للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ندوات

[مستقبل الانتفاضة الفلسطينية]

تخطت انتفاضة الأقصى السنتين من عمرها دون أن تتغير بل تترسخ أهداف

المنتفضين النبلاء الذين تصدوا للهمجية اليهودية بسلاح بُعِثَ من جديد هو سلاح

الشهادة وبيع النفس لله. وكلما أصر اليهود ومن خلفهم على إخماد الانتفاضة

والإسراف في القتل جاءهم الرد واضحاً جلياً في إرادة لا تخور معلنة الجهاد في

سبيل الله تحريراً للأرض وحماية للعرض وذوداً عن شرف المسلمين في كل مكان.

الجميع يطلب الشهادة: الشباب، والأطفال، والعرائس. وفي هذه الانتفاضة

معان وعبر تشير إلى حيوية هذه الأمة وأنها مستعدة للحركة إن حُرّكت،

وللاستشهاد حين يدعو إليه ما يرضي الله ورسوله. ويسعد مجلة البيان اليوم أن

تستمع مع قرائها إلى ثلاثة من رجال الجهاد في سبيل الله في الأرض التي بارك الله

حولها.

* ضيوفنا في هذه الندوة هم:

- الدكتور محمود الزهار:

القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس.

- الدكتور محمد الهندي:

القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

- الدكتور هشام فرارجة:

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت.

* المحور الأول: القدرات الذاتية:

البيان: بعد الآلام الكثيرة والمحن العديدة التي مرَّ بها الشعب الفلسطيني في

الانتفاضة الأخيرة هل لا زال متعاطفاً مع الانتفاضة؟ وما موقفه من دعوات

السلام والتفاوض التي تطرحها بعض الأطراف الفلسطينية؟

- د. محمود الزهار: الإجابة عن هذا السؤال تستدعي استطلاع الرأي.

واستطلاعات الرأي التي صدرت من الجانب الإسرائيلي تقول إن أكثر من ٧٨%مع

استمرار الانتفاضة، واستطلاعات الرأي التي صدرت أيضاً عن الجانب

الإسرائيلي تقول إن أكثر من ٦٠% يتعاطفون مع العمليات الاستشهادية، والدليل

الثالث أيضاً هو استمرار الشعب الفلسطيني في العطاء اليومي سواء كان في الضفة

الغربية أو في قطاع غزة.

ولنستعرض مثل حجم المعاناة في مدينة رفح ومنطقة مدينة خان يونس التي

تطوقها مستوطنة غوش قطيف من معظم الجهات، وحجم المعاناة التي يعانيها

الشارع الفلسطيني في انتقاله من مكان إلى مكان وخصوصاً منطقة غزة، وحجم

المعاناة التي يعانيها في الإغلاق الدائم ومنع التجول المستمر بحيث لا يسمح في

بعض المناطق إلا بساعة أو ساعتين وحتى بعد أن يتم الإعلان عن رفع حالة منع

التجول وتحديدها بساعة معينة ما أن تمضي ساعة واحدة أو ساعتان، حتى يتم

إطلاق الرصاص على الناس حتى يعودوا إلى بيوتهم.

إذن هذه كلها لا يصاحبها حالة تذمر ولا أي تراجع عن الموقف العام.

وتجربة الشعب الفلسطيني تجربة حية، والانتفاضة هي نتاج الشعب، ولو أن

الشعب رفع الراية وسلم لانتهت الانتفاضة؛ ولذلك أقول إجابة على سؤالك: إن

الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأخيرة التي نعيش فيها الآن قد استفاد من تجارب

الانتفاضة الأولى، وتخلص من كل سلبياتها، وعمق إيجابياتها، ومن هنا كانت

النتائج التي تحققت على مستوى الشعب الفلسطيني وحجم الخسائر التي تكبدها العدو

هي نتائج مقبولة ومحترمة.

الشخصيات التي وقعت على البيان في الحقيقة هي شخصيات معروفة: إما

يسار قديم ارتبط بتأسيس الحزب الشيوعي في أوائل العشرينيات من القرن الماضي،

وهؤلاء كانوا هم واليهود في برنامج تعايش واحد.

تاريخ الحزب الشيوعي في المنطقة معروف، الأحزاب التي انبثقت عن

الشيوعيين وأخذت أسماء مختلفة لم تطلق رصاصة واحدة لا في الانتفاضة الأولى

ولا في الثانية؛ لأنها لا تؤمن بالكفاح المسلح، وهناك شخصيات لها ارتباطات

بالمشروع الصهيوني: ارتباط اقتصادي، أو ارتباط أمني، أو كونترول؛ يعني

سيطرة معينة.

وهناك شخصيات لها فكر أصلاً يمكن تسميته بفكر الأسرلة، واستطاع

مشروع ما يسمى بمشروع التسوية السياسية والحلول السلمية ودولتين وعلمين أن

يستحوذ على أفكار هؤلاء الناس، وهؤلاء معروفون للشارع الفلسطيني.

وأريد أن أضيف واحدة من الطرائف التي رأيتها: من الأسماء هناك سيدة لم

تتزوج معروفة في غزة بأنها يعني على البركة تسير حافية وتتسول وتدخن في

الشارع، وماتت منذ مدة فأحد الظرفاء وصفها بالدكتورة، ثم وضع اسمها حتى

الذين تعاطوا مع هذه البيانات تعاطوا معها باستهزاء؛ لأنهم يعرفون أن الشارع

الفلسطيني يلفظ هذه الأفكار ولا يقبل بها، وأنا أعتقد أن من يريد أن يسوِّق نفسه

الآن إسرائيلياً وأمريكياً يمكن أن يوقع على هذا البيان، وهناك شخصيات مهترئة

كان بعضها في الإبعاد وبعضها تساقط على طريق الدعوات وعلى طريق الأحزاب

وطريق المؤسسات، وهذه واحدة من تسويق النفس في هذا المشروع ظاهرة يوم أو

يومين وتنتهي أو انتهت بالفعل.

- د. محمد الهندي: عند الحديث عن الشعب الفلسطيني يجب الاعتراف

بقدرة هذا الشعب على العطاء والتضحية؛ فقد صهرته المحنة، محنة التصدي

للمشروع الصهيوني الغربي في فلسطين على مدى القرن المنصرم، وهو على مدى

هذه السنوات يقدم التضحيات الكبيرة، ولم يشكُ أو يتألم، والمحنة كانت تزيده دوماً

إصراراً على الصمود والمقاومة، ونحن لا نتحدث اليوم عن تعاطف الشعب

الفلسطيني مع الانتفاضة، بل عن ازدياد انخراطه في المقاومة، وهو يدرك عن

وعي كامل أنه يدفع ضريبة الحرية والكرامة وهي أهون عليه بكثير وأقل تكلفة

أيضاً من ضريبة الذل والمهانة التي كان يدفعها بعد اتفاق أوسلو وأذكِّر هنا بمجزرة

الحرم الإبراهيمي في الخليل ومجزرة القدس التي ارتكبت في سنوات السلام

المفخخ.

وأؤكد هنا بأن شعبنا قادر على تحمل واستيعاب المزيد من التضحيات؛ كيف

لا وهو يرى ثمار هذا الجهد رأي العين، وهو يرى تراجع المشروع الصهيوني في

فلسطين، وإذا كان هناك من مقياس لقياس حيوية المشروع الصهيوني فهو قياس

الهجرة والاستيطان؛ ونظرة واحدة تكشف كيف ضربت الانتفاضة الباسلة المشروع

الصهيوني بكل قوة في هذا المجال.

أما موقف الشعب الفلسطيني من دعوات التفاوض التي يطرحها بعض

الفلسطينيين فهو لا يلقي لها بالاً؛ فهؤلاء أشخاص مهزومون مسلوبو الإرادة وهم

على أحسن الأحوال لا يفهمون طبيعة المشروع الصهيوني القائم على العنف والغدر،

ويحاولون تسويق الوهم مرة أخرى.

ثم ماذا جنى شعبنا في فترة ما تسمى بالسلام حتى يعود إليها؟ فنظرة سريعة

لفترة أوسلو تكشف المعاناة والألم الكبير الذي لحق بشعبنا، ويكفي أنها مزقتنا

وسلختنا عن محيطنا العربي والإسلامي، ونحن اليوم بتمسكنا بانتفاضتنا نعيد

اللحمة لشعبنا وأمتنا، ونعيد الصراع إلى طبيعته.

- د. هشام فرارجة: بدون أدنى شك عندما اندلعت انتفاضة الأقصى فإنها

كانت ولا تزال تعبر عن إجماع وطني وإسلامي فلسطيني واسع بضرورة التخلص

من الاحتلال الإسرائيلي مهما كلف الأمر من ثمن.

الشعب الفلسطيني بعمومه في المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع

غزة لمدة سبعة أعوام عجاف كان يتابع مسيرة العمليات السياسية دون أن يلاحظ

تقدماً ملحوظاً في الميدان بخصوص الاحتلال وبطشه وتنكيله بالشعب الفلسطيني.

مصادرة الأراضي استمرت بدون هوادة وبناء المستوطنات أيضاً، الحصار

الاقتصادي، تقطيع أوصال الوطن كان على أشده.

