنا ويحدد مواقفنا، وترانا نتمزق ونتصدع عند

الاصطدام بأي مشكلة من المشاكل وأي عائق من العوائق، غثاء كغثاء السيل ليس

فيه تماسك أو ترابط.

«ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم» ، اجتمع العرب، وأمريكا

ترفع يدها ضد ما اجتمع العرب من أجله، يطلبون من الغرب حماية للفلسطينيين

الأطفال والنساء، وكان الواجب أن يقوموا هم بالحماية ولكن لضعفهم وللغثائية التي

أصابتهم يطالبون الكفار ويطالبون الدول الأجنبية أن ترسل القوات لحماية الأطفال

والنساء والعجزة ولحماية البيوت! ! ومع ذلك فإن أمريكا هي التي تعطل هذا في

مجلس الأمن وتقول: لا لإرسال قوات.. اتركوهم، اتركوا اليهود ليفعلوا ما

يشاؤون , هل خافت منا أمريكا؟ هل عملت لنا حساباً؟ هل خاف اليهود وهم

يهددون ويعتدون؟ وقادتنا يقولون صبراً صبراً! ! المسافة قليلة بين مكان الاعتداء

على إخواننا وبين مكان اجتماع القمة! هذا مظهر من مظاهر الغثائية التي أصابتنا.

«ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن

فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» .

حب الدنيا، لماذا نحب الدنيا؟ روي أن عمر بن عبد العزيز سئل هذا السؤال

فأجاب: «لأننا خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا؛ فنخشى أن ننتقل من أرض العمران

إلى أرض الخراب» , وأنا أقول إن الأمر أكثر من ذلك؛ فلقد ضعف اليقين

بالآخرة، والدنيا مشاهدة مزينة فتعلقنا بالذي استيقنا به، وخفنا أن ننتقل إلى عالم

ليس لنا به يقين قوي، فضَعُف اليقين، وإلا لو قيل لك: انتقل من كوخ إلى قصر

فهل تتردد؟ لا والله! فضعف الإيمان هو المرض الذي أوجد حالة الغثائية التي

أخبرنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأننا إذا كرهنا الموت لا يأتي! بل

سيأتي كرهنا ذلك أم أحببناه.

وهذا يدل أيضاً على أن العلة الحقيقية هي ضعف الإيمان؛ وعليه فإن الله -

سبحانه وتعالى - إذا أراد بأمة خيراً وأراد أن يحييها فإن البداية تكون بإرسال

الرسول، وتكون أول قضية يحملها الرسول هي تعريف العباد بربهم وحقه عليهم

في العبادة، وتعريف قوم الرسول بصدقه، وتقديم حججه من أدلة وبراهين على

صدقه حتى يستيقنوا ويطمئنوا ويعلموا أنه صادق.

ثم بعد ذلك يعرِّفهم بصفات الله وما يليق به - جل وعلا - وبدين الله الذي

ارتضاه لهم، ويحذرهم مما يكون سبباً في خسرانهم في الدنيا والآخرة، ويبشرهم

بما أعد الله - جل وعلا -، وينذرهم بما توعد الله به؛ فتتعلق القلوب بالله - جل

وعلا - بعد أن استيقنت صدق الرسول، واستيقنت أنه لا إله إلا الله، وأنه

المستحق للعبادة وحده، ثم يأتي بعد ذلك الاستسلام لأمر الله - جل وعلا - ,

الصحابة هكذا غيّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وبنفس المنهج غيّر الصحابةُ

التابعين، وعلى المنهج نفسه سار من تبعهم في تغيير الأمم والشعوب التي لاقتهم،

ما جاؤوا بتدريس منطق ولا فلسفة ولا تأملات؛ لأن التأملات والنظرات أقصى ما

تكون أنها تأمل قد يُعارَض بتأمل، واحتمال قد يعارضه احتمال، وفلسفة قد تقابلها

فلسفة. نحن أمام منهج قطعي؛ هذا رسول الله وهذا دليل رسول الله صلى الله عليه

وسلم، هذا رسول من الله وهذا برهان صدقه صلى الله عليه وسلم. ثم هذا كلام

رب العالمين وهذا المنهج الذي يريد الله أن نسير عليه، [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ

لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] (النحل: ٤٤) لتبين للناس بياناً بكلام واضح وجلي ليس

فيه لبس أو إشكال.

هذا المنهج هو الذي جعل الصحابة - رضوان الله عليهم - يُقبلون، ويُقَدِّمون

كل شيء ولا يخافون من شيء؛ فغيروا وجه الأرض. هذا المنهج هو الذي أحيا

الله به الأمة، وهو الذي به تحيا في عصرنا وبعد عصرنا كما حييت به قبل

عصرنا، [وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] (الفتح: ٢٣) . فإن وجد الجيل المستيقن

في إيمانه الذي يعرف ربه ويعرف رسول ربه، ويثق بوعد الله ووعيده، ويطمئن

أنه على حق وعلى هدى حدث التغيير. لكن الصحوة الإسلامية المعاصرة كانت رد

فعل للهجمات الاستعمارية ولثقافة الاستعمار، كما أنها كانت رد فعل أيضاً

لانحرافات عهود الانحطاط التي أبعدت الأمة عن الدين وغلب على جوِّها الخرافة

والجهل.

والاستعمار جاء يريد استئصال الدين من أساسه، ويريد محو المسلمين

والسيطرة على ديارهم؛ فقامت الصحوة الإسلامية ردَّ فعل ضد هذين الخطرين،

وضد الوجود الاستعماري والتهديد الاستعماري المادي. وقليل من رجال الصحوة

ودعاتها وعلمائها من اهتم بهذا المنهج الذي أقوله لك: البداية بتجديد الإيمان واليقين

وتثبيتهما , وأكثرهم اعتبروا أن ذلك من الأمور المسلَّم بها، وأنه من تحصيل

الحاصل، وساروا على ذلك في دعوة الناس ولكن بقي الداء الحقيقي في كثير من

القلوب، وبقي ضعف اليقين في كثير من النفوس، وما أن يتعرض بعضهم لابتلاء

وامتحان حتى تراه يسقط، وتراه يضعف وينكشف، ورأينا قول الله - تعالى -:

[وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ

انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ] (الحج: ١١) .

لهذا نجد بعض الضعف في البناء الإيماني الذي ينعكس على جوانب التدين

كلها، ولذلك فإني أقول: الأصل ألا ننطلق من رد الفعل، وإن كان الفعل المخالف

للدين يجب أن نقف في وجهه، ويجب أن نرد عليه، ويجب أن ندفعه وأن نكشفه،

ولكن الأصل أن ننطلق من الكتاب والسنة، من المنهج القرآني، والمنهج القرآني

يبدأ بـ: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ

مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ] (محمد: ١٩) ، [أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ

كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ] (الرعد: ١٩) يبدأ بالشهادتين، ثم

الإيمان بالله ورسوله، ثم بسائر أركان الإيمان، ثم ينطلق إلى ميدان التطبيق

العملي، وربط العبد بربه بالعبادة والذكر؛ ولكن مع ذلك فالذين يجاهدون في سبيل

الله، والعاملون في الصحوة الإسلامية قد أكرمهم الله ولم يخيبهم؛ لأن الله قال:

[وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] (العنكبوت: ٦٩) .

فالذي عزم على أن يجاهد في سبيل الله ويعلي كلمة الله - جل وعلا - لا

يضيعه الله وإنما يأخذ بيده، فأنت ترى حال الصحوة الإسلامية يزداد صفاءً ونقاءً

مع مرور الأيام، ويزداد تخلصاً من بعض آثار ثقافة عهود الاستعمار وعهود

الانحلال التي ربما أصابته ضمن المجتمع الذي يعيش فيه؛ ولذلك فإن تقديري أن

الصحوة الإسلامية وإن كانت قد جاءت ردود أفعال لكنها جاهدت في الله، والذين

جاهدوا في سبيل الله أخذ الله بأيديهم إلى السبيل بقدر التوجه إلى الله - سبحانه

وتعالى -.

