للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

الأبعاد التاريخية والسياسية

للصراع بين المسلمين والهندوس

حسن الرشيدي

«إن عدداً كبيراً من مسلمي اليوم كانوا في يوم من الأيام يدينون بالهندوسية

ومن الممكن إعادتهم مرة ثانية إلى كنف الهندوسية» .

هذا جزء من حديث موهان بهاجوات رئيس المنظمة البرلمانية الهندوسية

المتشددة، وهو يلخص به جزءاً كبيراً من الصراع المتصاعد الآن بين المسلمين

والهندوس في شبه القارة الهندية، والذي وصل في إحدى حلقاته الدامية إلى حرق

الآلاف من المسلمين في ولاية «جوجارات» الشهر الماضي كما تشير بعض

التقديرات غير الرسمية.

ويبقى السؤال الملح: هل ما شهدته المنطقة من أحداث ومن تطرف هندوسي

جزء من مخطط حكومي وسياسة رسمية، أو وقع عرضاً واستغلته الحكومة الهندية

لتحقيق أجندتها في المنطقة؟

يقول كمال ميترا شينوي رئيس منظمة «ساهمات» الهندية غير الحكومية:

«إن أعمال العنف التي شهدتها ولاية جوجارات مؤخراً كان الهندوس يخططون لها

بشكل مسبق» ، وأضاف أن أعمال العنف التي تركزت في أحمد آباد، أكبر مدن

الولاية، تم تحديد أهدافها بشكل يجعل من المعتقد أنه قد أعد لها مسبقاً.

وأضاف أن الاعتداءات شملت كذلك محالَّ يملكها مسلمون ولكنها تحمل أسماء

هندوسية؛ مما يؤكد أنها كانت أهدافاً تم تحديدها من قبل. وقال: «من غير

الممكن تحديد المتاجر المملوكة للمسلمين التي تحمل أسماء هندوسية خلال ٢٤ ساعة

فقط، وهذا يؤكد التخطيط الدقيق لمنفذي الهجمات» .

وأشار شينوي إلى أن أعمال العنف وقعت بعد يوم واحد فقط من الهجوم الذي

تعرض له القطار الذي أسفر عن مصرع ٥٨ شخصاً، وأن الهندوس كانوا يحملون

هواتف محمولة ومعهم عربات لينقلوا عليها ما سلبوه من بضائع.

وكانت المنظمة قد أعدت تقريرها بعد إرسال بعثة تابعة لها لتقصي الحقائق

في ولاية جوجارات.

إذن لم يكن الصراع بين المسلمين والهندوس وليد لحظة انفعالية أو موقفاً

عارضاً وسحابة صيف مرت على العلاقة بينهما، ولكن هي كما سنرى امتداد

لصراع طويل عبر عدة قرون، وإن كانت أحداثه الحالية صاحبها كثير من

المعطيات والمتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية ساعدت في بروزه على السطح

مرة أخرى ليتصدر محور الاهتمام في وسائل الإعلام.

ولكي نتمكن من رصد هذه العلاقة بدقة بين المسلمين والهندوس، ودراسة

مضامينها وأبعادها المختلفة، والسنن التي تتحكم فيها لا بد من تفكيكها من خلال

مقاربتين:

أولاً: مقاربة تاريخية لتتبع منشأ العلاقة بين المسلمين والهندوس، وجذور

الخلاف القديم بينهما.

ثانباً: بيئة الصراع الحالي، وبروز التحالف الهندوسي اليهودي البروتستانتي.

أولاً: العلاقات التاريخية الهندوسية الإسلامية:

يمكننا تقسيم تاريخ هذه العلاقة منذ بدايتها إلى ثلاث مراحل مختلفة:

المرحلة الأولى: عند الفتح الإسلامي للهند:

بلاد الهند أو شبه الجزيرة الهندية، وتطلق هذه التسميات على بلاد الهند

وباكستان وبنجلاديش وسريلانكا الآن.

اشتهرت الهند بتصدير الوثنيات إلى دول آسيا المجاورة، ومنها إلى بقية دول

العالم مثل البوذية التي خرجت من الهند إلى الصين واليابان وغيرهما من دول

الجوار الآسيوي، وفي الوقت الذي كانت تصدر فيه الهند الوثنيات جاء إليها

الإسلام عبر الجزيرة العربية، ومع الأتراك أهل آسيا الوسطي من المسلمين عن

طريق البحر وركاب أساطيل الصيد والتجارة حتى وصل الإسلام إلى الساحل

الغربي للهند، حتى إن بعض المصادر التاريخية ترجع انتشار الإسلام في الهند إلى

زمن النبوة، وبدأت الفتوحات العسكرية أيام الدولة الأموية حيث أرسل الحجاج

جيشاً بقيادة محمد بن القاسم الثقفي فسيطر على السند، فكانت أول مقاطعة يسيطر

عليها المسلمون في شبه القارة الهندية، وفتح مدينة «ديبل» وأقام بها مسجداً،

وترك بها حامية من أربعة آلاف جندي، وأصبحت «ديبل» أول مدينة عربية في

الهند؛ وهي مدينة اندثرت وكانت تقع بالقرب من كراتشي حالياً. ولكن الفتوحات

العسكرية الحقيقية لم تبدأ إلا في القرن الرابع الهجري الموافق الحادي عشر

الميلادي على يد السلطان محمود الغزنوي؛ إذ خاض حروباً شرسة ضد السكان

الأصليين حتى استطاع إعادة فتح السند، ثم توجه إلى البنجاب وكشمير ومعظم

شمال الهند، وأخضع هذه الأجزاء لحكم الإسلام.

