للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

تقرير ميتشيل: دعوة لإجهاض انتفاضة الأقصى

(١ - ٢)

د. سامي محمد صالح الدلال

قبل أن ندخل في تفاصيل مناقشة تقرير ميتشيل لا بد أن نقرر القواعد

والثوابت العشر التي ننطلق منها ونتحاكم إليها خلال المناقشة؛ وذلك من وجهة

نظرنا التي نرى أنها مطابقة للحق وملتزمة بالحقيقة، ونلخصها على الوجه الآتي:

١ - فلسطين كلها، من النهر إلى البحر، هي ملك للمسلمين.

٢ - الأراضي الفلسطينية التي أقام عليها اليهود كيانهم بعد عام ١٩٤٨م،

والأراضي التي احتلوها عام ١٩٦٧م، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، هي

أراض محتلة مغتصبة عنوة باستخدام القوة العسكرية.

٣ - إن الكيان اليهودي الحالي في فلسطين يستمد قوته من وعود تلمودية

ودعم صهيوني عالمي ومن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة إضافة إلى قواه

الذاتية العسكرية والمؤسسية.

٤ - إن الكيان اليهودي ضرب بجميع القرارات والمواثيق الدولية التي هي

لصالح الشعب الفلسطيني عرض الحائط.

٥ - منذ بدء الاحتلال عام ١٩٤٨م، ولغاية هذه اللحظة فإن أساليب تثبيته

لاحتلاله اتسمت بأعلى درجات الوحشية والقمع والإرهاب.

٦ - إن الشعب الفلسطيني يتمتع بالحق المطلق في استخدام كافة الوسائل

التي تساعده على الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال وتحرير أراضيه المغتصبة.

٧ - إن مسؤولية تحرير فلسطين لا تقع على الشعب الفلسطيني وحده، بل

هي مناطة بالمسلمين جميعهم، وإن الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي المفرِّطة في

هذه الأمانة تضطلع بالوزر الأعظم.

٨ - الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وإن الانتفاضات المتتالية

للشعب الفلسطيني هي وجه من وجوهه، يتحتم على جميع المسلمين دعمها بكافة

الوسائل المادية والمعنوية.

٩ - كل من يقف مع الكيان اليهودي ويدعم وجوده هو عدو تجب معاداته.

١٠ - إقامة الدولة الإسلامية الحاكمة بشرع الله تعالى على أرض فلسطين

كلها، وإرجاع اليهود إلى حيث أتوا، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم،

وتعويض جميع الفلسطينيين المتضررين، هدف أساس ومطلب ملح لا يملك أحد

التنازل عنه أو المناداة بسواه.

تلك هي الثوابت العشر في الصراع مع الكيان اليهودي الصهيوني وهو

صراع عقدي في لحمته وسداه.

ما هو تقرير ميتشيل؟

في السابع عشر من تشرين أول (أكتوبر) عام ٢٠٠٠م، اختتم مؤتمر

الشرق الأوسط للسلام أعماله في شرم الشيخ مصر حيث كان المشاركون جميعاً

على مستوى الزعماء لكل من السلطة الفلسطينية، ومصر، والأردن، والولايات

المتحدة الأمريكية، والكيان اليهودي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وفي

هذا المؤتمر قال الرئيس الأمريكي: «إن الولايات المتحدة سوف تطور مع

الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة لجنة لتقصي

الحقائق أطلق عليها اسم:» لجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق «.

وفي السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام ٢٠٠٠م طلب الرئيس الأمريكي

بعد التشاور مع باقي المشاركين من الأعضاء أن ينخرطوا في لجنة تقصي

الحقائق [١] .

وفي السادس من كانون أول (ديسمبر) عام ٢٠٠٠م وجه الرئيس الأمريكي

رسالة إلى لجنة تقصي الحقائق إبان انعقادها، جاء فيها:

إن هدف اللقاء والاتفاق الناتج عنه هو:

أ - إنهاء العنف ومنع تكراره.

ب - إيجاد طريق العودة إلى مسيرة السلام في إجراءاتها وطريقة عملها.

وعن مهمة اللجنة قال: على اللجنة:

أ - أن تسترشد بهذه الأهداف الملزمة.

ب - محاولة قيادة الأمور بعيداً عن أي خطوة من شأنها تكثيف اللوم المشترك

أو التأشير بإصبع الاتهام بين الفرقاء، ولا ينبغي أن تصبح مصدر خلاف أو نقطة

تركيز للوم أو الاتهام.

ج - أن تخدم ككابحة للعنف والمواجهة.

د - أن تقدم عبراً للمستقبل.

هـ - أن لا يكون هدفها تحديد جرم أو براءة أفراد أو فرقاء.

و أن يكون هدف اللجنة تحديد ما حدث وكيفية منع تكراره في المستقبل.

وانظلاقاً من هذه التوجيهات الإرشادية الأمريكية شرعت اللجنة في ممارسة مهمتها

التي رفعت بشأنها تقريرها إلى الرئيس الأمريكي بتاريخ ٣٠/٤/٢٠٠١م فيما عرف

بـ» تقرير ميتشيل «الذي سيكون محل تحليلنا ومناقشتنا في هذه الدراسة.

رفع اللثام عن تشكيل اللجنة:

١ - إن تقرير ميتشيل جاء منسجماً مع توجهات أعضاء لجنة التقصي التي

نعتبرها» غير محايدة «فأعضاؤها جميعاً لم يكن لهم في يوم من الأيام أي موقف

متعاطف مع ما اصطلحوا على تسميته بـ» قضية فلسطين «؛ إذ إن جميع

أعضاء اللجنة نصارى، ما عدا سليمان ديميريل الرئيس السابق لتركيا، والذي

ضُربت الحركة الإسلامية إبَّان رئاسته بضربات مؤلمة وموجعة، كما أنها تضم

اثنين من الأمريكان من مجموع خمسة أشخاص هم أعضاء اللجنة، إضافة إلى أنها

رفعت تقريرها للرئيس الأمريكي وكأنه رئيس العالم؛ فاللجنة ذات ثقل أمريكي،

وبناء عليه فإنها من حيث تركيبتها وتوجهاتها متحفظ عليها جداً، ولا يرقى تقريرها

إلى مستوى الإنصاف كما سنرى.

