للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[الموساد هل يزج بالولايات المتحدة في أتون حرب عالمية؟]

د. سامي محمد صالح الدلال

كان من العجائب القدرية أن يتم تصوير الحدث المروع في نيويورك ويبث

تلفزيونياً على الهواء مباشرة وكأنه عرض لفيلم سينمائي؛ مما وسَّع وعمَّق دائرة

رد الفعل الشعبي الأمريكي الذي أصيب بالصدمة الصاعقة، فهاج وماج الناس

وعلاهم الخوف ودبَّ في نفوسهم القلق، مع ما صاحب ذلك من الحزن العميق على

الأرواح المزهوقة تحت الأنقاض.

وفيما كان ملايين الأمريكيين يتابعون الحدث الجلل كانوا يستذكرون ما تردده

وسائل الإعلام عادة من إلصاق مثل هذه الأعمال بالمسلمين والعرب، فاسترجعوا

ذلك كله دفعة واحدة، وقالوا: (لقد فعلوها) . هكذا بدون برهان ولا بينة؛ وفي

خضم هذه الأمواج المتدفقة والمتلاحقة تعالت الصيحات من كل مكان للانتقام والأخذ

بالثأر، ولكن من هم هؤلاء الذين يجب أن ينتقم منهم ويثأر من فعلهم؟ ! !

وبما أن الاتهام لأول وهلة توجه نحو المسلمين البالغ عددهم داخل الولايات

المتحدة سبعة ملايين؛ فقد سارعت المنظمات والمراكز الإسلامية إلى إعلان إدانتها

الشديدة للحدث الرهيب، وقد سارع إلى ذلك مجلس التنسيق السياسي الإسلامي

الأمريكي MPACC الذي يضم في عضويته المنظمات المسلمة الأمريكية الأربع،

وهي: مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) ، والمجلس الإسلامي

الأمريكي (AMC) ، ومجلس الشؤون العامة الإسلامية (MPAC) ، والاتحاد

الإسلامي الأمريكي (AMA) ، وقد أصدر مجلس التنسيق بياناً، ومما جاء فيه:

«مسلمو أمريكا يدينون بشدة ما يبدو كأنه حادث إرهابي آثم وجبان ضد المواطنين

الأبرياء، نحن نتضامن مع كل الأمريكيين في المطالبة بالقبض السريع على الجناة،

ليس هناك هدف سياسي يسوِّغ هذا العمل الخبيث» .

غير أن ذلك لم يكن مقنعاً أو كافياً؛ إذ إن حدثاً بهذا الحجم لا يطفئ غيظ

المصابين به مجرد بيان يسطَّر على ورقة واحدة، فلا بد من الانتقام من جهة ما

يمكن أن يوقع فيها أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، كتلك الأعداد التي نجمت عن

هذا الحدث الهائل.

أين الـ CIA (وكالة المخابرات الأمريكية) والـ FBI (مكتب التحقيقات

الفيدرالي) ؟ ! !

لقد شعر الأمريكيون بتغيظ شديد وحنق فظيع إزاء أداء الـ CIA و FBI،

لقد أخفقت هاتان المؤسستان الاستخباريتان، ليس في اكتشاف الحدث قبل وقوعه

فحسب، بل في توقع حصوله أصلاً، والواضح أن أبصارها وأسماعها قد صرفت

تماماً عما يدبر في داخل أمريكا، في حين انفتحت بكليتها على تتبع كل ما يحصل

في خارجها، وعجَّ الأمريكيون بالاحتجاجات على هاتين المؤسستين اللتين أشاعتا

أنه ما من مكالمة هاتفية تتم عبر الهواتف المعتادة أو النقالة، وما من رسالة ترسل

بالفاكس أو عبر الإنترنت، سواء في داخل الولايات المتحدة أو في أية بقعة في

العالم إلا وهي مرصودة عندهم، ومسجلة نصوصها في أجهزتهم؛ فكيف والحال

هذه تخفق هاتان المؤسستان الاستخباريتان الضخمتان في رصد هذا الحدث الذي لم

يقع في منتصف الليل البهيم بل وقع في إشراقة الضحى الجميل، وليس أي حدث،

بل حدث هائل لم يشهد العالم له مثيلاً على مر العصور، والذي لا يشك عاقل في

أن التخطيط له قد استغرق سنوات، وتراتيب تنفيذه قد مرت تداولاته آلاف المرات

عبر الهواتف والفاكسات؛ ففي أي فندق خمسة نجوم كانت ترقد الـ CIA

و FBI؟ !

