للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

حقوق الإنسان بين الحق والباطل

[حقوق المرأة والطفل بين الحقيقة والادعاء]

علي عليوة

بالأمس قيل: «كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها الحرية! !» وذلك تعليقاً

على هذا الكم الكبير من سفك الدماء والدمار الذي أحدثه الثوار الفرنسيون في حربهم

ضد الكنيسة والملكية التي مهدت لقيام الجمهورية الفرنسية الحديثة، ورأى العالم

مدى التناقض الصارخ بين شعارات الثوار (الحرية المساواة الإخاء) وبين

ممارساتهم المشينة على أرض الواقع، والموجهة ضد خصومهم.

واليوم يمكن إطلاق العبارة نفسها على قضية حقوق الإنسان، والقول

باطمئنان: (كم من المصائب ترتكب باسمك أيتها الحقوق المنسوبة للإنسان! !) ؛

فوراء ذلك الشعار البراق يقوم الغرب بعملية غزو فكري منظم تم التخطيط له بعناية

لضرب منجزات البشرية في المجال الأخلاقي والاجتماعي، ولمحو الثقافات

المخالفة للثقافة الغربية بدعوى العولمة والقرية الكونية الواحدة، ويتخذ هذا الغزو

من حقوق المرأة وحقوق الطفل ستاراً لفرض منظومة القيم الغربية الغازية.

وتتخذ المنظمات النسائية الغربية ذات التوجه العلماني من الأمم المتحدة غطاءً

لها في سعيها لفرض منظومتها الإباحية على العالم، وكانت وراء ذلك الاهتمام

المبالَغ فيه دولياً بقضايا حقوق المرأة. فكان المؤتمر الدولي الأول للمرأة في

المكسيك عام ١٩٧٥م، ثم كان المؤتمر الثاني في كوبنهاجن عام ١٩٨٠م، والثالث

في نيروبي عام ١٩٨٥م، والرابع في بكين عام ١٩٩٥م، إضافة إلى مجموعة

مؤتمرات أخرى لها صلة بقضايا المرأة مثل مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة

١٩٩٤م.

وتسعى المنظمات الغربية من خلال الأمم المتحدة إلى فرض منظومة القيم

الغربية في مجالات الحياة المختلفة اجتماعية واقتصادية وثقافية، والخروج بوثيقة

دولية ملزمة لكل دول العالم فيما يسمى بحقوق النساء ضاربة عرض الحائط

بخصوصيات الشعوب وعقائدها. وكانت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز

ضد المرأة (السيداو) هي خلاصة تلك الجهود.

وقامت (السيداو) بدمج حقوق المرأة في حقوق الإنسان مما جعلها بمثابة

إعلان عالمي بحقوق المرأة، ودعت الاتفاقية إلى المساواة التامة في الحقوق بين

المرأة والرجل في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والمدنية. وتعد الاتفاقية

ملزمة قانونياً للدول التي صادقت عليها، وتتعهد هذه الدول بإلغاء كل التشريعات

والقوانين المحلية التي تعتبر تمييزاً ضد المرأة. وتم تشكيل لجان دولية باسم لجان

(السيداو) مهمتها مراجعة ما تم إنجازه في كل دولة عضو في هذا المجال كل عدة

أشهر، وعلى الرغم من أن الاتفاقية تنص على أن يتم تشكيل لجان (السيداو) بما

يعكس التمثيل العادل لكل الثقافات والحضارات والعقائد إلا أن التشكيل على أرض

الواقع لم يعكس ذلك بل كانت الأغلبية في عدد الأعضاء هي لممثلي الدول الغربية

التي تسعى لفرض مفاهيمها ومنطلقاتها الخاصة بحقوق المرأة على باقي شعوب

العالم.

حتمية الصراع:

وتستند اتفاقية (السيداو) على عدة مفاهيم ومنطلقات أساسية تشكل خلفيتها

الفلسفية؛ وأول هذه المفاهيم اعتبار المرأة مخلوقاً متفرداً بذاته وليس كائناً اجتماعياً

له دور من خلال الأسرة، وأن المساواة بين المرأة والرجل هي مساواة مطلقة؛

بمعنى التماثل فيما بينهما واستبعاد أي فروق فسيولوجية أو بيولوجية تميز كلاً منهما

عن الآخر، وأن الوصول لتلك المساواة يتطلب صراعاً دائماً ضد الرجال الذين

يمثلون الخطاب الذكوري الأبوي، وإصرار الاتفاقية على تكريس قيم الفردية

والتماثل التام بين المرأة والرجل والمساواة المطلقة في الحقوق والواجبات.

