للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دراسات تربوية

التعليم الأجنبي مخاطر لا تنتهي!

(٢ - ٢)

مهيمن عبد الجبار

تحدث الكاتب في الحلقة السابقة عن التعليم الأجنبي في بلادنا أنه قد أتى

ضمن منظومة واسعة لتغريب الأجيال وإبعادهم عن دينهم، وخاصة بدخول أطراف

أجنبية في هذا المجال، ثم تحدث عن أثر التعليم الشرعي والمدارس الدينية

الإسلامية في كثير من بلاد المسلمين. كما أشار إلى تأثير المدارس الأجنبية في

العالم العربي والإسلامي في خروج أجيال علمانية تتنكر لثوابت الأمة، وضعت

المعايير التي تقاس بها جودة التعليم، وفي هذا المقال يتابع مناقشة الأخطار الناجمة

عن ذلك.

- البيان -

* الخطر على الهوية:

خرَّجت المدارس الغربية عشرات الأجيال من المتغربين: منهم من خلع عن

نفسه ربقة الإسلام كلية واستبدل بها ما دونها، ومنهم من تشبع بانهزامية وانسحاق

أمام الغرب، ومنهم من لم تكن العقيدة ذات بال عنده فانسلك في سياق مادي وقدم

نفسه عميلاً أينما وضعه الغرب وجده، ومنهم من انكمش داخل ذاته، ومنهم من

رفض كل ذلك لكنه بقي مخترَقاً ببعض القيم الغربية التي تحول بينه وبين الحركة

الصحيحة، ومنهم من رفض ذلك علانية فأُقحم في سلسلة من الإهانات والعواصف

النفسية التي جعلت منه أنموذجاً مأزوماً منطوياً على نفسه.

هذه المدارس صاغت أخلاق التلاميذ وكونت أذواقهم، والأهم أنها علمتهم

اللغات الأوروبية التي جعلت التلاميذ قادرين على الاتصال المباشر بالفكر الأوروبي،

فصاروا مستعدين للتأثر بالمؤثرات التي احتكوا بها أيام الطفولة (أي التعليم على

الطريقة المسيحية) [١] .

إضافة إلى أثر اللغة التي يتعلم بها؛ فثمة علاقة قوية بين اللغة والتكوين

العقلي والنظرة إلى الوجود أثبتتها الدراسات الحديثة في علم اللسان، (فأسلوب

الاستجابات والمواقف في مجتمع من المجتمعات يرتبط ارتباطاً وثيقاً باللغة والفكر؛

وعلى هذا فإن الصيغ تؤثر في الذهن وتنظم التفكير بشكل معين) . والبناء

اللغوي الذي يتلقاه الفرد من محيطه مسؤول مسؤولية مباشرة عن الطريقة التي ينظم

بها نظرته إلى العالم [٢] .

إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها التعليم الأجنبي هو غرس بذرة

القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه. يقول المستشرق جب: [إن التعليم هو أكبر

العوامل الصحيحة التي تعمل على الاستغراب، وإن انتشار التعليم (أي على

الطريقة الغربية) سيبعث بازدياد في الظروف الحاضرة على توسيع تيار

الاستغراب وتعميقه، ولا سيما لاقترانه بالعوامل التعليمية الأخرى التي تدفع

الشعوب الإسلامية في نفس الطريق] ، وقد أشارت بعض الصحف والمجلات إلى

ضعف قضية الولاء لدى خريجي هذه المدارس والجامعات، سواء على مستوى

الدين أو على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع.

وأخطر من الاستعمار السياسي والاقتصادي ما يعرف بالاستلاب العقدي؛

لأنه يجعل الإنسان يدور في فلك وإطار حياتي رسم له ولا يرى له وضعاً غير

وضعه، ويلجأ إلى ما يسميه بعض المثقفين بالتماهي؛ وهو انبناء الشخصية تبعاً

لأنموذج معين حتى يصبح الشخص هو الآخر بأن يكتسب صفاته وهويته دون

إدراك منه.

وقد حرصت كثير من الكنائس الشرقية القديمة على بناء المدارس إلى جنب

الكنيسة؛ بل في حضن الكنيسة في كثير من الأحيان إشارة منها إلى سلطة العقيدة

على الحياة.

ويقول المستشرق (شاتلي) : (إن أردتم أن تغزوا الإسلام وتخضدوا شوكته

وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة؛ فعليكم أن

توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح

الاعتزاز بماضيهم المعنوي وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر

ثقافتهم وتاريخهم، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء منهم لكفانا؛

لأن الشجرة يجب أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها) [٣] .

ومع أن لهذه المدارس جوانب لا تنكر في طريقة العرض، وفي جاذبية

المناهج، وفي متابعة الطالب، وإدارة العملية التعليمية، ولكنها بمثابة ما في الخمر

من فوائد؛ لأنها وهي كذلك تعطي مفاتيح مغلوطة للعلم من حيث كنهه وهدفه

ووسائل تحصيله ومجالات استثماره خاصة حين يصب في خدمة أعداء الله. نعم!

هي تعمل على تنمية الفرد ثقافياً وتجعله يفكر بطريقة منظمة لكن في إطار ما تريد

هي، وينتفي هذا النظام إذا تعلق الأمر بالإسلام أو الثقافة أو الحضارة العربية.

