للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[إندونيسيا بين أمل الصعود وخطر التفكك]

د. يوسف بن صالح الصغير [*]

لا شك أن إندونيسيا تقف اليوم على مفترق طرق سيكون له دور كبير في

تحديد مستقبل هذه الدولة، وهل ستتجه إلى البروز والاستفادة من قدراتها وثرواتها

الهائلة، أو أنها سترتمي في أحضان أعدائها الذين سيوردونها المهالك، وتتجه نحو

التفكك والزوال بعد المرور بمخاض عسير جداً من النهب المنظم للثروات وانتهاء

بالحروب الدموية التي قد تؤدي إلى تقسيم البلد إلى دول متنازعة تسهل إدارتها من

بعيد؟

تعتبر إندونيسيا أكبر دولة إسلامية؛ حيث يبلغ عدد سكانها نحواً من ٢٢٥

مليون نسمة، ونسبة المسلمين فيهم أكثر من ٩٠% حيث تتفاوت التقديرات بين

٨٨ % و ٩٥%، وهذا التفاوت ناتج عن محاولة تضخيم عدد النصارى الذين

يقدرون بـ ٧%، وقد نقصت نسبتهم كثيراً بعد انفصال تيمور الشرقية،

وحوالي ٢% هندوس، ١% بوذيون، وحوالي ١% ديانات أخرى وثنية. أما

المجموعات العرقية فهي تتوزع بين الجاويين ٤٥% والسندان ١٤%، وماليزيين

ساحليين ٥,٧%، ومادوريين ٥,٧% وجميعهم مسلمون تقريباً.

وتتكون إندونيسيا من أرخبيل [١] يمتد في المحيطين الهندي والهادي لمسافة

خمسة آلاف كيلو متر من الشرق إلى الغرب، وحوالي ألفي كيلو متر من الشمال

إلى الجنوب، ويتكون من حوالي ١٧٠٠٠ جزيرة، ويعيش نصف السكان تقريباً

في جزيرة جاوا (٥% من مساحة إندونيسيا) ، أما الثروات الطبيعية فهائلة؛ فهي

بالإضافة للمنتوجات الزراعية والسمكية تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز

الطبيعي والقصدير والنيكل والنحاس والذهب والفضة والفحم والبوكسايت

والأخشاب.

إن توفر الطاقة البشرية والثروات الهائلة المتنوعة والموقع الاستراتيجي

يؤهل إندونيسيا للعب دور إقليمي كبير بل تتعداه إلى إمكانية البروز عالمياً؛ لكن

مع ذلك تقف إندونيسيا في طابور الدول النامية وتتأرجح بين المقدمة والمؤخرة،

واستمرار الأحوال المضطربة قد يؤدي إلى استقرارها في ذيل القائمة، وهو جل ما

يتمناه الحريصون على البقاء في المقدمة والذين يريدونها بقرة حلوباً وسوقاً مفتوحة

ولا يتحملون بروزها عسكرياً واقتصادياً؛ فيا ترى ما هي أسباب تخلُّف إندونيسيا

عن الريادة؟ وما هي طبيعة العوائق الحالية والمتوقعة؟ مع العلم أن كثيراً من هذه

العوائق هي عينها في كثير من الدول الإسلامية المشابهة. إن الإحاطة بالمشكلات

والعوائق غير ممكنة ولكن يمكن ذكر أهمها، وهي كما يلي:

أولاً: أزمة الهوية:

إن محاولة مسخ هوية هذه الأمة ومحاولة تغييب هويتها الحقيقية هو أهم

الأسلحة التي حرص الأعداء على استعماله وتفننوا في الإبداع فيه؛ فهو يظهر تارة

بصورة قومية عربية أو طورانية أو فارسية أو حتى فرعونية وبربرية،

و..وأحياناً بصورة أحزاب مستوردة المناهج والأفكار من اشتراكية أو ماركسية بائدة

أو فرانكفونية أو ليبرالية أو حتى علمانية مجردة من كل فكر عدا عداوة

الإسلام «أتاتوركية» ، وأحياناً تظهر بصورة تحطيم القيم الاجتماعية

والتركيز على قضية المرأة، على جبهتي تشجيع التفلت ومحاربة الالتزام، وأن

السماح بتكوين الأحزاب بشرط ألا تقوم على أساس ديني يصب في هذا الاتجاه؛

فهو من جهة يشجع على الولاء لأي مبدأ وفكر ما عدا الفكرة الدينية. ويا ترى ما

هو الدين الذي سيقوم على أساسه حزب ديني في تركيا مثلاً؟

إن عملية مسخ الهوية في إندونيسيا قد اتخذت أشكالاً عديدة تتناسب مع

خصوصية هذا البلد؛ فقد تعرض البلد لحملة تنصير توجت بمحاولة فرض عقيدة

موحدة لإندونيسيا وبالطبع سيكون الخاسر الأساسي في تبنيها هم المسلمين!