والصراع بين الرجال والنساء إنما يعني دفع المرأة للتمرد على عقيدتها وثقافتها

وخصوصيتها، وإشعال الفتنة داخل كل أسرة بما يؤدي لتفكيك تلك المؤسسة التي

تشكل اللبنة الأساسية لتماسك المجتمعات وبقائها.

وتتضمن الاتفاقية بنوداً تحقق فرض الفلسفة الغربية من خلال ثلاث مواد هي

المادة رقم (١) ورقم (٢) ، ورقم (١٦) ، فعلى سبيل المثال تقول المادة رقم

(٢) بضرورة تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتير الدول الوطنية

أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، كما تنص على اتخاذ التدابير المناسبة بما في ذلك

التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي

تشكل تمييزاً ضد المرأة.

وأخطر هذه المواد هي المادة رقم (١٦) التي تنص على ضرورة اتخاذ

الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة

الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن على أساس

تساوي الرجل والمرأة نفس الحق في عقد الزواج ونفس الحق في اختيار الزوج

ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وفيما يتعلق بالولاية

والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم!

وهذه المادة التي تعطي للرجل والمرأة الحق، نفسه في عقد الزواج، وفي

أثنائه، وعند فسخه تتعارض مع قاعدة ولي الزوجة عند عقد الزواج، ومع المهر،

وقوامة الرجل على المرأة داخل الأسرة، وتعدد الزوجات، ومنع زواج المسلمة من

الرجل غير المسلم، وأحكام الطلاق والعدة، وعدة الوفاة، وحضانة الأولاد،

والغريب أن الاتفاقية تحظر على الدول الموقعة عليها أن تتحفَّظ على تلك المادة!

وحيث يتناقض ذلك مع كتاب الأمم المتحدة حول (التمييز ضد المرأة) الذي يعطي

للدول حق التحفظ على بعض بنود الاتفاقية. وإلى جانب أنها تعد تدخلاً سافراً في

سيادة الدولة على قوانينها ودساتيرها؛ فهي تفرض عليها تغيير دساتيرها وقوانينها

التفصيلية بما يتفق مع المفاهيم التي تعرفها (السيداو) حتى ولو تعارضت مع القيم

والعقائد والخصوصيات الثقافية للشعوب؛ باعتبار (السيداو) هي المرجعية

القانونية لكل دساتير الدول وليس الدين أو الثقافة الوطنية.

التهديد باستخدام القوة:

وتفتح هذه المادة الباب على مصراعيه أمام احتمال اتخاذ الأمم المتحدة مستقبلاً

إجراءات لاستخدام القوة أو فرض العقوبات على أي دولة تتضمن تشريعاتها أو

قوانين محاكمها المحلية أي تمييز ضد المرأة وفقاً للمرجعية الدولية في هذا المجال،

وهي اتفاقية (السيداو) التي تريد الأمم المتحدة أن تكون لها السلطة الأعلى على

أي سلطة تشريعية محلية في أي دولة، وأنها (أي الاتفاقية) ناسخة للقوانين

المحلية. والاتفاقية في مجموعها تحارب الخطأ المزعوم بالوقوع في الخطأ نفسه؛

فهي في سعيها للمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة متناسية الفروق التي تميز كل

منهما عن الآخر لا ترى مانعاً من الوقوع في خطأ التمييز ضد الرجل؛ أي إعطاء

المرأة حقوقاً أكثر مما يحصل عليه الرجل في المجال نفسه، وينسى من وضعوا

بنود الاتفاقية أن المساواة بين الجنسين في الخصائص والأدوار الاجتماعية هو الظلم

بعينه، وأن المطلوب هو العدل بين الطرفين.

ويأتي مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي) ليشكل الأداة الرئيسية لهدم كل

الثوابت العقائدية والأخلاقية التي تعتز بها شعوب العالم؛ فهذا المفهوم يمثل حجر

الزاوية في اتفاقية (السيداو) ؛ فقد ورد في المادة (٥) من الاتفاقية تحت عنوان

(تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لدور كل من الرجل والمرأة) ، فالأمومة ليست

صفة بيولوجية فسيولوجية لدى المرأة، ولكنها وفقاً لهذه المادة هي وظيفة اجتماعية

يمكن أن يؤديها أي شخص حتى ولو كان هذا الشخص هو الرجل نفسه! ! ويفتح

المفهوم الباب لكل من يريد تغيير نوعه من ذكر إلى أنثى أو العكس باعتبار ذلك

حقاً من حقوق الإنسان، ويفتح الباب أيضاً لما تسميه الاتفاقية بالأنماط الجديدة

للأسرة التي تتكون من رجلين أو امرأتين وليس المفهوم المتعارف عليه على مدى

التاريخ البشري للأسرة الذي يتكون من رجل وامرأة يربط بينهما رباط الزوجية

بهدف إنجاب الأطفال والمحافظة على النوع البشري.