قتل الفلسطينيين واعتقالهم كان يتم بدون رادع؛ وكأن العملية السياسية

استغلت من قِبَل الإسرائيليين فقط كغطاء من أجل تلميع صورتهم أمام العالم

الخارجي وحتى يقول العالم إن هناك عملية سلام تجري في المنطقة دون أن ينظر

هذا العالم إلى ما كان يقوم به الإسرائيليون من حملات تنكيل وتجويع للشعب

الفلسطيني؛ لذلك عندما قام شارون بانتهاكه المسموم لحرمة المسجد الأقصى كانت

تلك الحادثة هي الشرارة أو الشعرة التي قصمت ظهر البعير. حيث كانت الحالة

الفلسطينية محتقنة جداً وكان الوضع في حالة كبيرة وشديدة من الغليان وخاصة بعد

الإخفاق الذريع التي منيت به محادثات كامب ديفيد في صيف عام ٢٠٠٠م. لم يكن

بوسع الشعب الفلسطيني إلا أن يلتفت إلى نفسه وإلى مكنوناته الداخلية مفجراً

انتفاضة الأقصى التي تعتبر في تقديري ظاهرة من أنبل الظواهر التي يعرفها العالم:

شعب يناضل من أجل الحرية ومن أجل الاستقلال ومن أجل دفع الظلم عن نفسه

رغم انعدام الإمكانيات أو ضآلتها، ورغم وجود اختلال واضح في ميزان القوى ما

بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

هذه الانتفاضة الآن بالتاكيد أصبحت محط اهتمام الناس الذين ينظرون إلى

هذه الانتفاضة كالمرحلة التي سوف تخلصهم بإذن الله من دون أدنى شك من

غطرسة هذا الاحتلال وإرهابه وبربريته.

البيان: إذن في ظل هذا التعاطف كما تشير كيف ينظر الشارع الفلسطيني

إلى دعوات السلام واللقاءات السياسية التي تجري بين أطراف فلسطينية والجانب

الإسرائيلي؟

- د. هشام فرارجة: في حقيقة الأمر، وخاصة أن الدم الفلسطيني ينزف

بغزارة يوماً بعد يوم بسبب التضحيات من جانب، وبسبب ممارسات الاحتلال

البربرية من جانب آخر، فإن مجمل ما يحدث من تحركات سياسية هنا وهناك

واضحة تماماً بالنسبة للناس بأنها لا تسمن ولا تغني من جوع.

بالتاكيد في الشارع الفلسطيني هناك إدراك بأنه توجد حاجة ماسة من أجل

تحريك الجانب الدبلوماسي في مختلف الأروقة والأصعدة. ولكن بدون أدنى شك

بأن هذه التحركات التي هُدِفَ منها إسرائيلياً على أقل تقدير تقويض أواصر انتفاضة

الأقصى، لا ينظر إليها إلا بنوع من الشك في الشارع الفلسطيني وخاصة أن هذه

التحركات والتفاعلات واللقاءات لم يستطع كما لا يمكن لها أن تستطيع إيقاف

الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة يوماً بعد يوم.

بالفعل نستطيع أن نقول إن الهمّ الرئيسي للشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته

وتركيباته هو استمرار المقاومة وتصعيدها وليس تصعيد اللقاءات الإسرائيلية

والفلسطينية حيث تلك اللقاءات تبعث في نفوس الفلسطينيين شعوراً بالإحباط عندما

تتم. لكن حتى هذه اللقاءات الآن لم تعد تستطع أن تبعث في النفوس الإحباط الذي

كان يراد منها من قبل خاصة بإقدام شخصية مثل شمعون بيرتس على تكثيف مثل

هذه اللقاءات؛ لأنه يعرف أنها تعمل كسلاح سيكيولوجي فتاك في النفسية الفلسطينية،

ولكن تماماً كما أخفقت العملية السياسية الإسرائيلية فإن هذه الحملة السياسية

والدبلوماسية والنفسية لا محالة مخفقة.

البيان: في خضم هذه الأوضاع ما قدرة المقاومة الإسلامية على الاستمرار

في ظل الفارق الكبير في ميزان القوة مع اليهود؟

د. محمود الزهار: ميزان القوى لم يكن يوماً من الأيام متوازناً ولم يكن في

يوم من الأيام إلا في صالح الجانب الإسرائيلي سواء كان في فترة بداية القرن

العشرين وحتى تأسيس الدولة عام ١٩٤٨م، والتي تعهدت بريطانيا بالذات في جعله

دائماً في صالح اليهود، ثم بعد ذلك تعاون الغرب: بريطانيا وفرنسا وأوروبا

عموماً حتى عام ١٩٥٦م، وبعد ذلك مال الميزان لصالح الكيان الإسرائيلي بصورة

كبيرة جداً عندما دخلت أمريكا على الخط، وأصبح الكيان الإسرائيلي يمثل ترسانة،

نموذجاً لتجربة الترسانة الأمريكية في المنطقة.

والانتفاضة الأولى لم تكن مبنية على توازن القوى، والانتفاضة الثانية لم تكن

مبنية على توازن القوى؛ لكن مبنية على عاملين:

الأول: هو الاستفادة من تجربة ضرب الأمن القومي الإسرائيلي النظرية التي

روج لها الصهاينة والتي تقول بأنها دولة لا تهزم. في الحقيقة أن القارئ لما حدث

في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣م يقول إن الدولة هزمت، ولولا التدخل المباشر من

أمريكا وما أرسلته إلى العريش من طائرات ودبابات من المصانع لنجدة الكيان

الإسرائيلي لانتهى الكيان، ومن ثم نظرية الدولة ضربت في ١٩٧٣م على يد

المصريين والسوريين في سيناء والجولان.

والنظرية الثانية: هي قيام الدولة اليهودية هي نظرية الأمن الفردي التي تقوم

على أن كل من يأتي مستجلباً أو مستوطناً يأتي من أي مكان في العالم سوف يجد له

أمناً شخصياً وأمناً اقتصادياً ومسكناً، ومن ثم جاء كل المرتزقة من الأديان

والأجناس جاؤوا إلى فلسطين وما عليهم إلا أن يحملوا سلاحاً تحميهم الدبابات

والطائرات. اليوم ضُربت هذه النظرية في مشروع العمليات الاستشهادية وأصبحت

القوة الاستراتيجية في يد الكيان الإسرائيلي عاجزة عن أن تتعاطى مع هذه الظاهرة.

يعني: إسرائيل تملك أسلحة نووية لا يمكن أن تستخدمها في مجال العمليات

الاستشهادية؛ لأن الغبار الذري لا يميز بين فلسطيني ويهودي أو صهيوني أو مسلم

أو مسيحي. هنا نجد صراخ العالم خصوصاً أمريكا والكيان الإسرائيلي لتجريد

الشارع الفلسطيني من أحد الأسلحة الاستراتيجية الخطيرة التي ضربت الأمن

الفردي وضربت مشروع السياحة الصهيوني.

- د. هشام فرارجة: لربما هذا هو واحد من أهم الأسئلة التي يدور في خلد

كل فلسطيني وفي خلد كل مراقب، وأمر معلوم ومعروف تماماً بأنه لا يوجد ميزان

قوى استراتيجي ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فما لدى الإسرائيليين كثير جداً:

لديهم السلاح النووي، ولديهم البنى التحتية بمختلف أشكالها، ولديهم إمكانات

اقتصادية، ولديهم قنوات الدعم المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية، ولديهم

نوع من الاستقرار في مؤسساتهم. أما نحن الفلسطينيين فماذا لدينا؟ : حصار،

تجويع، حظر للتجول، منع للتواصل ما بين المناطق الفلسطينية نفسها؛ دع عنك

منع التواصل ما بين فلسطين ومختلف أنحاء العالم. هذه الصورة بجزيئيتها قد تبدو

قاتمة جداً؛ حيث توضح انعدام ميزان القوى الاستراتيجي ما بين الفلسطينيين

والإسرائيليين، ولكن في ذات الوقت وانطلاقاً من فهم فلسطيني دقيق بانعدام ميزان

القوى الاستراتيجي عمل الفلسطينيون المقاومون على التعويض عن انعدام ميزان

القوى الاستراتيجي هذا بالوصول إلى ميزان استراتيجي في الرعب ما بين

الفلسطينيين والإسرائيليين. أصبح الاستقرار والأمن الإسرائيلي مرهوناً بشكل فعلي

وعملي بالأمن والاستقرار الفلسطيني. كان من قبل دائماً يسقط الشهداء الفلسطينيون

ويقع الجرحى الفلسطينيون، ويعتقلون وينفون ويخضعون لحملات التنكيل لوحدهم؛

أما الآن وخاصة منذ بداية هذه الانتفاضة فإن نسب الخسائر ما بين الفلسطينيين

والإسرائيليين قد ضاقت إلى أضيق فجوة منذ بداية هذا الصراع. فعلى سبيل المثال

لا الحصر فقط عندما كان نتنياهو في الحكم كرئيس وزراء الإسرائيليين كانت نسبة

الخسائر ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين (١: ١٥) ، ولكن عندما أتى باراك

الذي اندلعت الانتفاضة في وقته ضاقت هذه الفجوة لتصبح (إسرائيلي واحد إلى

١٠ فلسطينيين) ولكن عندما جاء شارون الذي تمتع بسمعة مرموقة في الإرهاب

والقتل ضاقت هذه الفجوة إلى أكثر لكي تتأرجح ما بين (١: ٣ أو ١: ٥) في

أسوأ الأحوال. بدون أدنى شك انعدام ميزان القوى الاستراتيجي من وجهة نظر

المقاومين الفلسطينيين والمنتفضين لم يعن بأي حال من الأحوال رفع الراية البيضاء

أو التسليم بحقيقة قوة الاحتلال فقط، وإنما عنى أنه يجب ابتكار وابتداع الأدوات

والوسائل والمقومات من أجل بعث الذعر في نفوس المحتلين حتى يعرفوا أنه لا

أمن ولا استقرار لهم إلا بتلبية الحقوق الوطنية الفلسطينية.

- د. محمد الهندي: المسألة لا تقاس بالمقدرة المادية فحسب، صحيح أن

ميزان القوة مختل لصالح العدو بشكل كبير، لكن الإرادة والعزيمة والتضحية وحب

الشهادة والإيمان بالقضية ووضوح الهدف يعدل كثيراً من هذا الاختلال.

نحن ندافع عن أنفسنا وأمتنا ومقدساتنا ومستقبل أبنائنا، وهم يريدون استعباد

شعب آخر وإذلاله وقهره، نحن نملك حباً كبيراً للوطن والمقدسات والأطفال، وهم

يملكون حقداً للأغيار تغذيه أساطير تلمودية، ويملكون حباً كبيراً للدنيا، وهذه هي

المعادلة.