فإذا كان الحال على هذا النحو فهل حقاً أن الـ CIA و FBI قد أخفقتا في

الحصول على المعلومات، أم أنهما مخترقتان؟ ! ! تحليلنا الآتي قد يوصل للإجابة.

مَنْ وراء الحدث؟ ! !

إن الفاحص المحايد للحدث المروع الذي وقع يجد أنه يتكون من العناصر

الآتية:

١ - تحديد الهدف الأولي بدقة بارعة، وهو ضرب برجي التجارة العالمي

ومبنى البنتاجون.

٢ - دراسة متأنية للتفاعلات المحتملة بعد تحقيق الهدف وتوجيهها وتوظيفها

لصالح الهدف النهائي.

٣ - وضع خطة تفصيلية محكمة لتنفيذ كلا الهدفين الأولي والنهائي تتضمن

جميع العوامل الاستخباراتية اللازمة.

٤ - اختيار الجهاز التنفيذي القادر على تحقيق الهدف الأولي وتدريبه تدريباً

عالي الكفاءة؛ بحيث يضمن بالتأكيد تحقيق الهدف الأولي. إن الجهاز التنفيذي

المقصود يمثله الذين شاركوا في الأعمال التجهيزية والتدريبية ثم الذين شاركوا في

عمليات خطف الطائرات المدنية بما فيهم الطيارون الذين قد خضعوا لتدريبات

خاصة، كل بحسب نوع الطائرة التي سيقودها إلى هدفها بعد الخطف. أما الذين

سيكون لهم شأن في الأعمال التكميلية بعد ذلك، فهؤلاء لم نرهم على الساحة بعد،

ولا ندري ماهية أعمالهم التكميلية؟ إلا أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين أشارت

إلى تلك الأعمال، وقد تبين من الدقة التي تم بها تنفيذ الهدف الأولي أن الذين

خطفوا الطائرات قد تدربوا على أداء أدوارهم التفصيلية بشكل ممتاز، تماماً كما

يتدرب الممثل المسرحي على أداء دوره فوق خشبة المسرح أمام جمهور المتفرجين.

٥ - إن الذين أوصلوا تنفيذ الخطة إلى مرحلتها النهائية في هدفها الأولي هم

أصحاب نفوذ ومراكز حساسة، وموزعون في مرافق كثيرة على مستويات عدة في

مختلف الإدارات الأمريكية؛ حيث استطاعوا، بعلمهم أو بدون علمهم، أن يوفروا

التسهيلات المطلوبة لمثل هذا العمل الضخم والكبير جداً.

٦ - بما أن الخطة ذات طابع انتحاري فإن الذين وضعوها أخذوا ذلك بعين الاعتبار

فوظفوا لصالح تنفيذ خطتهم من هو مستعد للموت دون مبادئه وشعاراته.

والذي يدل على عدم ارتباط هذا التنظيم بتنظيم القاعدة أمران:

الأول: إخفاق الـ CIA والـ FBI في تقديم أي دليل مادي يربط المنفِّذين

بتنظيم القاعدة.

والثاني: أن أسامة بن لادن أصدر بيانات ينفي فيهما علاقته بما حدث،

وسنأتي لاحقاً على تفصيل الحديث عن ذلك.

يغلب على الظن أن الذين وراء هذه العمليات، هم منفذون من داخل الولايات

المتحدة، فإن الذين نفَّذوا العملية هم الجماعة الذين نسفوا المجمع التجاري في

أوكلاهما بتاريخ ١٩/٤/ ١٩٩٥م، عن طريق (تيموثي ماكفاي) ، وهذه الجماعة

هي واحدة من مئات الجماعات والميليشيات المنظمة في الولايات المتحدة، والذين

يقدر عددهم بما يزيد عن مائة ألف مواطن أمريكي، ويؤكد تقرير صدر

عام ١٩٩٨ م عن مركز «ساوثرن بوفرتي لوسانتر» الأمريكي المستقل

والمتخصص في مراقبة التحركات المعادية للسلطة أن المجموعات التي تحرض

على الحقد (تحمل أسماء مثل: النازية الجديدة، فروة الرأس، المدافعون عن العرق

الأبيض، الهوية النصرانية) ارتفع ما بين عامي ١٩٩٦، ١٩٩٧م بنسة ٢٠%

ليصل إلى ٥٠٠ مجموعة تضاف إلى ٨٥٠ مجموعة أخرى، منها ٤٠٠ ميليشيا

مسلحة منتشرة في أرجاء البلاد، ويقول التقرير إن عدد التحقيقات التي أجراها

جهاز الاستخبارات الفيدرالي FBI خلال ثلاث سنوات من عمليات الإرهاب

الداخلي ارتفع من ١٠٠ إلى أكثر من ٩٠٠ تحقيق، ويؤكد (مارك بوتوك)