ويقول صاحب كتاب أطلس تاريخ الإسلام: «والحق أن السلطان محمود

الغزنوي كان غازياً مجاهداً أخذ على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على

الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية، ولم تقل به قط

سورة ولا آية، قد حصن عنها أجناس الشرك، وبنى بها مساجد وجوامع، وأقام

بدلاً من بيوت الأصنام مساجد الإسلام» .

وبعد سقوط الدولة الغزنوية جاءت من بعدها الدولة الغورية بزعامة السلطان

محمد الغوري؛ فأعاد فتح المناطق التي احتلها الهندوس مرة أخرى، وأضاف إليها

إقليم البنغال وكانت أكبر أقاليم البوذية في المنطقة حينذاك، وأعلنها بلاداً للإسلام،

وتمكن الغوري من فتح بقية شمال الهند واتخذ من دهلي (دلهي القديمة الآن)

عاصمة له.

وإذا كان الغزنويون أصحاب الفضل في تحطيم قوى أمراء الهند وفتح معظم

بلاد الهندوستان؛ فإنهم كانوا يعدون الهند امتداداً لأملاكهم في فارس وأفغانستان،

فكانوا يعودون دائماً إلى عاصمتهم في غزنة خارج الهند. أما الغوريون فكانوا

أصحاب الفضل في تثبيت أقدام الإسلام في الهند، وكان سلاطينهم وقادتهم يقيمون

في الهند بصفة دائمة متخذين من دلهي عاصمة لهم؛ ولهذا فهم يعدون أول الدول

الإسلامية في الهند، وكما يقول صاحب كتاب أطلس تاريخ الإسلام: «وبهم يبدأ

تاريخ الهند الإسلامية» .

وتوالت الدول الإسلامية على حكم الهند من خلجيين وآل تغلق، وانتهى بها

الأمر إلى مغول الهند، وكان على رأسهم السلطان محمد بابر، ثم جلال الدين محمد

أكبر الذي بلغت في عهده الدولة الإسلامية أقصاها في جنوب الهند.

ويلاحظ في هذا السياق التاريخي السريع: أن هذه البلاد كان سكانها قبل

الإسلام ينتمي معظمهم إلى الهندوسية، ولكن من خلال حكم الإسلام تحولت أقاليم

بكاملها إلى الإسلام كإقليم البنجاب والسند والبنغال وكشمير، وبقيت الهندوسية

متوطنة في جنوب الهند وأجزاء متفرقة من شمال الهند.

ومما لا شك فيه أن دخول الهندوس الإسلام قد تراوح بين المد والجزر؛

ويرجع ذلك لعوامل كثيرة: منها ما يرجع إلى طبيعة الفاتحين وخصائص الدول

الإسلامية التي قامت في الهند، ومنها ما يرجع إلى الطبيعة الهندوسية نفسها:

فأما ما يرجع لطبيعة الفاتحين فقد تقلب على الهند أصناف شتى من الفاتحين،

فمنهم من حرص على نشر الإسلام، وتعليم السنة، ومحاربة بدع وضلالات

الوثنية الهندوسية، مثل محمود الغزنوي ذلك الفاتح العظيم الذي قاده حماسه لنشر

الإسلام، وإبلاغ كلمة التوحيد في مجتمع وثني، وكانت تلك الحملات مسبوقة بطلب

الدخول في الإسلام، وإلى هذا أشار السير توماس أرنولد في كتابه: (الدعوة إلى

الإسلام) حيث يقول: «وفي الحق أن الإسلام قد عُرض في الغالب على الكفار من

الهندوس قبل أن يفاجئهم المسلمون» .

ومن هؤلاء الفاتحين من كان همه الدنيا وجمع المال، واستقطاع الضرائب،

ومصادرة الأراضي، والتضييق على الناس في معاشهم؛ مما ألب عليه عامة أهل

البلاد هندوساً ومسلمين كالسلطان علاء الدين الخلجي، فكان هو ورجاله يستولون

على الأراضي الزراعية، وأثقل الناس بالضرائب والجبايات، ورأى أن كل

المتحصل من المال ملك خاص له، ومنهم من كان همه الزعامة وإخضاع الناس

لسلطانه حتى لو تخلى عن دينه باختراع ديانة جديدة يمزج فيها بين الإسلام

والهندوسية كما فعل السلطان جلال الدين محمد أكبر أحد سلاطين دولة المغول في

الهند، وذلك عندما أراد أن يقرب إليه الهندوس لتسهيل فتح جنوب الهند حيث

يتمركز الهندوس بكثافة، فحاول إنشاء ما يعرف بـ «الدين الإلهي» على حد

تعبيره، وحاول أن يمزج فيه بين الهندوسية والإسلام؛ فباءت محاولته بالإخفاق

وتجرأ الهندوس على المسلمين بعدها.

أما تأثير الهندوسية على دخول الهندوس الإسلام فالهندوسية ديانة وثنية

يعتنقها معظم أهل الهند، وهي مجموعة من العقائد والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة

طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. والآريون الغزاة

الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل

للديانة الهندوسية، واختلطت ديانة الفاتحين الجديدة بالديانة القديمة للهنود، بل

مازجتها وتأثرت كل منهما بالأخرى، وفي القرن الثامن قبل الميلاد تطورت

الهندوسية على أيدي الكهنة البراهمة الذين يزعمون أن في طباعهم عنصراً إلهياً،

ثم تطورت مرة أخرى في القرن الثالث قبل الميلاد عن طريق قوانين منوشاستر،

وفضلاً عن الترهات التي تحتويها هذه العقيدة الوثنية؛ فإنه ما يعنينا هنا في بحثنا

هو ما يتعلق بهذه العقيدة من تقسيمها للهنود إلى طبقات:

١ - البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن،

والقاضي، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة، ولا يجوز تقديم القرابين

إلا في حضرتهم.