إذن هي لا تعطيه قيماً تعليمية أو تربوية مطلقة يمكنه من خلالها التفكير المستقل

عن الإطار الذي رسم له [٤] .

ولا يخفى خطرها في إعادة تشكيل الهوية من خلال توظيفها لكل متاح لديها

ليخدم في هذا المجال من خلال:

- منظومة القيم التي تحتكم إليها المدرسة نصرانية كانت أو علمانية في

إدارتها وفي حكمها على الأمور وكأنها تعوِّده على الرجوع إليها، حتى إذا ما أصبح

هذا الخريج في يوم من الأيام مفاوضاً عرفوا كيف يوظفون مواقفه لصالحهم، بل

إن قناعته بكثير مما يطمح الغرب إليه يصبح أمراً ذاتياً لديه.

- رسم خريطة الأحلام المستقبلية للطالب؛ بحيث يوضع في اعتباره القيمي

مجموعة من الأهداف المستقبلية والطموحات التي ليس من بينها طبعاً العيش في

بلاد الإسلام ولا خدمة مصالحها.

- توظيف مناهج هذه المدارس وهي وافدة تدرس بلغة بلدها الأصلي،

وتعرض تاريخه وتطوره وثقافته ومشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ ومن

ثم تتجذر قضية الهوية المغايرة في شعور الطالب دون أن يستطيع فهم طبيعة

مشكلات مجتمعه هو ولا ينشغل بقضاياه.

وتصبح اللغة الأجنبية لديه لغة العلم والحضارة والتحدث، وتُجعل قالباً للخبرة

القيمية؛ لأن اللغة حين تنتقل بتعبيراتها ومضامينها إلى الطالب يتشرب تلك

المضامين دون وعي منه.

- الجوانب الأدبية والتاريخية، وهي عنصر إلهام؛ فالتاريخ الذي يدرسه

الطالب في هذه المدارس ليس هو تاريخ الإسلام، وإنما تاريخ القومية التي تتبعها

المدرسة؛ وفي هذا ترسيخ لمفهوم الشعوبية والقومية؛ فعلى سبيل المثال تصور

الحروب الصليبية على أنها حملات تنوير، أو أن أسبابها ليست عقيدية وإنما

سياسية أو اقتصادية، وأنها نتيجة لخلاف سياسي ناتج عن تنازع المصالح أو عدم

تقدير الجانب العربي لمصالح الجانب الغربي؛ ومن هنا تتشكل معالم تذوق جديدة

للخير والحق والجمال.

- المعايشة. ومعلوم أثر المعايشة والجو التربوي في بناء الشخصية؛ لأن

كثيراً من المستعصيات يمكن أن تحل عن طريق المعايشة.

- وما تقوم به من حملات التشهير المغرضة ضد الإنسان العربي المسلم،

ورموزه، ومعطياته الحضارية عبر التاريخ الطويل.

- تعويد الطالب على الفوضى الفكرية باسم التحرر الفكري والحوار؛ حتى

يمكنه أن يغير أفكاره كما يغير ملابسه، ولو ذهبنا نتتبع الموضات الفكرية

والسياسية المطلة علينا من الغرب لاكتشفنا الصلة المباشرة والقوية لها بالتعليم

الأجنبي.

لقد زاد من اتساع الهوة بين الشباب وبين هويته الأصلية أن هذه المدارس

ربطت نفسها بمنظومة مستمرة لا تدع للإنسان قراراً منذ أن يقرع بابها إلا على

الموت؛ فهي بعد تنشئته تغرس فيه الطموح إلى السفر إلى الغرب لاستكمال التعليم،

كما تضمن له غالباً وظيفة مرموقة في شركة من الشركات الأجنبية براتب مرتفع

لتزداد العلاقة بالمجتمع تصرماً وانقطاعاً، ثم تفتح له باب الزواج من غربية، ثم

تحيطه بإطار واسع ومتشعب من الصداقات والعلاقات الاجتماعية في إطار أعرافها

الاجتماعية والثقافية [٥] .

* الخطر الأمني [٦] :

يتسع مفهوم الأمن ليشمل إلى جانب أمن النظام كمظلة وأمن المجتمع كمحضن

ليشمل أمرين سابقين مقدمين عليهما وهما: العقيدة بوصفها أساساً يقوم عليها النظام

والمجتمع، والولاء باعتباره صلة تربط بين مكونات المجتمع والدولة. والمفترض

أن تعريض واحد من هذين الأمرين للخطر حتى ولو على مستوى فرد يعني

تعريض أمن الأمة للخطر. وللأسف فإن نظرية الأمن القومي الأمريكي قد راعت

هاتين المسلَّمتين بينما أغفلت في الحس العربي ولكن بنظرتها المخالفة؛ لكنها تقيم

لفكرها المنحرف وإنسانها مهما كان وأين كان هذا الاعتبار الأمني.

ومن ثم فإن خطر التعليم الأجنبي على أمن الأمة لا بد أن توضع فيه هذه

الاعتبارات، ويوضع على رأس أولويات الأمن القومي للدولة؛ فمجرد ضعف أو

إضعاف التعليم الوطني هو تهديد للأمن القومي، ومحاولة جهة ما السيطرة عليه أو

التأثير فيه يمثل خطاً أحمر لا يجوز السكوت عنه.