مسؤول المركز المذكور أن معدل المؤامرات الإرهابية الجوية يبلغ واحدة كل شهر،

وتتعلق هذه المؤامرات بعمليات نسف جسور أو مبان، أو اغتيال شخصيات

رسمية، أو اقتحام قواعد عسكرية، أو سرقة مصارف. وفي ١٨/٣/ ١٩٩٨م ألقت

قوات الأمن القبض على ثلاثة أشخاص تابعين لميليشيا ميتشيجن أخطر الميليشيات

المسلحة وهم يخططون لتفجير مبان فيدرالية ومحطة تلفزيون وأحد الجسور الكبيرة،

وخلال الأسبوع نفسه أعلنت السلطات الفيدرالية عن سرقة طن كامل من

المتفجرات في مدينة سليجو شمال شرق بنسلفانيا، ويقول (ميتشيل هاميرز) أحد

خبراء الجامعة الأمريكية في واشنطن: إن الإرهاب الداخلي يشكل تهديداً متزايداً،

وهو أكثر تنظيماً في أوساط الميليشيات. إنهم لا يستعملون فقط قنابل بسيطة كتلك

التي استخدمت في أوكلاهوما سيتي، ولكن مخازنهم تتضمن أسلحة دمار أكثر

تطوراً من الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية [١] .

وقد أشار مفرح سعود النومس صاحب كتاب «التهديد النووي في الإرهاب

المستقبلي» في ص ١٨٣ إلى ما قاله (جون نوكلز) الرئيس السابق للمختبر

الوطني الأمريكي الشهير (لورنس ليفرمول) في حديث له أمام لجنة الدفاع في

الكونجرس الأمريكي، إنه باستطاعة الإرهابيين شراء رأس نووي من السوق

السوداء التي اتسعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ووضعه في سيارة متوقفة قرب

مركز التجارة العالمي وولد ترايد سنتر في نيويورك مع جهاز توقيت لغرض

إرهاب نووي، وقد أيده في تلك الأفكار (روبرت كوبر) من المتخصصين في

السلاح النووي، والعامل في المختبر المنافس (لوس الالموس) ، وقد استوحى

المؤلف غلاف الكتاب من هذه المعلومة؛ حيث يمثل مشهداً من منهاتن يختفي فيه

برجا مركز التجارة العالمي بخلفية انفجارية [٢] .

والسؤال الذي يجب أن تسأله الإدارة الأمريكية لنفسها هو: ألا يحتمل أن

تكون هذه الجماعات والميليشيات المدربة والمسلحة والمنظمة وراء الحدث

المريع؟ ! ! لماذا إذن لا تُوجه أصابع الاتهام لها؟ ! ألأنها جزء من الدولة بموجب

الدستور الأمريكي الذي ينص في تعديله الثاني على أن «وجود ميليشيا

منظمة أمر ضروري لتأمين حرية كل ولاية» ، والذي يعني أن الدستور

الأمريكي مظلة رسمية لإرهاب هذه الجماعات والميليشيات؛ ولذا يغض

الطرف عنها؟ !

٧ - توفير التمويل اللازم لمثل هذا العمل الذي يبدو أن الإعداد له قد استغرق

مدة طويلة ربما تكون سنوات. وهذا يعني أن الرصيد المالي للجهة التي وقفت

وراء هذا العمل هو رصيد كبير جداً يوفر الاحتياجات المالية بدون حدود.

تلك هي العناصر السبعة الرئيسة الكامنة وراء تنفيذ ذلك الحادث الرهيب.

إن المتمعن في تلك العناصر يرى أنها لا يمكن أن توفرها في المنظور المعتاد

أية دولة أو أي تنظيم خارج الولايات المتحدة فتتوجه إليه وتقوم بضربه بآلتها

الحربية الجبارة.