٢ - الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: يتعلمون ويقدمون القرابين

ويحملون السلاح للدفاع.

٣ - الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون

المال، وينفقون على المعاهد الدينية.

٤ - الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم مع الزنوج الأصليين

يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاثة السابقة

الشريفة، ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة، وهم أحط من البهائم وأذل من الكلاب

بحسب قانون «منو» ، ومن سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر

أو ثواب، وإذا مد أحد المنبوذين إلى براهمي يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده،

وإذا همَّ أحد من المنبوذين بمجالسة برهمي فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من

البلاد، إذا ادعى أحد المنبوذين أنه يعلّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغلياً، وكفارة قتل

الكلب والقطة والضفدع والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء.

ومن هذه الطبقة الأخيرة استمد الإسلام معظم أتباعه في الهند بالرغم من أن

العديد من ملوك الهند قد دخلوا في الإسلام كملك البنجاب وملك كشمير، ومن

الغريب أن هذه الطبقة لا تزال تعاني الاضطهاد في الهند حتى الآن. ويقول تقرير

منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية: (يعيش أكثر من سدس سكان الهند أي

حوالي ١٦٠ مليون نسمة حياة غير مأمونة، ويتجنب الكثيرون في المجتمع

مخالطتهم؛ لأنهم ينتمون إلى طبقة المنبوذين الذين لا تجوز ملامستهم، إنهم أبناء

طائفة الداليت وهي تعني حرفياً المضطهدين التي تقع في الدرك الأسفل من نظام

الطبقات الهندي، ويعاني الداليت من التمييز، ولا يسمح لهم بامتلاك الأراضي،

ويرغمون على العمل في أوضاع مزرية ... وفي إطار هذا الفصل العنصري الخفي

لا تزال قرى بأكملها في الكثير من الولايات مقسمة تماماً إلى طبقات) .

وتبلغ نسبة المنبوذين في المجتمع الهندي ما يقرب من ٥٧ % من سكان الهند؛

لذلك يبدو القلق الهندوسي المستمر من تحول هؤلاء المنبوذين إلى خانة الإسلام

كتحرير لأنفسهم من هذه الحيوانية المهينة، وأعرب عدد من القيادات الهندوسية عن

قلقهم الشديد لاستمرار تحوّل الفقراء من الهندوس إلى الإسلام والمسيحية، وطالبوا

بالتضامن بين الديانات المجوسية الثلاثة في الهند، وهي الهندوسية، والبوذية،

والسيخ لبحث أسباب تحوّل أتباعهم إلى الإسلام وترك المجوسية.

المرحلة الثانية: احتلال بريطانيا للهند:

ذاعت شهرة الهند بالغنى في أوروبا، واشتهر سلاطينها بالتسامح؛ فتوافد

عليها البرتغاليون والإنجليز، وثار نزاع بين الفريقين، ووقفت دولة المغول

الإسلامية التي كانت تحكم سيطرتها حينذاك على شبه القارة الهندية إلى جانب

الإنجليز ضد البرتغاليين، وارتكبت بذلك الخطيئة الكبرى؛ وبذلك فتح المغول

بتسامحهم مع الإنجليز الطريق لهم ليستولوا على الهند قاطبة.

ثم جاءت الخطيئة الثانية وهي قيام الحرب بين أمراء الدولة المغولية

المتنافسين على الحكم؛ مما شجع الهندوس والسيخ بالثورة على حكم المسلمين.

وفي هذه الأثناء تقدمت الجيوش الإنجليزية بتشجيع من الهندوس والسيخ

نحو الولايات الهندية التي سقطت واحدة بعد الأخرى ودخل الإنجليز دلهي

عاصمة المغول المسلمين عام ١٨٠٣م.

وفي عام ١٨٥٨م ثار المسلمون في وقت واحد في الهند، وخاصة في

الولايات التي يشكل فيها المسلمون أغلبية في ولايات البنجاب والبنغال ودلهي،

ودارت معركة بين الثوار والجيش الإنجليزي الذي كانت غالبيته من الهندوس

والسيخ، ولكن نظراً لتفوق الجيش الإنجليزي في المدافع والبنادق تغلبوا على

المسلمين، وأنهت بريطانيا رسمياً سلطنة المغول الإسلامية، وأعلنت شبه القارة

الهندية مستعمرة بريطانية يحكمها نائب للملك يقيم في مدينة دلهي الجديدة التي تم

بناؤها بجوار دلهي القديمة عاصمة المسلمين.

والواقع إن الإنجليز كان لهم أثر ضخم على العلاقات الهندوسية الإسلامية:

فمن أجل إحكام السيطرة على الهند ونظراً للروح الصليبية التي كانت

حريصة على الانتقام مما هو إسلامي اتخذوا سياسة معادية للإسلام؛ حتى أعلن

اللورد آلان بورو أن العنصر الإسلامي في الهند هو عدو بريطانيا الأكبر، وأن

السياسة البريطانية في الهند ينبغي أن تقوم على تقريب العناصر الهندوسية للتغلب

نهائياً على سلطان المسلمين؛ لذا حرص الإنجليز على إبعاد المسلمين عن كل

الوظائف ذات المسؤولية، ووضعوا مكانهم هندوساً أو سيخاً، وأصدروا قوانين

لتملك الأراضي الزراعية، وجعلوا فيها حق التملك شائعاً بين الهندوس وغير

الهندوس، ووضعوا أيديهم بذلك على أراض شاسعة كان المسلمون يملكونها،

وطردوا المسلمين من أراضيهم وأعطوا جباة الضرائب من الهنود حق تملك

الأراضي التي يستطيعون انتزاعها من أيدي المسلمين، كما عملوا على إلقاء العداوة

في قلوب الهندوس والسيخ نحو المسلمين، وبدؤوا في تدريب السيخ والهندوس على

القتال، واستعمال الأسلحة؛ وبذلك أصبح للإنجليز في الهند قوة قوامها مائة ألف

جندي منهم عشرون ألفاً فقط من الإنجليز.