أما بالنسبة للتطور التقني للمقاومة فهذا متروك لأهل الاختصاص لكن هناك

قانون عام بأن الحاجة أمُّ الأختراع.

البيان: ما هو حجم التطور التقني والعسكري للمقاومة؟

- د. محمود الزهار: بالتأكيد التطور التقني لم يصل إلى مرحلة أباتشي ولا

الـ (إف ١٦) لكن وصل إلى مرحلة أنه أصبح مؤثراً تماماً في الأهداف التي

يختارها الشارع الفلسطيني، تطوير الهاونات وهي لم تكن موجودة في الانتفاضة

الأولى هي صناعة محلية، ثانية ما عرف بـ (البنا ١ و ٢) هو تطوير ذاتي

وهو فعال في الحقيقة، والعبوات الموجهة، العبوات الجانبية هي عبارة عن بديل

للمدافع طويلة المدى والتي استخدمت آخرها في عملية عمانوئيل، واستخدام القنابل

اليدوية وتصنيعها محلياً، استخدام المتفجرات ذات القدرة العالية التي استطاعت في

يوم من الأيام أن تقسم الدبابة المركباه إحدى رموز القوة العسكرية الإسرائيلية هذه

أيضاً تقنية.

أنا أعتقد أنه في المرحلة القادمة وعلى المراقب أن يلحظ الوتيرة التي تحدث،

وربما يتم استحداث وسائل قتالية أخرى تساعد على حماية الشعب الفلسطيني.

البيان: الجيل الفلسطيني الجديد الذي تربى في ظل الانتفاضة ما مستقبله؟

وهل يمكن استثماره؟

- د. محمد الهندي: بدون شك فإن الجيل الفلسطيني الجديد الذي يترعرع

في ظل الانتفاضة ينسف كل المراهنات الصهيونية تماماً كما حدث في الانتفاضة

الأولى، هذه الروح التي يحملها الشباب والأطفال الذين يواجهون الدبابات بالحجارة،

والصدور العارية لا يمكن تطويعها كما يتم تطويع الأنظمة الرسمية.

بعد احتلال الضفة وغزة في نكبة ١٩٦٧م قال الاحتلال إن الجيل القديم

سيموت خلال سنوات، وأن الجيل الجديد الذي يولد في ظل الاحتلال سينسى

القضية، وبعد فترة فوجئ الجميع بأن الجيل الذي ولد في فترة الاحتلال يفجر

انتفاضة ١٩٦٧م.

واليوم انتفاضة الأقصى فجرت فيما فجرته طاقة شعبنا في فلسطين المحتلة

عام ١٩٤٨م الذي حاول الاحتلال مسخ إرادته على مدى أكثر من نصف قرن.

- د. هشام فرارجة: في حين من الزمن وخاصة أثناء ما كان يسمى

بالعملية السلمية كنا حقيقة متخوفين جداً من التشتت الثقافي. كانت هناك ثقافات

التطبيع والتطويع والتتبيع، وتعرض ذلك الجيل في تقديري إلى تمزيق حقيقي

لسيكيولوجيته ونفسيته، فلم يعد يستطيع أن يحدد مساره الثقافي والحضاري. كانت

ثقافة العولمة والأمركة وإلى آخره. حتى أثناء هذه الانتفاضة وفي تقديري من أهم

إنجازاتها هي إنقاذ جيل فلسطيني بأكمله رغم أنه لحقت بهذا الجيل الصاعد خسائر

فادحة جداً في الأرواح حيث العديدون من الشهداء هم أطفال وهم من زهرات

وخيرة شبابنا؛ فهم الذين دفعوا الثمن الأكبر وما يزالون في هذه الانتفاضة؛ إلا أن

هذه الانتفاضة شكلت عملية صقل ذهني ونفسي وعمقت الوعي الوطني، وهي قد

وضعت النقط على الحروف بخصوص وجود الاحتلال وممارساته، وأصبح كل

فلسطيني الآن يعي أنه مستهدف بغض النظر عن انتماءاته وبغض النظر عن

تطلعاته وبغض النظر عن موقع سكنه أو عن طبيعة مهنته.

هذه الانتفاضة في حقيقة الأمر أيقظت الروح في المجتمع الفلسطيني، ولا

أجد نفسي مبالغاً إذا ما قلت إنها أنقذت الروح في المجتمع العربي وفي المجتمع

الإنساني برمته.

- د. محمود الزهار: هناك بعض المتأسرلين أو المتصهينين يحاول أن

يصور الجيل الفلسطيني الحالي وكأنه يعيش حالة من التشوه الفكري والنفسي نتيجة

ما يعانيه. صحيح أن هناك حجم معاناة، ولكن لا يمكن أن تكون الأمراض النفسية

سبباً في ظاهرة الاستشهاد، ولا يمكن أن تكون سبباً في ظاهرة دفع الآباء والأمهات

لأبنائهم لأن يقوموا بهذه العمليات، ولا يمكن أن تكون وراء نجاح برامج المقاومة

والمواجهة التي يعجز الإنسان عن تقديرها حسب مواصفات المواجهات. يعني

معركة عمانوئيل الثانية والثالثة، والأولى كانت قبل سبعة أشهر وذهب فيها

١١ إسرائيلياً، ولم يصب فيها فلسطيني واحد، والعملية الثانية التي حدثت قتل

فيها ٨ يهود ولم يخدش فيها فلسطيني بأقل من ٤٢ ساعة. كانت العملية الثالثة كل

الجيش والطائرات والدبابات وجهات التلصص لم تستطع إلا أن تقتل شهيداً واحداً،

وقتل في مقابله ضابط كبير وجرح أربعة جراحهم خطيرة، وتكتم الكيان الإسرائيلي

أو الجيش على بقية الخسائر، ولم يعتقل أحد.

إذن بكل المقاييس سواء كانت المواجهات العسكرية أو عمليات تفجير

الأهداف الإسرائيلية كلها تحقق على مستوى المواجهة الفردية نجاحاً للمقاومة

الفلسطينية، ولا يمكن أن يكون هذا تشوه نفسي. أو مرض نفسي. هنا تخطيط

وترتيب ومواجهة وإقدام وبطولة. المريض دائماً يخاف أما الشهيد أو البطل لا

يخاف، ومن ثم فإن هذه الظاهرة تحظى باحترام كل من يرى أن الشعب الفلسطيني

مقهور ويجب أن يدافع عن نفسه؛ إنه استثمار الجيل.

البيان: لكن هل تستطيعون استيعاب الشباب المتعاطفين معكم؟

- د. محمود الزهار: حقيقة أن إقبال الشارع الشبابي على الحركة إقبال لا

تستطيع الحركة أن تلبي طلب كل إنسان، ليس فقط على مستوى لا أتحدث عن

المستوى العسكري ولكن أتحدث عن المستوى الدعوي. المساجد فجأة امتلأت بجيل

الشباب هؤلاء إذا أردنا أن نتبع الأساليب القديمة في تربيتهم وتنظيمهم فلن

يستوعبوا، ومن ثم فإن هناك ابتكارات في عملية استيعاب هؤلاء الناس،

وأصبحت الدروس المفتوحة واللقاءات العامة البديل عن اللقاءات الخاصة المغلقة

السرية. أصبحت هناك ساحة العمل الدعوي ساحة مفتوحة على مصراعيها،

والمساجد التي أممت بواسطة الأوقاف لا تستطيع أبداً أن تؤدي دورها العلماني، بل

على العكس تحولت إلى دور فاعل في تقوية الوعي السياسي والاقتصادي

والاجتماعي والتعبوي، وهي قضية تذكرنا بدور المسجد على مر التاريخ الإسلامي.

أنا أعتقد أن الحركة الإسلامية انتقلت من العدد والنسبة أي حركة تكون عد

١٠٠ - ٢٠٠ ثم تتحول إلى نسبة ١ أو ٢ أو ٣% لكن الحركة الآن تحولت إلى

تيار؛ بمعنى أن هناك نسباً كبيرة من المجتمع يمكن أن تصوت للحركة،

وسأضرب لك مثلاً: في أمريكا يوجد حزبان كبيران؛ ٢٨٠ مليون من له حق

الانتخاب يوزع صوته بين هذين الحزبين، وأعتقد الآن أن حماس تشكل حجماً

على مستوى الشارع، ليس حجماً على مستوى التنظيم بل على مستوى الشارع؛

بمعنى أن ٣٠ - ٤٠ %، ٥٠ - ٦٠% إذن دخلت إلى مرحلة تمثيل الشارع،

وهذا هو المكسب الذي تحقق للحركة في الفترة الأخيرة.

البيان: ما الهدف القريب والبعيد الذي تسعى الانتفاضة المباركة لتحقيقه؟

- د. محمود الزهار: نحن لا نقول إن الانتفاضة سوف تحرر فلسطين،

ولكنها ستبقي جذور المقاومة حية إلى أن يتم تحرير فلسطين. الهدف هو طرد

الاحتلال مرحلياً عن الأرض التي احتلت عام ١٩٦٧م. هذا هدف واضح ومعروف

لا يعني ذلك أننا سوف نتنازل عن حقنا عن كامل التراب الفلسطيني. نحن نعتبرها

مرحلة يمكن أن تؤسس فيها مشروعاً سياسياً يطور الموقف العسكري إلى الدرجة

التي تصبح فيها تمهد لمرحلة تحرير فلسطين عندما تتغير الجغرافيا السياسية من

حولنا.