التنصير بين الماضي والحاضر:

لقد تعرض الوجود الإسلامي في جنوب آسيا لعملية تصفية منظمة على يد

القوى الصليبية؛ فقد كان الإسلام هو الغالب على ما كان يسمى: «جاوا» ، وهي

المنطقة التي تشمل الآن الفلبين وإندونيسيا، ولم يكن هناك أي وجود نصراني؛ فقد

زار ابن بطوطة الرحالة المغربي المنطقة، وتجول في هذه الجزر، وسكن فيها،

وتزوج، وقابل الملوك؛ ومع تغلب المسلمين في عصره وظهورهم على عدوهم فقد

ذكر وجود ممالك للكفار الوثنيين، ولم يرد في كتابه أيُّ ذكر لوجود نصراني،

وذلك في القرن الثامن الهجري، ولكن مع مجيء الاستعمار الأسباني والبرتغالي ثم

الهولندي والإنجليزي وجدت بؤر للنصارى بل تمكن الأسبان من فرض النصرانية

على جزر الفلبين، وتراجع المسلمون جنوباً، وما زالت الحرب مستمرة في الفلبين

إلى اليوم، ومع ذلك فإنه يلاحظ مثلاً أن الفلبينيين من أكثر الشعوب استجابة

للإسلام عند دعوتهم، ومن العوامل المشجعة على ذلك إحساسهم بأن أصولهم

إسلامية، ولا يزال المسلم الذي قتل ماجلان قرب مانيلا يعتبر بطلاً قومياً في

الفلبين.

أما بالنسبة لإندونيسيا فقد ركز الاستعمار وجوده في جزر الملوك الغنية

بالتوابل التي تعتبر السلعة الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، وقد تمكن المستعمر

من تكوين بؤر نصرانية في المنطقة، ولكن هناك ملاحظة مهمة وهو أن الاستعمار

الهولندي الذي حل محل الاستعمار البرتغالي هو اقتصادي في أساسه، وهو بهذا

يختلف عن الاستعمارين الأسباني والبرتغالي اللذين يغلب عليهما أسلوب التنصير

الإجباري، ومن ثم فرضت النصرانية في الفلبين ومناطق الاستعمار البرتغالي في

إندونيسيا مثل تيمور الشرقية التي استقلت عن البرتغال عام ١٩٧٥م وضمتها

إندونيسيا أيام سوهارتو برضى ضمني من الغرب؛ ولكن سرعان ما فرض

انفصالها عن إندونيسيا.

لقد كان التنصير رأس حربة للاستعمار، وكان الاستعمار الهولندي حريصاً

على تكوين جاليات نصرانية محلية مضمونة الولاء. ومع خروج المستعمر عام

١٩٤٥م استمر النشاط التنصيري، واعتمد على التحالف مع النخبة العلمانية

الحاكمة التي تسلل إليها النصارى، وقد تميز النشاط التنصيري بسعة انتشاره؛ فقد

حاول اختراق صفوف المسلمين، وتمكن من استمالة بعض ضعاف النفوس الذين

ارتدوا عن الإسلام، وحاولوا التأثير على المسلمين عن طريق تقديم الخدمات

الطبية والمادية واستغلال انتشار الجهل بحقيقة هذا الدين بين العوام نظراً لانتشار

خرافات الصوفية، وقد وصلت وسائل التدليس على البسطاء إلى حد نشر أشرطة

للإنجيل مرتل باللغة العربية للإيهام بأنه من سور القرآن. ولا شك أن تميع

الصوفية في قضية التوحيد يساهم في ضعف الحساسية تجاه التنصير، ولا يخفى

حالياً رفع النصارى لشعار وحدة الأديان وتوزيع البابا للاعتذارات.