لقد نجح الإنجليز في استمالة الهندوس لهم نتيجة تمييزهم بالوظائف الكبرى

وغير ذلك من الامتيازات، وغذوا أسباب الحقد حتى أوجدوا حالة عدوانية بين

الطرفين تحتاج إلى سنين لهدم الفجوة بين سكان المنطقة الواحدة.

وبلغ الضعف بالمسلمين أنهم طالبوا الإنجليز بإقامة دولة لهم مستقلة عن

الهندوس وهم في السابق أصحاب الأرض وملاكها، وبعد عدة قرون من تحكمهم

فيها أصبحت كل آمالهم أن يقتطعوا جزءاً من مساحة شبه القارة الهندية ليقيموا

عليها دولتهم المستقلة.

المرحلة الثالثة: عقب الاستقلال وحتى الآن:

يطلق على هذه الفترة التي شهدتها علاقات المسلمين بالهندوس بحقب المجارز

والحروب؛ فالعلاقة الهندوسية الإسلامية تبلورت من خلال محورين:

المحور الأول: وهو العلاقة بين الحكومة الهندوسية والمسلمين الواقعين تحت

حكمها.

المحور الثاني: وهو العلاقة بين المسلمين المستقلين بباكستان والحكومة

الهندوسية.

بالنسبة للمحور الأول: فمنذ الاستقلال وحتى الآن تشير كثير من التقديرات

أن المسلمين في الهند تعرضوا خلال هذه الفترة إلى نحو ٤٠ ألف مجزرة، وتم

خلالها هدم عشرات الآلاف من المساجد، إضافة إلى هدم وإحراق ضِعْف ذلك من

منازل المسلمين ومتاجرهم، وكان كل ذلك يحدث تحت سمع الحكومة الهندية

وبصرها بل برعايتها بصورة مباشرة، وما هدم المسجد البابري التاريخي في عام

١٩٩٢م، ومحاولة بناء معبد (راما) المزعوم على أنقاضه إلا دليل حي على تلك

المآسي.

وما هو أكثر من ذلك ما يتعرض له المسلمون في الهند من هجمة شرسة

تقودها أركان الحكومة، تتمثل في محاولة قلب الموازين لدى المسلمين عبر ترسيخ

قواعد الحضارة الهندوسية بدلاً من هويتهم الإسلامية، وتبديل عقائدهم الإسلامية

العريقة بأخرى هندوسية؛ وذلك من خلال حملة منظمة تقف وراءها مؤسسات

الدولة الهندية، كما تقف بجانبها منظمات هندوسية متطرفة، ودخل هذا المخطط

حيّز التنفيذ منذ عام ١٩٤٧م، وشمل وسائل متعددة بدءاً بإحداث تغيير في المنهج

التعليمي، وفرض الأفكار الهندوسية عوضاً عن الإسلامية تحت ذريعة «المنهج

العلماني» ، ومروراً بتعديل المعاملات وقانون الأحوال الشخصية؛ وذلك بدمج

قوانين هندوسية وإسلامية، وانتهاءً بالقضاء على الهوية الإسلامية وإظهار الولاء

للدولة الهندوسية.

ونشرت المجلة الهندية «صوت الداليت» أي المنبوذين التي تصدر في

مدينة بنكالور الهندية في عددها الصادر في ١٦/٣/ ١٩٨٥م مقالاً حمل عنوان:

«النموذج الأسباني للقضاء على المسلمين في الهند» ؛ حيث يقول كاتبه:

«أصبح قتل المسلمين في الهند أمراً طبيعياً، فإذا ما طرحت القضية على المحافل

الدولية اعترضت الهند على ذلك معتبرةً أن ما يحدث بها هو شأن داخلي، وأن

طرحها في المحافل الدولية يعني تدخلاً في شؤونها الداخلية» .

ثم يستطرد الكاتب فيقول: «.. ومما يزيد الأمر سوءاً أن مادة التاريخ قد

حذفت كل أمجاد المسلمين في الهند، وأصبح أبطال المسلمين مثل السلطان تيبو،

جزاري بقر ومرتكبي آثام» ، وأردف قائلاً: «كما يُحرم كبار الضباط

المسلمين في الجيش والشرطة من الارتقاء في السُّلم الوظيفي، وحصر ذلك على

الهندوس، ويتم إغلاق الباب أمام المسلمين لتعيينهم في وظائف حكومية، ولا

سيما الدوائر الإعلامية» ، ويختم الكاتب مقاله بأن «قيادة المسلمين في الهند

أصبحت خاضعة وواقعة بين الهندوس، وتتبع خطهم في كثير من المجالات» ،

وتكمن أهمية هذه الشهادة في أن كاتب المقال ليس مسلماً بل هو هندوسي.

ويقول الدبلوماسي الدكتور إحسان حقّي، وكان يشغل منصب سفير

الجمهورية السورية بالعاصمة الهندية، في تقديمه لكتاب: «علمانية الهند» واصفاً

حال المسلمين فيها: «إن المسلمين في العالم، والعرب منهم خاصة، يعيشون في

برجٍ عاجي لا يعلمون شيئاً مما يجري في تلك البلاد، حيث يعاني (١٥٠) مليون

مسلم في الهند، يعيشون في ظلم واضطهاد، وسبب ذلك إما الجهل بما يدور هناك

أو عدم المبالاة بما يحدث» ، ثم يقول الدكتور: «ولكي تستر هندوستان

استعمارها عن العيون تقول إنها بلد علماني، وهي ليست بعلمانية فقط، بل هي

هندوكية متعصبة جائرة معتدية.. إن العلمانية هي غير ما هي عليه الهند تماماً،

والعلمانية لا تكون بفرض عقائد خاصة على كل الناس على حدٍ سواء كما تفعله

الهند» .