البيان: للتيارات العلمانية في كثير من الدول الإسلامية دور كبير في تغريب

الأمة ومسخ هويتها وتغييب تاريخها، وتختلف جرأة العلمانيين من بلد لآخر.. فمن

خلال رؤيتكم الواسعة للواقع الإسلامي وتجربتكم في اليمن وفي غيرها، ما الطريق

الصحيح لمواجهة تلك التيارات، وهل تعي الحركة الإسلامية مستقبل هذه المدافعة؟

* هذه التيارات لا تتسلل إلينا ولا تهجم علينا من مجال واحد؛ بل تدرس

واقعنا دراسة لا أريد أن أقول دقيقة، لكنها دقيقة في منظورهم، ويرصدون لهذه

الدراسات جيوشاً من المنصِّرين والمستشرقين، بل للأسف الشديد أن من أبنائنا

الذين يطلبون شهادات عليا لديهم مَنْ يطلبون منهم أن يقدِّموا بحوثاً هي في الحقيقة

تقارير عن أوضاع مجتمعهم، فإذا ما درسوا هذا الواقع، ورسموا سياستهم في

ضوء تلك الدراسة فلا تجد مرتكزاً من مرتكزات القوة إلا وهاجموه ورسموا الخطط

ضده.

فهم يبحثون عن مرتكزات القوة لدينا ثم يوجهون سهامهم؛ فهم عرفوا أن

حصننا الحصين هو الإسلام فهاجموه بالشبهات، وهاجموه بتغيير مناهج التعليم في

المدارس، هاجموه بالمدارس التي تتبعهم، هاجموه بالأساتذة، هاجموه بتغيير أفكار

ومعتقدات من يذهب من أبنائنا للدراسة لديهم، وسلطوا عليه الأضواء، هاجموه في

شريعته فشوهوا الشريعة ودفعوا المجتمعات إلى التخلي عن تطبيق الشريعة،

هاجموه في أخلاقه وقيَمه ومُثُله، هاجموه في أجهزة الإعلام، وفي ثقافته

الاستعمارية المعادية التي تنتشر بين أبناء المسلمين والتي تنتشر بين أبنائهم هم،

فهم يشوهون الإسلام بتشويهات شديدة.

ثم لم يكتفوا بذلك بل وجهوا العداء للمؤسسات الإسلامية التي تخدم الإسلام،

وللشخصيات الإسلامية والهيئات الإسلامية ولكل قاعدة تخدم الدين؛ فاليوم الذين

يمارسون العمل الخيري يقيمون مسجداً أو يعينون يتيماً صاروا يُقدَّمون للناس على

أن هذا إرهابي يساعد إرهابيين، ما تركوا شيئاً إلا حاربوه ورسموا له الخطط على

كافة المستويات. أقنعونا بأن الأصولية هذه عيب وعار.

الأصولية عندنا شيء ممدوح وليس بشيء مذموم، فنقول: أصول الفقه،

أصول الدين، أصول التفسير، ونقول: هذا ابن أصول؛ لكن شنوا علينا حملة

حتى صدقنا أن هذا الشيء الأصلي باطل، وهم يقصدون بالأصولية هؤلاء الذين

يتمسكون بأصول الدين وأساسه من الكتاب والسنة ليجعلوا التمسك بالأصل عاراً

ومذمة ومسبة؛ فهم يحاربون الإسلام في كل جانب من جوانبه، ويبحثون كيف

يثيرون الشبهات بين أبناء المسلمين.

ثم بذلوا الجهود لتحديد جيوشهم؛ فهم يفرضون علينا ألا تزيد الجيوش عن

عدد معين، ويفرضون علينا ألا نتسلح بالأسلحة الاستراتيجية لنبقى عرضة

لضربهم متى شاؤوا بها، فيجيئون لقصفنا متى شاؤوا ونحن لا نستطيع الرد ,

فنقول: امنعوا إسرائيل معنا! فيقولون: لا؛ أنتم تمنعون فقط؛ أما هم فلا ,

يقيمون حرباً على الاقتصاد؛ انظر كيف يعبثون بسعر البترول؛ لأنه هو

السلعة الوحيدة التي عندنا، وهو مقياس لباقي السلع، ومعظم الخامات من الثروات

المعدنية في العالم هي عند المسلمين؛ إذ تبلغ ٦٥% مما في الأرض، ولكنهم

يبخسون السلعة لدينا ويغلون علينا سلعتهم.

ويقيمون حرباً على الأخلاق: فينادون بزعمهم بحقوق المرأة حتى كادت

المرأة المسلمة تصدقهم أن الإسلام ظلمها، وأن هؤلاء المفسدين والمدمرين لها

ولأسرتها وكيانها ومجتمعها يريدون بها رحمة، وهم يريدونها لقضاء الشهوات

والملذات والعبث بها، ويريدونها أَمَةً تعرض جسمها لكل طالب، فيحطمون أسرتها ,

وقد ضمن الإسلام النفقة للمرأة فلا تخشى مسألة المال، ولا تخشى عَيْلة؛ فهي

في أمان من العَيْلة في النفقة؛ فإن عجز الولي فبيت المال يكفلها , لكن هكذا

يدفعونها للخروج للعمل، وإن كانت مريضة فهي المسؤولة عن نفسها وإلا ماتت ,

وباسم المرأة يفسدون الشباب ويفسدون الشابات، ويحطمون الأسر،

وينشرون الأخلاق السيئة، ثم يروجون بيننا كل ما يبيح الانحلال والفساد ليوصلونا

إلى ما وقد وصلوا إليه هم، وقد وصلوا إلى ما حذرنا منه الدين، الدين حذرنا من

أن الانحرافات سوف تحطم النسل، بل إن علماءنا قالوا إن مقاصد الشريعة خمس،

ومن هذه المقاصد حفظ النسل. اليوم الشعوب الأوروبية تشكو الانقراض، تتناقص

أعدادهم؛ لأن عدد الوفيات أكثر من المواليد، فيقولون: إذا استمر هذا التناقص

فسوف يأتي وقت من الأوقات نموت فيه وننقرض وتنقرض شعوبنا، وتتغلب على

الأرض هذه الشعوب التي تتناسل.

فلماذا تنقرضون؟ لأن النساء تأبى أن تلد. لماذا تأبى المرأة أن تلد؟ لأن

الرجال تخلوا عن النفقة وتخلوا عن المشاركة في تربية الأولاد. ويُسأل الرجل:

لماذا تخليت؟ فيقول: لأنني أشك أن المولود ولدي. ولماذا تشك؟ لأن الزنا سلعة

متداولة أراها في كل مكان من حولي. ولماذا هذا؟ لأن التبرج والاختلاط يسَّر هذا

الأمر؛ فالبداية تبرج واختلاط أدىا إلى الانقراض.

الإسلام عالج وحذَّر ولكنهم يريدون جرَّنا إلى حيث ساروا لنصل إلى ما

وصلوا إليه؛ فهم يحطمون أُسَرَنا وأخلاقنا، ثم يحطمون عقولنا بنشر المخدرات

وتكوين عصابات لنشر المخدرات، وإسرائيل تحمل في ذلك الراية لنشر المخدرات

في بلاد العرب، وهناك عصابات متدربة ومرتبطة بأجهزتها الاستخباراتية

والعسكرية لنشر المخدرات بين الجيوش العربية وبين شباب العرب لتحطيم العقول

إلى جانب الإعلام المشوش الذي يقلب الحقيقة.