٢ - لم تشر اللجنة في مقدمتها أو نقاشاتها إلى قرارات الأمم المتحدة

المتعلقة بالانسحاب اليهودي غير المشروط من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧م، بل

ناقشت المسألة من منطلق وجود» متصارعين «على تلك الأراضي وبينهما

مشكلات تفاقمت إلى مرحلة استعمال» العنف «. وكان الصحيح من وجهة نظرنا

إبراز أن الكيان اليهودي في فلسطين كلها هو حالة اغتصاب واحتلال واستعمار

ينبغي إزالته، غير أن تشكيل اللجنة لم يكن ليصب في هذا الاتجاه بتاتاً.

٣ - إن العنف اليهودي قد ابتدأ منذ عام ١٩٤٨م، وسنأتي على بعض

مظاهره لاحقاً، فلماذا لم تشكل هذه اللجنة إلا بعد أن ابتدأت الانتفاضة، وبعد أن

ظهر أنها تتجه نحو الاستمرار، مع تصاعد لآثارها الخطيرة في المجتمع اليهودي

نفسياً وسياسياً واقتصادياً؛ فالواضح أن هذه اللجنة اضطلعت بمهمة فرش البساط

لاحتواء الانتفاضة وإنهائها.

٤ - إن اللجنة مجمعة على أهمية إيقاف الانتفاضة والتخلص من آثارها لإنقاذ

الكيان اليهودي من ورطته مع الانتفاضة.

٥ - إن طبيعة تركيبة اللجنة وتوجهاتها قد انعكست على تقريرها الذي جاء

غير متوازن من حيث النتائج رغم محاولة إبراز التوازن في بعض صياغة

العبارات، وسيتضح عدم حيادية القرارات والتوصيات وميلانها بشكل واضح

وفاضح لصالح الكيان اليهودي.

أبرز نصوص تقرير ميتشيل:

في تاريخ ٣٠/٤/٢٠٠١م رفعت لجنة شرم الشيخ لتقصي الحقائق تقريرها

إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (جورج دبليو بوش) :

لقد طلبنا وتلقينا المعلومات والمشورة من قطاع واسع من الأفراد والمؤسسات

والحكومات، وعلى رغم ذلك فإن النتائج والتوصيات صادرة عنا فقط.

وبعد الديباجة وضع هيكل التقرير كما يلي:

تكوَّن التقرير من:

أولاً: مقدمة.

ثانياً: النقاش والحوار:

- أوقفوا العنف، استئناف التعاون الأمني.

ثالثاً: التوصيات:

وقد تضمنت: وقف العنف، إعادة بناء الثقة، استئناف المفاوضات.

مناقشة أبرز نصوص التقرير:

أولاً: المقدمة:

نسوق أهم العبارات التي جاءت في المقدمة:

» إن العنف لن يحل مشاكل المنطقة، إنه فقط سيزيدها سوءاً «.

» إن الموت والدمار لن يأتيا بالسلام، بل سيعمقان الكراهية ويصلبان

العزيمة لدى الجانبين «.

» ثمة طريق واحد للسلام وللعدل وللأمن في الشرق الأوسط ألا وهو

المفاوضات «.

» إن بعض (الإسرائيليين) والفلسطينيين لا يتفهمون بشكل كامل

مشاكل وهموم الطرف الآخر «.

» يبدو واضحاً أن بعض (الإسرائيليين) لا يستوعبون الإذلال والإحباط

الذي يتحمله الفلسطينيون بشكل يومي نتيجة اضطرارهم للعيش مع نتائج الاحتلال

المدعوم بوجود قوات عسكرية إسرائيلية، ومستوطنات مغروسة في وسطهم، ولا

يفهمون إصرار الفلسطينيين على الحصول على الاستقلال وتقرير مصير حقيقي «.

» يبدو واضحاً أن بعض الفلسطينيين لا يفهمون مدى الخوف الذي يخلقونه

في أوساط الشعب الإسرائيلي مما يضعف إيمانهم بإمكانية التعايش، أو إصرار

الحكومة الإسرائيلية على عمل كل ما هو ضروري لحماية شعبها «.

» إن الخوف والكراهية والغضب قد تصعد لدى الطرفين، إن الخطر الأعظم

هو على ثقافة السلام التي تمت تغذيتها عبر العقد السابق، والتي تحطمت، وبدلاً

منها هناك إحساس متعاظم من عدم الجدوى واليأس ولجوء متزايد نحو العنف «.

» إن على القادة في كلا الطرفين التصرف والكلام بحزم لكبح هذه التوجهات

الخطرة، عليهم أن يعيدوا إضاءة الرغبة والدافعية للسلام «.

» إن شعبين لهما كبرياء يقتسمان الأرض والمصير، وقد أدت ادعاءاتهما

وخلافاتهما الدينية إلى صراع مستعر أضعف الروح المعنوية، وضرب الفهم بقيمة

الإنسان، وبإمكانهما أن يستمرا في الصراع، أو أن يتفاوضا لإيجاد طريق للعيش

جنباً إلى جنب بسلام «.

ولنسجل الوقفات الآتية مع» المقدمة «:

١ - اكتفت المقدمة بذكر» العنف «ولم تحدد الطرف الذي تسبب فيه،

وذكرت» الموت والدمار «ولم تشر إلى مصدره، وأشارت إلى» السلام «ولم

تبين ماهيته.

٢ - حددت اللجنة طريق المفاوضات باعتباره طريقاً وحيداً للسلام والعدل

والأمن في الشرق الأوسط، وأغفلت أن ثماني سنين عجافاً قد مرت على الشروع

في المفاوضات ابتداءً من مدريد وإلى طابا ولم يتحقق شيء مما ذكرته، وسبب ذلك

أن مفهوم العدل والأمن والسلام لدى الكيان اليهودي مجموع في اصطلاح واحد هو

استسلام الفلسطينيين، وقد جاء ذلك جلياً في اتفاقيات» أوسلو «وما تلاها.

٣ - وضعت اللجنة الفلسطينيين و (الإسرائيليين) على كفتي ميزان ونادت

بينهما وادعت عدم تفهم كل منهما مشكلات وهموم الطرف الآخر، وهذا غير

صحيح؛ فالفلسطينيون يفهمون ويعلمون أن هَمَّ اليهود ومشكلتهم تتلخص بإدامة

الاحتلال ومصادرة إرادة الشعب الفلسطيني وتحقيق النبوءات التوراتية بزعمهم.

واليهود يفهمون ويعلمون أن هَمَّ الفلسطينيين ومشكلتهم تتلخص بإقامة دولتهم

الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني؛ فهذه المشاكل والهموم واضحة بجلاء لدى

الطرفين.

