للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[فتح ملف جنرالات الجزائر في باريس]

يحيى أبو زكريا [*]

كان النظر في الدعوى التي رفعها وزير الدفاع الجزائري الأسبق خالد نزار

المسؤول حسب اعترافاته في مذكراته عن وقف المسار الانتخابي الجزائري في

كانون الثاني - يناير سنة ١٩٩٢م على الملازم في القوات الخاصّة الجزائريّة

الحبيب سوايديّة الذي ألف كتاباً بعنوان: (الحرب القذرة في الجزائر) عقب لجوئه

إلى فرنسا وفراره من القوات الخاصّة الجزائريّة، وفي كتابه الذي صدرت منه

مئات آلاف النسخ باللغة الفرنسيّة يتهم الحبيب سوايدية جنرالات الجيش الجزائري

ومنهم الجنرال خالد نزار بإصدار أوامر لقتل المدنيين، وذبح مئات الجزائريين،

ونسبة كل ذلك للإسلاميين. وقد أثار هذا الكتاب زوبعة كبيرة في الجزائر وأوروبا

باعتبار أن مؤلفه شارك شخصيّاً في المذابح التي يدعي أنّ الجيش الجزائري اقترفها

في حق الجزائريين المدنيين. وكانت المؤسسة العسكرية في الجزائر قد حكمت

بعشرين سنة سجناً على الحبيب سوايديّة؛ لأنه أفشى أسراراً تتعلّق بالجيش

الجزائري ونشرها خارج الجزائر.

وقد حشد الجنرال خالد نزار لهذه المحاكمة كل الضبّاط والشخصيّات السياسية

التي تحسب على تيار استئصال الحركة الإسلاميّة في الجزائر؛ بينما حشد الحبيب

سوايديّة شخصيات جزائريّة سبق لها أن اعترفت بدور الجيش الجزائري في

المذابح الجزائريّة واغتيال الرئيس الجزائري الأسبق محمّد بوضياف. ومن المتوقّع

أن يدلي حسين آيت أحمد بشهادته في هذه المحاكمة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك عشرات الجزائريين المقيمين في فرنسا رفعوا

دعوى على الجنرال خالد نزار بتهمة تعذيبهم في معسكرات الاعتقال في الجزائر أو

تعذيب أقاربهم من الإسلاميين. وقد أعادت هذه المحاكمة التي بدأت في الأوّل من

تمّوز وإلى الخامس منه فتح كل الملفات الثقيلة التي ترتبط على وجه التحديد بالفتنة

الجزائريّة التي بدأت في سنة ١٩٩٠م وما زالت مستمرّة إلى يومنا هذا. وفي

الوقت الذي يرتكز فيه محامو خالد نزار على الضرورات التي دفعت خالد نزار

وزير الدفاع والرجل الأقوى في الجزائر في ذلك الوقت إلى إلغاء المسار الانتخابي

ومنع قيام دولة إسلاميّة في الجزائر وهو ما توافق عليه فرنسا جملة وتفصيلاً، فإنّ

الملازم حبيب سوايديّة ومعه بعض الضبّاط الجزائريين الفارين إلى أوروبا يعتمدون

في ادعائهم على شهادات خاصّة ووقائع عاشوها بشكل شخصي. والغريب أنّ هذه

الملفات الثقيلة يتمّ فتحها في فرنسا التي أزهقت ذات يوم أرواح ملايين الشهداء

الجزائريين، وفي الذكرى الأربعين لاستقلال الجزائر ولسان حال فرنسا: ألم يكن

من الأجدى لو بقيت الجزائر في يد فرنسا؟

وتجدر الإشارة إلى أنّه بعد استقلال الجزائر في ٥/٦/١٩٦٢م ألَّف الرئيس

الجزائري الأسبق محمّد بوضياف الذي اغتيل في ٢٨/٦/١٩٩٢م في الجزائر كتاباً

بعنوان: (الجزائر إلى أين؟) وبعد أربعة عقود ما زال السؤال ساري المفعول،

وما زالت الأجوبة تتوالى على هذا السؤال دون أن تعرف الجزائر طريقها باتجاه

السلامة الكاملة. والواقع أنّ الإجابات عن هذا السؤال كانت كثيرة ومتشعبة، كما

أنّ الإجابات التي تطرقت إلى المسؤول عن الكوارث السياسية والأمنيّة التي حلّت

بالجزائر وصناعة الموت كثيرة أيضاً. وكتاب: (الحرب القذرة) للضابط

الجزائري الحبيب سوايديّة الذي يتهم فيه المؤسسة العسكريّة باقتراف مجازر فظيعة

ضد مدنيين في الجزائر ليس الوحيد في هذا الموضوع؛ فقد أصدر الضابط السابق

في المخابرات الجزائريّة هشام عبّود الذي كان يعمل بقسم التحاليل والتقييم في

المخابرات الجزائرية عندما كان على رأسها الأكحل عيّاط وبعدها عمل مديراً

لمكتب مدير المخابرات الجزائريّة بعد الأكحل عيّاط محمّد بتشين الذي بدوره أصبح

المستشار الأمني لزروال في وقت لاحق - أصدر كتاباً يحمل عنوان: (مافيا

الجنرالات) وقد أثار زوبعة كبيرة كالكتاب الذي أثاره كتابا: (الحرب القذرة في

الجزائر) لسوايديّة و (من قتل من في بن طلحة؟) ليوسف نصر الله. وفي كتابه

يحمّل هشام عبود المحلل في الاستخبارات الجزائريّة سابقاً الجنرالات - وقد عدّ

اثني عشر جنرالاً منهم مسؤوليّة الضلوع في معظم قضايا الاغتيالات والاضطرابات

السياسية والأمنيّة، ونفس هذا الضابط كشف لجريدة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسيّة

أنّ الجنرال العربي بلخير رئيس ديوان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حاليّاً أصدر

شخصيّاً الأمر باغتيال المعارض الجزائري المحامي علي مسيلي في فرنسا، وكان

عبّود الذي يعيش لاجئاً سياسيّاً في باريس قد سرب معلومات خطيرة للصحافة

الفرنسية عن الأدوار التي اضطلعت بها الأجهزة الأمنيّة في الجزائر في قضايا

خطف المعارضين واغتيال النشطاء السياسيين. وبالتوازي مع حركة نشر الغسيل

الجزائري في الخارج قام النقيب هارون وهو ضابط جزائري سابق والناطق باسم

حركة الضبّاط الجزائريين الأحرار في الخارج الجزائري بكشف العديد من الأسرار

المرتبطة بمشهد الدم المتواصل في الجزائر. وفي تصريحه لجريدة النصر

الجزائرية الصادرة في مدينة قسنطينة شرقي الجزائر اتهم القيادي في جبهة الإنقاذ

الإسلاميّة عبد القادر بوخمخم الجنرال المتقاعد خالد نزار بأنّه المسؤول عن

الأحداث التي تعيشها مناطق القبائل؛ وفي تحليله لمستجدات الوضع الجزائري قال

بوخمخم: إن التحركات القبائليّة لم تكن عفويّة، بل كانت مرتبة بشكل مسبق.

وفي السياق ذاته يذهب سياسي جزائري إلى القول بأنّ الأحداث الأخيرة في

الجزائر هي عبارة عن احتقان شديد داخل مراكز القوة، وقد عودتنا الأحداث

الجزائرية - يقول هذا السياسي الجزائري - أنّ الاحتقان بين مراكز القوة يتمّ

التنفيس عنه عبر مذبحة هنا وهناك، واغتيال هنا وهناك، وتفجير في هذه المنطقة

أو تلك. ومن أسباب استمرار الفتنة الجزائريّة هو نشوء مراكز القوة، وكثرة

الجهات التي تبادر إلى رسم القرار، وفي هذه الحالة ضاع القانون. وعلى سبيل

المثال كانت جهة معينة توافق على إطلاق سراح سجين سياسي معيّن فتقوم جهة

أخرى بإعادة اعتقاله أو خطفه أو اغتياله. وقد قال أحد الضبّاط الجزائريين إنه مع

وجود الجماعة الإسلاميّة المسلحة بقيادة عنتر الزوابري فلا أحد يتساءل عن هويّة

القاتل؛ قال ذلك عندما كان عنتر الزوابري زعيم الجماعة الإسلاميّة المسلحة على

قيد الحياة. وبدورها الجماعة الإسلاميّة المسلحّة عندما كان يتزعمها عنتر الزوابري

أثارت الكثير من الألغاز؛ فالزوابري الذي شارك في الحرب الأفغانيّة وعاد إلى

الجزائر بعدها وجرى سجنه في سجن رقّان الصحراوي مع عشرين ألف معتقل من

أنصار الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ، ثمّ أطلق سراحه ليجد نفسه أميراً للجماعة

الإسلاميّة المسلحة بعد قتل أمرائها السابقين أثار العديد من التساؤلات والاستفهامات

والحديث عن اختراقها أمنيّاً بات في حكم المؤكّد؛ ومهما كانت حقيقة تركيبتها؛ فقد

ساهمت هذه الجماعة في صناعة الموت في الجزائر بشكل كرنفالي. وقد لعبت

الميليشيات التي قامت السلطة الجزائريّة بتسليحها والتي جاوز عدد أفرادها ٥٠٠

ألف في المساهمة أيضاً في صناعة الموت؛ والأخطر فيما لو بدأ انتشار الأسلحة

في المناطق القبائليّة؛ وقد بدأ ذلك حسب معلومات مؤكدة.

إنّ المشرفين على صناعة الموت في الجزائر ومهما كانت مواقعهم ومراكزهم،

ومهما كانت مشاربهم الأيديولوجيّة والفكرية، ومهما كانت أهدافهم يعتبرون أنّ

عدوهم الأساس هو الاستقرار وعودة المياه إلى مجاريها في الجزائر؛ لأنّه ومن

خلال الاستقرار يتأتّى للجميع إعادة فتح الملفات، وإعادة قراءة ما جرى في

الجزائر برويّة وتؤدة؛ ومعنى ذلك تعرية كل الذين كانوا ضالعين في صناعة

الموت في الجزائر. وبروز ظاهرة الاتهامات والاتهامات المضادة بين رسميين

وخبراء في الأجهزة الأمنيّة دليل على أنّ الفتنة الجزائريّة هي دونكيشوتيّة في كثير

من أبعادها؛ ولهذا يتعذّر على كثيرين في الجزائر وخارجها فهم منحنيات الصراع

الدامي في الجزائر والمدموغ بدمغة (سرّي للغاية!!!) .


(*) صحفي جزائري مقيم في استوكهولم.