وإذا كان الدكتور إحسان حقي يقول: إن العرب لا يعلمون شيئاً عن مصائب

المسلمين في الهند ولكنهم الآن يعرفون؛ فماذا فعلوا؟ فقد صرح مندوب جامعة

الدول العربية لدى الهند بأن الدول العربية ترى أن أعمال العنف الطائفي التي

حدثت في ولاية كوجرات والتي أودت بحياة أكثر من سبعمائة شخص هي شأن

هندي داخلي، وأنها لن تقف في طريق العلاقات التاريخية القديمة بين الدول

العربية والهند! ! وأشار سفير جامعة الدول العربية لدى نيودلهي محمد حسين

القذافي إلى أن الدول العربية تقف ضد الهجمات الظالمة ضد الشعوب في أي مكان،

ولكن نحن نعلم أن مثل هذه الصدامات تقع لأسباب مختلفة في بلدان كثيرة.

ونرجع إلى المجزرة الأخيرة في ولاية جوجارات على خلفية حادث القطار

المزعوم كعينة من هذه المجازر، وفي إحدى حلقاتها قام آلاف الهندوس حوالي

الساعة الثانية صباحاً وحاصروا قرية سادرابور التي تقطن فيها أقلية مسلمة لا

يتعدى أفرادها ١٤٠ فرداً، ووضعوا حواجز حولها لمنع الشرطة من التدخل. وقام

المعتدون بعدها بتشكيل برك الماء حول منازل المسلمين، وألقوا بداخلها أسلاكاً

كهربائية ثم رموا بقنابل حارقة داخل البيوت المحيطة بالبرك المكهربة؛ بحيث

عندما يحاول السكان الهروب يصعقون بالكهرباء، ومن رجع منهم احترق حياً

داخل المنازل المشتعلة. وقد استطاع عدد قليل من السكان المسلمين الهرب عبر

النوافذ الخلفية، بينما قتلت عشرات النساء والأطفال. وذكر مصدر في الشرطة

الهندية أن عدد القتلى خلال خمسة أيام من المواجهات قد يتجاوز الألف معظمهم من

المسلمين، في وقت أصبح كل مسلم (هدفاً) للمتطرفين الهندوس حسب تصريح

أحدهم.

وقال أحد السكان المسلمين الناجين من محرقة سادرابور إنهم اتصلوا بالشرطة

قبل وقوع الهجوم؛ لكنها اكتفت بإرسال خمسة أنفار برفقة ضابط انسحبوا بعد

طمأنة السكان بأنه لن يعتدي عليهم أحد.

المحور الثاني: العلاقة بين باكستان والهند:

تراوحت هذه العلاقة بين حروب دموية، وتهديدات بالحرب، وتسابق على

التسلح وصولاً إلى النادي النووي، والصواريخ البعيدة المدى؛ فقد نشبت الحرب

الأولى التي استمرت من أكتوبر عام ١٩٤٧م حتى بداية عام ١٩٤٩م، وفي يناير

١٩٤٩م أصدر مجلس الأمن الدولي بناء على طلب الهند قراراً يطالب الطرفين

بوقف إطلاق النار، ثم اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو لإجراء

استفتاء بين سكان الإقليم يعطيهم حق تقرير المصير، لكن الهند راوغت طويلاً في

تنفيذ القرارين الدوليين، ثم أعلنت رفضها للتنفيذ وضمها للإقليم.

وأدى استمرار الهند في احتلال كشمير ورفضها تنفيذ القرارات الدولية

المتتالية بشأن الإقليم إلى نشوب الحرب الثانية بين الهند وباكستان عام ١٩٦٥م

والتي انتهت بهزيمة الجيش الباكستاني للمرة الثانية.

أما الحرب الثالثة بين البلدين فقد كانت في ديسمبر عام ١٩٧١م، ولكن

أسبابها كانت بعيدة كل البعد عن كشمير وأزمتها، فقد كانت الهند خلف هذه الحرب؛

وذلك باستمرارها في تشجيع النزاعات الانفصالية لدى زعماء الإقليم الشرقي في

باكستان مستفيدة من أخطاء الحكومة المركزية في التعامل مع أبناء القومية البنغالية،

وانتهت الحرب بهزيمة فادحة لباكستان، وانفصال إقليمها الشرقي عنها تحت اسم

«بنجلاديش» ، والتوصل لاتفاق «شيملا» في يوليو عام ١٩٧٢م الذي يتضمن

مبادئ العلاقة بين الجانبين، وسبل تسوية الخلافات بينهما بالطرق السلمية،

واحترام السيادة والوحدة الإقليمية، وعدم اتخاذ أية إجراءات تغير الواقع على

الأرض، والالتزام بخط وقف إطلاق النار في الاقليم. واستهدفت الهند من الاتفاق

منع إسلام آباد من الاستعانة بالأمم المتحدة في النزاع على إقليم كشمير من منطلق

رؤية الهند له على أساس أنه شأن داخلي لها، ولم تملك باكستان سوى قبول الاتفاق

في ظل ٩٠ ألف أسير لها في الهند.

أما في الثمانينيات فقد اختلف نمط النزاع؛ حيث نشأت جبهة تحرير جامو

وكشمير، وهذه الجبهة تتكون من الكشميريين أنفسهم، وهي تطالب بالاستقلال،

ولقد ألقت بظلالها على مسرح الأحداث لتضيف اعتباراً وبعداً جديداً للقضية، فقد

بدأت العمليات المسلحة بالظهور داخل الاقليم وأسفرت عن قتل ٣٠ ألفاً في عام

١٩٨٩م، وحتى وقف إطلاق النار في نوفمبر ٢٠٠٠م.