أذكر مرة كنت أسمع إذاعة لندن وكانت تذيع برنامجاً عن الكمبيوتر في بدايته

منذ سنوات عديدة، وإذا بالمحلل يقول: الكمبيوتر الآن في بداية صناعته

ونصيحتنا للدول العربية أن لا تصنِّعه؛ فهذا يكلف كثيراً؛ ولكن عليها أن تحصل

على الكمبيوتر بسعر رخيص جداً! ! سبحان الله، هكذا يريدون صرفنا عن أسباب

القوة؛ فهم يحاربون الدين، يحاربون الجيوش، يحاربون الاقتصاد، يحاربون

الأخلاق، يحاربون العقول، ثم يحاربون الوحدة السياسية بين المسلمين.

من قبل كان اجتماع العرب شيئاً صعباً جداً، وكان زعماء عرب كلما قيل لهم

اجتمعوا قالوا: لم يحن الوقت بعد، لم يحن الوقت بعد! تمزيق الأمة وتفريقها

وتشتيتها وهي أمة واحدة وربها واحد، وتتمتع بأعلى مقومات الوحدة وهي وحدة

الدين , هم يقولون: إن الوحدة الدستورية هي أعلى صور الوحدة، الوحدة

الدستورية هي عدد من النقاط التي تتفق عليها الشعوب، هذه الوحدة الدستورية

نحن عندنا أكثر من ذلك: الوحدة التشريعية، الوحدة الإيمانية، الوحدة العقائدية

هذه التي تجعل الأمة موحدة. هم يضربون بسهامهم لتفكيك عرى هذه الوحدة حتى

نصبح دويلات صغيرة بكيانات ضعيفة يسهل ابتزازها، ويسهل تهديد كل كيان من

هذه الكيانات، ويسهل احتلاله إذا أرادوا، ويعجز هو عن الدفاع عن نفسه أو أن

يستقل بالدفاع عن نفسه، فيبتزون هذه الكيانات كياناً كياناً. فالواجب علينا بعد

تقوية إيماننا أن نسعى للحفاظ على الدين، والحفاظ على الأخلاق، والحفاظ على

الاقتصاد، والحفاظ على الجيوش والعقول، والحفاظ على الوحدة السياسية أيضاً،

ويهددون الأمن في البلاد فيوزعوننا إلى أحزاب وطوائف وفئات، ويثيرون

الاختلافات فيما بيننا؛ فهذه الطائفة ضد هذه الطائفة، وحزب ضد حزب، وفريق

ضد فريق، وجماعة، ضد جماعة، ثم إذا لزم فدولة ضد دولة، ونشتغل ببعضنا

كل واحد منا خائف من أخيه، من صاحبه، من جاره وهم يشتغلون ضدنا أجمعين؛

فعلينا أن نعي هذه المخططات، وأن نجعل من أبناء أمتنا من يتصدى لهذه

المخططات في كل مجال من المجالات.

البيان: حدث لغط كثير في اليمن حول ما نشرته بعض وسائل الإعلام في

(سبِّ الذات الإلهية) ، وقد تباينت مواقف الإسلاميين تبايناً كبيراً إزاء هذه الهجمة؛

فبعد أن هدأت الزوبعة ما تقويم فضيلتكم لهذه المواقف أولاً، وثانياً هل هناك رؤية

استراتيجية مدروسة لمواجهة ما قد يستجد في وسائل الإعلام من هذه الأمور كسبِّ

الله أو الدين أو الاستهزاء ببعض ما جاءت به الشريعة؟

* إن سبَّ الله الذي حدث في اليمن قد سبقه شيء من هذا في مصر وفي

الأردن وفي الكويت؛ فهي ظاهرة تأتي في وقت واحد تدل على أن هناك من

يخطط وراءها، وسبحان الله كادت أن تسير وفق ملامح واحدة مما جعل عدداً من

المفكرين المسلمين يقولون: إنهم يريدون أن يهاجموا أغلى ما لدينا من المقدسات،

ويحاربوا أعلى أمر لدينا حتى إذا استسلمنا في هذا سهل لهم بعد ذلك أن يحطموا

باقي مقدسات الأمة ويُجرِّئوا كل معتدٍ، ويقتحموا كل حمى لهذه الأمة.

وتباينت ردود الأفعال. نعم! فبعض العلماء جزاهم الله خيراً وأهل الغيرة

وزنوا الأمور بميزان الشرع، ووجدوا أن سبَّ الله ليس هناك منكر أغلظ منه ولا

كفر أشد منه، وقد توعد الله الذين يؤذون الله ورسوله باللعنة والعذاب الأليم ,

والصحابة - رضوان الله عليهم - اعتبروا ذلك كفراً صراحاً؛ فإن من سبَّ الله فقد

كفر، والله - تعالى - يقول في هذا: [وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ

قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]

(التوبة: ٦٥-٦٦) . فذهبوا ووقفوا وقفة طيبة عظيمة، وأخذوا يجمعون

التوقيعات، ووقف الخطباء في المساجد وتكلموا في هذا كلاماً.

بعض الإسلاميين قالوا: نسلك طريق القضاء، ونقدم شكوى وننظر ماذا يأتي

من القضاء، فاتجهوا في هذا الطريق، ولكن العلمانيين عندما رأوا أن الإسلاميين

توجهوا إلى القضاء، وأصبح القضاء يطلبهم للمثول بين يديه تكاتفوا وتناصروا

وأصدروا البيانات، وطالبوا بالاعتصامات ليرهبوا القضاء من أن يتخذ الموقف

الصحيح في هذا الباب، واشتدت الهجمة على الذين تصدوا ضد هؤلاء الذين

يسبُّون الله.

وكما تابعتم وعرفتم ركزوا عليَّ وعلى جامعة الإيمان، ولكن سبحان الله!

رأينا إخواننا من أهل الدين والغيرة يلتقون مع إخوانهم في هذه النقطة، فوجدنا

الشيخ عمر أحمد سيف وهو في حزب المؤتمر كالأسد الهصور، ووجدناه لا يتردد

في إعلان كلمة الحق فجزاه الله خيراً هو وغيره من العلماء، وأصدر العلماء

«صرخة علماء اليمن» ، وهو شريط تكلموا فيه بحرارة وبقوة.

وبعض الإخوة من الإسلاميين أرادوا أن تمضي المسألة بهدوء ومن دون إثارة

لأنهم يحسبون حساباً للأعداء الخارجيين، ويظنون أن الإثارة هذه تؤلب ... وكذا

وكذا، ولكن نفع الله بهذه المواقف وأحيلت القضية للقضاء، ثم أعيدت الآن بعد

ستة أشهر إلى نفس المحكمة بعد أن ارتفعت إلى أعلى وأمام الجهة المسؤولة،

ونرجو إن شاء الله أن يتخذ القضاء الحكم الشرعي فيها.

البيان: هل هناك استراتيجية لما يستجد حول هذه القضايا؟

* لا شك في ذلك، وأبشرك أن شعبنا ورجالنا وجيشنا حتى إن بعض

الوزراء عندما سمع الشريط أرسل لي عن طريق مرافقيه يشكرني ويدعو لنا،

وقف الناس وقفة واحدة لم يتخلف عن هذا سوى العلمانيين الصرحاء، أو شخص

خائف هُوِّل الأمر عليه وخاف أن يبدي شيئاً أو كذا، ولكن الصحابة - رضوان الله

عليهم - قدموا أنفسهم فدية للإسلام، وقد طُلب من بلال - رضي الله عنه - أن

يقول كلمة في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُعذَّب فأبى، وعرَّض نفسه

للموت رضي الله عنه.