* المحور الثاني: آثار الانتفاضة:

البيان: كيف أثرت الانتفاضة في تغيير مفاهيم ومنطلقات الصراع بين

اليهود؟

- د. محمود الزهار: الحقيقة أنه في بداية الثورة الفلسطينية العلمانية التي

هي فتح ومنظمة التحرير كانوا يؤمنون على الأقل في مستنداتهم وأدبياتهم بتحرير

كامل التراب الفلسطيني، ولكن لم يلبثوا إلا سنوات قليلة حتى بدأ الحديث عن

دولتين وعلمين واعتراف متبادل وتعايش. بقيت الحركة الإسلامية تؤكد على

مشروعها القاضي بكامل التراب الفلسطيني وإسلامية المعركة؛ بمعنى أن صاحب

القضية هو الإسلام، وتدهور الموقف العلماني الوطني من عروبة القضية

الفلسطينية؛ يعني من قومية القضية إلى إقليمية القضية، ثم تحولت إلى منظمة في

مواجهة إسرائيل، وكان القرار الخطير هو: (القرار الفلسطيني المستقل) الشعار

الذي أعطى فرصة للدول العربية أن تنفض يدها من هذا المشروع.

بعد إخفاق أوسلو عادت القضية لتأخذ بُعدها من جديد: ارتفعت من دائرة

منظمة التحرير في مواجهة إسرائيل إلى ضرورة أن يقف العرب مع الشعب

الفلسطيني، وبقي الموقف الإسلامي ثابتاً في موقف حماس بأنه لا بد من أن تبقى

العروبة بكاملها والإسلام بكل حدوده في مواجهة الاحتلال، ومن هنا نقول: إن

صار تطوير في أي حديث في الموقف الوطني ولكن ليقترب قليلاً قليلاً من الموقف

الإسلامي الذي تمثله حماس حول طبيعة الصراع في المنطقة.

د. محمد الهندي: إسرائيل تتعامل باستمرار مع مشكلة الشعب الفلسطيني

بأنها مسألة داخلية، وليس هناك حزب صهيوني واحد له برنامج سلام يسلم

بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، ويسلم بدولة فلسطينية كاملة السيادة على

حدود ١٩٦٧م بما في ذلك حزب ميرتس اليساري.

وهناك مسائل تشكل إجماعاً وطنياً صهيونياً من أقصى اليمين إلى أقصى

اليسار منها أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ومنها عدم القبول بعودة اللاجئين

إلى مدنهم وقراهم، وعدم وجود جيش قرب النهر (نهر الأردن) .

الانتفاضة مرة واحدة أعادت الصراع إلى جذوره الأولى، وتحدث الصهاينة

بكل وضوح وجدية عن حرب الاستقلال التي بدأت في عام ١٩٤٨م - ١٩٧٨م

وأنها لم تنته بعد.

- د. محمد الهندي: بدون أدنى شك فإن قضية فلسطين بهذه الأبعاد

التاريخية والعقدية والثقافية والسياسية والاستراتجية هي قضية العرب والمسلمين

المركزية، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، فإذا تم استباحة فلسطين فسيكون

ذلك لاستباحة بقية العواصم العربية والإسلامية والسيطرة عليها سياسياً واقتصادياً

وثقافياً واستخبارياً، وإذا صمدت فلسطين فهذا يحصن بقية الأقطار في الشرق

الإسلامي أمام الغزو الصهيوني متعدد الوجوه، ولذلك نحن في فلسطين في حاجة

كبيرة للتفاعل العربي والإسلامي مع مقاومتنا وجهادنا، كما أن العرب والمسلمين

في حاجة كبيرة لاستمرار وتصاعد مقاومتنا في فلسطين، وإذا كانت أوسلو قد

ضربت هذه الحلقة الهامة وسمعنا حينها شعارات من قبيل: «نقبل بما يقبل به

الفلسطينيون» ومن قبيل: «لسنا ملكيين أكثر من الملك» التي رفعها كل من

أراد أن يتحرر، ويتحلل من عبء فلسطين؛ فإن الانتفاضة المباركة أعادت لنا هذه

الحلقة المفقودة وهذا البعد الضروري للصراع، وهذه غدت أكثر وضوحاً وأكثر

ضرورة مع مرور الوقت، ونؤكد هنا ضرورة أن تتكاثف جهود القوى الشعبية

الإسلامية والعربية في الأقطار العربية لتؤكد على أهمية هذا البعد، وبطريقة

منسجمة مع تصاعد المؤامرة على الانتفاضة المباركة.

البيان: لكن في المقابل ما آثار الانتفاضة على العدو اليهودي: الحالة

النفسية، الحالة العسكرية، الحالة السياسية، الحالة الاقتصادية ... ونحوها؟

- د. هشام فرارجة: حقيقة لم يشعر الإسرائيليون بجدية الرادع وتأثيراته

في هذا الشكل إلا عندما اندلعت انتفاضة الأقصى، وكانت الحالة من قبل بأن

الإسرائيليين يقومون بحملاتهم العقابية على الشعب الفلسطيني، ويلحقون به كامل

الأضرار وأفدحها دون أن يشعروا هم بأي تأثير نسبي بوجود الصراع، ولكن

عندما اندلعت انتفاضة الأقصى ونتيجة للإدراك الفلسطيني بأنه ما حك جلدك مثل

ظفرك، فإن الإسرائيليين أصبحوا يعانون الأمرين، وأصبح ذلك الأمل المزعوم

والمولود لهم بشخصية شارون بأنه سوف يجلب لهم السلام والاستقرار والأمن ما

هو إلا أكذوبة ووهم حقيقي لم يعد الإسرائيليون أنفسهم يستوعبونه.

الشارع الإسرائيلي صحيح لا يشعر بنفس الضرر الذي يشعر به الشعب

الفلسطيني المحاصر المجوع الممنوع من التجوال المشلولة حياته اقتصادياً وتعليمياً

وزراعياً واجتماعياً وبالتاكيد نفسياً، ولكن الشارع الإسرائيلي ولمرة جديدة أصبح

يعرف تماماً أن الاحتلال يلحق به بالغ الضرر.

الحياة الاقتصادية عندهم أصبحت في حالة يرثى لها من الناحية الفندقية،

ومن الناحية السياحية، ومن ناحية المطاعم التي كانت تزخر بالرواد من قبل، الآن

أصبحت الحياة شبه معدومة عندهم في هذا الصدد. من ناحية أخرى لم يعد

الإسرائيلي يستطيع أن يتمتع برخائه على حساب الفلسطيني كما كان يفعل من قبل.

أصبح يتردد أكثر من أي وقت مضى في أن يرتاد مطعماً أو مرقصاً أو أن يذهب

حتى إلى فندق هنا وهناك. هذا من الناحية الاقتصادية.

ومن الناحية السكيولوجية يكاد لا يوجد إسرائيلي الآن لا يعرف حقيقة الصراع

وبأن هناك شعباً فلسطينياً يقاوم لأنه مظلوم. هذه الحالة لم تكن حقيقة موجودة من

قبل؛ حيث كان الإسرائيلي يعيش حياته برخاء دون أن يابه بالحالة التي عليها

الشعب الفلسطيني.

من ناحية ثالثة من الناحية العسكرية اعتاد الإسرائيليون أن يتبختروا في

المناطق الفلسطينية قبل الانتفاضة دون أن يكون هناك رادع لوجودهم ولاحتلالهم.

كانوا يفكرون أن الشعب الفلسطيني سوف لا يحرك ساكناً، وليس بمقدوره لانعدام

ميزان القوى أن يفعل شيئاً. سوف يكتفي الشعب الفلسطيني وكانوا يحسبون خطأ

سوف يكتفي بإلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين المتمترسين خلف أسلحتهم

الثقيلة، والذين كانوا يقنصون ويتصيدون الفلسطينيين دون هوادة، هذه الصورة

تغيرت كثيراً.

نسبة الخسائر ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين الأن هي (١: ٣) هذه نسبة

غير معهودة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأستطيع أن أقول بأنها

غير معهودة في تاريخ الصراعات ما بين شعب مستعمر وقوة مستعمرة. إذن

استطاعت الانتفاضة أن تحقق إنجازات حتى وإن لم تكتمل حتى الآن.

أريد أن أنتقل إلى تأثير آخر على الشارع الإسرائيلي: قبل الانتفاضة كان

المهاجرون اليهود يأتون إلى فلسطين من كل صوب وحدب: من روسيا ومن

أثيوبيا ومن غيرها من بلدان العالم، معتقدين أن هذه هي حضيرتهم، وأن هذه هي

واحة الديمقراطية التي تنتظرهم، وبأنها أرض الميعاد التي يجب أن تطأ أقدامهم

عليها؛ لكن بعد انتفاضة الأقصى بدأنا نشاهد بأن هناك هجرة معاكسة عند

الإسرائيليين إلى خارج فلسطين المحتلة. الانتفاضة بعثت فيهم قلقاً وذعراً وخوفاً

غير مسبوق على الإطلاق.

وتأثير آخر على صعيد المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة: كان

المستوطنون هم الذين يمسكون بقبضة القرار السياسي الإسرائيلي، ولكن سرعان

ما أتت الانتفاضة لكي تغير من هذه التفاعلات، ولكي يفكر المستوطنون جدياً

وعملياً بالرحيل عن مستوطناتهم التي بنيت عنوة وبشكل مغتصب للأرض

الفلسطينية.

إذن هذه الانتفاضة ما زالت في أوجها. الهجمة الإسرائيلية والعدوان

الإسرائيلي ما زال أيضاً في أوجه، ولكن مهما كلف الأمر من ثمن كما هو واضح

فإن المنتفضين الفلسطينيين عازمون العزم على الاستمرار في هذه الانتفاضة حتى

تحقيق الهدف الأسمى وهو طرد الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

- د. محمود الزهار: الحقيقة أن هناك دراسات كثيرة تتحدث عن هذا

الموضوع، يعني الأثر النفسي. كل الصحف العبرية الآن تتحدث عن حالة الخوف

الفردي المتمثل في المظاهر الآتية: فراغ كل المحلات الكبرى المعروفة بالسوبر

ماركت، إفلاس عدد كبير من المطاعم والملاهي والمراقص، إفلاس الحافلات

الكبرى من الركاب وخسائر كبيرة في شركة إيغد بالذات، غياب أي تجمع في أي

من الأماكن العامة التي كانت تمتلئ نشاطاً، المؤسسات وشركات المشتريات التي

تقوم بنقل المشتريات إلى البيوت، الهجرة المعاكسة من داخل فلسطين المحتلة إلى

خارجها لعدد كبير من المرتزقة، وانخفاض حجم الاستجلاب من المهاجرين من

الخارج إلى الداخل.