بل إن هذه المدارس في مسألة الأمن قد تخطت هذا إلى ما هو أخطر بكثير

إلى التأثير في إعادة صياغة وتشكيل مفهوم الأمن القومي حتى لا تثار ضدها أدنى

حساسية؛ فالإعلام والثقافة مدرجان ضمن دائرة الأمن دون أن يُدرَج هذا النوع من

التعليم مع أنه أهم وأخطر.

بل على العكس نجد التعليم الإسلامي بكل صوره مدرجاً ضمن مخاطر الأمن

القومي في كثير من بلادنا؛ بينما لا نجد أي حساسية من وجود المدارس الأجنبية

وانتشارها وهي الدخيلة الزنيمة، والسبب في ظني أن الاختراق التعليمي المبكر

لعقل النخبة التي بيدها مقاليد الأمور قد نجح في إقصاء نشاط هذه المدارس من حس

العقلية الأمنية ومن حساسيتها؛ وبهذا يقال إن هذه المدارس قد نجحت في توجيه

سهامها إلى مقومات الأمن الحقيقية للمجتمعات، ولنا أن نقارن بين دور خريج من

خريجي الجامعات يعمل في علن على اختراق عقل الأمة أو تخريب اقتصادها،

وبين متهم بالتخابر مع جهة أجنبية في نفس المجالات التي يعمل فيها الخريج:

كيف ستكون النظرة إلى الطرفين؟ إن عشرات النماذج في طول بلادنا وعرضها

لتخبرنا بما لم يكن متصوراً في حق هؤلاء بل ربما قُدموا للأجيال على أنهم رواد

فكر وحضارة دون أن تشعر الأجيال بالخطر الحقيقي الماثل في صنيع هؤلاء، بل

لم تثر ضدهم أي شبهات.

أما إذا أضفنا بعداً جلياً ومحسوساً دون كلفة منا وهو الدور المعلوماتي

والاستخباري الذي تقوم به كثير من هذه المدارس والمؤسسات التعليمية فإن الأمر

يزداد ثقلاً.

إن إحدى كبريات المعضلات التي يخلفها التعليم الأجنبي هو غرس بذرة

القابلية للاستعمار لدى نفوس أتباعه، ولو أطلق الإنسان عين البحث في تاريخ هذه

المدارس لأمكنه أن يمسك بحبل الصلة بين المدارس الأجنبية وبين الماسونية من

خلال أنها تمثل سلطة كونية تعمل على إخضاع العالم لأدواتها.

ولا يقف الخطر الأمني عند غرس مفاهيم بعينها ضمن النظرية الأمنية، بل

يمتد إلى جوانب أخرى أشار إليها عدد من الباحثين في هذا المجال والتي منها تمييع

قضية الولاء والبراء، وتفتيت هذا الولاء بين ولاءات شتى كل حسب مشربه؛

فالذي تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية تجد عموم ولائه لفرنسا، ومن تعلم في

مدارس أمريكية نجد أن أحلامه أمريكية وهكذا.. وفي هذا إذهاب لريح الأمة وتبديد

لطاقاتها بل استثمارها فيما يعود عليها بالضرر. يقول اللورد سالسبوري: (إن

مدارس المبشرين أول خطوة من خطوات الاستعمار؛ فهي تحدث في البلاد التي

تنشأ فيها انقساماً وتفريقاً بين أهلها، يفقدون بها وحدتهم، فيكونون عوناً للمستعمر

على أنفسهم. وقد سجل بعض المؤرخين ملاحظة مهمة تخص هذا النوع من التعليم؛

وهي أنه لم يكن بين الوجود التعليمي البريطاني ١٨٨٠م والوجود العسكري

البريطاني ١٨٨٢م في مصر سوى عامين فقط) [٧] .

لقد أشار عدد من الباحثين إلى نجاح التعليم الأجنبي في اختراق جميع

مؤسسات الدولة من القمة إلى القاع مرة بالفكر الذي لقنه دائرة واسعة من الناس،

ومرة أخرى حين نجح في دعم مجموعة ممن تبناهم بعد تخرجهم وعمل على

إبرازهم من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه نجح في اختراق الفكر الذي يحكم حركة

هذه المؤسسات؛ وذلك حين نجح في زلزلة معاني العقيدة الراسخة داخل المجتمع

عن طريق طائفة رباها ثم نجح في تسليط الضوء عليها والسعي في التمكين لها

داخل المؤسسات [٨] .

ومن هنا فإن السماح بدخول أطراف خارجية إلى ساحة التعليم خاصة في

المراحل الأولية يعني وجود خلل في إدراك النظرية الأمنية التي تحكم الاستراتيجية

المستقبلية للدولة. كما تعني وجود خطر كامن لا يمكن معرفة أبعاده لالتباسه

بالحقيقة الداخلية للمواطن، والتي يصعب في كثير من الأحيان تقدير أثرها؛

ولمحلل أو مدقق أن يجري مقارنة بين مسيرة ألف عام في تطور الشخصية

الإسلامية على المستوى الفردي والجمعي؛ وبين مسيرة هذه الشخصية خلال مائة

عام. وكلي ثقة أن الفارق بين منحنيي التسارع في التغير أجلى من أن ينبه عليه؛

بالإضافة إلى أن مجمل التغير خلال مائة عام فاق بكثير مجمل التغير على مدى

ألف عام، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة.