البيان: يضغط صندوق النقد الدولي على بعض البلدان الإسلامية الضعيفة

اقتصادياً أو البلاد النامية بغرض فرض بعض الثقافات والرؤى التغريبية عليها؛

فما دوره في اليمن؟ وإلى متى تستمر هذه التنازلات في الدول الإسلامية؟

* هذا حدث، وهو ما نعيشه اليوم ونعيش مرارته؛ فالبنك الدولي هو يد من

أيدي الأمريكان واليهود، يسلط على الدول الفقيرة ويستغل فقرها وحاجتها؛ كما أن

أمريكا تضغط على هذه الدول ضغطاً شديداً كي تقبل شروط هذا البنك الدولي ,

صندوق النقد الدولي له فلسفة معروفة في العالم كله، ومعظم شعوب العالم عرفت

خطورة ذلك، وأصبحت تنتقدها حتى الدول النامية غير الإسلامية تشكو من هذا

وتصرخ؛ لأنه أراد أن يعيد بناء الاقتصاد في تلك الدول ليكون اقتصاداً تابعاً

للاقتصاد الأمريكي وللاقتصاد الرأسمالي الذي يتحكم فيه اليهود، ويضرب مقومات

تلك الدول ويفقر الشعوب ويزيدها فقراً، ويفلسف ذلك فلسفة. لكن الوقائع والنتائج

تأتي مكذبة لهذه النتائج وتلك الفلسفة؛ فنحن هنا جاءنا بالجوع وجاءنا بالربا باسم

أذونات الخزانة. جاء بتحطيم الإنتاج؛ لأنه رسم سياسات كثيرة، فأفْقَرَ الشعب،

وسحب رأس المال من الأغنياء إلى البنوك الحكومية التي تدفع رباً لمن جمد ماله

عن العمل، ويدفع الشعب قيمة ذلك الربا من ميزانيته وثروته العامة. وهدفهم الذي

يقصدونه والذي وضعوه في كثير من الدول أنه كلما ازدادت الشعوب فقراً تحدث

ثلاث ظواهر:

الأولى: اندفاع النساء إلى طريق غير سوي تحت ضغط الفقر والحاجة.

الثاني: اندفاع الرجال إلى الجريمة والحصول على ضرورات حياتهم بالقوة

وعبر العصابات فتزداد الجريمة.

الثالث: عبث الموظفين بنظام الدولة وحقوق المجتمع عن طريق الرشوة؛

فالكل محتاج فقير يحتاج أن يسد ضروراته، فتنتشر مثل هذه الحالات في

المجتمعات. البنك الدولي لا يُقاوَم إلا ببنك إسلامي وبدائل إسلامية، وتنبُّهٍ من

المفكرين والدعاة إلى الله - جل وعلا - حتى لا يقعوا أسرى لهذه المخططات.

البيان: للتيار المتدثر بدثار العقلانية وجود ظاهر في بعض مواقع الصحوة

الإسلامية، ويصوَّر هذا التيار في كثير من الأحوال بأنه التيار المعتدل، والمستنير،

والواقعي ونحوها من الصفات، ويصوَّر غيرهم من التيارات المتمسكة بالكتاب

والسنة بأنهم بسطاء أو سذج أو بدائيون أو دراويش؛ فما تقويم فضيلتكم لهذا التيار

العقلاني؟ وما الطريق لاستصلاحه، وترشيده داخل الفصائل الإسلامية؟

* صدقت، هذه الظاهرة ليست موجودة من الآن بل موجودة عبر التاريخ،

فعندما تأتي هجمة من الأعداء تهاجم المسلمين ويكون المسلمون في حالة ضعف

باليقين؛ فإنهم يحاولون دفع هذه الهجمة بأساليب وطرائق يظنونها أكثر عقلانية

وأكثر استقامة مع العقل. وأعجبني الوصف الصحيح لهم بأنهم ليسوا بعقلانيين،

وأنهم في الحقيقة أتباع أهواء؛ لماذا؟ لأن الابتعاد عن الكتاب والسنة لا يكون

نتيجته إلا اتباع الهوى. إذا ابتعدت عن الوحي وعن الحق؛ فماذا يبقى غير الانقياد

للهوى! ! أما العقل فهو ممدوح لدينا، والقرآن نزل فقط لقوم يعقلون ما نزل

للمجانين. والذين يعقلون الأمر عقلاً حقيقياً يعلمون أن الوحي جاءنا بعلم من عند

الله هو علم كامل شامل، وإنَّ علمَنا مهما بلغ فهو محدود [وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ]

(يوسف: ٧٦) ، وإن العقل الصحيح يوجب أن يتَّبع قليل العلم ومحدود العلم

من له علم واسع كامل، وهو العلم الإلهي الواسع الكامل، هذا هو العقل الصحيح؛

ومثال ذلك أن المريض إذا أراد أن يعرف مرضه ودواءه فماذا يفعل؟ يذهب

للطبيب، يجتهد بعقله: من هو الطبيب الممتاز؟ فإذا عرف الطبيب الممتاز سلَّم

نفسه إليه. يقول له الطبيب: افعل كذا وكذا، قف، اجلس، ثم تناول الدواء قبل

الأكل، تناول الدواء بعد الأكل، يأتمر بأمره ولا يجادل؛ لأنه يعلم أنه أعلم منه.

ولو قال شخص: أنا أفهم من الطبيب، هذا الطبيب لا يعرف شيئاً، ما

علاقة الدواء بقبل الأكل وبعد الأكل؛ فإن الناس يستهجنونه. فدور العقل هو أن

يعرِّفك بمصدر العلم الصحيح، وقد جاءنا العلم من الله عن طريق الرسل - عليهم

الصلاة والسلام - فدور العقل هو أن يتعرف على النبي الصادق ثم يسلم له بعد ذلك؛

لأن النبي جاء بعلم الله الذي أحاط بما كان وما يكون، وبما هو ظاهر وبما هو

باطن؛ فمرد هذه الظاهرة هو ضعف اليقين، ولو كان هناك يقين لكان هناك

استسلام بدون تردد لما جاء في كتاب الله والله يقول: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى

يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]

(النساء: ٦٥) .

فأقول في هذه المسألة: العلاج لذلك تقوية اليقين، وتعليم الناس، ونشر العلم

الشرعي الصحيح، وللأسف فإن كثيراً من أبناء الصحوة الإسلامية ينقصهم العلم

الشرعي وهم متصدون لمواقع تفرض عليهم تحديد مواقف يومياً، وهذه المواقف

اليومية لا يسعفهم علمهم ولا معرفتهم في استخلاص الموقف الشرعي الصحيح،

ومن ذلك يتخذون موقفاً ويدافعون عن هذا الموقف ثم يحاولون تسويغ هذا الموقف،

وفي بعض الأحيان يصل إلى أن يُضعَّف الحديث ليس لأنه في سنده شيء، بل

لأنه اختلف معه في موقف قد رآه! ! فعلاج هذا في قول الله - تعالى -: [وَأَنَّ

هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (الأنعام: ١٥٣) ، [قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ]

(المائدة: ١٥) .

فإن تتبع مرضاة الله تكون في اتباع كتاب الله - سبحانه وتعالى -: [يَهْدِي

بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ

إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] (المائدة: ١٦) فهذه وصيتي؛ فالمطلوب أن نستعمل العقول

فلا نجمد، ولا نُعرِض عن تفهُّم النص ولا المجالات التي يتناولها النص، وسنرى

لنا في النصوص ومجالاتها الواسعة مخارج عظيمة؛ فالمطلوب أن نستعمل عقولنا،

ولكن بعد التأهُّل بآلية الاستنباط والعلم اللازم الذي يلزم من أراد أن يستنبط الهدى

والحق , أما أن يسير الناس وفق ما تقرره عقولهم؛ فما الفرق بين الإسلاميين

والعلمانيين إذن؟ لا يبقى هناك فارق إذا كان المنطق في السير هو أننا نمضي

حيث تدلنا العقول؛ لأن هذه حجة العلمانيين الذين يقولون: عقولنا دلتنا على طرق

الأحكام وهو الأنسب , الفرق بين الإسلاميين والعلمانيين أن الإسلاميين يتمسكون

بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيحتاج هؤلاء الإسلاميون إلى تذكير

ونصح في أصولهم وقواعدهم والأمر الذي تصدوا له، والله يقول: [وَإِذَا جَاءَهُمْ

أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً]

(النساء: ٨٣) .