إن هذه العناصر لا تتوفر غالباً إلا لجهة واحدة فقط، هي جهاز الموساد

الإسرائيلي، ذلك الجهاز الذي شعاره الغاية تسوِّغ الواسطة، فهو في سبيل الوصول

إلى هدفه النهائي لا يهمه كم من ألوف الأرواح أزهقت، أو في أي واد تلك الأجساد

هلكت أو أحرقت؟ ! وقد كان اليهود في البلدان العربية إبان حث اليهود على

الهجرة إلى فلسطين في الأربعينيات يضعون القنابل في المقاهي التي يرتادها اليهود

ثم يتهمون المسلمين بوضعها، وقصدهم من ذلك إخافة اليهود ودفعهم إلى الهجرة،

وقد أظهر هذا الحدث المروع أن تغلغل جهاز الموساد الإسرائيلي في داخل بنية الـ

CIA و FBI هو تغلغل محكم ومستشر ومنتشر كانتشار الشرايين والأوردة في

جسم الإنسان، بل هو متلبس به كتلبس الجني بجسد الإنسي؛ حيث ينطق الجني

مستخدماً لسان الإنسي، أي ينطق جهاز الموساد مستخدماً لسان الـ CIA و FBI

وما أريد أن أصل إليه أن ما سأذكره الآن ولاحقاً كله أو غالبه على لسان CIA

و FBI هو في حقيقته صادر من قِبَل الموساد، فماذا قالت الـ CIA، FBI بمجرد

وقوع الحدث؟ !

قالوا: إن مثل هذا الحدث لا يقوم به إلا العرب والمسلمون. ثم بعد أربع

ساعات ضيقوا المساحة وقالوا: إن هذا الحدث لا يمكن أن يقوم به إلا أسامة بن

لادن، لكن الذي يتحمل المسؤولية الحقيقية هو من يأويه على أرضه وهم طالبان

أفغانستان؛ إذن المسؤولية تقع عليهما معاً: أسامة والطالبان! !

هكذا قبل أي تحقيق أو الحصول على أية معلومات؛ فماذا يعني ذلك؟ إنه

يعني التمهيد المباشر وتوظيف الحدث فوراً لصالح توجيهه نحو الهدف النهائي، لقد

حددوا المتهم أولاً، ثم تسرعوا في جمع الأدلة التي جاءت فيما بعد تصب كلها في

إثبات التهمة الملفقة.

وحدث الكثير من التخبط والتسرع لأجل تمرير صحة نسبة هذا العمل لتنظيم

القاعدة؛ فهل من المعقول لدى ذوي الحجا أن ينفّذ طيارون عملية بهذه الدقة

والمهارة تلقوا علمهم في الطيران من كتيبات قرؤوها في مواقف المطارات، ثم

تركوها في أماكنها؛ لأنهم متعجلون ركوب الطائرة وقيادتها بعد خطفها؟

ولقد عجب كل العقلاء في العالم من هذا الاتهام؛ حيث إن هذا العمل المخطط

والمنظم والممول هو أكبر بكثير وكثير جداً من إمكانات ابن لادن المحاصر في

بعض فيافي أفغانستان أو كهوفها، والمجرد حتى من وسيلة الاتصال بالهاتف النقال،

والذي هو تحت الرصد المستمر والمتابعة الدائمة من قِبَل عملاء جميع أجهزة

المخابرات الدولية ووكلائهم، وأولها الـ CIA و FBI لتحديد مكانه بالضبط لتتم

تصفيته وقتله. وهكذا نجح الموساد عن طريق أجهزة الإعلام في شحن نفوس

الأمريكيين بشكل مريع للضغط على الحكومة الأمريكية وخاصة الرئيس بوش ليأخذ

بثأر قتلاهم وينتقم لهم من الطالبان ومن ابن لادن أشد الانتقام وأقساه وأبطشه، ولقد

بلع بوش وحكومته وأعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ، بلعوا جميعهم هذا الطعم

الموسادي وشرعوا في طريق المواجهة الكبرى، رغم أنه قد استفاضت الأخبار بأن

أعداداً كبيرة من اليهود العاملين في مركز التجارة العالمي لم يتوجهوا إلى أعمالهم

في ذلك اليوم؛ حيث قيل إن ذلك كان بناء على إيعازات جاءتهم؛ مما أثار شكوكاً

لدى مسؤولين حكوميين أمريكيين يريدون معرفة كيف علم هؤلاء بنبأ الهجمات قبل

وقوعها. ذكرت ذلك صحيفة البيان الإماراتية وقناة المنار الفضائية اللبنانية، وقد

أكد ذلك الأستاذ أحمد منصور في مقابلة أجراها في برنامجه «بلا حدود» مع أستاذ

في السوربون، بثتها محطة الجزيرة الفضائية بتاريخ ١٩/٩/٢٠٠١م، وأضاف أن

زيارة لأمريكا كانت مقررة لشارون قد تم تأجيلها في آخر لحظة قبل الحادث.