في فترة التسعينيات تنامى سباق التسلح بين الهند وباكستان ووصل ذروته في

مايو ١٩٩٨م من خلال التجارب النووية التي أجريت، فقد بدأت الهند بخمس

تجارب نووية في ١٩٩٨م، فبادرت باكستان بدورها فوراً وقامت بست تجارب

نووية مماثلة؛ وبهذا ينتقل سباق التسلح من نمط السلاح التقليدي إلى نمط جديد هو

السلاح النووي الفتاك.

فقد كان التسلح قبل التسعينيات مقتصراً على تجارب إطلاق الصواريخ

قصيرة المدى، فمنذ عام ١٩٩٤م بدأت تجارب إطلاق الصواريخ مثل «بريتفي»

الهندي و «حتف ١ و ٢» الباكستاني، ثم قامت باكستان بتجربة صاروخ

«جوري ١» في ٦ ابريل ١٩٩٨م بعد فوز حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف في

الهند والإعلان عن عزمه تنفيذ أجندته تجاه باكستان وقبل التجارب النووية الهندية

بـ ٣٦ يوماً؛ علماً بأن الهند كانت قد أجرت تجربة ناجحة على صاروخ «اجني

١» الذي يصل مداه إلى ١٥٠٠كم، وأعدت تجارب على «اجني ٢» المعدل

والبعيد المدى والذي يمكنه ضرب جميع الأهداف الباكستانية حتى لو وضع في آخر

الهند.

ويعد صاروخ «شاهين» الذي أطلق بعد صاروخ «غوري ٢» بيوم واحد

أساساً لبرنامج صاروخي باكستاني متفوق على البرنامج الصاروخي الهندي؛ وذلك

لما يميز صاروخ شاهين عن غوري، فصاروخ شاهين يعتمد على الوقود الصلب

في حين أن غوري يعتمد على الوقود السائل، فالوقود الصلب يعطي الصاروخ

عمراً افتراضياً أطول، ويسمح بتطوير صناعة صواريخ أصغر حجماً وهو ما

يجعل القدرة على التحكم والتوجه أكثر سهولة، كما أنه يسمح برد أسرع حيث يمكن

إبقاؤه في وضع الاستعداد للإطلاق، ويمكن تبديل الوقود الصلب بسهولة وبمجرد

انتهاء صلاحية الوقود الصلب، في حين تحتاج الصواريخ التي تعمل بالوقود

السائل إلى ملء خزان الوقود قبل إطلاقه وهو ما يحتاج إلى ثلاث أو أربع ساعات.

أما الميزة الثانية التي تميز صاروخ شاهين فهي نجاح سياسة باكستان في

تشكيل هيئتين لتطوير الصواريخ وإنتاجها، وهما مختبر خان للأبحاث، ومجمع

الدفاع الوطني، وكلاهما في هيئة الطاقة النووية الباكستانية، في حين أن البرنامج

الصاروخي الهندي هو مسؤولية مؤسسة الأبحاث والتطوير الدفاعي.

التحالف اليهودي الهندوسي البروتستانتي:

تنتشر منذ فترة الكتابات عن الحلف الإسرائيلي الهندي الأمريكي، وتتنوع

هذه الكتابات، وفي نفس الوقت يطعن الكثيرون فيها باعتبارها إرهاصات وخيالات

لا يتوفر في كثير منها أدلة مقنعة؛ ومن ثم لا ترتقي إلى درجة اليقين والتثبت.

ولكن عند وضع هذه العلاقات على محك السنن الربانية ومقياس المنهج العلمي

المنضبط يمكن رصد هذه العلاقات من خلال عدة أسس:

أولاً: تلاقي المصالح والأهداف:

اجتمعت الطوائف الثلاث: الهندوسية واليهودية والبروتستانتية على هدف

واحد وغاية مقصودة، هذه الغاية تحول بينهم وبين ما يطمحون فيه من السيطرة

والزعامة العالمية ويمثل الإسلام تلك العقبة الكؤود.

يقول الدكتور أليف الترابي في كتابه الشهير: «المطامع الهندوسية في العالم

الإسلامي» : إن فيلسوف الهند الشهير (بي. إن. أوك) ذكر في كتابه بعض

الأخطاء في البحوث التاريخية للهند: أن هناك دلائل عديدة يستنتج منها أن الجزيرة

العربية خضعت لسلطان الملك الهندوسي «فيكراماديتيا» كما أن هناك أدلة أخرى

تؤكد أن المعبد (الكعبة) يعود في بنائه إلى عام ٥٨ ق. م على يد الملك

فيكراماديتيا، وعلى نفس الدليل يمكن إرجاع وجود شعار «المهاديف» أحد آلهة

الهندوس في الكعبة ذاتها وهو ما يطلق عليها اليوم اسم «الحجر الأسود» عند

المسلمين! ! إذن فهدف الهندوس هو استعادة هذه المقدسات التي اغتصبها المسلمون

منهم.

أما الهدف البروتستانتي اليهودي فأمريكا مثل بريطانيا ذات أغلبية بروتستانتية

تغلغلت في تفكير مواطنيها الأفكار والتنبؤات التوراتية الخاصة بعودة اليهود إلى

فلسطين، ومما قوّى هذه الأفكار التجارب التي مر بها المهاجرون البروتستانت من

أوروبا إلى أمريكا، حينما قارنوا بينها وبين التجارب التي مر بها اليهود القدماء

عندما فروا من ظلم فرعون إلى أرض فلسطين.