لقد بلغ من توسع النشاط التنصيري في إندونيسيا واستعماله طاقات هائلة من

الطائرات والسفن أن طرحت الكنائس شعار إندونيسيا نصرانية عام ٢٠٠٠م، ولكن

يمكرون ويمكر الله؛ فقد انحصرت النجاحات التنصيرية في أوساط الوثنيين

البدائيين، وكان هذا الانسداد دافعاً لمطالبة النصارى بالانفصال كما حدث في تيمور

الشرقية، وكما يحدث الآن في جزر الملوك، وكان أسلوبهم المعتاد والوحيد هو

القيام بحملة تصفية للوجود الإسلامي في مناطقهم، وقد قتل في البداية مئات

المسلمين في مساجدهم وبيوتهم، وقد استمرت الحرب الآثمة مع تعتيم إخباري شبه

تام، وكانت الأخبار تكتفي بذكر الحرب الطائفية في جزر الملوك، ولكنها لا تفصِّل

في: من هو الضحية، ومن هو الجلاد؟ ومع ذلك فقد بارك الله بجهود المخلصين؛

حيث أدت هذه الأحداث ونشر صور المجازر التي ارتكبت بحق المسلمين إلى

تأجيج المشاعر وقيام حركة جهادية مباركة ساهمت في حفظ الوجود الإسلامي في

تلك الجزر، وإذا تجاوزنا محاولة مراكز القوى النصرانية في الجيش والأمن

مساعدةَ النصارى والوقوفَ في وجه المسلمين فإن النتيجة الأهم هي تأجج مشاعر

المسلمين ضد النصارى في مختلف أنحاء إندونيسيا مما سيكون له أبلغ الأثر في

الحد من النشاط التنصيري؛ والله غالب على أمره.

البانكاسيلا:

بدلاً من تبني الإسلام دين الغالبية الساحقة في إندونيسيا ونظراً لغياب القومية

الواحدة في إندونيسيا وقيام حركات مقاومة الاستعمار في إقليمي (بساندا)

و (أتشي) بالمطالبة بإقامة دولة إسلامية؛ فقد طرح سوكارنو وهو أول

رئيس بعد الاستقلال دستوراً مصاغاً بعناية؛ بحيث يتم استبعاد الإسلام،

وفرض عقيدة هجين تسمى (البانكاسيلا) تقوم بزعمهم على «الإيمان

الكامل بالوحدانية الإلهية، والتعامل الإنساني العادل والمتحضر، ووحدة

إندونيسيا، والديمقراطية القائمة على الحكمة والتشاور، وأخيراً مبدأ العدالة

الاجتماعية» واعترف بأربعة أديان على قدم المساواة وهي: الإسلام،

والنصرانية، والهندوسية، والبوذية , وتساوى هنا التوحيد مع الشرك

وأصبح (٩٠ = ١٠) ! وضنوا على المسلمين حتى بنصِّ «أن دين الدولة

الإسلام» المجرد.