* الخطر الاجتماعي:

لقد اهتمت هذه المدارس بتعليم المرأة المسلمة لإخراجها من دينها شيئاً فشيئاً،

ولنزع ثوب الحياء عنها. تقول الصليبية (آنَّا مليجان) : (ليس هناك طريق

لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس التبشير الخاصة. إن

القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التى أنشئت خصيصاً لهذه الغاية، والتي

تستهدف صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تختفي فيه كلمة الحرام

والحياء والفضيلة) ! ويوافقها زويمر في ذلك فيقول: (إن أقصر طريق لذلك هو

اجتذاب الفتاة المسلمة إلى مدارسهم بكل الوسائل الممكنة؛ لأنها هي التي تتولى

عنهم مهمة تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه من مقومات دينه..) ، وقد تنبه

الغرب لدور المرأة منذ وقت مبكر، فأقام لها مدارس ذات طابع نصراني بنظام

الإقامة الكاملة، واحتضن مجموعة منهن كمشاريع رائدات تغرير (تحرير) لأن

المرأة أسلس قياداً لكونها مجبولة على التبعية. ولأسباب أخرى نجح الغرب في

تكوين إطار نسوي كانت بواكيره في تلك المدارس المغلقة لتصبح المرأة معول هدم

بعد أن كانت أداة بناء خاصة حين تتبنى الرؤى الغازية لقضية المرأة والمجتمع.

إن مفاهيم تحرير المرأة قد نمت بذرتها في محاضن التعليم الأجنبي من

خلال شبهات المستشرقين المبثوثة في المناهج مرة ومن خلال الأمور المكملة

من مسرحيات وقصص ونماذج غربية و.. و.. و.. ومن كان يتصور مثلاً أن

تصدر في بلادنا العربية سلسلة من القوانين تمكن للمرأة وتسحق الرجل، أو تفسح

المجال أمام الشذوذ وتضيقه أمام الزواج، وما يصبغونه على مسالك الغواية من القداسة ضمن تسويق فني وطرح إعلامي يستأثر به صنائع هذه المدارس ليكمل

الطوق، ثم تأتي سلسلة القوانين لتفرض مظلة وترسخ لعرف ما كان له أن

يشيع بين المؤمنين لولا المكر الكُبَّار؛ فالباليه يُقدَّم على أنه من الثقافة،

والرقص ثقافة، والنحت ثقافة، والجنس أيضاً ثقافة.

* ترسيخ الطبقية وتفتيت المجتمعات:

وإلى جانب هذا فقد ساهم التعليم الأجنبي في ترسيخ الطبقية داخل المجتمعات؛

حيث إن نظام الالتحاق به كان مبنياً على ذلك؛ فرسوم الالتحاق بهذه المدارس

باهظ جداً ولا يستطيعه إلا الأغنياء وهم الطائفة التي تريدهم هذه المدارس وتعطيهم

الأولوية حتى يمكنها أن تقيم علاقة مع هذه الطبقة (وهي طبقة الصفوة الاقتصادية

والسياسية، والاجتماعية تبعاً) لتحقق من وراء ذلك عدة أهداف:

- أن الاتصال بهذه الطبقة يسهل عمل هذه المدارس ويفتح لها مغاليق

الأبواب.

- أن تربية أبناء هؤلاء مضمون العائد نظراً لأنهم هم الأقرب من امتلاك

زمام الأمور سياسياً واقتصادياً وفكرياً في المستقبل.

- أن هؤلاء الأولاد غالباً ما يكون الترف قد أكل منهم وشرب؛ وعليه يسهل

إقناعهم بأي شيء، ولعلنا لا نمل إذا رددنا أن عبدة الشياطين كانوا من أبناء هذه

المدارس ومن نفس الطبقة المستهدفة.

- غالباً ما تكون هذه الأسر في حال تفكك لانشغال الأبوين عن الأولاد؛ ومن

ثم فلا توجد سلطة تربوية أو رقابية يمكن أن تفسد ما تغرسه هذه المدارس.

- أن وجود هؤلاء الصفوة يفتح المجال أمام طبقات أخرى أقل في المستوى

والمكانة، لكنها مصابة بداء المحاكاة وحب التقليد؛ فتسعى إلى إلحاق أولادها تشبهاً

بغيرها؛ وكأن هذا يكسبها مكانة في عين الناس! وساعد في هذا عدد من الأفلام

والمسلسلات.

لهذه الأسباب توجهت المدارس الأجنبية لهذه الطبقة فحولتهم إلى نموذجها

ورسخت فيهم الشعور بالاغتراب، والنظر إلى المجتمع بنظرة التنقص والنفور،

والشعور بالانتماء إلى الغرب بحضارته وقيمه ونظمه، وربما بما هو أكثر:

بعقيدته سواء العلمانية أو النصرانية.