هذا، وقد تم القبض على مصورَيْن من اليهود كانا في مكان الحادث لحظة

وقوعه، وقد أفرج عنهما لاحقاً بعد التحقيق معهما، وذلك بكفالة من عمدة نيويورك.

أهداف الموساد إذا كانوا وراء الحدث؟

لا شك أن مصالح كبيرة وأهدافاً عظيمة يمكن أن يجنيها اليهود من وراء

العملية التفجيرية المدمرة، ومن أهمها مايلي:

١ - إيجاد ظروف دولية خطيرة تشغل الرأي العام الدولي عن المجازر

الهمجية التي تقوم بها حكومة الكيان اليهودي بزعامة السفاح شارون بغية وأد

الانتفاضة.

٢ - إشغال الرأي العام العالمي بوقائع كبيرة، كحرب عالمية أو ما كان في

حكمها تصرفه عن الاهتمام بحدث مثل هدم المسجد الأقصى الذي تخطط إسرائيل

لهدمه خلال المرحلة القادمة وأثناء الحرب المتوقعة.

٣ - إقامة الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى.

٤ - إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام لتنفير العالم منه، وللحد من انتشاره.

٥ - تدمير الطالبان وتقويض الدولة الإسلامية في أفغانستان.

٦ - تهيئة ظروف في مرحلة ما من مراحل الحرب القادمة توجد فجوة أمنية

في باكستان تتمكن إسرائيل من خلالها من ضرب المفاعلات النووية الباكستانية.

٧ - تقسيم العالم الإسلامي إلى كيانات متناحرة؛ وذلك بسبب اختلافها في

الموقف من الحرب القادمة المخطط لها.

٨ - إيجاد ظروف مناسبة لشن عدوان واسع النطاق على سوريا ولبنان،

وتهجير سكان الضفة الغربية إلى ما وراء نهر الأردن، وأهداف أخرى كثيرة يمكن

أن نذكرها، ولكن نتجاوز عنها اختصاراً.

إشعال الحرب العالمية الثالثة هدف يهودي لتحقيق النبوءة:

يرتبط الفكر اليهودي في عودة المسيح بقيام الحرب العالمية الثالثة حيث يهدم

الأقصى ويقام الهيكل على أنقاضه، وذلك بعد انقضاء الألفية الثانية وعند ابتداء

الألفية الثالثة، وذلك حينما تبدأ الأيام الأخيرة، حيث تتمثل في إقامة قيامة صغيرة

تهيئ للقيامة الكبرى، وتأويل هذا يجيء بإشعال حرب مدمرة تهلك فيها غالبية

سكان الأرض.

تقول التوراة التي عندهم: «في الأيام الأخيرة، عندما تتجمع إسرائيل من

الأمم، سوف تتسبب في أمر ما سوف يحدث، إني سوف أضع صنارة في أفواه

القوى المؤتلفة» . وجاء في التلمود: «قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لا بد من قيام

حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم» [٣] .

إن الجميع يعلم أن اليهود يخططون لهذه الحرب وفق هذه النبوءات ليخرجوها

إلى أرض الواقع، وها نحن قد رأينا كيف وظفوا هذا الحدث ليشعلوا الحرب

الضروس ليحققوا بها النبوءة.

رد الفعل الرسمي:

لا شك أن الإدارة الأمريكية قد أُخذت على حين غرة، وفوجئت بالحدث،

وحجمه، وطريقة تنفيذه، ونتائجه المذهلة.

وقد عكست تصريحات الرئيس الأمريكي بوش حجم تأثره الشديد بما حصل،

فقال: «إن الولايات المتحدة تتعرض لكارثة وطنية من خلال هجمات إرهابية

واضحة، هذه لحظة صعبة للشعب الأمريكي» ، وقال: «لقد أمرت بإتاحة كامل

مصادر الحكومة الفيدرالية لمساعدة الضحايا وعائلاتهم، وإجراء تحقيقات شاملة

لمطاردة والعثور على أولئك الذين ارتكبوا هذه الأعمال» ، وقال: «لن يستمر

الإرهاب ضد أمتنا» .

وفي اليوم الثاني، أي الأربعاء، تصاعدت حدة التصريحات الأمريكية

مضيقة المساحة في اتجاه تهيئة الرأي العالم الدولي لتسويق قبول الهدف النهائي مع

ملاحظة التمهيد لذلك عبر تصريحات نارية؛ إذ قال بوش بعد اجتماعه مع فريق

الأمن القومي في البيت الأبيض: «الهجمات المتعمدة والقاتلة التي نفذت ضد بلادنا

كانت أكثر من عمليات إرهاب، كانت عمليات حربية» .