هناك حديث كبير يحتاج إلى بحث أكثر من مصدر عن حجم الأدوية

المستخدمة في العلاج النفسي كالمهدئات والمنومات واللجوء إلى أطباء نفسيين؛

وهذه طبعاً ليست سراً. نحن نتابعها من مصادرها الإسرائيلية الوضع العسكري

شهد تراجعاً كثيراً.

عندما ندرك أن هناك ٤٩ قتيلاً ومئات الجرحى بعد عملية السور الواقي،

والآن حوالي ٦٥ قتيلاً بعد عملية عمونئيل وفي يوم (٥/٦ و ٦/٦ و ٨/٦ و ١١/٦

و١٥/٦ و ١٨/٦ و ١٩/٦) كلها يعني في شهر واحد تقول إن هناك هزائم على

المستوى العسكري.. إخفاق في أن تطوق ظاهرة الاستشهاد وأن تواجه كما حدث

في عملية عموئيل، وفي عملية وادي الرامة في رام الله.

هناك إدراك حقيقي أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع أن يستخلص عبرة من

أي حادث من المواجهة إلى الدرجة أنه في عملية عمونئيل ثلاث عمليات تمت في

نفس المكان والأسلوب بين العملية الثانية والثالثة أقل من ٢٤ ساعة، وكلها تشكل

هزيمة في الحقيقة. معنى ذلك أن الجندي الإسرائيلي الذي كان لا يقهر الآن يقهر

في معسكره وفي طريقه إلى المعسكر.

- د. محمد الهندي: عند الحديث عن آثار الانتفاضة مع الكيان العبري في

فلسطين فلم تعد هذه الآثار خافية على أحد.

على المستوى النفسي يتحدث الصهاينة أنفسهم عن زيادة كبيرة في أعداد

المترددين على العيادات النفسية، وعن الحالات العصبية وعن مبيعات هائلة

للعقاقير المهدئة.

باختصار فإن المجتمع الصهيوني يتكون أساساً من يهود قادمين من أوروبا

بعقلية رأسمالية شكلوا مجتمعاً يحبون المال ويبحثون عن الملذة، ولذلك هم لا

يستطيعون تحمل العمليات الاستشهادية التي تضرب فصائل هذا المجتمع بعنف،

وتترك آثارها إما أن تدفعه للمصحات النفسية أو للهروب للخارج كما حدث مع

حوالي مليون صهيوني لهم محل إقامة خارج إسرائيل، وكما عبرت حفيدة بيجن

التي غادرت تل أبيب إلى حي (بروكلين) في واشنطن والتي قالت: أعلم أن

جدي يتقلب في قبره مما فعلت، لكن ماذا أفعل؛ فليس في إسرائيل أمان.

أما شعب فلسطين فعلى العكس تماماً؛ فهو شعب تعود على التضحية والفداء

وتقديم القرابين، وتعايش مع المصائب حتى أصبحت جزءاً من وجودنا.

على المستوى العسكري: الجيش الصهيوني تم إعداده كجيش نظامي قوي

مدجج بأحدث أنواع السلاح والتكنولوجيا المتطورة ليواجهه ويهزم الجيوش العربية.

اليوم هو يواجه أطفالاً يحملون حجارة ومقاليع، ويختفون خلف حاويات الشوارع،

وهذا يخلق أزمة حقيقية في الجيش الصهيوني. هذا من ناحية، ومن ناحية

أخرى فإن العمليات الاستشهادية تكسر معادلات القوة والتكنولوجيا والتسلح؛ فمثلاً

لو قتل طيار في عملية استشهادية فهذا يوازي إسقاط طائرة حربية حديثة، وهكذا

يكون القياس صحيحاً في الحالات الأخرى.

هناك إحباط سياسي كبير عند الذين راهنوا على اتفاق أوسلو سواء في

الجانب الفلسطيني أو الصهيوني؛ فبعد أن أمل عرابو أوسلو من الصهاينة على

إنهاء الكيانية الفلسطينية وإقامة كيان فلسطيني ملحق بإسرائيل له وظيفة واحدة هي

قمع المقاومة الفلسطينية مع الاحتفاظ بالمستوطنات والقدس والسيادة جاءت

الانتفاضة لتضع أوسلو وأصحابها في مأزق حقيقي يعري كل الأوهام التي تم

تسويقها أمام مسائل الحل النهائي التي تم تأجيلها، والتي لا حل لها، ووجدنا

أصحاب أوسلو الصهاينة وعلى رأسهم بيرس عرابها وصاحب جائزة نوبل للسلام

يتحول بقدرة قادر إلى عراب لحكومة شارون وجرائمها.

اقتصادياً نشير فقط إلى خسائر صهيونية بمليارات الدولارات، وإلى شلل في

قطاعات البناء والزراعة التي كانت تعتمد أساساً على الأيدي العاملة العربية وإلى

ضرب قطاع السياحة نظراً لغياب الأمن؛ كما تشير إلى شلل المستوطنات الزراعية

(الكيبوتسات) والمستوطنات الصناعية، وإقفال أو نقل المصانع منها سبب توقف

حوالي ١٥٠ ألف عامل عزل عن العمل.

ليس هناك حل نهائي للقضية الفلسطينية والصراع في فلسطين وعلى فلسطين

سيستمر، وليس هناك مقدرة لأي طرف على حسم الصراع، وإنما مراكمة نقاط

سواء كانت نقاط ضعف أو نقاط قوة، والانتفاضة راكمت للشعب الفلسطيني نقاط

قوة عديدة كان قد فقدها أثناء فترة المفاوضات، وأنه لا أمن لأحد في المنطقة بدون

نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه؛ كما أثبتت أن القوة العسكرية مهما بلغت في

جبروتها لن تستطيع حسم المعركة وإلحاق الهزيمة بشعب فلسطين.

أما ما تسمى بعملية التسوية فقد وصل إلى نهايته، وصل إلى الإخفاق؛ لأنه

ما من حل للمسائل التي تم تأجيلها عن عمد والتي تمثل جوهر الصراع، وليس

هناك أي إمكانية لردم الهوة بين الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به أي فلسطيني

وبين الحد الأقصى الذي يمكن أن يوافق عليه أي حزب صهيوني في قضايا القدس

واللاجئين والمستوطنات. إسرائيلياً يهدفون أساساً إلى تفتيت التجمع السكاني

الفلسطيني الكبير في الضفة الغربية (٢ مليون) وعزلهم في كانتونات منفصلة بها

كتل استيطانية وشوارع التفافية ليستمر التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها قضية

داخلية إسرائيلية. وفلسطينياً ليس هناك من يعلن قبوله بأقل من دولة فلسطين على

الأرض المحتلة عام ١٩٦٧م. وأي عودة للمفاوضات من جديد تعني تأجيل هذه

القضايا لسنوات طويلة.

- د. محمود الزهار: في المجتمع الإسرائيلي أنا لا أؤمن أن هناك يميناً

إسرائيلياً ويساراً إسرائيلياً؛ برامج معروفة؛ ولكن هناك حالة تحكم كل انتخابات،

حالة خوف معينة تحكم نتائج الانتخابات؛ والدليل على ذلك: هذه المرة ينجح

حزب العمل، والمرة التي بعدها ينجح حزب الليكود، وبعده يأتي حزب العمل،

وبعده حزب الليكود. إذن من يعد بالأمن يكسب؛ خصوصاً أن كل واحد لا يأتي

بالأمن ينهزم؛ فالذي بعده يعد بمزيد من الأمن فيعطونه أصواتهم حتى يثبت إخفاقه

؛ وهكذا حتى الآن لم يستطع أحد أن يوفر لهم الأمن. معنى ذلك أن الحالة النفسية

هي التي تحكم القرار الإسرائيلي الشعبي في مستوى الانتخابات وما يسمى

بالأيديولوجيين سواء كان من هذا التيار أو ذاك؛ هم قلة في المجتمع الإسرائيلي.

الذي يضبط السلوك الإسرائيلي هو المصلحة، وأهم هذه المصالح هو الأمن.

والأمن حتى الآن لا يستطيع أحد أن يوفره، وأنا على يقين أنه إذا استمرت

الانتفاضة وضربت الأمن، واستمر ضرب الأمن الإسرائيلي الآن فسيخسر شارون،

ولا أقول إن خسارة شارون ستأتي بالسلام لأن البعض يراهن على أن شارون هو

عقبة السلام. أنا أقول إن خسارة شارون سوف تأتي بزعيم جديد يعدهم بالأمن

فيخفق إلى أن يأتي وعد الله تبارك وتعالى ويتم التعامل مع هذه القضية تعاملاً

مختلفاً عن مشاريع الاستسلام.

البيان: مشاريع التسوية مع اليهود لم تتوقف، لكن هل أثرت عليها

الانتفاضة؟ وهل أكَّدت ضرورة المقاومة والثبات عليها؟ أم أنها رجَّحت ضرورة

السير في طريق التفاوض والتسوية السياسية؟

- د. هشام فرارجة: لمدة سبع سنوات عجاف منذ توقيع اتفاقيات أوسلو

والشارع الفلسطيني كان في حالة انتظار وفي حالة ترقب وأمل لكي تفضي ما دامت

تجري من مباحثات ولقاءات واجتماعات ومفاوضات عن نتائج يمكن للشعب

الفلسطيني أن يقبلها وأن يتعايش معها.

في حقيقة الأمر لم تفض هذه المفاوضات إلا إلى تكريس للاحتلال على

الأرض مع الأسف الشديد، ولذلك وبخاصة بعد أن تمكنت المقاومة اللبنانية في عام

٢٠٠٠م من تثبيت نصرها على المحتلين الإسرائيليين في جنوب لبنان أصبح

واضحاً تمام الوضوح أن خيار المقاومة بالرغم من انعدام التوازن في الإمكانات هو

خيار ممكن وجائز، بل هو هو الخيار الذي يجب أن يكون.