* المخاطر الأخلاقية:

كثيرة هي المفاسد الأخلاقية التي تورثها الدراسة بهذه المدارس، وأثرها

ظاهر فاشٍ؛ ومن أخطرها زوال الحساسية الإيمانية (وازع الإيمان) ؛ إذ يقترف

الإنسان كثيراً من المنكرات دون أن يهتز منه قلب، بل إننا نرى في كثير من

الأحيان مفاخرة ومجاهرة بالحرام.

وبالإضافة إلى ما تبثه من شرور مقصودة، فإنها تعد قناة مباشرة لنقل

أمراض المجتمعات الغربية إلى مجتمعاتنا؛ ومن ذلك الانتحار والجرائم الأخلاقية

والجريمة المنظمة، ولم يكن من عجب أن يسجل لنا أحد الباحثين المطلعين على

أوراق قضية عبدة الشيطان التي تفجرت في منتصف عام ١٤١٧هـ أن المنتمين

إلى هذه الفئة كانوا جميعاً من منتسبي المدارس الأجنبية وخريجيها!

ومن بينها الاختلاط والتبرج، ونزع الحياء، وإقامة العلاقات المحرمة باسم

الحب والصداقة، ومثل هذه المباذل يرسخ التعليم في نفس الطالب أنها من حقوقه،

وأنه لا بد أن يمارسها حتى يتخلص من عقدة النقص؛ أي أنهم ركبوا في صورة

الإنسان الكامل عشرات من الذنوب والمنكرات من الكذب والغش والخداع، والنفاق

والتملق، وأكل الربا والحرص على متاع الدنيا، وترسيخ قيم الفردية والأنانية

وعدم الاهتمام بمشاعر الغير، وتفسير كل شيء تفسيراً مادياً؛ والنتيجة ما نرى

فضلاً عما نقرأ ونسمع من نمط غربي في الحياة حتى في أدق المسائل حساسية لدى

الإنسان العربي. لقد تحدث بعض المطلعين على مثل هذه الأوساط فقال: لقد

أصبح من الشائع حتى بلغ درجة العرف بينهم أنه من العيب في حق الشاب حين

يتزوج أن يسأل عن عفة زوجته " بكارتها "؛ وكأن الأصل عندهم هو الماضي أي

أن لكل فتاة ماضياً ومن العيب أن يسأل عنه كما هو الحال مع الشباب. نسأل الله

العصمة والسلامة. ويتناسق هذا ويتناغم مع موضة الثقافة الجنسية وآلاف المواقع

والقنوات الاستباحية.

وهكذا نرى أنه كلما نجح هؤلاء في ترسيخ مبدأ جديد في نفوس الأبناء قطعوا

شوطاً في إبعاد هؤلاء عن الالتحام مع مجتمعهم والتفاعل مع هويتهم.

أما باقى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية فالمخاطر فيها تابعة

بالضرورة للجوانب التي ذكرت آنفاً، وإن بدا أنها هي التي تؤثر في غيرها؛ لأنه

عند التجريد نجد أن السياسة حين تؤثر سلباً على الهوية الاجتماعية أو على الحالة

الاجتماعية أو على التعليم فإنها تكون في ذلك الحين قد افتقدت دورها العقدي

الأصيل واستبدلته بعقيدة مغايرة كما افتقدت بُعدها القيمي والاجتماعي، كالعضو من

الجسد حين يهمل فيعود ضرره على سائر الجسد.

وبعد هذا لم نذكر ما ذكرنا لنيأس من العلاج، ولكن لنشخص ما أصابنا كي

يسهل إدراك الدواء؛ والدواء مركب على قدر تركيب الداء، والعافية لا تدرك إلا

بتجرع الصبر، وذوق المر والفطام عن أسباب السقام.

* الحلول:

إن النظر في حلول أي مشكلة لا بد أن ينبع من معاناة واقعية لعقيدة معينة؛

وحين ذلك تتحول المعاناة من مجرد بحث عن حلول لمشكلات مزمنة إلى بناء

حضاري، وهذا ما ينبغي التفكير في إطاره؛ لأنها حين إذن تخرجها من كونها

عملية آلية للتغيير إلى عملية إنسانية، وهذا واجب المسلم أينما كان؛ لكن المسألة

أكبر من طاقة فرد أو مجموعة، ولا بأس أن يدلي كل بدلوه وينافس غيره،

ويتعاون الكل على البر والتقوى.

وما سُجّل هنا من حلول قد سبق إليه أفاضل وأكابر ضم إليه غيره وهو في

افتقار إلى زيادة، والجميع في حاجة إلى مبادرة وريادة، وكما قص علينا القرآن:

[قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ

فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] (المائدة: ٢٣) .

ومن بين هذه الحلول:

١ - توعية الآباء وأولياء الأمور بمخاطر هذه المدارس؛ فهي تجمع المعاني

التي حرم الخمر والميسر من أجلها، وما الخمر والميسر إلا إحدى ثمارها الخبيثة،

وفيها معنى مسجد الضرار، ومجالس الخوض في آيات الله والكفر به، كما أن

تقديم الوالدين ولدهما إلى هذه المدارس يجعلهما ضمن من قال النبي صلى الله عليه

وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه،أو ينصرانه، أو يمجسانه) [٩] ،

ولو لم يكن في ذلك إلا فقد الولد الصالح الذي يدعو له لكفى؛ فكيف وفيها

تبعة الدنيا والآخرة؟ ! ولو أخذنا نموذجاً واحداً من صنائع هذه المدارس لوجدنا أن

من دفع بهم إلى هذه المدارس شريك لهم في التبعة، ولا يصح التعلل بوجود رقابة

ومتابعة في البيت؛ لأنه لا يدري ما يحدث من ورائه، والقلوب ليست في يده،

ولا يدري من يكون أقوى أثراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يورِدَنَّ

على مُصِحٍّ ممرض) [١٠] وقال: (فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد) [١١] .