البيان: الواقع الفكري والاجتماعي السائد في كثير من الدول الإسلامية فرض

من حيث يشعر بعض الإسلاميين أو لا يشعرون - أنماطاً جديدة من التدين،

وانهزم بعضهم أمام هذا الطوفان من التغريب وفقهاؤنا لم يكونوا بمعزل عن تلك

الانهزامية التي تجلت في بعض الفتاوى التي تُعرض أحياناً باسم التيسير والمصلحة

الشرعية أو المصالح المرسلة ونحو ذلك؛ فما أسباب هذه الانهزامية؟ وهل يمكن

أن تربى فصائل الصحوة الإسلامية على الأخذ بالكتاب بقوة بعيداً عن هذا الواقع

المفروض؟

* لا شك أن معطيات العصر كثيرة وجديدة، وتأتي ولها ضغطها السياسي

والاقتصادي والاجتماعي والواقعي، وهذه المعطيات يتوجب علينا مواجهتها بمجامع

فقهية يحتشد فيها العلماء المجتهدون القادرون على الاستنباط مع الخبراء بهذا الواقع،

ووالله لو فعلنا ذلك وشيدنا مثل هذه المجامع كما بدأت والحمد لله لوجدنا أن الخير

للبشرية حتى الكفار سيجدون أن الخير لهم في اتباع هذا الدين، في اتباع هذا الحق،

في اتباع هذا الهدى لو وجد البحث الدقيق والبحث الصحيح.

أذكر مثلاً الإيدز: كنت في أستراليا فجاءت ثاني صحيفة في أستراليا

لتحاورني بعد أن علموا أنني أعمل في الإعجاز العلمي؛ فقالت الصحيفة: ما

عندكم؟ قلت: عندنا السبب؛ ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم بيان في هذا

المرض والعلاج له، فاندهشوا. قلت لهم: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي

لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» [٢] فهذا ظهر عندكم عندما تباهت

البرلمانات عندكم أنها أباحت الشذوذ وأباحت الزنا وأباحت وأباحت. بعد ١٥ سنة

من هذه الإعلانات ظهرت هذه الأمراض وهذه النتائج الخطيرة. فنشرت الصحيفة

في اليوم الثاني: «المسلمون يتسلقون جبل العلم» . أقول إن الدراسة الصحيحة

المتعمقة واستنباط الأحكام الشرعية في ضوء هدى الله سوف تخرج بنتائج تفيد

ليس فقط بلاد المسلمين بل البشرية كلها بدلاً من التخبط في الظلام

والضلال.

فهو جهل بالوقائع وجهل بالأدلة الشرعية، وفي بعض الأحيان قد يتصدر لهذا

الأمر عالم من العلماء مشهود له بالعلم، ولكنه مزدحم لا يتيسر له البحث ولا

المراجعة ولا التحقيق، كما قد تغيب عنه أحياناً جزئية من الجزئيات وهي مهمة

جداً في توجيه الحكم، ومهمة جداً في بيان الحكمة؛ ولذلك: يجب علينا أن ننادي

بمجامع الفقه وضبط هذه الفتاوى وردها إلى هذه المجامع الفقهية التي تتحرر من أي

ضغط من الضغوط سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، والتي

تتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن مع ذلك فالمعصوم هو

الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أخطأ فيجب أن نضمن الحرية للعلماء الآخرين

في بيان موضع خطئه. وبهذا يستقيم الناس ويسيرون في الطريق الصحيح،

والعصمة في النهاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم بالوحي، أليس

أبو بكر - رضي الله عنه -، وهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول: «إذا رأيتموني على خير فأعينوني، وإذا رأيتموني على خطأ

فقوِّموني» ؟ فقدم لهم إمكانية أن يخطئ وهو يبدأ خلافته؛ فإن كان هذا هو أبو بكر

فماذا بعد؟

البيان: وماذا عن استغلال بعض هؤلاء للفضائيات؟

* ذكرتُ الحكم الذي يجب أن يكون، أما الوسائل فتتبع ذلك الحكم؛ فعلى

الناس أن يستخدموا كل وسيلة متاحة ليبينوا كلام الله ويوضحوه، وبخاصة في مثل

هذا الجو الذي نحن موجودون فيه؛ وإذا ظهرت فتوى غير صحيحة فيجب أن

يتصدى لها العلماء ويقولوا إنها غير صحيحة في موضوع كذا وكذا حتى لا تمضي

دون بيان. ولكني أقول بموضوعية وبقصد البيان لا بقصد التشهير والتجريح

والانتقاص؛ فإن هذا يولد في القلوب حزازات وعداوات، ويأتي بردود أفعال

أخرى ويبعُد بنا عن الطريق.

البيان: لا يخفى على فضيلتكم ما يحدث من تقاطع وتدابر بين بعض الدعاة

في الفصائل الإسلامية المختلفة؛ فهل هناك من سبيل للتعايش السلمي بينهم؟ هذا

أمر والأمر الآخر ما الطريق لإحياء مبدأ التناصح المخلص والنقد البنَّاء في وسط

هذه الفصائل الإسلامية؟

* أولاً اليقين؛ فإنه يثمر الإخلاص، فمن أيقن بأن ما عند الله خير مما في

هذه الدنيا لا يضيع الآخرة بمتاع الدنيا، وتبقى غايته ما عند الله - سبحانه وتعالى-،

فيحرص على ما يقربه إلى الله، والتذكير بذلك , ومن أحسن ما كتب فيما

عرفت في معالجة هذه القضية كتب الأستاذ صلاح الصاوي جزاه الله خيراً؛ فقد

أفاد وأجاد وقدم جهداً مشكوراً جداً، ولذا أدعو أبناء الصحوة الإسلامية إلى قراءة

كتب هذا الشيخ الشاب الذي محض النصح لفصائل العمل الإسلامي بتجرد

وموضوعية، وهو ليس بمعصوم، ولكنه من أحسن من كتب في هذا الباب.

ومما كتبه أنه قال: علينا أن ننظر إلى القضايا الخلافية فنصنفها؛ فهناك

قضايا خلافية في الأصول والعقائد وما أجمع عليه المسلمون وهذا لا يحتمل الخلاف

فيه , وهناك خلاف في الفروع والمستجدات من الوقائع في الحياة، وهذه قد تختلف

فيها الآراء، وقد اختلف فيها الصحابة، وقد اختلف فيها الأئمة الكبار الأربعة

وغيرهم، وربما تكون رحمة.