٤ - أقرت اللجنة ب:

* الإذلال والإحباط الذي يتحمله الفلسطينيون بشكل يومي نتيجة اضطرارهم

للعيش مع نتائج الاحتلال المدعوم بوجود قوات عسكرية إسرائيلية ومستوطنات

مغروسة في وسطهم.

* إصرار الفلسطينيين على الحصول على الاستقلال وتقرير مصير

حقيقي. الخوف الذي يضعه الفلسطينيون في أوساط الشعب الإسرائيلي، ثم

ادعت أن اليهود لا يعلمون بالمذكور في (١) و (٢) وأن الفلسطينيين لا يعلمون

بالمذكور في (٣) ، فهذا الاستنتاج غير صحيح ومغاير للواقع كما ذكرنا آنفاً، لكننا

نسجل للجنة إقرارها بما جاء في (١) و (٢) وسنستعيد هذا الإقرار في مناقشتنا

اللاحقة.

٥ - أقرت اللجنة بـ» إصرار (الحكومة الإسرائيلية) على عمل كل ما هو

ضروري لحماية شعبها «.

إن هذا تحيز صارخ من قبل اللجنة؛ إذ جعلت الشعب الفلسطيني معتدياً،

ولذلك يحق للحكومة اليهودية أن تفعل ما هو ضروري لحماية شعبها، وهذا يعني

ضمناً أن اللجنة موافقة على إجراءات الحكومة اليهودية في التنكيل بالشعب

الفلسطيني.

٦ - تباكت اللجنة على» ثقافة السلام «التي تحطمت، ونحن نعلم أن

المقصود بهذه العبارة هي مكاسب الاستسلام التي ظفر بها اليهود ثم جاءت انتفاضة

الأقصى فاقتلعتها من جذورها.

٧ - قالت اللجنة:» هناك إحساس متعاظم من عدم الجدوى واليأس ولجوء

متزايد نحو العنف « (أي لدى الطرفين) ، ونحن نعتبر هذا الكلام معبراً حقيقياً

عن جاهزية وفاعلية» الحجارة «في مقابلتها للآلة العسكرية للعدو المتفوقة عدداً

وعدة.

٨ - في الوقت الذي يريد فيه العلمانيون ومن في حكمهم جعل الصراع مع

اليهود صراعاً وطنياً، وهو خلاف الواقع، فإن اللجنة أقرت بما لا شك فيه أن

الصراع بين المسلمين واليهود هو صراع عَقَدي؛ حيث قالت بالحرف:» وقد

أدت ادعاءاتهما وخلافاتهما الدينية إلى صراع مستعر «. نعم؛ لقد أصابت اللجنة

في هذه العبارة كبد الحقيقة!

٩ - أقرت اللجنة بتكافؤ الطرفين في الصراع، وهذا يعني أن إرادة الشعب

الفلسطيني في الاستقلال قد وقفت مع التفوق اليهودي العسكري والسياسي

والاقتصادي موقف الند للند.

١٠ - انتهت المقدمة بالإشارة إلى وجود طريقين لا ثالث لهما، وهما

استمرار الصراع أو المفاوضات. ونحن نقول: إن المفاوضات لن تحقق للشعب

الفلسطيني ما يريد، في حين أن استمرار الصراع سيرجح كفة الفلسطينيين بإذن

الله تعالى.

ثانياً: النقاش والحوار:

ماذا حدث؟ ولِمَ حدث ما حدث؟

قالت اللجنة:» جاءت معظم المعلومات التي تلقيناها من الفرقاء، ومفهوم

أنها تميل إلى دعم وجهات نظرهم «.

» في أواخر سبتمبر ٢٠٠٠م، تلقى الإسرائيليون والفلسطينيون ومسؤولون

آخرون تقارير مفادها أن عضو الكنيست (الذي يشغل الآن منصب رئيس الوزراء)

آرييل شارون يخطط لزيارة الحرم الشريف، جبل الهيكل في القدس وحث

المسؤولون الفلسطينيون والأمريكيون رئيس الوزراء آنذاك، إيهود باراك، على

منع تلك الزيارة، ثم قام شارون بزيارته تلك يوم ٢٨ سبتمبر يرافقه ما يزيد على

ألف من قوات الشرطة الإسرائيلية، وفي اليوم التالي، وفي المكان نفسه، حدثت

مواجهة بين عدد كبير من الفلسطينيين المتظاهرين غير المسلحين وعدد من قوات

الشرطة الإسرائيلية، مما أدى إلى قتل أربعة أشخاص وإصابة حوالي مائتي شخص

بجروح. ووفقاً لمصادر الحكومة الإسرائيلية فقد تم جرح أربعة عشر شرطياً

إسرائيلياً، وقد حدثت تظاهرات عدة خلال الأيام اللاحقة، هكذا بدأ ما عرف فيما

بعد بـ «انتفاضة الأقصى» (الأقصى هو مسجد في الحرم الشريف/ جبل

الهيكل) «» أنكرت منظمة التحرير الفلسطينية الاتهامات بأن الانتفاضة كان

مخططاً لها «.

من النص أعلاه يتبين ما يلي:

١ - رغم أن اللجنة رفعت تقريرها بعد حوالي ستة أشهر من مباشرتها عملها

فإنها تعترف أن معظم معلوماتها تقلتها من الفرقاء، أي لم تجمع معلوماتها من

أرض ميدان الصراع، وهذا خلل كبير في أصل تقرير اللجنة.

٢ - اعترفت اللجنة أن تدنيس شارون للمسجد الشريف كان مخططاً له مسبقاً،

وأن الإدارة الأمريكية والسلطة الفسلطينية كانا على علم به؛ علماً بأن الصحافة

الإسرائيلية قد شرعت ابتداءً من أوائل سبتمبر ٢٠٠٠م بنشر تصريحات لمسؤولين

يهود مدنيين وعسكريين بأن الحرب مع الفلسطينيين على وشك الاندلاع، ولم يكن

ثمة انتفاضة بعد، غير أن الذي لم يحسب شارون وزبانيته له حساباً هو هذا

الصمود العاتي الذي تجسد بأيدي الفلسطينيين حجارة وثابة تقذف بشدة أفراد الجيش

اليهودي وشرطته ومستوطنيه. إن استمرار صمود الفلسطينيين سيبطل بإذن الله

تعالى مخطط المكر والدهاء والدماء اليهودي.