والمرض البدني أهون في شره من أمراض القلوب والعياذ بالله، وقد كان السلف

رحمهم الله يشددون النكير في مجالسة أهل البدع؛ فكيف بأهل الكفر الذين يعدون

الكيد لنا ديناً؟ !

وكيف يسلم الأب ابنه إلى قسيس في ثياب معلم، أو معلم بقلب زنديق ثم

يرجو له السلامة؟ ! وإن على الأب ألاَّ يتصور أن هؤلاء ناصحون مخلصون له

في ولده؛ فإنهم وإن أعطوه ما يريد فلن يعطوه إلا بعد أن يأخذوا منه ما أرادوا هم،

وهذه شهادة من المبشر هنري هريس جسب يقول فيها: (إن التعليم في

الإرساليات التبشيرية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط، هذه الغاية هي قيادة الناس

وتعليمهم حتى يصبحوا أفراداً مسيحيين وشعوباً مسيحية، ولكن حينما يخطو التعليم

وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه، وليخرج لنا خيرة علماء الفلك، وعلماء

طبقات الأرض، وعلماء النبات، وخيرة الجراحين في الزهو العلمي.. فإننا لا

نتردد حينئذ في أن نقول إن رسالة مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري إلى

مدى علماني محض، إلى مدى علمي دنيوي..) [١٢] . وقد أشرنا إلى أن المدرسة

ليست مناهج أو مدرساً وحسبُ، ولكنها نظام يصبغ الطفل مع الوقت بصبغته؛ فإذا

أخذنا في الاعتبار فساد الزمان وقلة الناصح ومحاربة سنن الهدى؛ فكيف يمكن أن

يفلح في الجمع بين صلاح دينه ونيل دنياه، وقد نهينا عن اقتحام السبل؟ !

وحتى نكتشف حجم الخديعة في هذه المدارس يمكن لأي منا أن يجري إحصاء

سريعاً حول تعليم النوابغ في بلادنا ليجد أنه لا صلة بين التعليم الأجنبي ونبوغ

هؤلاء، بل إن غالبهم من التعليم النظامي.

وقد ذكرنا المخاطر الكامنة في إلحاق الأولاد بهذه المدارس والتي منها فقدان

دينه أو تشويه شخصيته إذا ما أبى إلا التمسك بدينه عبر عشرات الإجراءات،

والتي منها الاضطهاد، وتشويه صورته أمام زملائه.

والغريب أن هؤلاء المنصِّرين لم تشغلهم أموالهم وأهلوهم عن قضيتهم التي

جاؤوا من أجلها؛ بينما نجد من بيننا من شغل أولاده بهمِّ هؤلاء، فضلاً عن اشتغاله

بهمِّ دنياهم عن همِّ دينه ودينهم.

٢ - نشر فتاوى أهل العلم في تحريم الالتحاق بهذه المدارس، وتحريم تأجير

الأماكن لها أو بيع الأراضي لبنائها، أو الترويج لها، والعمل فيها أو معاونتها،

وفي وجوب التضييق عليها ووجوب مجابهتم وصدها والتحذير من مخاطرها،

ونقلت الفتاوى في ذلك عن اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء والدعوة والإرشاد

بالسعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، وقرار هيئة كبار

العلماء بالأزهر برئاسة شيخ الأزهر، وفتاوى عدد من العلماء والدعاة ومقالات

للمفكرين ومن هؤلاء: الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر، والشيخ عبد الله بن

سليمان بن حميد، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، والشيخ عبد الرحمن بن

سعدي، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والشيخ رشيد رضا، والشيخ محب الدين

الخطيب، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ أبو الحسن الندوي - رحمة الله عليهم

جميعاً -، وغير هؤلاء كثيرون، وكان لفتاواهم صدى في أوقاتها؛ لكنْ مع إلف

الواقع وقلة الناصح وقلة الاحتساب ضعفت الهمم وغاب الوعي ولا حول ولا قوة إلا

بالله؛ ففي فتاوى هؤلاء تعرية لحقيقة هذه المدارس وبيان لمخاطرها وبيان لحكمها،

ويمكن مراجعتها في كتاب: (المدارس الأجنبية) للدكتور بكر بن عبد الله

أبو زيد.

٣ - بيان حكم هجرة علماء الأمة إلى خارج بلاد الإسلام والإقامة هناك؛

وهو التحريم إذا لم يكن لطلب العلم، ولا لاستكمال البحث والدراسة، ثم العودة

فور انتهاء مهمتهم؛ وذلك لاحتياج أمتهم إليهم خاصة في حال الحاجة إليهم،

وخاصة أن جهودهم اليوم تصب صراحة في دعم العدوان الصريح على الإسلام

وأهله، ويشمل هذا جميع الطاقات والتخصصات التي لم تسد حاجة الأمة فيها من

بين أبنائها.