باندلاع انتفاضة الأقصى ووضوح الرؤيا أمام المنتفضين الفلسطينيين باتت الصورة

أوضح من أي وقت مضى بأن خيار المقاومة هو الخيار الأمثل للتعامل مع هؤلاء

المحتلين؛ لأنه واضح تماماً أنهم لا يفهمون ولا يتفهمون إلا لغة القوة ولغة الخسائر

بالتأكيد. هذا لا ينفي بالضرورة التحرك الدبلوماسي، ولكن على أسس ومعطيات

ودون أن يكون على حساب الخيار المقاوم، ونحن في انتفاضة الأقصى وجدنا

صوراً ساطعة لمؤثرات الخيار المقاوم، والنهج المقاوم في الساحة الفلسطينية تجلى

ذلك بأوضح ما تجلى في مخيم جنين، مخيم جنين بالتاكيد ارتكبت بحقه مجزرة

نكراء حيث هدم الحجر وقتل البشر هناك دون هوادة، ولكن في ذات الوقت

استطاع مخيم جنين لمدة تسعة أيام على الأقل، أن يصمد في وجه أعتى وأقوى قوة

عسكرية في الشرق الأوسط، استطاع ما استطاع أن يفعله هذا المخيم وأكبر مما

استطاعت أن تفعله جيوش نظامية بكاملها، وليس هذا فحسب وإنما مخيم جنين

استطاع أن يسطر أسطورة بقيادة (أبو جندل) في الصمود والتصدي بشكل غير

مسبوق، وأن يلحق في صفوف الإسرائيليين خسائر لم يعهدوها من قبل. ثلاثة:

قائد كتائب - قادة كتيبة من قبل الإسرائيليين تنحوا جانباً في قيادة المعركة ضد

مخيم جنين حتى أتى مسؤول الأركان (شاؤول موفاز) وقاد المعركة بنفسه نظراً

لحجم الخسائر التي وقعت بالإسرائيليين. نحن لا نقول خداعاً للنفس ولا نقول ذلك

إيقاعاً بأنفسنا في الأوهام، بالتأكيد كانت هناك خسائر فلسطينية في كل شيء، وهو

أمر متوقع؛ لأنه من طبيعة الأحوال أن تلحق بالشعب المحتل المستعمَر خسائر

كبيرة؛ هذه هي طبيعة الاحتلال، ولكن ما كان مغايراً والذي دلل عليه النهج

المقاوم هو أنه بالإمكان بالفعل إذا ما توفر القرار والإرادة إلحاق أفدح الخسائر في

صفوف المحتلين رغم ضآلة الإمكانات وتواضعها؛ لذلك الآن النهج المقاوم في

الساحة الفلسطينية هو النهج المقبول، وهو النهج المقنع، وهو النهج الذي يحرك

الصراع بدلاً من السبع سنوات العجاف التي شاهدناها قبل اندلاع انتفاضة الأقصى.

- د. محمود الزهار: الانتفاضة أظهرت أن الموقف الذي قال إن الكيان

الإسرائيلي لا يفكر في الانسحاب ثبت صحته، والتحذير الذي كنا نطلقه في عام

١٩٩٤م أننا نخشى، وهناك فرق بين نخشى ونتمنى. إننا نخشى أن يكون مشروع

غزة أريحا أولاً غزة أريحا آخراً الآن تتضح معالمه هذا المشروع إن ثبت هزيمته،

وأهم مشروع تسوية طرح هو مشروع أوسلو، وأنا أعتقد أن أوسلو انتهى لعدة

أسباب عملياً: انتهى؛ لأن الكيان الإسرائيلي لا يريده قانونياً. انتهى؛ لأن مدته

الزمنية انتهت والمشروع انتهى من ضمير الشارع الفلسطيني الذي كان يظن أن

أوسلو يمكن أن تصبح سنغافورة جديدة، وعلى أرض الواقع هناك احتلال. الواقع

أن الاحتلال يلغي أوسلو؛ لأن أوسلو هي حكم ذاتي. لا يمكن أن نقول إن هناك

حكماً ذاتياً، ومشروع التسوية المطروح هو انتهى، ما هي التسويات الأخرى التي

سوف تأتي؟ لا أحد يعلمها، والمفاوضات استمرت في الانتفاضة ولكن لا أستطيع

أن أقول إن الانتفاضة كرست نهج المقاومة إلى الأبد. لا تزال بعض عيون الناس

تتلمس طريقها إلى المفاوضات، وعندما يجدون مفاوضاً فسوف يفاوضون، لكن أنا

أقول إن الشارع الفلسطيني الآن أصبح يؤمن بنهج المقاومة وهو نهج أصيل في

الحفاظ على الإنجازات، وهو موقف مقدم جداً عن الموقف في السنوات الماضية

التي كان يرى في العمليات الاستشهادية تعطيلاً للمشروع الوطني. اليوم أصبحت

المقاومة هي إنجازاً على مستوى المشروع الوطني وهو تطور في الموقف

الفلسطيني في مجمله.

البيان: كيف تقوِّمون التعاطف الإسلامي معكم في ظل الانتفاضة الأخيرة؟

- د. محمود الزهار: العالم العربي المغلوب على أمره استطاع أن يكسر

كثيراً من الحواجز. يعني: العالم العربي استطاع أن يصل إلى درجة أن يخرج

فيها إلى الشارع. خرج إلى الشارع، وعندما خرج إلى الشارع تظاهر، وهو كان

غير مسموح له. خرج إلى الشارع وأطلقت عليه الكلاب والغازات المسيلة للدموع،

ولكن استطاع الشارع العربي في المحصلة أن يصل إلى مرحلة أن يفرض إرادته،

وهناك مناطق خرجت فيها المسيرات، ولم تكن تشهد مسيرات قبل ذلك، وهناك

مناطق غير مسوح لها الخروج خرجت خارج إطار معين فخرجت عن هذا الإطار

خرجت من الجامعات، وأيضاً هناك تخوف من خروج هذه المسيرات أن تؤثر

سلباً على وحدة النسيج والعلاقة بين هذا الشعب وسلطاته، فخرجت هذه المسيرات

ووجهت وجهتها في اتجاه فلسطين، ولم تفعل شيئاً على المستوى الداخلي. إذن

حتى على مستوى الانتفاضة الشعبية استطاعت أن تحسم الكثير من المخاوف حول

العلاقة بين المتظاهر العربي والإسلامي وبين السلطة القامعة التي تقمع هذا

المتظاهر، وأعطت فرصة للحكومات أن قضية فلسطين مقدمة حتى على الصراع

الداخلي. هذه أيضاً إيجابية تضاف إلى رصيد الانتفاضة.

في المحصلة أنا أعتقد أن ما حدث هو قضية تراكمية سوف يتم تطويرها

لتغيير الجغرافيا السياسية في العديد من المناطق العربية الفاعلة والإسلامية، ولربما

تكون واحدة من أهم العوامل التي ستفرزها المواجهة المرتقبة بين الغرب وبين

العرب.

- د. هشام فرارجة: في حقيقة الأمر ربما هناك مساران للتعامل مع

موضوع من هذا الأمر. على الصعيد الرسمي والجماهيري بالفعل تابعنا وبعين

ثاقبة هنا في فلسطين موقف الشعوب العربية والإسلامية إزاء ما كان يحدث في

فلسطين من ارتكاب للمجازر بحق الأطفال والنساء، قصف الأطفال النائمين

المستغرقين في نومهم كما حدث في حي الدرج في غزة قبل عدة أيام فقط، تابعنا

وشاهدنا حجم الغضب والسخط عند هذه الجماهير التي خرجت في تظاهرات عارمة

في كل بلد عربي تقريباً وفي الكثير من البلدان الإسلامية وتابعنا أيضاً وشاهدنا كيف

كانت تنادي هذه الجماهير وهذه الشعوب بضرورة أن يفتح هذا الباب باب الجهاد

هذا من ناحية، ولكن على الصعيد الرسمي يتساءل كل فلسطيني: لماذا هذا

الاستمرار في مثل هذا الصمت المطبق من الناحية الرسمية؟ أليس الفلسطينيون

عرباً؟ أليس الفلسطينيون يدافعون عن حرمة المسجد الأقصى وعن حرمة القدس

وقدسيتها نيابة عن كل عربي ومسلم؟ لماذا يبقى الفلسطينيون مستفرداً بهم أمام

أعتى قوة آلية ووحشية في المنطقة وهي الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ بالتاكيد في

الشارع الفلسطيني هناك غضب وعطش لموقف عربي ورسمي وإسلامي أكثر

جدوى وتاثيراً مما شاهدناه حتى الآن. نحن نعرف طبيعة القيود والظروف، ولكن

لا توجد ظروف أكثر وأعقد من الضغوط التي يعيشها الشعب الفلسطيني؛ ولذا لا

يستطيع أن يقبل الشعب الفلسطيني بمسوغات الظروف التي قد تطرح هنا وهناك.

هناك حاجة ماسة لتضامن كل الجهود رسمياً وشعبياً من أجل التخلص من هذا

الاحتلال؛ لأنه لا يشكل خطراً على الفلسطينيين فقط؛ وإنما يشكل خطراً حقيقياً

على المنطقة برمتها وعلى كل العرب والمسلمين وأن لا تظهر آثار هذا المظهر

الآن.