وتنص المادة (١٠) من الاتفاقية صراحة على أن يكون التعليم مختلطاً بين

الشباب والشابات، وضرورة القضاء على أي مفهوم عن دور الرجل ودور المرأة

على جميع مستويات التعليم، وتغيير المناهج الدراسية لتحقيق ذلك، وهذه المادة

تشكل خطراً على الأجيال القادمة التي يراد أن تربى على إزالة أي حواجز أو

فروق نفسية أو اجتماعية أو بيولوجية بين الرجل والمرأة لينتج لدينا أجيال من

الرجال تتشبه بالنساء وتؤدي أدوارهن، وأجيال من النساء تتشبه بالرجال وتمارس

أدوارهم! !

والمادة (١٢) تطالب بمساواة الرجل والمرأة في الاستحقاقات الأسرية التي

يدخل فيها المساواة في الميراث رغم تعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية التي ارتبط

نظام توزيع الميراث فيها بطبيعة النظام الاجتماعي الإسلامي الذي يعفي المرأة تماماً

من أي التزامات مالية تجاه نفسها وتجاه أسرتها، ويلقي بهذا العبء على زوجها أو

أقاربها إذا لم تكن متزوجة.

عالم جدير بالأطفال:

وفي إطار المحاولات لإصدار وثيقة دولية ملزمة في مجال الأطفال

والمراهقين نقلت المنظمات النسائية الغربية الإباحية نشاطها إلى هذا الميدان

لتستكمل دورها المشبوه المتمثل في فرض منظومتها الثقافية على دول العالم في كل

المجالات، وتحت عنوان: (عالم جدير بالأطفال) تم تضمين هذه المنظومة في

عدد كبير من بنود مشروع الوثيقة المؤقت الخاص بالأطفال تمهيداً لإصدار الوثيقة

النهائية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بقمة الطفولة في سبتمبر

القادم. وكما فعلت تلك المنظمات في الوثيقة الخاصة بالمرأة من إهمال للواجبات

والتركيز على الحقوق تكرر الموقف نفسه تجاه حقوق الأطفال؛ فهي تتوسع في تلك

الحقوق وتهمل الواجبات المطلوبة من الأطفال والمراهقين تجاه الأسرة والمجتمع،

كما أنها أهملت تماماً الالتزامات المطلوبة من جانب الدول الغربية تجاه رفع الظلم

الواقع على نساء العالم وكذلك الأطفال نتيجة الفقر والنزاعات المسلحة التي يقوم

الغرب بدور بارز في تأجيجها وإثارتها تحقيقاً لمصالحه في مناطق العالم المختلفة

خاصة إفريقيا.

وللأسف تم نقل كل السموم الواردة بوثيقة المرأة إلى الوثيقة المؤقتة الخاصة

بالأطفال؛ فالبند (٥٨ج) والبند (٦٥) من تلك الوثيقة يدعوان لتمكين الطفل

والبالغ ولكن ليس داخل سياق الأسرة الطبيعية وإنما من داخل سياقات أخرى

مختلفة، وكأن المطلوب قطع صلة الطفل والبالغ من إطاره الأسري وعلاقته

بوالديه، وأعطت الوثيقة للأطفال القادمين من علاقات غير شرعية بين الرجال

والنساء حقوق الأطفال الشرعيين نفسها، وكأنه تشجيع على الحمل السِّفاح.

وجسدت المادة (٣٦) من الوثيقة المؤقتة فكرة المساواة المطلقة مقررة

التماثل بين الأولاد والبنات متجاهلة الفروق البيولوجية والنفسية والفسيولوجية

بينهما، كما أنها تنحاز للبنات ضد الأولاد، ويتضح ذلك من المادتين (١٦، ٦٥)

حيث تقول المادة (٦٥) : «إن إمكانية الحصول على التعليم الأساسي يعد حقاً من

حقوق الإنسان.. ويساعد على وضع أقدام الأطفال لا سيما الفتيات على طريق

التمكين» ، ومن بين ثنايا عشرات البنود لم يتم الإشارة إلى الدين بوصفه عاملاً

فعالاً من عوامل تنمية الطفل إلا مرة واحدة في البند (٦٢) ، وقامت الوثيقة

بإدخال المراهقين ضمن مرحلة الطفولة رغم الاختلاف الكبير بين سمات

وخصائص كل من الأطفال والمراهقين، وربطت بين قضايا النساء والأطفال،

واستبعدت الرجال تماماً رغم أنهم جميعاً يعانون نفس الظروف خاصة عند الحديث

عن تحدي (الصراعات المسلحة) .