٤ - تبني الأقسام التربوية والإعلامية والدعوية في الجامعات لخطة بحثية

شاملة للخروج بحلول عملية ليس لإنهاء الاستعمار التربوي فقط، وإنما لتلافي

الآثار الفكرية والنفسية والسلوكية لهذه المدارس على الأجيال المتخرجة وانعكاساتها

السياسية والثقافية على المجتمع.

٥ - التخطيط التربوي للتعامل مع التحديات القائمة والقادمة؛ فالساحة تحتاج

إلى ذوي الخبرات والباحثين في ميدان التربية لوضع خطط متوازية تصلح كل منها

للتطبيق في ظل الظروف العالمية الراهنة؛ ومن هنا يمكن إيجاد طبيعة تربوية

مرنة تسمح بالتطبيق حتى في ظل التجفيف المستمر لينابيع الإسلام. وأمامنا

تجارب متوافرة يمكن الاستفادة منها مثل تجربة الفترة المكية.. تجربة مصر في

ظل الحكم العبيدي.. والمسلمين في آسيا الوسطى في ظل الحكم الشيوعي.. وفي

تركيا في ظل الكمالية.. وفي الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي.. وفلسطين في

ظل الاحتلال الصهيوني.. وتجارب الأقليات الإسلامية والجاليات التي نجحت في

بناء هيكلية تربوية وتعليمية خاصة بها.

٦ - دراسة حالات النهوض التعليمي المختلفة الشهيرة في العالم، والاستفادة

منها مثل التجربة اليابانية والصينية والماليزية والاستفادة منها في إنهاض التعليم

الرسمي.

٧ - إقامة مجموعة من المواقع الإلكترونية التي تتنوع وتتكامل في نشاطها

لتصب في مواجهة الخطر القائم والقادم من قبل التعليم الأجنبي، فتتوزع الأدوار

فيما بينها وفق تخصصات مدروسة إما موضوعية أو جغرافية؛ لبيان خطر هذه

المدارس في مختلف أركان العملية التربوية، (المناهج، الممارسة، سلوك الإدارة،

النظم، الوقائع اليومية، وسائل التأثير، الأدوات المكملة) بما يمهد لمقاطعتها

وتحجيم مخاطرها.

٨ - علاج أسباب الإقبال على مثل هذا النوع من التعليم وعلاجها ومنها:

أ - تخلف التعليم الرسمي وفقدان الثقة فيه مع أنه على ما فيه من مثالب

وعيوب قد خرَّج لنا فطاحل في كل مجال، والمشكلة تكمن في أعراض يمكن

علاجها رسمياً، كما يمكن الاستعاضة عن نقصها بتكميلات مجتمعية.

ب - نيل المكانة الاجتماعية التي فرضها واقع هذه المدارس وحين ينافس

التعليم الإسلامي والمحلي في الجودة التعليمية؛ فإن مسألة المكانة ستصبح لا قيمة

لها خاصة عندما تتلقف الأسواق الخريجين من ذوي الكفاءة والخبرة العالية.

ج - التقليد الأعمى نتيجة ضغط الواقع والأعراف التي تقرن بين الانتساب

إلى هذه المدارس وبين المستويات الاجتماعية العالية؛ وعلاجها: إيماني نفسي

دعوي.

د - فتح مجالات التوظيف أمام خريجي تلك المعاهد والجامعات الأجنبية بعد

عودتهم، وقد نجحت هذه الجامعات الأجنبية أن توفر لخريجيها فرصاً للعمل؛ إذ

تعد شهادتها بمثابة وثيقة ضمان لنيل الوظيفة.

هـ - المظهر البراق لأداء تلك المدارس سواء من جهة: الاسم.. البناء..

الملبس.. ومستوى الإدارة.. كفاءة المدرسين.. والرسوم المرتفعة.. والمواصلات.

و قبول الأطفال في سن مبكرة عن سن التعليم النظامي؛ حيث تقبل

الصغار في سن الروضة والابتدائي بحد أقصى يقل شهوراً عن التعليم العام، وهو

سبب مهم يجعل أولياء الأمور يلجؤون إليها لاختصار سنة من سنوات التعليم.

ز - تقديم المادة التعليمية بطريقة منظمة ومرتبة، وجودة المناهج من حيث

الإخراج والصياغة لا من حيث المادة.

ومثل هذه الأسباب تحتاج إلى نظم خطاب دعوي خاص بهذه الحالة،

والاستفادة من بعض أصحاب التجارب في كشف عوار هذه المدارس مع تقديم

البديل وعلاج القصور ما أمكن.

٩ - ويحتاج إلى نهوض بالتعليم الإسلامي العام الخاص، والعمل على زيادة

عدد المدارس ما أمكن. والمراد هنا المدارس الخاصة التي تحل المشكلة وتحقق

معايير الجودة الحقيقية للتعليم، وهذا يحتاج إلى رؤوس أموال للاستثمار في هذا

المجال وهو مجال مربح جداً على ألا يكون الربح المادي هو الباعث الوحيد

للاستثمار؛ لأن الاستثمار في مجال التعليم استثمار بشري في المقام الأول، وقد

أثبتت النماذج الإسلامية حينما توفق إلى إدارة جيدة ونماذج تربوية ناجحة تفوقاً

على ما سواها من المدارس الأخرى، ومراعاة أحوال المجتمعات وظروف الدول

خاصة مع الغزو الإمبريالي المكثف لمجال التعليم في السنوات القليلة الماضية، وقد

يكون السمت الإسلامي محارَباً في بعض البلدان لكن يمكن إبقاؤه عند أدنى حد.