وفي حفل أقامته على شرفه جامعة تل أبيب وضح كارتر الأمر أكثر؛ حيث

ذكر أنه بوصفه نصرانياً مؤمناً بالله يؤمن أيضاً أن هناك أمراً إلهياً بإنشاء دولة

(إسرائيل) . لقد كان (كارتر) مثالاً للرئيس الملتزم بالصلاة في الكنيسة كل أحد،

وكان عضواً في أكبر كنائس بلدته، وشماساً في مدرسة الأحد.

أما (ريجان) فقد قال في إحدى خطبه موجهاً كلامه إلى بعض اليهود

الأمريكيين: (حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات

المنبئة بمعركة (هرمجدّون) أجد نفسي متسائلاً عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى

ذلك لاحقاً) ، وأخيراً بوش الابن الذي حفز الشعب الأمريكي لمحاربة القاعدة

وطالبان والجماعات الإسلامية بقوله: «إنها حرب صليبية» . لقد عبّر الكاتب

اليهودي الأمريكي (جون بيتر) عن واقع أمريكا عندما قال: (إن الرؤساء

الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهاينة كما ينحني العابد أمام قبر مقدّس) !

ثانياً: صعود المتطرفين في كل من الدول الثلاث للحكم:

معروف أن هنالك العديد من المنظمات الهندوسية المتطرفة أهمها منظمة

(آر. إس. إس) راشتريه سويام سيفك سنغ التي تعد أشهر وأكثر انتشاراً وتأثيراً

في المجتمع الهندي؛ حيث إن عدداً كبيراً من قادة الحزب الحاكم بهارتياجاناتا

ينتمون إلى هذه المنظمة. تأسست المنظمة في عام ١٩٢٥م على يد مؤسسها

الدكتور كيثورام بلرام هيد كيوار الذي تقلد عدة مناصب في حزب المؤتمر الهندي

في وقت مبكر إلا أنه شعر بالإحباط الشديد بعد انتهاء حركة سوراج الهندوسية

والمتطرفة، وازداد شعوره هذا حينما وصل غاندي إلى رئاسة المؤتمر، وازداد

نشاط المسلمين في الحزب. عندئذ استقال من حزب المؤتمر وأسس منظمة (آر.

إس. إس) لرعاية الشباب الهندوس والنهوض بالدولة؛ على أساس أن الهند

للهندوس دون غيرهم من الديانات والثقافات.

أما في إسرائيل فقد صعد شارون للحكم وهو يمثل قمة من قمم التطرف في

السياسة الإسرائيلية؛ حيث صعد معه تحالف من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي

تطالب بترحيل العرب قسرياً من إسرائيل.

وفي الولايات المتحدة صعد الحزب الجمهوري لسدة الحكم وهو يمثل اليمين

الأمريكي، ويسيطر عليه التيار البروتستانتي المعروف بأفكاره التوراتية التي يريد

نقلها لعالم الواقع، كما سيطر على إدارة بوش فريق تشيني نائب الرئيس، وهو

فريق صهيوني متشدد ينظر إلى هيمنة أمريكا التي لا حد لها وعدم تقدير الآخرين

في سبيل الوصول لتلك الهيمنة؛ في مقابل فريق باول وزير الخارجية المعتدل

نسبياً عن الفريق الآخر الذي يرى ضرورة تقدير مصالح وآراء الآخرين للوصول

إلى الهيمنة المطلوبة.

ثالثاً: تشابه التكتيكات والأساليب:

نجد أن نفس الممارسات التي تمارسها الحكومات في الهند وأمريكا وإسرائيل

تتشابه، وخاصة أنها تمارس مع المسلمين الذين يقاومون مشاريع الدول الثلاث في

الهيمنة والتحكم. والمثال الأقرب على ذلك ما قامت به الهند من مطالبة باكستان

بتسليم أفراد من جماعات كشميرية تتهمهم بتدبير محاولة تفجير مبنى البرلمان

الهندي، ورفضت في نفس الوقت تقديم أي أدلة تستند عليها في اتهام جماعات

كشمير. وهذا ما فعلته أمريكا في قضية تفجيرات نيويورك؛ حيث طالبت نظام

طالبان بتسليمها قيادات القاعدة الذين اعتبرتهم المسؤولين عن هذه الأحداث،

ورفضت إعطاء أية أدلة تثبت بها مزاعمها.

وأيضاً ما تمارسه إسرائيل مع الفلسطينيين ومطالبتها إياهم بتسليم أبطال

المقاومة الفلسطينية دون توافر أدلة محددة على عملياتهم البطولية.

رابعاً: التصريحات العلنية:

١ - في سنة ١٩٥٥م طالب حزب «الجان سانغ» في قرار رسمي بإقامة

العلاقات مع إسرائيل، وهو الحزب الذي سبق للمتعصبين استخدامه واجهة سياسية

قبل تطويره إلى حزب «بهارتيا جاناتا» الحاكم حالياً. وحين انتخب

«فاجباي» نائباً في البرلمان لأول مرة سنة ١٩٥٧م طالب في أول خطاب

له بالبرلمان إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني. وحين أصبح «فاجباي» وزير

خارجية بحكومة «مورارجيديساي» دعا وزير الخارجية الإسرائيلي «موشي

دايان» إلى زيارة الهند (سراً) سنة ١٩٧٨م، فزارها، وتمَّ الاتفاق خلال الزيارة

على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إلا أن حكومة حزب جاناتا سقطت.