وفي اليوم الثالث من وقوع التفجيرات أي يوم الخميس تم الإفصاح رسمياً عن

الهدف النهائي، حيث قال باول في مؤتمر صحفي: «إن أسامة بن لادن هو

المشتبه به الرئيسي في الاعتداءات» . لكن اللافت للنظر حقاً أن هذا التصريح قد

جاء مبكراً وقبل الانتهاء من التحقيقات.

إذن منذ البداية، ومنذ اللحظة الأولى التي كان لا يزال فيها بوش في طائرته

محلقاً في الجو، صدر الحكم الرئاسي قبل أي تحقيقات، ووجهت التهمة لابن لادن

باعتباره المشتبه الرئيس ثم إلى حكومة طالبان.

والحقيقة أن الولايات المتحدة كانت قد وضعت خططها للقضاء على الطالبان

مسبقاً، وليست قضية ابن لادن إلا مجرد ذريعة للبدء في تنفيذ ما كانت قد عزمت

عليه. وجاءت التفجيرات الأخيرة لتكون فتيلاً لإشعال الأزمة.

أمريكا خططت للقضاء على الطالبان منذ شهور:

ليس من المعتاد أن تزج الدول الكبرى نفسها في أتون حروب كبيرة على

مستوى «العالمية» ، دون أن تكون قد حددت مسبقاً أهدافها ووسائلها، وفي حالتنا

هذه فإن قرار القضاء على طالبان بواسطة حرب هائلة تبدأ في أواسط أكتوبر

٢٠٠١م قد تم إبلاغه لجهات عدة، منها باكستان. حيث ذكرت الـ BBC بتاريخ

١٩/٩/٢٠٠١م أن وزير الخارجية الباكستاني السابق صرح لها أن الولايات المتحدة

كانت تخطط لعملية عسكرية ضد ابن لادن وطالبان قبل وقوع التفجيرات، وقال إن

مسؤولين كباراً في الحكومة الأمريكية أبلغوه في منتصف شهر يوليو بأن الولايات

المتحدة ستتخذ إجراءات عسكرية ضد أفغانستان بحلول منتصف شهر أكتوبر،

وأنهم أبلغوه بالخطة أثناء انعقاد مؤتمر دول مجموعة الاتصال الخاصة بأفغانستان

الذي عقد في برلين تحت راية الأمم المتحدة، وأشار المسؤول الباكستاني إلى أن

الهدف الأوسع من تلك العملية سيكون إسقاط طالبان وتنصيب حكومة انتقالية من

الأفغان المعتدلين، من الممكن أن يتزعمها ملك أفغانستان السابق ظاهر شاه، وقال

إن واشنطن ستشن عملياتها من قواعد في طاجيكستان حيث يقيم عدد من

المستشارين الأمريكيين، وأن أوزبكستان ستشارك في العمليات وروسيا أيضاً،

وذلك قبيل سقوط الثلج في أفغانستان [٤] .

ما ذنب أفغانستان؟

حتى كتابة هذه السطور أخفقت جميع الجهود الأمريكية في إيجاد أي دليل

يدين أسامة بن لادن أو الطالبان في وقوع انفجارات أمريكا؛ إذن لماذا يجب ضرب

الطالبان، وما هو ذنبها من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الخاضعة لضغوط اللوبي

الصهيوني؟ !

إن طالبان ليست مذنبة ذنباً واحداً فحسب، بل هي غارقة في ذنوب كثيرة

حسب زعمهم! وهذه أهمها:

١ - حرصها على بدء تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل شمولي.

٢ - إعداد جيشها من منطلق منظور إسلامي سواء في تحديد الأهداف أو

استخدام الوسائل.

٣ - تركيزها الشديد على إعادة إعمار أفغانستان وتشييد بنيتها التحتية.

٤ - تمردها، وعدم خضوعها للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

٥ - مناصرتها للفلسطينيين وعداؤها لدولة الكيان اليهودي التي ترى الطالبان

وجوب إزالتها بالكامل واسترجاع فلسطين كلها من النهر إلى البحر.

إن كل واحدة من هذه «الذنوب» تعدُّ لدى أمريكا والغرب واليهود «كبيرة

من الكبائر» ؛ فكيف لو اجتمعت؟ ! إنها طامة عظيمة من وجهة نظرهم.