٣ - إن منظمة التحرير الفلسطينية سارعت إلى نفي الاتهامات بأن الانتفاضة

قد خطط لها؛ وهذا النفي صحيح من جانب واحد هو جانب السلطة الفلسطينية،

لكن الانتفاضة لم تكن خارج حسابات الجانب اليهودي، بل هو كان بحاجة لها،

غير أنها جاءت في ضخامتها وتوسعها وآثارها وصمودها على خلاف ما رسمته

الزعامة اليهودية لها، فأوقعت الطرفين المتآمرَيْن عليها: الكيان اليهودي والسلطة

الفلسطينية في» حيص بيص «.

٤ - أفاد تقرير اللجنة أن الذي ابتدأ بالعنف الذي فجر الانتفاضة هو شارون

نفسه عندما اقتحم المسجد الأقصى على رأس ما يزيد على ألف شرطي يهودي،

وأن الجيش الإسرائيلي هو الذي أطلق الرصاص المطاطي والذخيرة الحية على

المحتجين الفلسطينيين، علماً بأن الاحتجاج الفلسطيني هو احتجاج مشروع في كل

الأحوال؛ فاللجنة تعترف بشكل واضح غير قابل للبس أن اليهود هم الذين بدؤوا

العنف الذي فجر الانتفاضة.

٥ - لا بد من الإشارة إلى أن الوجود اليهودي على هيئة دولة على أرض

فلسطين هو بحد ذاته عنف شديد ينبغي مقابلته بعنف مقابل لإبطاله؛ لأنه اعتداء

صارخ على أراضي غيرهم وممتلكاتهم، تم في ظل قتل للأبرياء وفتك بالنساء

والأطفال والشيوخ وهتك للأعراض ومصادرة للأموال من خلال مجازر وحشية

وممارسات همجية، وسنأتي على مزيد من تفاصيل ذلك عند مناقشتنا للفقرات

الخاصة بالعنف.

٦ - لا بد من ملاحظة إشارة اللجنة إلى أن الأقصى ليس هو مجرد مسجد في

ساحة المسجد بل هو أيضاً جبل الهيكل، وهذه دلالة واضحة على أن اللجنة معترفة

بادعاء اليهود أن أرض جبل الهيكل هي نفسها المسجد الأقصى، وفي ذلك برهان

ساطع على تحيز اللجنة إلى جانب الادعاءات اليهودية.

قالت اللجنة:» من خلال وجهة نظر منظمة التحرير، استجابت (إسرائيل)

لأحداث الشغب بعنف زائد واستخدام غير قانوني للأسلحة الفتاكة ضد

المتظاهرين «.

» من منظور الحكومة الإسرائيلية فإن التظاهرات كانت تنظم وتوجه من

القيادة الفلسطينية «.

» فرضت الحكومة الإسرائيلية قيوداً على حركة الناس والبضاعة في الضفة

الغربية وقطاع غزة (الإغلاقات) تطور منذ ذلك الحين إلى مجموعة من الأعمال

العنيفة وردود الفعل، كان هناك تبادل لإطلاق النار في منطقة مكتظة، وحالات

قنص وصدامات بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين «.

» لا توجد أدلة للاستنتاج بأن السلطة الفلسطينية قامت بجهد متواصل

للسيطرة على التظاهرات وعلى العنف لحظة حدوثه، أو أن الحكومة الإسرائيلية

قامت بجهد متواصل للسيطرة على التظاهرات وعلى الفلسطينيين غير

المسلحين «.

من النص أعلاه يتبين ما يلي:

١ - اعترفت اللجنة أن الكيان اليهودي قام باستخدام غير قانوني للأسلحة

الفتاكة وبعنف زائد.

٢ - قالت اللجنة:» التظاهرات كانت تنظم وتوجه من القيادة الفلسطينية «

وهذا غير صحيح؛ فالمظاهرات التي أشعلت الانتفاضة والتي لا تزال مستمرة

كانت رد فعل تلقائي من الشعب الفلسطيني وليس للسلطة الفلسطينية فيها نصيب،

بل إن السلطة الفلسطينية وضعت كل ثقلها واستنفرت جميع عناصر أمنها وشرطتها

لوقف الانتفاضة، لكنها لم تفلح؛ لأن الخرق اتسع على الراقع، وبناء عليه فإن

ادعاء تقرير ميتشيل أنه لا توجد أدلة للاستنتاج بأن السلطة الفسلطينية قامت بجهد

متواصل للسيطرة على التظاهرات ادعاء باطل وغير صحيح، بل إن السلطة

الفلسطينية بذلت أقصى المساعي للتعاون مع حكومة شارون للقضاء على الانتفاضة؛

حيث كانت ولا تزال الاجتماعات بين مسؤولي أمن السلطة الفلسطينية ومسؤولي

الأمن الإسرائيلي مستمرة لإيقافها.

٣ - أما أغرب وأعجب زعم اللجنة أن (الحكومة الإسرائيلية) لم تقم بجهد

متواصل للسيطرة على التظاهرات؛ فقد بذلت الحكومة الإسرائيلية جهوداً حربية

مضنية لإيقاف التظاهرات مستخدمة الرصاص الحي والقنابل والصواريخ والقصف

بالطائرات الحربية والمروحية وهدمت المنازل، وجرفت مئات الآلاف من

الأراضي الزراعية، وأتلفت المحاصيل، وحاصرت المدن، وقتلت مئات المدنيين،

وركزت قتلها على الأطفال، وأوقعت أكثر من عشرة آلاف جريح، وأجاعت

الناس وقطعت عنهم الكهرباء والمياه واعتقلت المئات وغير ذلك كثير جداً جداً؛

فماذا تريد اللجنة من الحكومة الإسرائيلية فعله أكثر من ذلك لتسيطر على

المظاهرات؟ !

قالت اللجنة (في تعليلها لاندلاع الانتفاضة) :

» الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن الدافع الفوري للعنف كان انهيار محادثات

كامب ديفيد يوم ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠٠٠م، والتقدير المتزايد في المجتمع الدولي

لمسؤولية الفلسطينيين عن الطريق المسدود (كامب ديفيد) «.

» إن زيارة شارون لم تكن سبب انتفاضة الأقصى، لكن توقيتها لم يكن موفقاً،

وكان بالإمكان التنبؤ بما يمكن «.

وتعليقنا على هذا النص ما يلي:

١ - إن انهيار محادثات كامب ديفيد الثانية لم يكن أمنية الشعب الفلسطيني

فقط، بل كان أمنية جميع الشعوب المسلمة؛ ذلك أن بوصلة توجهات تلك

المحادثات قد ثبت مؤشرها على استعداد السلطة الفلسطينية لإعطاء تنازلات خطيرة

لصالح اليهود فيما يخص الوضع النهائي، وخاصة فيما يتعلق بالقدس وعودة

اللاجئين والمستوطنات وطبيعة كيان الدولة الفلسطينية المرتقبة، ولذلك عندما

انهارت تلك المباحثات تنفس الشعب الفلسطيني، والشعوب الإسلامية بعد صعداء،

مما جعلهم في انتظار أي حدث على أرض الواقع ليفجر تلك المشاعر المحتقنة في

الصدور والناجمة عن استمرار الاحتلال اليهودي لفلسطين.