وأغفلت الوثيقة المآسي التي يعاني منها الأطفال في العالم الثالث من جراء

الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الأمم المتحدة على بعض الدول مثل العراق وليبيا

وأفغانستان وغيرها، وهو الحصار الذي يتسبب في حصد أرواح المئات من

الأطفال بسبب عدم توفر الغذاء والدواء، كما لم تشر الوثيقة إلى الالتزامات الواجبة

على الدول الصناعية الكبرى تجاه دول الجنوب الفقيرة لرفع مستوى معيشة فئات

المجتمع ومن بينهم الأطفال.

الالتزامات الغائبة:

وتحرم المادة (٤١) من الوثيقة المؤقتة كل مظاهر وأشكال العنف الموجه

ضد الأطفال، وتطالب بوضع قوانين على صعيد المجتمع المحلي لتعزيز نظم

الوقاية من العنف والحماية منه. والمتأمل في هذه المادة يجد أنها يمكن أن تستخدم

في منع الوالدين من حق تأديب أطفالهم باعتبار أن ذلك التأديب يدخل في باب

العنف الموجه لهؤلاء الأطفال تمهيداً لإعطائهم حق طلب إنزال العقوبة بالوالدين أو

توفير أسرة أخرى لهؤلاء الأطفال أسوة بما يجري حالياً في المجتمعات الغربية.

وحين تتحدث المادة (٤٥) عن «ضرورة إيجاد حلول شاملة لمعالجة

المشكلات التي تدفع الأطفال إلى العمل وإلى العيش في الشوارع، وتنفيذ برامج

وسياسات مناسبة لحماية أطفال الشوارع وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع مرة

أخرى» ، لم تلزم هذه المادة الدول الصناعية الكبرى بالتزامات مالية محددة

لمساعدة ٢٥٠مليون طفل على مستوى العالم يعانون من العيش في الشوارع

والعمل في سن الطفولة.

فالدول الفقيرة التي تعاني من ظاهرة عمالة الأطفال وأطفال الشوارع لا تملك

من الموارد ما يمكنها من تبني البرامج والسياسات التي تطالب بها تلك المادة من

الوثيقة المقترحة مما يوجب على دول الشمال الغني القيام بمسؤوليتها تجاه دول

الجنوب التي يتم استنزاف معظم ميزانياتها لسداد ديونها وفوائدها الباهظة المستحقة

عليها لصالح دول الشمال.

وحين تطالب المادة (٤٦) بـ «تحسين السياسات والبرامج الموضوعة

لحماية الأطفال اللاجئين والمشردين داخلياً، ولرعايتهم ولتوفير الرخاء لهم»

أهملت الحديث عن ضرورة الحفاظ على هوية هؤلاء الأطفال الثقافية والدينية، وما

جرى من محاولات تنصير الأطفال اللاجئين في ألبانيا وكوسوفا والشيشان من

جانب مؤسسات التنصير الغربية لم يعد خافياً على أحد، ولا تشير إليه الوثيقة

باعتباره عدواناً على حق هؤلاء الأطفال في الحفاظ على عقيدتهم وهويتهم.

وتشير المادة (٥٠) إلى «ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع انتقال

فيروس نقص المناعة الإيدز من الأمهات إلى أطفالهن وفيما بين المراهقين» ،

وتتغافل عن الدعوة إلى الالتزام بقيم العفة، وعدم ممارسة العلاقات الجنسية خارج

نطاق الزواج الشرعي؛ باعتبار ذلك الضمانة الأساسية لوقف الإصابة بالإيدز

وانتشاره وانتقاله من الأمهات المصابات إلى أطفالهن، خاصة وقد ثبت أن

إجراءات الوقاية التي تعتمد على الأساليب الطبية وحدها عجزت عن وقف انتشار

المرض.

والوثيقة حين تتحدث عن دور المراهقين في الدعوة إلى السلام العالمي لم

توضح كيف يتم ذلك تجاه الدول التي تقوم باحتلال أراضي الغير بالقوة كما هو

الحال بالنسبة لـ «إسرائيل» ؟ ! وكيف يكون هناك سلام بين الجاني والمجني

عليه؟ ! وأغفلت الوثيقة تماماً الإشارة إلى أن النضال من أجل تحرير الأراضي

المحتلة هو حق مشروع للشعوب كما ينص على ذلك القانون الدولي.