ولقد كانت أمريكا تطمع في إسقاط حكم الطالبان عن طريق الحصار الذي

فرضته عليها تحت مظلة الأمم المتحدة؛ غير أن ذلك لم يحدث رغم الأعداد الكبيرة

التي قضت نحبها بسبب هذا الحصار الجائر الذي أدى إلى سقوط آلاف الضحايا من

الأطفال والنساء والشيوخ، وتشرد مئات الآلاف ولجوئهم إلى باكستان وإيران

باحثين عن الغذاء والكساء والمأوى؛ حيث إن هذا الحصار قد تسبب في عدم تمكن

الطالبان من المسارعة في إعادة بث الحركة في البنية التحتية، وأعاق خطط التنمية

واستئناف الإعمار. ولعل الغرب وخاصة أمريكا، يراهنون على أن يثور الشعب

الأفغاني على الطالبان بسبب ذلك؛ غير أن هذا لم يحصل بل حصل ضده تماماً،

فصبر الشعب الأفغاني.

قررت الإدارة الأمريكية إعلان الحرب مستغلة ضغط هول الحدث بحد ذاته،

ثم تحت ضغط الجماهير الأمريكية الغاضبة، ثم تحت ضغط مجلس الكونجرس

والشيوخ؛ وبناء عليه ترأس بوش في يوم السبت ١٥/٩/٢٠٠١م مجلساً حربياً في

مقره الريفي في كامب ديفيد من أجل النظر في التخطيط لهذه الحرب التي يندفع

إليها على عجل لافت للنظر، ثم صرح بعد الاجتماع بتصريحات جاء فيها:

«سنشن حملة صليبية طويلة الأمد لتخليص العالم من فاعلي الشر» ، (قيل

إنها ستشمل ستين دولة) .

«مما لا شك فيه أن أسامة بن لادن هو المشتبه به الرئيسي» .

«إننا نخطط لعملية مدروسة وواسعة النطاق» .

«لن أقرر القيام بعمل رمزي» .

«ردنا يجب أن يكون شاملاً ومتواصلاً وفعالاً، سيكون ضرورياً تنفيذ

سلسلة عمليات حاسمة للقضاء على الإرهاب لا عملية واحدة» .

«إننا نطلب صبركم لأن الصراع لن يكون قصير المدى» .

«نطلب منكم أن تكونوا عازمين؛ لأن الصراع لن يكون سهلاً» .

«يجب أن تكونوا أقوياء لأن الطريق نحو النصر قد يكون طويلاً» .

«إن الصراع المقبل سيكون مواجهة من نوع آخر مع عدو من نوع آخر» .

«سنعثر على مرتكبي هذا العمل، ونخرجهم من أوكارهم، ونجعلهم يمثلون

أمام القضاء» .

«إن أي دولة تؤوي إرهابيين سوف تواجه غضباً عارماً من القوة العسكرية

الأمريكية» .

«من يعلن الحرب على الولايات المتحدة فقد اختار دماره» .

«لقد حان الوقت الآن لكسب أول حرب في القرن الحادي والعشرين بطريقة

حاسمة» .

قال بوش هذا الكلام معلناً ملامح المرحلة القادمة، وهو محاط بأركان حكمه

من أمثال نائبه ديك تشيني، ووزير خارجيته كولن باول، ووزير العدل جون

اشكروفت، ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس. لكن هذه الحرب الضروس

من ستطال بحسب الإعداد الأمريكي؟ إنها ستطال طرفين كما قالوا:

الأول: الدول التي تتبنى الإرهاب أو تحتضنه أو تدعمه.

الثاني: المنظمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم: (أفغانستان، مصر،

إيران، العراق، فلسطين، الأردن، لبنان، السودان، تركيا، الفلبين، فنزويلا،

سريلانكا، بيرو، كولومبيا، فرنسا، أسبانيا، اليونان، اليابان) [٥] .

وهذا يقودنا إلى التساؤل عن مفهوم الإرهاب لدى الولايات المتحدة حيث يبدو

واضحاً أنه خلاف مفهومه المعروف لدى الأمم المتحدة والذي هو استعمال غير

مشروع للقوة. فإسرائيل تمارس الإرهاب ضمن هذا التعريف في كل لحظة ورغم

ذلك فالولايات المتحدة راعية لها ومدافعة عنها وممولة لها، وإذا قامت الولايات

المتحدة بضرب أفغانستان دون تقديم دليل معترف به فإنه بموجب تعريف الأمم

المتحدة للإرهاب سيكون هذا العمل إرهابياً لأنه استعمال غير مشروع للقوة،

وأيضاً نقول: هل ستقوم الولايات المتحدة بضرب دولة مثل بريطانيا لكونها تؤوي

إرهابيين من دول أخرى وتمنحهم حق اللجوء السياسي، أو تضرب سوريا لكونها

تؤوي منظمات فلسطينية مصنفة على أنها إرهابية لدى الإدارة الأمريكية؟ !