* المحور الثالث: العوائق:

البيان: كيف تنظرون لمستقبل الانتفاضة عقب أحداث ١١ سبتمبر؟ وكيف

يؤثر الدور الأمريكي في الانتفاضة؟

- د. محمد الهندي: بعد ١١ سبتمبر أعلنت أمريكا حرباً دولية بقيادتها على

الإرهاب بالمفهوم الأمريكي، وشارون حاول بما لإسرائيل من نفوذ داخل الإدارة

والكونجرس والإعلام الأمريكي حاول أن يطابق الأجندة الأمريكية في هذه الحرب مع

الأجندة الإسرائيلية وأن يطابق بين حركات الفلسطينيين وبين القاعدة، وبين السلطة

الفلسطينية وبين الطالبان لينسف حتى مشروع أوسلو. ولكن غاب عن الجميع

وخاصة عن الأنظمة العربية المرعوبة والمستلبة أن فلسطين ليست أفغانستان، وأن

المقاومة الفلسطينية ليست طالبان، لذلك الانتفاضة مستمرة والمقاومة متصاعدة رغم

كل المحاولات الأمريكية لإجهاضها، وكل زيارات تينت وتشيني وغيرهما للمنطقة،

بل إن استمرار الانتفاضة بالفعل أعاق مخططات أمريكا في المنطقة.

- د. هشام فرارجة: الدور الأمريكي ومنذ بداية الصراع هو دائماً موقف

داعم بشكل استراتيجي للإسرائيليين بغض النظر عن ممارساتهم وسياساتهم

ومواقفهم، والموقف الأمريكي حقيقة يعتبر الحاضنة للسياسات الخارجية على

اختلاف وحشياتها وبربرياتها، ولذلك من الناحية الأولى نجد أن الولايات المتحدة

هي تقوم بالاستمرار بإيصال الدعم العسكري والاقتصادي للإسرائيليين لكي يشنوا

حربهم الوحشية ضد الفلسطينيين غير آبهين بمختلف الخروقات والانتهاكات

لمختلف القوانين والشرائع في العالم.

من ناحية ثانية نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في ظل إدارة بوش

الصغير تقود حرباً سياسية ونفسية وإعلامية على الشعب الفلسطيني، بوش يطرح

بأن شارون مرتكب مجازر صبرا وشاتيلا ومن قبلها قبيا ومن بعدها حي الدرج

بغزة هو رجل سلام، هذا بالتاكيد مناف للمنطق وللواقع ولما هو مقبول.

من ناحية أخرى إدارة بوش تريد أن تصبغ الحياة الفلسطينية بالشكل التي

تريد. تريد أن تفرض على الشعب الفلسطيني قيادته وأسلوب حياته وهو أمر آخر

غير مقبول.

ومن ناحية ثالثة نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل ممنهج ومبرمج

تقود حرباً قانونية على الشعب الفلسطيني خاصة من قِبَل أروقة الأمم المتحدة

وبالتحديد مجلس الأمن، فلا يكاد يقدم قرار في مجلس الأمن فقط لكي يستنكر

الممارسات الإسرائيلية حتى تقف الولايات المتحدة الأمريكية بالمرصاد وتتخذ حق

النقض (الفيتو) وفقاً لصلاحياتها وإمكانياتها في مجلس الأمن.

إذن الموقف الأمريكي في تقديري موقف مفروغ منه سواء كان فلسطينياً او

عربياً خلف الموقف الأمريكي ما هو إلا اللهاث خلف السراب ولا يمكن أن يجدي،

هذا لا يعني أنه يجب أن لا نتفاعل دبلوماسياً مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن

يجب أن تكون طبيعة التفاعل مغايرة لما يجري عليه الحال الآن. علينا أن نقول

للولايات المتحدة الأمريكية كفي عنا؛ لا نستطيع أن نلتقي بكم حتى تعرفوا تماماً أنه

من مصلحتكم إزاحة هذا الاحتلال وعندها تستطيعون أن تطرقوا أبوابنا، ما دون

ذلك لا جدوى من لقائكم، لا جدوى من الاجتماع بكم، أنتم لستم راعياً لعملية السلام

وإنما أنتم رعاة حرب تمثل إرهاب دولة منظماً وممنهجاً ضد الشعب الفلسطيني.

- د. محمود الزهار: يجب ألا نخجل نحن من أحداث ١١ سبتمبر، أحداث

سبتمبر كانت إفرازات السياسة الأمريكية، وكانت كشفاً لعورة الأمن الأمريكي

وهشاشة المجتمع والنظام الأمريكي، وهذه القوة الغاشمة يمكن أن تقهر وأن تهدد؛

فنحن كفلسطينيين لم يكن لنا في هذا الموضوع لا ناقة ولا جمل؛ لأنها تستثير

المظلومين لأن يستخدموا وسائل مبتكرة في ضرب الظالمين لاستطعنا أن نقنع العالم

بأن الدولة الظالمة الإسرائيلية تستحق العقاب لما فعلته من مظالم ضد الشعب

الفلسطيني، وأن ما يحققه الشعب الفلسطيني ضد الإجرام الإسرائيلي هو أمر

مشروع، ولكن نجح الكيان الإسرائيلي، ونجحت أمريكا في أن توظف هذا

الموضع الأفغاني وأن تسحب لضغط الإرهاب الذي هي تمارسه هي وحلفاؤها مثل

بريطانيا على الإسلام، وأنا أعتقد أن أخطر ما في أحداث سبتمبر أنها كشفت

الموقف الحقيقي المغطى بنظرة الغرب تجاه الإسلام والذي وجد له كتابات عن

صراع الحضارات مسبقاً، والذي كشف عنه بوش بصراحة وبغباء عندما تحدث

عن الحرب الصليبية، ومن هنا نستطيع أن نقول إن نواتج سبتمبر بقدر ما فيها من

إيلام بقدر ما فيها من إيجابيات استطاعت أن تكشف الوجه الحقيقي للصراع،

ولربما تكون الحركة الفاصلة في مسار التاريخ المعاصر هو الاعتداءات المتوقعة

من أمريكا على شعوب بريئة ربما تكون العراق مرشحة لها، ولا أعتقد أن أمريكا

سوف تحقق لها أي إنجاز يذكر إن لم تحقق هزيمة منكرة لها في المنطقة عندما

تصبح في مواجهة المظلوم الذي ليس أمامه إلا أن يدافع عن نفسه كالمثل الفلسطيني

تماماً. القوة الظاهرة في مواجهة المظلوم الذي يجب أن يدافع عن نفسه، فابتكر

الوسائل التي حقق بها إنجازات ربما يستطيع المثل العراقي أن يقدم هذا الإنجاز

عندما يجد أن الشارع العربي والإسلامي من حوله لا يقبل هذا الإجرام وحالة

السكوت التي يتواطأ عليها الساكت والمعتدي؛ عندها سوف يحدث ما لم تتوقعه لا

أمريكا ولا غيرها.

والحقيقة أن المتتبع لوتيرة الانتفاضة والعمليات الاستشهادية في الفترة الأخيرة

يقول إنها ازدادت بصورة غير متوقعة عما كانت عليه من عام ١٩٩٤م وحتى عام

٢٠٠٠م؛ بمعنى أنه كلما ازداد الإجرام الإسرائيلي مدعوماً من أمريكا كلها كان رد

الفعل القوي في الدفاع عن النفس أقوى؛ ولذلك وإن لم تشأ أمريكا فهي استطاعت

أن تسعر برنامج المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي بزيادة حجم الإجرام على المحتل

ضد الشعب الفلسطيني.

البيان: الأنظمة الغربية والعربية تضغط بشدة على السلطة الفلسطينية لوقف

الانتفاضة والسلطة الفلسطينية تضغط بشدة على المقاومة الفلسطينية ...

فما الموقف المتوقع إزاء هذه الضغوط، وخاصة أنَّ اليهود والدول الغربية تطالب

السلطة باعتقال القيادات الإسلامية الفاعلة؟

- د. هشام فرارجة: أصبح جلياً أكثر من أي وقت مضى أن زخم هذه

الانتفاضة وعنفوانها هو أقوى من كل الضغوط سواء كانت محلية أو إقليمية أو

دولية كان هناك ومنذ الأسبوع الأول للانتفاضة رغبات جامحة ومتشابكة على

مختلف الصعد، وربما من مختلف الاتجاهات من أجل إضعاف هذه الانتفاضة

وتقويضها، وأيضاً من أجل التلويح في التخوفات نتيجة لاستمرار هذه الانتفاضة،

ولكن الحقيقة الساطعة في الشارع الفلسطيني كانت أقوى من كل الضغوط ومن كل

المحاولات في بادئ الانتفاضة والمخاوف والتخوفات التي كانت تبرز من حين

لآخر وعندما يجري لقاء سياسي هنا وهناك. أعتقد الآن بأنها قد تلاشت وبأن حالة

الانتفاضة، كظاهرة متكاملة أصبحت لا رجعة فيها حتى تحقيق أهدافها بطرد

وكنس الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعد تحقيق الاستقلال. الضغوط

ما زالت مستمرة على مختلف الصعد، وأعتقد أنه سوف يبقى مستمراً؛ فكلما

تصاعدت المقاومة فسوف يكون هناك تصاعد للضغوط، ولكن في تقديري أياً كان

الحال فإن الإرادة الميدانية الفلسطينية أثبتت جدارتها وجدواها بشكل لم يعد إزاءه

ممكناً بأي حال من الأحوال إيقاف هذه الانتفاضة وإحباطها إلا عندما تحقق أهدافها.

- د. محمود الزهار: هنا أتحدث عن مشاعر. أما موقفنا كحركة ورسمياً

فلا أريد أن أعلن عنه، ولكن أتحدث عن مشاعر، وهذه المشاعر مهمة بالنسبة لنا.