١٠ - جعل قضية رفع مستوى التعليم في المدارس الحكومية همّاً يومياً من

هموم الآباء، وجزءاً لا يتجزأ من خطاب الدعاة.

١١ - عودة وظيفة المؤدب التي عرفتها الخبرة الإسلامية، ويمكن ذلك عن

طريق تشجيع أصحاب المواهب التربوية على سلوك هذا السبيل وتنمية مهاراتهم

وخبراتهم وكفالتهم مادياً، حتى لو كفلت كل مجموعة من الأسر شاباً ممن يلتمس

فيهم الربانية والنبوغ في الجانب السلوكي والتربوي في مقابل تأديب أولادهم بآداب

الشرع على أن ينمى تربوياً ويكفل مالياً، وإطلاق الملكات الإبداعية في هذا المجال؛

أي أننا نريد أن نخرج دور المؤدب من العمل الهامشي إلى ممارسة دور رئيس

في إطار منتظم يكتسب استمرارية، ويلقى احتراماً من المجتمع، هذا العمل في

صورته الصغيرة يمكن أن يحقق طفرات يصعب قطفها أو اجتثاثها، أو حتى

إعاقتها. ومعلوم تاريخيا أن كل مرحلة تاريخية يمكن أن تولد وظائف وأدواراً

جديدة تلقى رواجاً واحتراماً؛ وهذا ما يراد لوظيفة المؤدب بأن يصبح لها إطارها

العام وأدبيات الممارسة، ويمكن الاستفادة في هذا من تراث الأمة الضخم في هذا

المجال والبناء عليه؛ بحيث يُرعى من خلال الأسر التي يقوم على تربية أولادها،

وبهذا نضمن وجود مؤسسة تربوية جانبية يصعب عرقلتها تحت أي ضغوط.

١٢ - منهجة التربويات والعلوم المختلفة بحيث يقدم خبراء التعليم والمناهج

خبراتهم إلى المربين والمعلمين من النوع المشار إليه سابقاً في صورة مناهج قابلة

للتدريس.

وختاماً: فإن المواجهة اليوم ضد الإسلام شاملة؛ ولهذا فهي تحتاج إلى نفير

شامل؛ وإصلاح الخلل لن يكون إلا بتلمس مواطن الأقدام، ووضعها على الطريق

الصحيح؛ والتعليم اليوم هو بؤبؤ العين وحجر الزاوية.


(١) الخنجر المسموم، ص: ٢٧، عن الغزو الفكري التحدي والمواجهة، ص ١٠٦.
(٢) التخلف الاجتماعي، ص ٨٠.
(٣) الاتجاهات الفكرية المعاصرة، ص ١٢.
(٤) ومن الأدلة على ذلك أن البروز الريادي في الجانب العلمي لم يرتبط غالباً بخريجي هذه المدارس والجامعات رغم ما تشيعه هذه المدارس عن نفسها؛ فهي لا تمنح الذكاء ولكنها قد تستغل بعض الأذكياء.
(٥) ليلاحظ معي القارئ أن بعض الجامعات الغربية تقوم بنشر إعلانات مدفوعة الأجر تنشر في بعض الصحف والمجلات العربية وخاصة المهاجر منها، تنشر على شكل تحقيقات عن مستوى خريج هذه الجامعات وأنه الأفضل، وأن كل الأبواب مفتوحة أمامه، بل ربما هو الذي يُطرق بابه! وهو أسلوب رخيص في ترسيخ الانهزامية لدى خريج الجامعات الوطنية، ولون من ابتزاز أولياء الأمور لإلحاق أولادهم بهذه الجامعات.
(٦) في عام ١٩٩٢م صدر تقرير عن الكونجرس الأميركي يشير إلى أن أوضاع التعليم في الولايات المتحدة أصبحت تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، وأشار إلى أن الوضع لو استمر على ما هو عليه لمدة ٢٠ سنة، فسوف يسبب خطراً على الأمن القومي الأمريكي؛ ولذلك صدر قرار الكونجرس بإصلاح التعليم وتغييره.
(٧) في الأشهر الأخيرة نقلت الصحف أخباراً عن اشتعال المظاهرات المعارضة للتواجد السوري في لبنان في جامعة القديس يوسف، وهو نفس الموقف الذي تتبناه الكنيسة المارونية؛ والسؤال عن التوقيت والهدف.
(٨) على أنه لا يلزم أن يكون كل خريجي هذه المدارس والجامعات على نحو واحد؛ ففيهم شرفاء ومنهم المنضبط شرعاً ولكنهم قليل، والحكم للأعم الأغلب.
(٩) أخرجه البخاري، رقم ١٢٩٦.
(١٠) أخرجه البخاري، رقم ٥٣٢٨.
(١١) أخرجه أحمد، رقم ٩٣٤٥.
(١٢) غزو في الصميم، ص ٢٥.