٢ - أكد الكاتب الهندي «جبريل لان جان» في مقال له نشره بمجلة

Round Table الصادرة من نيودلهي في عدد شهر أغسطس لعام ١٩٧٠م، أن

رأي رئيس الوزراء الهندي آنذاك «جواهر لال نهرو» الذي كان عليه أن يباري

باكستان في كسب صداقة الدول العربية بإخفاء الاعتراف بوجود إسرائيل رسمياً

كان رأياً صحيحاً وحكيماً، وهذه العلاقة الودية تنامت منذ اليوم الأول لقيام الدولتين؛

حيث سادت الأجواء عبارات الغزل والملاطفة، وهو ما دعا زوجة موشى دايان

أن تقول: «أعتبر الهند بلدي الثاني» .

٣ - قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير: «إن الهند

وإسرائيل صديقتان وتواجهان خطراً مشتركاً وهو الإرهاب الإسلامي، ولا بد من

التعاون والتنسيق لمواجهة ذلك الخطر» .

٤ - وزير الداخلية الهندي «أدفاني» أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل ليزيد

من عمق العلاقات الودية بين الدولتين قال: «الهند وإسرائيل كلتاهما دولتان

صديقتان وتواجهان خطراً مشتركاً، وهو الإرهاب الإسلامي، فلا بد من التعاون

والتنسيق بينهما لمواجهة هذا الخطر المشترك» ، وأضاف: «إن الحكومات

الهندية السابقة أخفت علاقاتها مع إسرائيل نظراً لعلاقاتها مع الدول العربية ومراعاة

لعواطف المسلمين الهنود، لكننا لا يهمنا هذا وسنعلنها بكل صراحة» .

٥ - تحدثت صحيفة هآرتس الإسرائيلية منذ أشهر عن ضوء أخضر أمريكي

للحكومة الإسرائيلية لبيع ثلاث طائرات رادار من طراز فالكون، مزودة بتقنية

استخبارية متقدمة مشابهة لتلك الموجودة في طائرة أواكس للإنذار المبكر.

٦ - في مقال نيويورك تايمز ذكر فيه أن إحجام واشنطن عن تقديم الدعم إلى

الهند في حربها ضد ما تسميه الإرهاب، يعود إلى سعي الإدارة الأميركية إلى عدم

إثارة العالم الإسلامي والمحافظة على التحالف الحالي ضد الإرهاب. لكن مساعدة

إسرائيل للهند لن تؤثر في دور الإدارة والتحالف الذي تتزعمه ضد الإرهاب.

ويعتقد بعض الخبراء بأنه جرى تبادل خبرات بين البلدين في مجالات الصواريخ

الباليستية والأسلحة النووية. وسيؤمن حصول الهند على طائرات أواكس سيطرة

جوية مطلقة لها على ساحة المعركة ضد باكستان في المستقبل.

٧ - أعلن مسؤول تجاري هندي أن الاستثمارات الإسرائيلية في بلاده قد

تضاعفت خلال السنوات الأخيرة لتصبح إسرائيل هي تاسع أكبر المستثمرين

الأجانب المؤثرين في الاقتصاد الهندي.

٨ - التحالف الإلكتروني بينهم؛ حيث طالب بعض أعضاء منظمة هندوسية

متطرفة، وتتلقى دعماً مالياً من المنظمات الصهيونية على الإنترنت من خلال

موقعهم الرسمي بمهاجمة المسلمين بالمثل وتدمير الكعبة، مثلما تم تدمير تمثال

الشرك وصنمه «بوذا» في أفغانستان من قِبَل حركة طالبان. ويحتوي الموقع

الذي يدعمه موقع حركة كاهانا اليهودية المتطرفة مضامين عنصرية كريهة للدين

الإسلامي، منها اتهامهم المسلمين أن ديانتهم الأصلية تعود إلى البوذية بسبب

رداء الحج والعمرة الذي يرتدونه والذي يشبه رداء كهنتهم.

٩ - في افتتاحية الواشنطن بوست (٢٠/١٢) ترى أن الخطوة القادمة في

الحرب على الإرهاب يجب أن تكون في باكستان قبل العراق والصومال لمواجهة

جماعات الإرهاب الباكستانية التي تتهمها الهند بالاعتداء على برلمانها. كما ترى

الجريدة ذات الهوى الصهيوني المتطرف أن الهند مارست ضبط النفس بدرجة تدعو

للإعجاب، وينبغي ألا يُحظر عليها ممارسة حق الدفاع عن النفس كما تمارسه

أميركا وإسرائيل.

١٠ - كشفت مجلة «إنديا توداي» الهندية عن مباحثات بين نيودلهي

وواشنطن بشأن تشكيل تحالف عسكري كبير طويل المدى. وأوضحت المجلة أن

التحالف العسكري المقترح يشمل إقامة قواعد عسكرية وميادين للتدريب على إطلاق

النار وشبكة اتصالات مشتركة ومنشآت تدريب لقواتها في الهند إلى جانب تأمين

البحرية الهندية للمصالح الأمريكية الواقعة في منطقة المحيط الهادي.

١١ - في خلال شهر واحد فقط قام مسؤولون إسرائيليون بزيارة الهند ثلاث

مرات إحداها قام بها شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي الذي صرح بأن

إسرائيل تقف بجانب الهند في برامجها ضد (الإرهاب والإرهابيين) عسكرياً

وسياسياً، ومن قبله كشف السفير الإسرائيلي في الهند في مقابلة أجرتها معه صحيفة

«صنداي الهندية» الأسباب الرئيسة لهذا التحالف فقال: «إن قضية الإرهاب

الأصولي تشكل تحدياً مشتركاً للهند وإسرائيل، وعلينا أن نستأصل هذا الخطر من

جذوره» .

وهكذا في ظل ابتعاد المسلمين عن دينهم، وعن رؤية واقعهم، والمخططات

التي تحاك ضدهم يظل الأعداء يتربصون وينقضون حتى يقضي الله أمراً كان

مفعولاً.