وأنا وجدت في الحج هذا العام شاهداً على ذلك رأينا بعض علماء الحنابلة

الذين كانوا يتشددون في أنه لا يصح الرمي إلا بعد الزوال يأخذون برأي الأحناف

الذين يجيزون الرمي قبل الزوال. هذه الخلافات في بعض الأحيان قد تكون رحمة

للأمة، وقد تكون باباً من أبواب التيسير للأمة فلا نقف بها بعداء بل بتضافر

وتسامح، ولكن يجب أن يكون اجتهاداً سائغاً؛ فلا يكون على هوى وعلى جهل؛

بل أن يكون مضبوطاً بضوابط الاجتهاد. وفي المستجدات من المواقف العملية:

كيف نتصدى لليهود؟ كيف نتصدى للحرب الاقتصادية؟ كيف نتصدى للانحرافات

والبدع والجهالات؟ وهذه تختلف فيها الأنظار بين صاحب عزيمة وصاحب

رخصة، وصاحب نظرة بعيدة ونظرة قريبة، وهذه يسعنا فيها الاختلاف ولا

نتخاصم حولها. وإذا سرنا بهذه المنهجية فسنجد أننا قد اتفقنا على المجمَع؛ فهناك

اتفاق بين أبناء الصحوة الإسلامية، وخاصة أن الجميع ينطلق من أنهم من

أهل السنة والجماعة، فأصولهم ثابتة وهم متفقون على معظم الأمور في

الأصول.

لكن أهم من ذلك هو البغي: بغي شخص على شخص، وبغي فئة على فئة

[كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ

لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ

البَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي

مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] (البقرة: ٢١٣) كلٌّ يريد أن ينتقص من الآخرين ,

إنه الكبر، والكبر هو بطر الحق وغمط الناس، والمتكبر يصعب عليه أن

يعترف لأخيه أنه على حق، يصعب عليه أن يعترف أنه على أمر عظيم وجاد،

وهذا من البغي الذي سبب هذا التفرق، وإننا بحاجة إلى إشاعة الفقه الذي أشرت

إليه في كتب الشيخ صلاح الصاوي، وإشاعته في وسائل تعليمنا وإعلامنا، وبين

أبناء الصحوة الإسلامية وبين أبناء الجماعات الإسلامية، وأن نعمل في الأمور التي

ليس بيننا فيها خلاف. كم من القضايا التي ليس بيننا فيها خلاف يمكن أن نحولها

إلى برامج عملية، ونضع لكل مجموعة مجامع تعبر عن دورها في هذا المجال

بالأسلوب الذي تراه، ونتزاور ونتهادى فيما بيننا، وأن نترك الغيبة والنميمة،

ونتخلق بأخلاق الإسلام وأخلاق العلماء من سلف هذه الأمة في معالجة القضايا

الخلافية، وأن نحاول أن نقيم مشاريع مشتركة لخدمة الإسلام، مشاريع ضخمة

كبيرة نتعاون فيها جميعاً. اليوم حلف الأطلسي لا يكتفي بأنه قد حشد أكبر قوى

الأرض، لكنه يريد أن يتوسع أكثر، ونحن لم نفقه أهمية الاتحاد والاجتماع بين

جماعات إسلامية تريد ما عند الله.

البيان: ولكن كيف نحيي روح التناصح بين الفصائل؟

* التناصح مهم، ولا شك أن العصمة ليست لأحد منا؛ فإن الخطأ وارد من

كل أحد، والرسول صلى الله عليه وسلم وضح أهمية النصيحة؛ فوصفها بأنها

الدين «الدين النصيحة» ، لكن هناك فرق بين النصيحة والفضيحة، النصيحة أن

ترى في أخيك شيئاً فتذهب إليه.. الأوْلى أن تذهب وحدك وبحب وتقدير وبعبارات

طيبة وتقول له: يا أخي! فتنثي على جهده، وتشعره بأنك لست مُبدِّعاً ولا مُفسِّقاً

ولا مُشهِّراً، وأنك ناصح تريد له الخير في الدنيا والآخرة، [وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا

الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ] (الإسراء: ٥٣) فمتى نقدم له النصيحة؟

فإذا لم يتسير اللقاء المباشر وصعب تحقيقه فيمكن إرسال رسالة ولو بدون توقيع،

فديننا أغلى علينا من الناس جميعاً، والمهم أن يعرف أنه خالف الأمر؛ ربما لا

يسمع منك، ولا يسمع من فلان، وربما يسمع من فلان آخر وهو أقرب إليه؛

فتذهب إلى ذلك الآخر وبطريقة أخرى، ولكن إذا أبى ولم يسمع فلا تترك الأتباع

والناس يسيرون وراء أخينا هذا وهو بعيد عن الهدى والحق، فنتحدث للناس جميعاً

عن الموضوع بلا ذكر أشخاص، وبأسلوب: «ما بال أقوام يفعلون كذا

وكذا؟ !» والقرآن نزل كثير منه في قريش وبقية الكفار ولكنك لن تجد أسماء

ناس في القرآن أو أسماء قبائل بل هي أوصاف، أوصاف المنافقين: هم الذين

كذا، هم الذين كذا، فينبغي أن نعرض القضية مجردة من الأشخاص حتى لا يغضب

الأتباع لقيادتهم، وحتى لا يغضب الأشخاص لأنفسهم ويكابروا وكذا، وبهذا نهزم

الباطل وندقه دقاً بعيداً عن الأشخاص المنتمين إليه، فيندس برأسه صاحب هذا

الباطل أثناء عرض الموقف ويقول في نفسه: لست أنا؛ لا يقصدونني، بل هو

يحاول التخلص من هذا.

ومن خيرة العلماء الذين عرفتهم في حياتي في مواجهة هذه الأمور الشيخ عبد

العزيز بن باز - رحمه الله - كان يقف معلقاً ومعقباً على المعلمين وعلى

المحاضرين ثم لا يترك مسألة فيها مساس بالدين دون بيان لكنه لا يُجرِّح ولا يذم،

فيبدأ في الثناء عليه، وذكر الجهد الذي قام به حتى يشعر أنه من أنصاره، وأنه من

أعوانه، ولكنه ربما فاته كذا، ويستل الباطل وحده بعيداً عن الشخص ويدقه دقاً -

رحمه الله - كان عَلَماً، وكان نجماً من النجوم في المؤتمرات التي تجمع العلماء ,

فأقول: مثل هذه المنهجيات والتزاور والتناصح والوقوف ضد أعداء الإسلام

والتصدي لهم تكون سبباً للنصر إن شاء الله.

البيان: يتنامى الوجود الرافضي في اليمن بشكل مطَّرد، ويجد من يعينه من

الداخل والخارج؛ فهل هذا التنامي حقيقي أو هو تلفيق من وسائل الإعلام؟ وما هو

دوركم إزاء ذلك؟

* اليمنيون جميعاً لهم موقف واحد من مسألة الرفض؛ ولو قلت ليمني:

يارافضي. لاعتبرها سبة وهاجمك؛ فهو يرفض أن تصفه بالرفض، ولكن بعض

التيارات السياسية التي تريد أن تثبت مواقعها السياسية تتستر بحب آل البيت

والتشيع لآل البيت والموالاة لآل البيت، ولجرِّ الناس شيئاً فشيئاً إلى محاربة السنة

والصحابة رضوان الله عليهم، ويأتي هنا التيار الإثنا عشري الذي بدأ يضع قدمه

في اليمن مدعوماً من إيران. وعلماء الزيدية الآن - وليس من قبل فقط -

يرفضون الإثني عشرية ويحذرون منهم ويكتبون الرسائل في الرد عليهم، وهم

يأخذون في أمور الفقه بما ذهب إليه أهل السنة، ولا يختلف عامة الزيدية معنا إلا

في مسائل محدودة، ويحتجون بالبخاري ومسلم وغيرهما. عندنا الزيدية غير

الشيعة الأخرى أو الفرق الباطنية، ولكن الإثني عشرية وفي ظل الأجواء المفتوحة

وهذه التيارات المسموح بها بدأت. ولكني أقول إنه يقاوَم من علماء الزيدية أنفسهم،

بل هم أشد الناس مواجهة لها الآن. في «صعدة» هناك تيارات بدأت تظهر

لهؤلاء الذين ينتمون إلى المنهج الإثني عشري، وأول الناس مهاجمة لهم هم علماء

الزيدية هناك، فأقول: العلم مرة ثانية وثالثة، والتعليم، والناس عندما يعرفون

الأمر ولا شك أنهم لا يرضون لأنفسهم أن يسُبُّوا من وثَّقهم القرآن: [وَاعْلَمُوا أَنَّ

فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ

وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ]

(الحجرات: ٧) .