إن فترة سوكارنو قد تميزت بكثير من حركات التمرد سواء في الأقاليم

الإسلامية أو في المناطق النائية مع فتح المجال للتنصير وانتشار نفوذ الحزب

الشيوعي الإندونيسي، وكانت محاولة الشيوعيين السيطرة على الحكم واغتيالهم

لبعض القادة المسلمين في الجيش قد أدى إلى استلام الجنرال سوهارتو للحكم والقيام

بحملة تصفية دموية للشيوعيين قدر عدد ضحاياها بنصف مليون وسط ابتهاج

غربي، وقد استمر سوهارتو في تبني عقيدة (البنكاسيلا) مع تحالفه مع

النصارى والصينيين، وتكوَّن حزب الحكومة «غولكار» مع تزيينه لاحقاً

بحزبين أحدهما الحزب الديمقراطي النضالي (١٩٧٦م) ممثلاً للاتجاهات

اليسارية، وحزب التنمية المتحد (١٩٧٣م) ممثلاً التوجه الإسلامي، وقد أصدر

سوهارتو قانون «التنظيم الجماهيري» عام ١٩٨٥م؛ فرض بموجبه عقيدة

(البانكاسيلا) على جميع التنظيمات السياسية. وهنا نتساءل: إذا كان هذا النظام

العقائدي قصد منه الحفاظ على وحدة إندونيسيا واجتماع الجميع على هذه العقيدة

الوضعية؛ فهل حققت أهدافها أم أن الأصل في الحقيقة هو تجاوز مبادئ الأكثرية

وتفريغ الأمة من مصدر قوتها؟ والجواب هو واقع الحال؛ فقد أصبحت هذه العقيدة

الفارغة تمثل الإطار الفكري لمسؤولي النظام وناشطي الأحزاب الحكومية

ومفكري السلطة، وفي المقابل انتشرت الحركات المسلحة المطالبة بالانفصال

أو الحصول على بعض الحقوق، ولم تكن هذه الحركات مقتصرة على المسلمين،

بل تعدتهم إلى النصارى في جزر الملوك وسكان بورنيو وإريان جانا الوثنيين،

وعلى ذلك فقد كانت هذه العقيدة ظاهراً مصدر وحدة وهي في الحقيقة لا تعني

شيئاً سوى للنفعيين الذين هم على استعداد لاعتناق أي مذهب في سبيل مصالحهم

الآنية، ولكن الثمن الغالي هو فقدان الشعب لقوة دافعة عظيمة كانت الأساس في

قيام الشعوب المسلمة في إندونيسيا بمقاومة الاستعمار واستمرارها في مقاومة

السلطة التي قدمت لهم شعارات الوحدة والديمقراطية والعدالة وهم يشاهدون ثرواتهم

تنهب وحرماتهم تنتهك، وخير مثال على ذلك شعب (أتشي) الذي كان له دور

كبير في مقارعة الاستعمار ولم تتغير أحواله كثيراً بعد الاستقلال.

إن المسلمين لا يمكن أن يجتمعوا على غير الإسلام إذا فرقتهم العصبيات،

وأي دولة إسلامية متعددة الأعراق والعصبيات محكوم عليها بالتفكك إذا لم تربط

الناس بالرباط الوثيق ألا وهو هذا الدين، وخير مثال على ذلك باكستان التي أنشئت

لتكون وطناً لمسلمي الهند، وسرعان ما تفككت إلى جزأين هما باكستان الحالية،

وبنجلاديش بعد حوالي عقدين من الزمن، وكان السبب الرئيس هو رفض

المشروع الإسلامي، ومن ثم الحكم بالإعدام على الشيخ أبي الأعلى المودودي

لمطالبته بتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية التي هاجر من أجلها من موطنه

في الهند إلى بلاد الأطهار «معنى باكستان» .

إن رفض المشروع الإسلامي قد أدى إلى ظهور العصبيات وإحساس البعض

بالغبن، وهذا ما حصل من البنغاليين الذين انجروا مع دعايات حزب (عوامي)

المدعوم من الهند، وتم فصل البنغال الشرقي عن باكستان وتسمى ببنجلاديش. إن

أكبر ضامن لوحدة إندونيسيا هو تبني الإسلام جامعاً للمسلمين ومظلاً غيرهم بظله

الوارف.

ثانياًَ: فساد النخبة الحاكمة:

بعد خروج الاستعمار تحكمت بالبلاد نخبة من العسكريين من جاوا وبعض

النصارى مع الارتباط مع الأقلية الصينية التي تتحكم بأكثر من ٧٠% من الثروة،

وقد نتج عن ذلك التحالف وضع شاذ يتمثل بإحساس المسلمين من غير جاوا

وخاصة سومطرة بسيطرة الجاويين. أما الجاويون فيحسُّون أن حقيقة الحكم هي بيد

زمرة من العسكريين مع رموز الجالية الصينية التي ارتبطت بشبكة علاقات مع

السلطة الجديدة بعد الاستقلال، ومارست النهب المنظم لثروات الأقاليم؛ ولا يبعد

أن لهم أصبعاً في عملية إفقار الجالية الحضرمية التي كانت تنافسهم اقتصادياًَ

وإبعادها بعد إصدار سوركانو قرارات ظاهرها التوزيع العادل للثروة وحقيقتها

التخلص من منافستهم، وفي آخر عهد سوهارتو برزت روائح فساد الدائرة القريبة

منه، وبرزت أسماء أبنائه وبناته في مجال الأعمال واستغلال السلطة، ولم يسلم

حتى الرئيس الحالي وحيد من الاتهامات بالفساد المالي.

