للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آفاق

[ثقافة التساؤل]

د. عبد الكريم بكار

المتأمل في مداولاتنا الفكرية في وسائل الإعلام، وفي مجالس السمر، وفي

كل مكان يجد أن ما نردده اليوم من شكوى حول سوء أوضاعنا، وما نطرحه من

حلول هو عين ما ردده أسلافنا قبل أكثر من قرن من الآن. وإذا شئت أن تستوثق

من ذلك، فارجع إلى مداولات المؤتمر الإسلامي الوهمي الذي صوره لنا الكواكبي

في كتابه (أم القرى) . ونحن إلى الآن غارقون في طرح المشروعات الحضارية

التي نعتقد أنها ستخرج الأمة من مشكلاتها المتأسنة. وأملي أن نكف عن ذلك مؤقتاً؛

فقد حصل لدى الناس تشبُّع من الحلول والمقترحات النهضوية، وقد وصلوا إلى

حافة اليأس والإحباط!

دعونا الآن نخطو في اتجاه طرح الأسئلة حول الحلول التي قدمت: لماذا

نملك قدراً هائلاً من المشروعات والمقترحات والحلول لكل أدوائنا، ونملك مع ذلك

أضعف نتائج على الصعيد العملي؟ !

قد يكون من المفيد أن نعقد لكل مشكلة كبرى جلسات لعصف الأفكار، لا تُقدَّم

فيها الحلول، ولكن تثار فيها التساؤلات، ونتداول فيها التعليلات بغية فهم أعمق

لطبيعة المشكلات والأزمات التي تعاني منها الأمة. لا ريب أن طرح الأسئلة فن

كبير، وما يحتاجه من ثاقب النظر وواسع الخبرة لا يقل بحال عما يحتاجه تقديم

الأجوبة والحلول. وليس من باب التشاؤم القول: إننا لا نملك الأدوات الفكرية

والمعرفية التي تمكننا من طرح أسئلة عميقة ومعقدة. ونحن إذ ندعو إلى تكثيف

طرح الأسئلة نأمل أن نرتقي في هذا المجال الحي، ونمتلك عتاده المطلوب. إننا

من وراء طرح مزيد من الأسئلة لا نطمع في قطع دابر الخلاف حول تحديد جوهر

مشكلاتنا أو تحديد أكثرها خطورة؛ فذاك أمر قد يكون عسير المنال في المدى

المنظور؛ لكن الذي نطمح إليه هو إيجاد أسس متينة للخلاف وبناء معقوليات وأطر

تتحرك داخلها أقوال المتحاورين والمنظرين والمشخصين؛ مما يضيق بدوره دائرة

الخلاف، ويقرب بين الأقوال المتباينة.

في جلسات عصف الأفكار يطرح كل واحد من المشاركين ما شاء من أسئلة

وتعليلات دون أن ينقده أو يرد عليه أحد. ويقوم أحد المشاركين بتلخيص كل ما

قيل وتوزيعه على الحاضرين، وفي جلسة تالية يتم القيام بمناقشة حصيلة الجلسة

السابقة وغربلة ما قيل فيها من أجل تحديد الأسئلة والتعليلات الأكثر محورية،

وتلك التي لاقت استحسان معظم المشاركين، واستبعاد غير الجوهري. وإذا تم

التحضير الجيد للموضوعات التي سيتم التساؤل حولها؛ فإن ما يمكن أن نحصل

عليه قد يكون أكبر بكثير مما نظن.

وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.