وتعتبر الوثيقة المقترحة الزواج المبكر نوعاً من أنواع العنف ضد الفتيات،

وضرورة منع هذا النوع من الزواج الذي يعتبره الإسلام أمراً مرغوباً فيه لتحصين

الشباب ضد الانحراف. وفي الوقت الذي تعلن فيه المنظمات الغربية العلمانية

الحرب على الزواج المبكر فإنها تدعو إلى حق المراهقين في ممارسة الجنس

وتعتبر ذلك حقاً أساسياً من حقوقهم، وهي بذلك ترفض ممارسة الجنس في إطار

الزواج الشرعي الذي يحفظ حقوق الفتاة، وتبيح هذه الممارسة ذاتها خارج النطاق

الشرعي! !

وتسعى تلك المنظمات الراديكالية إلى أن تكون الوثيقة المزمع التوصل إليها

خلال القمة العالمية للطفولة إلى جعل تلك الوثيقة ملزمة لدول العالم عند وضع

السياسات والاستراتيجيات المستقبلية حول الطفولة، وبذلك تحقق هدفها البعيد في

جعل أفكارها بمثابة المرجعية القانونية لكل الدول، وهي مرجعية يراد لها أن تكون

أعلى وأرسخ من الدساتير الوطنية.

ثم ماذا بعد ذلك؟

والسؤال الذي يفرض نفسه - أمام هذا الاجتياح المنظم لثقافات وخصوصيات

شعوب العالم تحت ستار دعم وإقرار حقوق الإنسان - هو: ماذا بعد؟ وما هو دور

البلاد الإسلامية حكومات وشعوباً في وقف هذا الغزو والاجتياح؟

والإجابة تتطلب تحركاً فاعلاً من جانب الحكومات والمنظمات الأهلية غير

الحكومية داخل بلدان العالم الإسلامي من أجل التواجد المثمر داخل تلك المؤتمرات

الدولية التي تتم تحت مظلة الأمم المتحدة حتى لا يتم السماح بتحويل القيم الإباحية

إلى بنود ثابتة في مواثيق المنظمة الدولية. وفي المرحلة المقبلة تقع مسؤوليات

إضافية على المؤسسات والمنظمات الإسلامية وفي مقدمتها منظمة المؤتمر

الإسلامي، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، ورابطة العالم الإسلامي،

واللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل التابعة للمجلس الإسلامي العالمي. وفي

مقدمة هذه المسؤوليات إعداد شخصيات مؤهلة شرعياً وعلمياً للمشاركة في هذه

المؤتمرات لإجهاض كل محاولات تمرير البنود التي تدعو للإباحية وتتصادم مع

الإسلام، وحسناً فعلت اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل التي شاركت

بفاعلية في مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة، واستطاعت بالتنسيق مع

الوفود النسائية للدول الإسلامية والمنظمات النسائية المسيحية المحافظة إبطال

عدد من البنود الإباحية التي تضمنتها الوثيقة العالمية حول المرأة، ومن المأمول

أن يستمر الدور الإسلامي من خلال اللجنة والمنظمات الإسلامية المماثلة في إسقاط

مخططات المنظمات الغربية الإباحية خلال مؤتمر القمة العالمية

للطفولة القادم.

وتتطلب المواجهة مع تيار الغزو الثقافي الغربي تفعيل دور القنوات الفضائية

المملوكة للعرب والمسلمين في توعية المشاهدين بأخطار منظومة القيم الغربية على

مسيرة الإنسان المعاصر عامة وعلى المسلم خاصة، وكشف الدور المشبوه

للمنظمات النسوية الغربية التي تتستر خلف حقوق المرأة والطفل لفرض قيمها

المنحرفة على شعوب العالم.

وتتطلب المواجهة أيضاً كشف الأوضاع المزرية التي تعاني منها المرأة في

الغرب التي تحولت إلى سلعة في الإعلانات التجارية، وجسد تجني من ورائه

الشركات العملاقة الكثير من الأموال، وضحية للعنف المبالغ فيه ضدها رغم ما

يتشدق به الغرب من دعاوى حقوق الإنسان، فلم يعد مناسباً أن تظل الشعوب

المسلمة في موقف الدفاع عن عقيدتها وهويتها، وآن الوقت لأن تتحول إلى مرحلة

الهجوم وفضح ممارسات الغرب ضد المرأة داخل الغرب ذاته.