ثالثاً: الظلم الاجتماعي وعدم العدالة في توزيع الثروة:

يبلغ معدل دخل الفرد بالنسبة لإجمالي الناتج القومي ٢٨٠٠ دولار أمريكي

للفرد، وهذا لا يعكس حال الفرد الإندونيسي؛ حيث يعيش الكثير منهم تحت خط

الفقر، ويسيطر ٤% من السكان من أصل صيني على ٧٠% من الاقتصاد، ولا

يتجاوز الدخل الحقيقي لـ ٨٠% من السكان ٣٥٠ دولار في السنة، وقد تفاقم

الوضع بعد تدخل لرؤوس الأموال الغربية إلى البلد، ومن ثم كانوا السبب في

الأزمة المالية عام ١٩٩٧م وانهيار الاقتصاد بسبب خارجي بحت، وكانت

الاستجابة لنصائح البنك الدولي وراء تفاقم الأزمة، وتم إيقاف المشاريع الضخمة

مثل صناعة الطائرات والصناعات الحربية.

رابعاً: التدخلات الأجنبية:

لقد كان التدخل الأجنبي مباشراً في أحداث تيمور الشرقية، ولا يبعد العامل

الأجنبي في طبيعة تعامل الحكومة مع أحداث جزر الملوك؛ حيث ترك المسلمين

لمصيرهم لأكثر من سنة قبل تدخل الحكومة. أما عملية مجازر قبائل (الداياك)

الهمجية للمسلمين (المادور) فلا ينتهي العجب من وقوف قوات الحكومة تتفرج

على المذابح التي تُمارَس بالأسلحة البدائية، وكان دور الحكومة يقتصر على تيسير

سبيل المغادرة، ولا أستبعد أن عملية إخلاء المنطقة من المسلمين النشطاء اقتصادياً

يقصد منه إحلال قوى اقتصادية أخرى مكانهم؛ حيث إن (الداياك) لا يتعدى

دورهم أن يمثلوا أداة تفريغ المنطقة انتظاراً للسيد الجديد؟ ولنترقب جميعاً القادمين

الجدد لمقاطعة (بورنيو) الغنية، وقد بلغ مدى التدخل الأجنبي السافر مدى بعيداً

دفع المتظاهرين إلى المطالبة بطرد السفير الأمريكي الذي بدأ يتصرف كأنه الحاكم

الفعلي لإندونيسيا.

خامساً: قوة العسكر وضعف السياسيين:

لقد عانت إندونيسيا من عقود متطاولة من عسف العسكريين وفسادهم ومع ذلك

فقد شهدت البلاد تطوراً اقتصادياً وصناعات متطورة معتمدة على الثروات الهائلة

واحتكار السلطة لها، وكان هذا من أسباب تداعي الاقتصاد؛ لأنه بيد فئة قليلة،

ولم يتم استثمار هذه الثروات في تنمية المناطق الغنية، بل يلاحظ أن أهل المناطق

الغنية هم أفقر الناس؛ مما فاقم حالة الغليان والإحساس بالغبن؛ ولذلك فإنه لما

وقعت الأزمة الاقتصادية التي تسبب بها المضاربون اليهود «كما جاء في

تصريحات رئيس وزراء ماليزيا» فإن العسكريين انسحبوا من الساحة، وحل

محلهم مؤقتاً زعامات حزبية وجدت نفسها فجأة في مراكز السلطة بعد استبعاد طويل.

ملاحظات سريعة على الأحزاب:

إن عدد الأحزاب التي شاركت في الانتخابات يبلغ ٤٨ حزباً، وإذا استثنينا

٢٧ حزباً علمانياً واثنين نصرانيين فإن البقية ترفع شعارات إسلامية، ولكن الكبيرة

منها تتخذ الإسلام منهجاً وتأخذ منه برنامجها؛ وتكتفي من الإسلام بالزعامة الروحية

التي يتمتع بها زعيمها بين الجماهير، ويمكن أن نقول إنها أحزاب طرقية تشبه إلى

حد كبير زعامة المهدي والميرغني في السودان.

إن الوضع السياسي في إندونيسيا مضطرب بسبب كثرة الأحزاب وضعف

الزعامات الحزبية وعجزها؛ فما أكثر صور الرئيس وحيد وهو يغط في نوم عميق

أثناء الاجتماعات الرسمية، ويبدو من شدة تمسك المتحزبين له بوجوده في السلطة

أن هناك مجموعة تحكم باسمه تذكرنا بأيام يلتسن.

إن إندونيسيا بحاجة ماسة اليوم لزعيم قوي يجمع بين الحزم والعدل، وإلا فإن

الوضع السياسي المضطرب سيقود إلى حالة شبيهة بالباكستان التي تتنازعها القوى

السياسية والعسكرية ويدفع ثمنها البلد غالياً.


(*) أستاذ مشارك في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.
(١) الأرخبيل: مجموعة من الجزر.