فالذين يسبون الصحابة لا أدري ماذا يقولون؟ وأين يذهبون وهم يقرؤون

كتاب الله وهو يثني على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمدحهم المدح

العظيم؟ فالجواب هو في العلم والتعليم.

البيان: يثار حديث كثير حول السياحة في اليمن، وهناك دعوة للانفتاح

السياسي والاقتصادي والفكري مستظلة بمظلة السياحة؛ فما هي المخاطر المتوقعة

من هذا الانفتاح؟ وما السبيل لدرء فتنة السياحة؟

* يصعب أن تغلق بلادك عن الناس؛ لأن الناس يريدون أن يزوروا بلادك؛

فماذا تقول لهم؟ أتقول: لا؟ ! ولكن لو كنت رجل حق وصاحب رسالة لفرحت

بمجيئهم، ووضعت لهم برنامجاً سياحياً يعرِّفهم بالإسلام، ويدعوهم أن يحترموا

قانون البلد، وأن قانون البلد لا يسمح بتعري النساء. فقل له هذا قانون البلاد، ولو

وضعته في مسارات وفنادق ورجال وجهات مأمونة، وتضمن فيها نشر الدعوة

الإسلامية ونشر الإسلام بينهم ويتمتعون بالمناظر الجميلة، ويرون معاملة حسنة؛

فهذا سَبْقٌ في الدعوة إلى الله - جل وعلا - ولكن للأسف ضعفُنا هو الذي يجعل

السياحة وسيلة لنشر فسادهم، بل لنشر الإيدز والأمراض الخبيثة الأخرى الجنسية

والفكرية التي يعرضها هؤلاء القادمون عمداً لتدميرنا، بل طريقاً للجواسيس أيضاً؛

فالجاسوس يأتي للبلاد بغرض السياحة؛ فهذا خطر يحتاج إلى دفعه، ولكنه يحتاج

أن تكون الأمة أمة رسالة، والدولة دولة رسالة، والشعب شعب رسالة.

البيان: من المعضلات في بعض مواقع العمل الإسلامي ضعف العلم والفقه

الشرعيين مما يؤدي أحياناً إلى إهمال النصوص الشرعية، والتقدم بين يديها، بل

يصل الأمر عند بعض الفصائل أن تقدم الأمر التنظيمي على النص الشرعي؛ فماذا

يرى فضيلتكم في ذلك، وهل من علاج لمثل هذا الداء؟

* أنت لو كلمت أي إسلامي وقلت له: أنت تقدم الأمر التنظيمي على الأمر

الشرعي فإنه يقول: أعوذ بالله؛ ما هذا الذي تصفني به؟ وإن كان في الحقيقة

يقول ذلك فشأنه كشأن المقلد للمذاهب، فتقول له: يا أخي! أنت تخالف النص،

هذا النص بين يديك. يقول لك: علماؤنا فهموا هذا النص، وقد فهموا الرد عليه،

وفهموا كذا وكذا. أنا أرى أن من أحسن الوسائل في مثل هذا مطالبة هذه الفصائل

الإسلامية أن يبرزوا لنا علماءهم الذين يتبعونهم؟ وما هي حججهم؟ وما هو دليلهم؟

وأن نربي المجتمع على احترام النص الشرعي، واحترام كلام رسول الله صلى

الله عليه وسلم وأنه لا أحد يؤخذ بقوله إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

وحقيقة أن الذي يمارسه مخالف للنص؛ وهو يتوهم أنه قد جاءه فهم للنص

من جهات موثوقة ومن علماء هم عنده محل ثقة. الواقع أن علاج ذلك هو دعوة

هذه الجماعات الإسلامية إلى أن تخبرنا بهؤلاء العلماء: من هم حتى نتناقش معهم،

نتحاور معهم؟ وأن تخبرنا بهؤلاء المتبوعين حتى نناقشهم ونتحاور معهم، وأن

يخبرونا بأدلتهم وحججهم، وأن نشيع بين صفوف الإسلاميين جميعاً عدم التقديس

لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو المعصوم الذي يؤخذ قوله وحده، أما

الآخرون فيؤخذ من أقوالهم ويترك.

البيان: ما دور العلماء الربانيين في تصحيح المسيرة الدعوية، وكيف يفعَّل

دورهم في وسط الفصائل الإسلامية؟

* أولاً: أن لا يبتعدوا عن هذه الفصائل؛ لأن الذي يبتعد كيف يدل قافلة وقد

غاب عنها؟ بل عليهم أن يشاركوا هذه الفصائل الإسلامية ويعاونوها على الخير،

ويجتهدوا في المعاونة على ذلك، ثم يبصروها ويحذروها من الخطأ. عندما أراك

تدلني على الحق فسأحبك وأتلقى منك الخير، ثم تقول لي: هذا خطأ، أستجيب

لمثل هذا، [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ

إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ] (المائدة: ٢) ، فإذا تقدم هؤلاء العلماء وأعانوا الجماعات

الإسلامية ودعاة الإسلام على ما هم عليه من الحق ونبهوهم إلى ما هم عليه من

الخطأ فذلك أرجى في القبول.

ثانياً: ألا يصحب ذلك بغي على الناس أو غمط لهم أو استصغار لهم

ولدورهم وشأنهم أو احتقار لهم؛ فأنت عندما تبذل الجهد وتريد أن تصل لأعلى

الدرجات، ويأتي آخر يقول لك: هذا الذي تفعله لا قيمة له ولا وزن، وهو لو فعل

عُشْر معشاره لتطاول به؛ فيجب أن نترك الكبر، ونربي الصفوف على هذا، وأن

نحقق الأخوة الإسلامية فيما بيننا [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا

اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] (الحجرات: ١٠) .

فصائل العمل الإسلامي كل منهم ينظر إلى الآخر أنهم من المؤمنين؛ فنحن

نطالبهم بحقيقة الإيمان، وحق الإيمان هذا منه حق الأخوة، وحق النصرة، وحق

المحبة، وحق النصح والعون والتأييد والدعم؛ أما أن لا أجد منك غير نقد وسب

وتجريح واتهام وإمساك ومنع وتأنيب، وتريدني أن أسمع نصيحتك؛ فلا، ولا

أقصد بذلك فصيلاً من الفصائل، بل أقصد الكل، قل الحق يا أخي، انصر أخاك

بما هو عليه من الحق، شجعه على ما هو عليه من الخير، فسيقبل منك. إذا رأى

في نفسه شيئاً من الخطأ قال: أنا على خطأ. وأقول: إن وسائل الإعلام المتاحة لنا

من صحف ومجلات وأشرطة يجب علينا أن نشيع فيها هذه الروح، وهذه الدعوة

بين الناس إن شاء الله.