أهداف أمريكا من الحرب:

ما هي المكاسب التي ترمي إليها الولايات المتحدة من هذه الحرب، وما هي

أهدافها منها؟ إنها كما يلي:

١ - إثبات التفرد الأمريكي في قيادة العالم بدون منازع.

٢ - الحد من النفوذ الإسلامي في أفغانستان أو القضاء عليه من خلال إلحاق

هزيمة مدمرة بالطالبان.

٣ - إيجاد موطئ قدم مؤثر للنفوذ الأمريكي في منطقة شرق آسيا يكون له

أثر واضح في تغيير موازين القوى في تلك المنطقة؛ حيث إن الوجود العسكري

الأمريكي سيكون على حدود الصين وإيران وبعض الجمهوريات الإسلامية المستقلة

عن الاتحاد السوفييتي السابق.

٤ - منع قيام أي حكم إسلامي مستقبلاً في أية دولة من دول منطقة شرق آسيا

أو الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفييتي أو التي تفكر بالاستقلال

عن روسيا كالشيشان وداغستان وغيرها.

٥ - وضع عبرة شاخصة أمام كل من يريد أن يلحق أي ضرر بالولايات

المتحدة أو بمصالحها الحيوية أو بمنشآتها الاستراتيجية.

إلا أن هذه الأهداف لو تحققت فإنها لن تمنع استمرار الإرهاب الذي تحشاه

أمريكا، بل ستولد إرهاباً جديداً على طريقة حرب تلد حرباً.

مسار الحرب ونتائجها المتوقعة

لا نستطيع أن نجزم بمسار الحرب ولا بنتائجها، لكننا نحاول استشراف ذلك

من خلال المعطيات القائمة؛ ولعلنا نسوق ذلك على منحى النقاط الآتية:

١ - ستشن الجهات المعتدية هجوماً رهيباً وعنيفاً جداً ضد القوات الإسلامية

الطالبانية؛ وذلك باستخدام الطائرات المقاتلة، والقاذفة، وصواريخ كروز على

مدار أسابيع عديدة بغية تقطيع أوصالها وقطع خطوط اتصالاتها، وتشتيت تجمعاتها.

٢ - ثم تقوم القوات البرية بمحاولة شق طريقها لاحتلال المدن الرئيسة وأولها

العاصمة كابل، وسوف تتكبد خلال ذلك خسائر فادحة جداً، وأغلب الظن أنها

ستخفق في احتلال أي مدينة كبيرة، مع ملاحظة أن تأمين أرض لانطلاق القوات

البرية بحاجة إلى موافقة باكستانية أو طاجيكية وتأمين خطوط إمداد لوجستية؛ وهذا

صعب جداً.

٣ - ثم تستدعي المعارضة الأفغانية بقيادة برهان الدين رباني أو ظاهر شاه،

وتسلمه السلطة ضمن شروط ومعاهدات وتعهدات.

٤ - ستستمر حرب الاستنزاف والعصابات لفترة غير معلومة نرجو أن تنتهي

بهزيمة ساحقة للقوات المعتدية كما انهزمت من قبلها القوات البريطانية مرتين في

القرن قبل الماضي ثم القوات الروسية في أواخر القرن الماضي.

٥ - خلال ذلك فإن مصالح الدول المعتدية ستكون عرضة للخطر في كل

أنحاء العالم وخاصة الإسلامي.

وقد يؤدي ذلك إلى تغيُّر في الخرائط السياسية الدولية، وتبدل حاد في

التحالفات، وسقوط أنظمة وقيام أخرى.


(١) مجلة المجتمع، ٢٧ جمادى الآخرة، ١٤٢٢هـ، الموافق ١٥/٩/٢٠٠١م، عدد رقم ١٤٦٨.
(٢) مجلة القبس، ٣ رجب ١٤٢٢هـ، الموافق ٢٠/٩/٢٠٠١م.
(٣) حمَّى سنة ٢٠٠٠، لعبد العزيز كامل، ص ١٥٨، ١٥٩، إصدارات المنتدى الإسلامي، ١٤٢٠هـ.
(٤) الوطن، حامد العلي، ٥ رجب ١٤٢٢هـ، ٢٢/٩/٢٠٠١م.
(٥) القبس، ٢ رجب ١٤٢٢هـ، ١٩/٩/٢٠٠١م.