٢ - أشار التقرير إلى تحميل المجتمع الدولي الفلسطينيين مسؤولية وصول

مباحثات كامب ديفيد ٢ إلى طريق مسدود، وهذا افتئات على الحقيقة؛ لأن الذي

حال دون استمرار المباحثات هو إصرار حكومة الكيان اليهودي على لاءاتها

المعروفة، وهي: لا لدولة فلسطينية مستقلة، لا لتقسيم القدس، لا لعودة اللاجئين،

لا لإزالة المستوطنات؛ فمن الذي تقع عليه مسؤولية انهيار تلك المباحثات؟ !

وهل تكون هذه الحقائق فعلاً غائبة عن المجتمع الدولي، أم أن المجتمع الدولي هو

الولايات المتحدة وبريطانيا فقط؟

٣ - زعمت اللجنة أن زيارة شارون لم تكن سبب الانتفاضة، بل توقيتها هو

السبب؛ فهل تريد تبرئة ساحة شارون وباراك وزبانيتهما من المسؤولية عن أحداث

العنف اليهودي ضد الفلسطينيين؟ ! أم تريد الزعم أن مسبب الانتفاضة هو منظمة

التحرير الفلسطينية؟ ! طبعاً لا تستطيع ادعاء ذلك بعد أن نفت هي تحميل المنظمة

مسؤولية بدء الانتفاضة. إذن من المسؤول عن تفجير أحداث العنف سوى الجانب

اليهودي، وشارون بالذات؟ علماً أن اللجنة قد أقرت بهذه المسؤولية عندما تحدثت

في المقدمة عن بدء اشتعال الأحداث في الضفة الغربية وقطاع غزة.

توقعات متباينة:

قالت اللجنة:» لقد صدمتنا التوقعات المتباينة التي عبر عنها الفرقاء فيما

يتعلق بتطبيق مسيرة أوسلو «.

» لقد أعطت الحكومة الإسرائيلية أولوية للتحرك نحو اتفاق للوضع النهائي

ضمن مناخ من عدم العنف «.

» وترى منظمة التحرير أن إعاقة العملية نجم عن محاولات إسرائيل إطالة

الاحتلال وتعزيزه «.

» اعتقد الفلسطينيون أن اتفاق أوسلو سيؤدي إلى نهاية الاحتلال الإسرائيلي

في غضون خمس سنوات «.

» بدلاً من ذلك حسب وجهة النظر الفلسطينية وصلت الإعاقات الإسرائيلية

المتكررة إلى ذروتها في قمة كامب ديفيد؛ فالعروض (الإسرائيلية) تضمنت

بالإضافة إلى ضم أفضل المناطق الفلسطينية لإسرائيل، السيادة الدائمة لإسرائيل

على القدس الشرقية، واستمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق

الفلسطينية والسيطرة الإسرائيلية على المصادر الطبيعية الفلسطينية والأجواء

والحدود الفلسطينية، وأخيراً عودة أقل من ١% من اللاجئين إلى موطنهم «.

وتعليقنا على ذلك هو:

١ - منذ البداية لم يكن هناك فهم موحد لنصوص اتفاقيات أوسلو بين السلطة

الفلسطينية والكيان اليهودي؛ ذلك أن الحكومة اليهودية تريد أن تفسر نصوص

الاتفاقيات حسب فهمها هي؛ ولذلك عرقلت تنفيذ تلك الاتفاقيات بشدة، ومن

المستغرب حقاً أن الطرفين قد شرعا في مفاوضات الحل النهائي في حين أن

اتفاقيات أوسلو لم تكن قد طبقت بالكامل على الأرض بسبب التعنت اليهودي.

٢ - كيف تقول اللجنة إن (الحكومة الإسرائيلية) أعطت أولوية للتحرك نحو

اتفاق للوضع النهائي ضمن مناخ من عدم العنف، وهي التي مارست كثيراً من

مظاهر العنف ضد الفلسطينيين خلال الفترة الانتقالية.

٣ - لا نشك أبداً أن التوقعات متباينة بين الفلسطينيين و (الإسرائيليين)

فيما يخص استعادة الفلسطينيين حقوقهم كاملة من اليهود؛ وهذا هو سبب الصراع؛

لكن ما ساقته اللجنة من المطالب اليهودية يكفي لنسف أي نوع من أنواع

المفاوضات التي تعطي الكيان اليهودي كل شيء، ولم تُبقِ للفلسطينيين سوى

الفتات.

منظورات متباينة:

تحت هذا العنوان ذكرت اللجنة المنظورين الفلسطيني و (الإسرائيلي) ،

وعبرت عن تباينهما بالقول:» وجسَّد كل طرف، سواء بالتصريحات أو الأفعال

منظوراً عجز عن إدراك أي حقيقة في وجهة نظر الآخر «.

أولاً: المنظور الفلسطيني:

قالت اللجنة: عن ذلك:

١ - فيما يتعلق بالفلسطينيين، بشرت مدريد وأوسلو بإمكان قيام الدولة

وضمان نهاية الاحتلال، وقرارات حول القضايا الهامة ضمن مدة زمنية محددة.

٢ - الفلسطينيون غاضبون بصدق من النمو المستمر للمستوطنات، ويرى

الفلسطينيون أن وجود المستوطنات والمستوطنين في مناطقهم لا يشكل فقط انتهاكاً

لروح عملية أوسلو بل أيضاً تطبيقاً للقوة بشكل يتناسب مع عقلية الهيمنة الإسرائيلية

العسكرية التي تبقي على هذه المستوطنات وتحميها.

٣ - كذلك ل١دى الفلسطينيين مشاعر غاضبة تجاه تجاربهم اليومية المريرة

والمذلة والناجمة عن استمرار (الوجود الإسرائيلي) على الأراضي الفلسطينية.