نحن نتحرك في وسط وبيئة نحترمها، ونستغل هذا الظرف استغلالاً طيباً

لمصلحة القضية الفلسطينية. لا أحد في الشارع الفلسطيني يقبل أن نعود لسياسة

اعتقال حماس لأنها تقاوم، أو نزع سلاحها لأنها تقاوم أو يطلق الرصاص عليها

لأنها تقاوم، أو توقف مؤسساتها الأجتماعية لأنها توزع بالعدل والإنصاف، ومن ثم

لن يقبل أحد من الشعب الفلسطيني أن يهدم مصدر من مصادر قوته. هذه واضحة

وهذه عبرة استخلصها كل الأطراف صافية واحدة في الشعب الفلسطيني، ولا يمكن

إعادة العجلة إلى الوراء، لا المقاومة تسمح ولا السلطة تريد أو تقدر، وعام ١٩٩٤م

سوقت السلطة اتفاق أوسلو على أنه دولة وسيادة وقدس وسنغافورة الشرق وأن

المقاومة تقضي على الوليد الفلسطيني، وفي ظل هذا التزييف تم ملاحقة المقاومة،

وخلال ٨ سنوات اكتشف الشعب هذا الوهم الكبير، والتف أكثر حول حركات

المقاومة، ومهما كانت الضغوط اليوم فلا أحد يريد أن يتسبب في كسر هذا الصمود

مقابل وعود من سراب.

البيان: أخفقت المنظمات العلمانية الفلسطينية منذ عقود طويلة في إدارة

الصراع مع اليهود حرباً وسلماً؛ فهل البديل الإسلامي مهيأ لتسلم دور الريادة؟

- د. محمود الزهار: في الحقيقة أنا أريد أن أقول إن العبارة الآتية أن

الإسلام هو الأساس وأن البدائل أخفقت. الإسلام هنا عمره ١٤٢٣ سنة وإن كان

أقل من ذلك كوجود لأن الإسلام بدأ في فلسطين في عام ١٣٦ ميلادي. الإسلام هنا

أصيل وقاوم بأصالته كل أشكال الاحتلال. البدائل التي جاءت عن الإسلام لم تفلح

في تحقيق شيء، إذن العودة إلى الجذور هو الأساس.

البيان: بعد المحاولات المحمومة من اليهود أمنياً وعسكرياً على عزل

المناطق الفلسطينية وحصارها؛ هل تتوقعون أن تنجح السياسة اليهودية في وأد

الانتفاضة أو إضعاف قدراتها؟

- د. محمود الزهار: لو نجحت، لو كان مقدر لها أن تنجح لكان لها أن

توقف العمليات الأخيرة، وقلت لك إن أكثر من ٦٥ من الإسرائيليين قتلوا منذ

عملية السور الواقي، وهذا أكبر دليل على إخفاقها. لو استعرضنا كل ما أصاب

الكيان الإسرائيلي في عام ١٩٩٤م و ١٩٩٥م يمكن ما وصل حجم الخسائر

الإسرائيلية إلى هذا العدد، ومن ثم الأرقام تقول إن الكيان الإسرائيلي أخفق.

صحيح أن هناك صعوبات قاتلة عندما يكون منع التجوال كاملاً لا تستطيع أن

تخرج سيارة ولا يخرج إنسان. عندما يخرج إنسان من بيته يتم إطلاق الرصاص

عليه سواء كان رجلاً أو طفلاً أو امرأة، عندما لا تستطيع السيارة أن تتحرك بما

فيها سيارات الإسعاف يصبح هناك صعوبات؛ لكن هذه الصعوبات نميز بينها وبين

الاستحالة، ليس هناك مستحيل في العمل. المجاهد في فلسطين ضد الكيان

الإسرائيلي.

- د. محمد الهندي: ضرب الانتفاضة وإضعافها هذا أمر وارد؛ فمن

الطبيعي أن نتأثر بالضربات والاجتياحات والتصفيات ... إلخ؛ لكن في كل مرة

ننهض أكثر قوة وأكثر إصراراً وأكثر عنفواناً وتصميماً على المواصلة، أي أن

إنهاء الانتفاضة غير وارد بالمطلق طالما لم يأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة.

اغتال العدو الصهيوني قبل ذلك الشهبد د / فتحي الشقاقي؛ فهل أنهى ذلك حركة

الجهاد الإسلامي ودورها أم زادها قوة وصلابة؟ كما اغتال الشهيد يحيى عياش

فماذا كانت النتيجة؟ ويغتال اليوم الشهيد صلاح شحادة، وهو يكرر نفس النتائج؛

فطالما أن العدو الصهيوني لم يعترف بحقوقنا وأصر على إنكارنا ونفينا فمعنى ذلك

أن دماء كثيرة ستسيل على جانبي الصراع، وأؤكد هنا أننا الطرف الأقدر على

الصمود، وأننا سنثبت للعالم أننا لن نرحل من جديد من أرضنا فلسطين.

البيان: في المقابل هناك محاولات لم تتوقف من بعض الاتجاهات الفلسطينية

لقطف ثمرات الانتفاضة واستغلالها لمكاسب شخصية وحزبية ... فما رأي

الحركات الإسلامية في ذلك؟ وهل من سبيل للحفاظ على هذه الثمار اليانعة؟

- د. هشام فرارجة: بالتاكيد هناك من الفلسطينيين والانتهازيين

والمستثمرين لا أريد أن أقول الكثيرين، ولكن هناك البعض، دعنا نعود قليلاً إلى

انتفاضة ١٩٨٧م تلك الانتفاضة أثبتت عمومية النضال الفلسطيني في كل قرية

ومخيم ومدينة وشارع ومن مختلف قطاعات الشعب؛ حتى أتت مجموعة ممن

يسمون أنفسهم بالمثقفين والمتسيسين الذين عملوا جاهدين على قطف ثمار تلك

الانتفاضة بطريقتهم من خلال إجراء اجتماعات مع الإسرائيليين ومع الأمريكيين،

ولكنهم في حقيقة الأمر قاموا بدور سلبي؛ حيث عملوا على قطف ثمار تلك

الانتفاضة وبطريقة خاطئة وبطريقة غير ناضجة سياسياً وهو ما قاد إلى مدريد،

ومن بعده إلى أوسلو والذي لم يثبت نجاعة في تقويض وضعف أواصر هذا

الأحتلال.

الآن انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠م نجد أيضاً البعض من بين هؤلاء أنفسهم

يحاولون إجهاض هذه الانتفاضة بطريقتهم الخاصة. بعضهم يحاول فتح قنوات

سرية مع مسؤولين إسرائيليين، وبعضهم يحاول فتح قنوات أيضاً مع مسؤولين

أمريكيين؛ وكأنهم يتنافسون على من يريد أن يقدم للأمريكيين والإسرائيليين

إنجازات أكبر، كل ذلك أثر بعض الشيء على مسيرة الانتفاضة، ولكنه عمق

القناعة بضرورة استغلال هذه الانتفاضة وعدم السماح بإجهاضها من أي جهة حتى

ولو كانت جهة محلية من بين أشباه المثقفين والمتسيسين. وكانت هناك خطوة

أخرى وجدنا مجموعة لا تمثل حتى نفسها تقوم بإطلاق نداءات من أجل إيقاف

العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين وكان نداؤهم متبوعاً بأجر من قوة غير

فلسطينية. إذن هو كان نداءً مأجوراً أوروبياً الآن بدلاً من أن يتوجه هؤلاء

القريبون من الإسرائيليين والأمريكيين بنداء إلى الرأي العام الإسرائيلي والأمريكي

حيث كان بالإمكان أن يستمع إليهم قاموا بتوجيه حرابهم وسهام عقولهم إلى الشارع

الفلسطيني محاولين بعث الفرقة والتشتت في هذا الشارع، ولكن سرعان ما انكفؤوا

على وجوههم دون أن يأبه بهم أحد حتى من قدموا لهم أجر ذلك النداء البائس الذي

لا يعبر إلا عن تهافت ثقافي ليس إلا.

- د. محمد الهندي: أي محاولات في هذا الاتجاه هي محاولات مفضوحة

ومحكوم عليها بالإخفاق. هناك للأسف مجموعة من المرعوبين المهزومين في

صفوف الشعب الفلسطيني أرادوا الدخول إلى واشنطن من الباب الإسرائيلي من

باب شارون، وهناك من أدانوا العمليات الاستشهادية في الوقت الذي اجتاح العدو

الصهيوني بدباباته وطائراته واستباح مدننا وقرانا ومخيماتنا ودماءنا وحلمنا، ولكن

المثير في الأمر أن شارون لم يعطهم فرصة للتنفس ولم يمنحهم أي انتباهة أو أهمية

؛ ففي نفس الوقت الذي يدينون فيه العمليات الاستشهادية ويعلنون تفهمهم لإلغاء حق

العودة للاجئين تقوم دبابات شارون باجتياح مكاتبهم ومحاصرة الجامعة التي

يديرونها في استخفاف واضح. إن شعبنا في فلسطين يتجاوز كل هذه الدعوات

المشبوهة وهذه الخزعبلات المشوهة لنضاله بأسرع مما يتصور أصحاب الدعوات

نفسها.

- د. محمود الزهار: الثمار غير الناضحة هي ثمار سامة، وحاول البعض

سابقاً أن يقطف هذه الثمار، وكانت غير ناضجة فتسمم بها، فإما وصف بالفساد أو

قتل نتيجة الفساد أو وضع في السجن نتيجة الفساد، أو فقد مصداقيته أمام كل الناس

وأمام العالم كله نتيجة هذه الثمار الفاسدة. نحن لا نتعجل الحقيقة قطف الثمار،

والثمرة الوحيدة التي نريدها هي تحرير فلسطين، وعندما يتم تحرير فلسطين هذه

هي الثمرة التي نعتبرها ناضجة، وتحرير فلسطين يستدعي أيضاً تأسيس الدولة

الكبرى ذات الحضارة والدور الحضاري المعروف والإدارة الإسلامية المعروفة؛

نحن جزء من كل وليست قضيتنا منغلقة على حدود فلسطين فقط؛ ولذلك عندما يتم

تغيير الواقع من حولنا فسنكون نحن بإذن الله جزءاً من هذا التغيير.

البيان: كيف ستحافظون على هذه الثمار اليانعة؟

- د. محمود الزهار: قوة الحركة وعلاقتها بالشارع الفلسطيني والتحولات

التي تجري في الشارع الفلسطيني بدعم الحركة واحدة من الضمانات الهامة بعد الله

تبارك وتعالى.