البيان: كان لفضيلتكم ولا يزال جهود مشكورة في الإعجاز العلمي في القرآن

الكريم؛ فكيف يسهم الإعجاز العلمي في مقاومة الأفكار والمذاهب الباطلة

ومناهضتها؟

* سأذكر لك قصة تدلل لك على الأمر، كان اسم عبد المجيد الزنداني عند

الاشتراكيين يساوي مجامع الجهل والعصبية والخوف والإرهابية والرجعية،

وأشرطة عبد المجيد الذي هاجم بها الدستور العلماني كانت أخطر أشرطة ولا بد أن

تحارب، ولكنهم نتيجة الوحدة وجدوا أنفسهم مرغمين على سماع عبد المجيد

الزنداني، فاجتمعنا مع رئيس الوزراء يومذاك «العطاس» ، وبدأنا الجلسة،

فحضرت من أوائل من حضر قبل موعد الاجتماع السياسي، وانتظرنا المتأخرين،

فقلت: أستفيد من الوقت، فبدأت أحدثهم عن الإعجاز العلمي، وإذا بهم يصغون

مندهشين، ثم قالوا: يا شيخ ما يكفي هذا؛ نحن نريد جلسة خاصة بهذا. فحددنا

موعد جلسة خاصة بهذا. فقلت: لهم عندي شريط اسمه: «إنه الحق» وهو

مقابلة بيني وبين أربعة عشر بروفسير حول هذا الموضوع، وجلسنا وتحدثنا،

وحدثتهم عن الشريط، قالوا: أين هذا الشريط يا شيخ؟ قلت لهم: في الاجتماع

الثالث سوف أعطيكموه إن شاء الله. ثم في الاجتماع أعطيتهم الأشرطة، ثم في

جلسة أخرى سألتهم، فقال رئيس الوزراء: يا شيخ! أصبحنا نوزع أشرطتك في

الحزب.

وفي مرة التقت التنظيمات الثلاثة في ذلك الوقت: المؤتمر، الإصلاح،

الاشتراكي , ودار النقاش حول قضايا سياسية ساخنة؛ هذا يشد من هنا، وهذا يشد

من هنا، فقال رئيس الوزراء: يا شيخ يا زنداني كلِّمنا عن الظلمات في البحار ,

فهذا أثر في المسلمين الذين اغتالتهم الثقافة الاستعمارية وأسرتهم في حبالها وفي

سجنها , أما الغربيون أنفسهم، أما رجال الفكر، فهؤلاء الواحد منهم إن لم يُسلم

يُسلِّم، لا تجده إلا بين مُسلم أو مُسلِّم لأنك تواجهه بشيء هو يعرفه، ويعرف كم

بذل من مجهود في الوصول إليه.

البيان: ما الذي يود أن يقوله فضيلتكم لأبناء الصحوة الإسلامية في ختام هذا

اللقاء؛ مع إلقاء الضوء على رؤيتكم لمنهجية الإصلاح والتغيير من خلال خبرتكم

الدعوية؟

* يقول الله - تعالى -: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم

مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ

ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ] (الصف: ١٠-١١) .

فلو تعمقتم في العلم لعلمتم أن الخير لكم في الإيمان والجهاد، ولا يصدق إيمان

شخص إلا إذا تحلى بهذين الأمرين. قال - تعالى -: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا

بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ

الصَّادِقُونَ] (الحجرات: ١٥) .

فأما الإيمان بالله ورسوله فهو لا بد أن يقوم على علم ليصل إلى اليقين ليكون

بعد ذلك الاستسلام والتسليم، وعندما يوجد هذا الإيمان واليقين في القلب فسينطلق

كل فرد نحو كل خير، وسيمتنع من داخل نفسه من كل شر، ونستطيع أن نجد

اللبنة المسلمة الصالحة للبناء الإسلامي، وبغير هذا تكون اللبنة ضعيفة ولا تتماسك

في البناء، ولا يقوم عليها بناء قوي، والإيمان هو اعتقاد ويقين جازم، وهو دعوة،

وبلاغ وشهادة، وهو استسلام وانقياد وخضوع لأمر الله على مستوى الفرد،

وعلى مستوى الأسرة والمجتمع، وعلى مستوى الدولة؛ وبهذا يتحقق الإيمان بشُعَبه

الثلاث التي ذكرت أو أسسه الثلاثة:

- اليقين بالقلب والشهادة.

- والدعوة والبلاغ باللسان.

- والانقياد والإسلام في العمل.

وهذا كفيل بإصلاح الأفراد والمجتمعات الإسلامية، لكن هذا لا يكفي مع

الأعداء؛ فمن يقنع لنا شارون؟ ! أتقول له: اتق الله يا شارون؛ فإنك خالفت

الكتاب والسنة! شارون لا ينفع معه ذلك أو مع غيره من الأعداء إلا أن نهتف في

أمتنا لتكون أمة مجاهدة؛ فما الذي أخرج الروس وحطم الاتحاد السوفييتي في

أفغانستان؟ الجهاد. وما الذي أبقى على بقية من المسلمين في البوسنة؟ الجهاد ,

وما الذي أخرج الأمريكان من الصومال؟ الجهاد. نحن هنا في اليمن حاولنا أن

نتفاهم مع الشيوعيين، وأن نتحاور معهم، وأن نأتي بالحلول السياسية، وفي

النهاية ما نفع غير الجهاد؛ فهذه هي وصية الله لنا. والجهاد يحتاج قوة وإلى وحدة

الصفوف بين المسلمين [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ

مَّرْصُوصٌ] (الصف: ٤) . فيجب أن ننادي في أمتنا أن توحد صفوفها.

لو اتحد العرب على موقف صحيح فهل ينال منهم اليهود؟ لا، لن ينالوا. لو

اتحد المسلمون، واجتمعوا على كلمة واحدة؛ فهل ينال منهم الأمريكان؟ لا، ولا

غيرهم.

فوحدة صفوف الأمة ابتداءً من الفرد والجماعة الصغيرة في القرية وفي الحارة

وتربية الأمة على الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ

جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم

بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ

لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ] (آل عمران: ١٠٣) . نعم وحدة على كتاب الله وسنة رسوله

صلى الله عليه وسلم؛ وحدة على منهج الله - جل وعلا - وليس على الأهواء ولا

على الشهوات ولا على ما يخالفه من ذلك.

- الثاني إعداد العدة: يجب أن نهتف بأمتنا في إعداد العدة؛ فالباكستان لولا

أنها أعدت العدة بالقنابل الذرية فهل كان يمكن أن تبقيها الهند؟ كانت الهند تزمجر

وترعد، فما الذي كان بعد أن فجَّر الباكستانيون القنبلة الذرية؟ بعد ذلك رحبت

الهند بالحوار معهم. فيجب أن نهتف بالأمة أن تعد العدة. ومن رحمة الله أنه أمرنا

بإعداد ما نستطيع، وتكفل سبحانه بما لا نستطيع، فقال - تعالى -: [وَلاَ

يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ] (الأنفال: ٥٩) . [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا

اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] (الأنفال: ٦٠) ،

فعلينا أن نهتف بالأمة أن تعد العدة، ونهتف بجيوشنا الإسلامية على كل

مستوياتها أن تعد العدة، ثم لا بد من نشر الشورى؛ فإن الرسول صلى الله عليه

وسلم أكثر ما كان مشورة في أمور الجهاد، يشاور الناس، حتى نحاول أن نحيي

في أمتنا مؤسسات نتشاورر فيها أولاً على مستوى الأفراد، ثم على مستوى

الجماعات والهيئات داخل الأقطار، ثم على مستوى الدول، ثم على مستوى الأمة

كلها، ثم لا بد أن يكون لنا أمر جامع وطاعة؛ لا بد أن يكون لنا كيان واحد،

فننادي بإحياء ميثاق الدفاع العربي، وندعو لإحياء أي صيغة من صيغ الاجتماع

على مستوى المسلمين جميعاً للدفاع عن الأمة الإسلامية، وكذلك الحركات الإسلامية

والجمعيات الإسلامية يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها أمام هجمات

العلمانية في تلك الأقطار وتتترس، وأن يكون هذا كله موضوع دراسة وبحث , هذا

أهم ما يتسع له الوقت وفي كل هذا تفاصيل.


(١) أخرجه أحمد في المسند، رقم ٢١٨٩١، وأبو داود في كتاب الملاحم، رقم ٤٢٩٧، واللفظ له.
(٢) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، رقم ٤٠١٩.