٤ - ينص الاتفاق الانتقالي على أنه» يرى الطرفان بأن الضفة الغربية

وقطاع غزة وحدة مناطقية واحدة يتم تحديد وضعها والسيادة عليها في المرحلة

الانتقالية ويترافق مع ذلك نص في الاتفاق النهائي يمنع اتخاذ أي خطوات تعمل

على تغيير وضعية المفاوضات الانتقالية، وتزعم منظمة التحرير أن القادة

السياسيين الإسرائيليين لم يخفوا أن تفسيرهم لأوسلو تمت صياغته بحيث يتم فصل

الفلسطينيين في مناطق غير متواصلة محاطة بحدود يسيطر عليها الإسرائيليون مع

وجود مستوطنات وطرق خاصة بها تنتهك السيادة الفلسطينية.

٥ - كما تدعي منظمة التحرير الفلسطينية أن (حكومة إسرائيل) لم تذعن

لالتزامات أخرى مثل الانسحاب اللاحق من الضفة الغربية والإفراج عن المعتقلين

الفلسطينيين.

٦ - عبر الفلسطينيون عن غضبهم تجاه الطريق المسدود بخصوص مسألة

اللاجئين وتدهور الظروف الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة «. انتهى

كلام اللجنة.

ثانياً: المنظور الإسرائيلي:

قالت اللجنة: (عنه ما يلي) :

١ - إن توسيع النشاط الاستيطاني واتخاذ إجراءات لتسهيل حياة المستوطنين

وأمنهم لا يعتبر ماساً بمفاوضات الوضع النهائي، وتتفهم إسرائيل معارضة الجانب

الفلسطيني للمستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي تعترف بأن

المستوطنات قضية مهمة يجب أن يتم التوصل لاتفاق بشأنها باعتبارها جزءاً من أي

حل للوضع النهائي دون تمييز للوضع الرسمي الراهن للمستوطنات.

٢ - إن الأمن هو الهم الأول لحكومة إسرائيل، وتدعي الحكومة الإسرائيلية

أن منظمة التحرير الفلسطينية أخلَّت بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها؛ وذلك

بالاستمرار في استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية. إن الأمن كان وما يزال الهم

الرئيسي في عملية السلام. وهو مسألة لن تساوم (إسرائيل) بشأنها أو تقدم

تنازلات حولها. إن إخفاق الجانب الفلسطيني في الالتزام بنص وروح البنود

المتعلقة بالأمن في العديد من الاتفاقيات كان ولأمد طويل مصدراً لعدم الاستقرار

والانزعاج في (إسرائيل) ، وإن هذا الإخفاق يتمثل بتحريض مؤسساتي ضد

(إسرائيل) واليهود وإطلاق سراح الإرهابيين من السجون، وعدم التمكن من

السيطرة على الأسلحة في التظاهرات بالإضافة إلى اعتداءات إرهابية على مدنيين

إسرائيليين.

وإن منظمة التحرير خرقت بوضوح إدانتها للإرهاب وأعمال العنف الأخرى؛

وبهذا زعزعت الثقة بشكل كبير بين الفرقاء.

هكذا عرضت اللجنة المنظورين المتباينين لكل من الفلسطينيين

والإسرائيليين.

ولنا مع هذا العرض الوقفات الآتية:

١ - ما بشرت به مدريد وأوسلو بإقامة دولة فلسطينية وضمان نهاية الاحتلال

لم يكن أكثر من سراب؛ بل هو وهمٌ اعترى أعضاء السلطة الفلسطينية، وحاولوا

أن يوهموا به السذج من سواهم.

٢ - بعد توقيع اتفاقيات أوسلو استمر الكيان اليهودي في إقامة المستوطنات

واستجلاب المستوطنين، ولم يكن هذا مستغرباً بل كان متوقعاً تماماً. فنقضهم

للعهود والعقود والمواثيق هو ديدنهم على مر التاريخ، وقد سجله القرآن الكريم.

٣ - إن دعوى أن توسيع النشاط الاستيطاني واتخاذ إجراءات لتسهيل حياة

المستوطنين وأمنهم لا يعتبر ماساً بمفاوضات الوضع النهائي كذب محض؛ فلقد

دعمت إسرائيل بشدة إقامة المستوطنات وشقت لها الطرق وملأتها بالمستوطنين

لوضع الفلسطينيين في مفاوضات الوضع النهائي أمام الأمر الواقع، وليس على

الفلسطينيين إلا القبول بهذا الوضع شاءوا أم أبوا. إن فحوى هذا الطرح أن لا دولة

يمكن إقامتها للفلسطينيين على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة؛ ذلك أن هذه

الأراضي مزروعة الآن بالمستوطنات ولا سيادة عليها إلا للحكومة اليهودية فقط.

٤ - المسلمون يرون أن الأمن يتحقق بزوال دولة (إسرائيل) وعودة

الفلسطينيين إلى ديارهم واستعادة حقوقهم المشروعة، ومنظمة التحرير ترى أن

الأمن يتحقق بانسحاب اليهود من الضفة الغربية وقطاع غزة.

والحكومة اليهودية ترى أن الأمن يتحقق بمزاولة منظمة التحرير أعلى

درجات القمع للشعب الفلسطيني المطالب بالاستقلال، هذا يمثل مرحلة أولى. وأما

الأمن الحقيقي الذي ترمي إليه الحكومة اليهودية (مهما كانت) ، هو إخلاء الضفة

الغربية وقطاع غزة من سكانهما بتهجيرهم في الآفاق وإحلال المستوطنين بدلاً منهم.

وعلى هذا فإن مفاهيم الأمن بين الفلسطينيين واليهود متضادة تماماً؛ ولذلك

فلن يتحقق الأمن لأي من الطرفين إلا بانتصار ساحق لأحد الطرفين على الآخر.

والذي نعلمه من موعود الله هو انتصار المسلمين على اليهود في نهاية مطاف

الصراع، وهذا الذي نعلمه يعلمه أيضاً كثير من اليهود.

٥ - إن وجهات النظر المتباينة بين الفلسطينيين واليهود خلاصة عناوينها

هي: الأمن، والمستوطنات، والقدس، واللاجئون، والدولة الفلسطينية

المستقلة. وبما أن وجهات النظر في هذه المسائل الخمسة متباينة مائة في المائة بين

الطرفين؛ فهذا يعني استمرار الصراع إلى أن تنتصر إرادة المسلمين على اليهود

بإذن الله تعالى القائل: [وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً]

(النساء: ١٤١) .

أوقفوا العنف واستأنفوا التعاون الأمني:

قالت اللجنة:» من خلال صلة القرابة والصداقة والدين والمجتمع والمهنة

كان لكل شخص في كلا الجانبين صلة بشخص قتل أو أصيب إصابة خطيرة في

أحداث العنف الأخيرة، ورواياتهم مؤثرة جداً «.

» منذ ١٩٩١م التزم الطرفان وبصورة مستمرة في كل اتفاقاتهما

(بعدم العنف) ؛ ولوقف العنف يجب اتخاذ خطوات فورية لإنهاء الصراع والتأكيد

من جديد على الالتزامات المتبادلة والبدء في المفاوضات «.

» المهم أن تقوم السلطة الفلسطينية بكل ما تستطيع من جهد لتطبيق

وقف شامل للعنف وأن يكون هذا جلياً للحكومة (الإسرائيلية) ، وعلى

الحكومة الإسرائيلية أن تقوم ببذل جهد كامل (مائة في المائة) لضمان عدم

جعل نقاط الاحتكاك المحتملة؛ حيث يحتك الفلسطينيون (بالمسلحين الإسرائيليين)

مسرحاً لعداء متجدد «.

» إن انهيار التعاون الأمني في بداية أكتوبر (تشرين أول ٢٠٠٠م) قد

عكس القناعة لدى كل طرف بأن الآخر قد ألزم نفسه بطريق العنف تجاه الآخر،

وإنه من دون تعاون أمني فعال فإن الفريقين سيمضيان في اعتبار كل عمل من

أعمال العنف قانونياً ورسمياً «.

» إن الأمر متروك للفرقاء أنفسهم ليتحملوا عبء التعاون اليومي، إلا أن

عليهم أن يبقوا منفتحين لقبول مساعدة من آخرين لتسهيل عملهم بمساعي أمريكا

والاتحاد الأوروبي.

ولنا مع ما ذكرته اللجنة الوقفات الآتية:

١ - أوحت اللجنة بالمساواة بين إصابات الطرفين، وهذا خروج سافر عن

الحيادية؛ ففي حين بلغ عدد القتلى والجرحى من اليهود بضع عشرات فإن الشهداء

(فيما نحسبهم) من الفلسطينيين قد فاق حتى الآن ستمائة وخمسين شهيداً، وفاق

عدد الجرحى أحد عشر ألف جريح، فإن كان لدى اليهود بضع عشرات من

الروايات المؤثرة فإن لدى الفلسطينيين بضع آلاف منها.

٢ - ليس صحيحاً أن الطرفين منذ عام ١٩٩١م التزما (اللاعنف) ؛ فالواقع

خلاف ذلك؛ حيث تعرضت فصائل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع

غزة منذ ذلك التاريخ وقبله وبعده إلى إرهاب أمني شديد، وقد شملت الحملات

الإرهابية مطاردة واعتقال ومحاكمة الناشطين ضد استمرار الاحتلال اليهودي ومن

السلطة أيضاً.

٣ - بعد بدء انتفاضة الأقصى التزمت السلطة الفلسطينية ببذل كل جهد ممكن

لإيقافها؛ حيث مارست ضغوطاً قوية على جميع الفصائل الفلسطينية لترك الشوارع

والعودة إلى المنازل وعدم التعرض إلى قوات الاحتلال، وقامت بالتنسيق مع العدو

اليهودي لتحقيق هذا الهدف، لكنها لم تفلح في ذلك بسبب إرادة التحدي لدى الشعب

الفلسطيني وإصراره على مواصلة الانتفاضة إلى حين الحصول على الاستقلال،

في حين أعطت الحكومة اليهودية أوامرها لقواتها باستخدام جميع أنواع الأسلحة

لقمع الانتفاضة.

٤ - إن اللجنة لم تكن محايدة أبداً في معالجتها لقضية العنف؛ إذ إن العنف

منذ بدء الانتفاضة كان يهودياً. أما ردود فعل الفلسطينيين فلم تتجاوز الدفاع عن

النفس، وإننا نعتبر أن التصدي لأي جندي يهودي وطئت قدماه الأرض المحتلة هو

دفاع عن النفس.

٥ - ربما نكون بحاجة إلى ضرب أمثلة عن العنف اليهودي ضد الفلسطينيين؛

ولو فعلنا ذلك لاحتجنا إلى مجلدات، ولكن يكفي تصفح أي جريدة لتجد القتلى

الفلسطينيين يمثلون المسلسل اليومي بمعدل ٣ شهداء وأربعين جريحاً منذ بدء

الانتفاضة في سبتمبر (أيلول) ٢٠٠١م.

٦ - إذاً! كان ينبغي على اللجنة أن توجه خطابها إلى الحكومة اليهودية

لوقف العنف، أي كان عليها مطالبتها بالانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة؛

فليس هناك معنى لوقف العنف سوى ذلك.

إعادة بناء الثقة:

قالت اللجنة: «لقد عبرت المصافحة التاريخية بين الرئيس عرفات ورئيس

الوزراء إسحاق رابين التي تمت في البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول)

١٩٩٣م عن آمال الطرفين بأن الباب نحو حل سلمي للخلافات قد بات

مفتوحاً» .

«وعلى رغم العنف الراهن وفقدان الثقة المتبادل عبَّر الجانبان مراراً عن

رغبتهما في السلام، وقد تأكدت صعوبة تحويل هذه الرغبة إلى تقدم حقيقي؛ إذ إن

استعادة الثقة أمر ملحّ» .

«يتعين على الجانبين اتخاذ خطوات ثابتة لتحقيق هذا الغرض، وفي ضوء

المستوى العالمي من العداء وفقدان الثقة فإن توقيت وتعاقب هذه الخطوات يتسم

بالأهمية الواضحة» انتهى كلام اللجنة.

ونعقب على هذا الكلام فنقول:

١ - الخلاف بين الفلسطينيين واليهود ليس خلافاً سياسياً بل هو خلاف عقدي؛

وعلى ذلك فإن المصالحة السياسية التي تمت لا تعبر عن حقيقة ما يضطرم في

الساحة من صراع، ولا تعني أن الشعب الفلسطيني موافق عليها.

وأما قول اللجنة إن تلك المصافحة عبرت عن آمال الطرفين نحو حل سلمي

للخلافات؛ فهو كلام إنشائي لا يصف حقيقة الواقع بل يصف ظاهره فقط.

٢ - تأمل اللجنة في أن يستعيد الطرفان الثقة بينهما باعتبار ذلك أمراً ملحّاً،

ولا بد من اتخاذ خطوات ثابتة لتحقيق هذا الغرض.

مرة أخرى نقول: إن هذا كلام إنشائي ومجرد تلاعب بالألفاظ؛ إذ كيف

يستعيد الفلسطينيون الثقة باليهود وهم يقتلونهم ويحتلون أرضهم وينتهكون

أعراضهم؟ ثم ما هي الثقة المطلوبة من الفلسطينيين: هل هي ثقة بالحكومة

اليهودية، أم ثقة بالمستوطنين، أم ثقة بعامة اليهود في أرض فلسطين المحتلة؟

إن جميع هؤلاء مشتركون في مصادرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،

ويكرهون الفلسطينيين أشد الكراهية، ويمقتونهم أعظم المقت. الصحافة

اليهودية اليومية مملوءة وبشكل كثيف بهذه المعاني، وإن أمنية استعادة الثقة التي

نادت بها اللجنة لا محل لها على ساحة الصراع طالما بقي يهودي واحد على

أرض فلسطين.

الإرهاب:

قالت اللجنة: «في مذكرة شرم الشيخ التي صدرت في سبتمبر ١٩٩٩م

تعهدت الأطراف بأن تبدأ العمل ضد أي عمل أو تهديد بالإرهاب أو القصف أو

التحريض» .

«ويشمل الإرهاب القتل والجرح المتعمد لأشخاص غير محاربين يتم

اختيارهم عشوائياً لأهداف سياسية، وهو يهدف إلى الوصول إلى نتائج سياسية من

خلال بث الرعب وإشاعة الفوضى في أوساط الجميع» .

«إنه لأمر غير أخلاقي وسوف يرتد في النهاية على أصحابه» .

«الحكومة الإسرائيلية وجهت اتهامها إلى السلطة الفلسطينية بدعم الإرهاب

عبر إطلاق سراح إرهابيين كانوا محتجزين، والسماح لأفراد من أجهزة أمن

السلطة بالتحريض، وأحياناً القيام بعمليات إرهابية، ووقف التعاون الأمني مع

(الحكومة الإسرائيلية) ، ونفت السلطة الفلسطينية بشدة هذه الاتهامات» .

«إننا نعتقد أن على السلطة الفلسطينية المساعدة في إعادة بناء الثقة عبر

الإيضاح لكلا الشعبين بأن الإرهاب مدان ومرفوض، وعبر اتخاذ الإجراءات كافة

لمنع العمليات الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها، ويجب أن يشمل هذا الجهد خطوات

فورية بمنع الإرهابيين من العمل داخل المناطق التي تخضع للسلطة الفلسطينية»

انتهى كلام اللجنة.

ونعقب على هذا الكلام بما يلي:

١ - إن المعتدي اليهودي هو إرهابي ابتداءً؛ فكيف إذا عبر عن اعتدائه

بقصف المدنيين العزل بالصواريخ والقنابل ودك منازل الآمنين بالمدفعية، ولاحق

الأطفال والنساء والشباب بالرصاص الحي المتفجر؟ ! فإذا كان الإرهاب يشمل

القتل والجرح المتعمد لأشخاص غير محاربين كما قالت اللجنة، فمن هو الإرهابي

سوى الحكومة اليهودية وشذاذ الآفاق الذين انتخبوها؟ إنهم هم الإرهابيون وهم

المجرمون حقاً وصدقاً.

٢ - لقد كان تحيز اللجنة واضحاً في كلامها عن الإرهاب؛ إذ إنها ساقت

الاتهامات الإسرائيلية، وغضت الطرف تماماً عن الإرهاب اليهودي الصهيوني

وكأنه لم يقع أصلاً، بل إن اللجنة حملت الفلسطينيين مسؤولية الإرهاب وطلبت من

السلطة الفلسطينية إدانته ورفضه بل ومعاقبة شعبها الذي يتصدى للعدوان اليهودي؛

لأنها إذا فعلت ذلك فستساعد في إعادة بناء الثقة! ! يا له من صلف وغرور وقلب

للحقائق!

٣ - إن اللجنة بهذا الصدد قد تكلمت بالفم اليهودي، وهي تقصد العمليات

الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيون ليلجموا الإرهاب اليهودي عن الاستمرار في

إراقة دماء الفلسطينيين.

٤ - إن العمليات الاستشهادية الفلسطينية في مجملها وتفصيلاتها لا تخرج عن

كونها دفاعاً عن النفس، ضد الاعتداء اليهودي الصهيوني المستمر.

* تُعِدُّ إسرائيل خطة تهدف إلى إقامة معسكرات اعتقال كبيرة للآلاف من

الفلسطينيين الذين دخلوا الخط الأخضر واستقروا هناك، وقالت مصادر في ديوان

شارون إنه لما كانت السجون القائمة مكتظة، فقد كلفت مصلحة السجون بإقامة

مخيم اعتقال مفتوح لآلاف الأشخاص معظمهم من مواطني الأردن.

هذه واحدة من حلقات المسلسل الإرهابي اليهودي اليومي ضد الفلسطينيين وقد

شملت هذه الحلقة عمليات قتل وجرح جثة شهيد (نحسبه كذلك إن شاء الله)

وإحراق بساتين الزيتون والتوغل في الأراضي الفلسطينية المعروفة بمناطق (أ)

وهدم منازل وتشريد آمنين، واستخدام جرافات عسكرية وقصف بالدبابات،

وإرسال جرحى إلى خارج الأراضي المحتلة، والإعداد لمعسكرات اعتقال ضخمة،

كل ذلك في يوم واحد فقط، فمن هو الإرهابي؟ ! سؤال نوجهه إلى اللجنة!

* لكن يؤسفنا أيضاً أن نقول: إن هذا الإرهاب الذي مارسته الحكومة

اليهودية قد شاركت فيه السلطة الفلسطينية أيضاً ضد شعبها؛ فقد قال مسؤول

فلسطيني: إن السلطة الفلسطينية وجهت تحذيراً شديد اللهجة لحركة المقاومة

الفلسطينية «حماس» وتوعدت باتخاذ عمل جازم ضد أي جماعة أو أشخاص

ينتهكون وقف إطلاق النار أو يحاولون التلاعب بالوضع الأمني.

فماذا تريد اللجنة من السلطة أكثر من ذلك الإرهاب لشعبها لصالح دعم

الإرهاب اليهودي له؟ !


(١) تتكون اللجنة من: (جورج ميتشيل رئيس الغالبية في مجلس الشيوخ الأمريكي رئيساً، وعضوية كل من: سليمان ديميرل رئيس جمهورية تركيا السابق وتوربيان باغلاند وزير خارجية النرويج،
وخافيير سولانا الممثل الأعلى لسياسة الأمن والتعاون في الاتحاد الأوروبي، وارن رودمان عضو سابق في مجلس الشيوخ الأمريكي) .