للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

لضمان مسلسل التبعية

الاستحواذ على العقول.. أخطر من احتلال الأرض

شعبان عبد الرحمن [*]

Shaban١٢١٢@hotmail.com

«لكي نكسب الحرب ضد الإرهاب؛ فإن ذلك يتطلب منا أكثر من مجرد

قوتنا العسكرية.. يتطلب منا اجتذاب شعوب العالم الإسلامي إلى قيمنا ومجتمعنا؛

إن كان لنا أن ننجح في تحقيق التفاهم والتوعية والاحترام المتبادل، وهو ما

سيشكل الأسس لعلاقات سلمية مثمرة، وإن التبادلات (الطلابية) التي يقرها

مشروعكم هي أقل السبل كلفة عند أخذ المردود بعين الاعتبار لتشجيع العلاقات

الشخصية والمؤسساتية التي من شأنها تعزيز أمننا القومي على المدى البعيد ...

ينبغي للولايات المتحدة أن ترد على الخطر الإرهابي على مستويات عدة، فنحن

بحاجة لأن نضمن أن دفاعاتنا قوية وحدودنا آمنة» .

هذه فقرات من الشهادة المطولة التي سجلها «كنتن كيث» مدير «الاتحاد

من أجل تبادل ثقافي وتعليمي دولي» ، وهو اتحاد يضم خمساً وستين منظمة، وله

فروع في جميع الولايات الأمريكية.

الشهادة جاءت دعماً لمشروع القانون الذي تقدم به السيناتور «تيد كيندي»

لمجلس الشيوخ الأمريكي في ١٠/٥/٢٠٠٢م نيابة عن عشرة آخرين من أعضاء

المجلس، ويهدف إلى تحقيق المزيد من الاحتواء الثقافي لشباب العالم الإسلامي؛

لصناعة قادة المستقبل في العالم الإسلامي داخل المؤسسات الثقافية الأمريكية وبين

العائلات الأمريكية؛ ضماناً لاستمرار مسلسل التبعية.

المشروع يحمل اسم «الجسور الثقافية لعام ٢٠٠٢م» ، وتشرف عليه وزارة

الخارجية صاحبة الباع الطويل في برامج التبادل الطلابي والتعليمي، ويطلب

تخصيص خمسة وسبعين مليون دولار إضافية لميزانية برامج وزارة الخارجية

التعليمية والثقافية الحالية في العالم الإسلامي، في الفترة من عام ٢٠٠٣م حتى نهاية

السنة المالية ٢٠٠٧م، ويقترح تخصيص عشرين مليون دولار لإنشاء برنامج

تبادل جديد لطلاب المرحلة الثانوية؛ لإفساح المجال أمام عينة خاصة من طلاب

العالم الإسلامي المتفوقين للدراسة في مدارس حكومية أمريكية.

ويشترط المشروع المقترح أن يكون اختيار الطلاب من دول العالم الإسلامي

بشكل تنافسي يثبت جدارتهم، وأن يراعى في الاختيار التنوع الجغرافي، والجنسي،

وتنوع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية التي ينتمون إليها في المجتمع، وأن

تتعاون وزارة الخارجية كما تفعل في برامج مماثلة مع المنظمات الأمريكية غير

الحكومية ذات الخبرة في هذا الحقل عند انتقاء وتعيين المدارس والعائلات للطلبة

(الوافدين) ، وتبقى على اتصال وثيق مع المدارس الثانوية المختارة، والعائلات

الأمريكية المضيفة، والمنظمات غير الحكومية؛ أثناء تواجد الطلاب في الولايات

المتحدة.

ولم يفت مقدمي المشروع وضع بند مراقبة صارم للطلبة المختارين،

فـ «التشريع سيعزز قدرتنا على غربلة الطلبة الأجانب ومراقبتهم، عبر اشتراط

مزيد من الاتصال والتعاون بين وزارة الخارجية، ودائرة الهجرة والتجنس،

والمعاهد العلمية التي يلتحق بها الطلبة الأجانب، وعبر سد الثغرات في برنامج

مراقبة الطلبة الأجانب المعتمد حالياً» .

فقد أثبتت - وفق مقدمي المشروع - برامج التبادل الثقافي والتعليمي مع دول

العالم التي يسافر بموجبها خمسة آلاف أمريكي إلى الخارج، ويفد إلى الولايات

المتحدة عن طريقها عشرون ألف أجنبي أثبتت نجاحاً باهراً في الترويج للقيم

الأمريكية.

هذا المشروع بقانون جاء انعكاساً لاهتمام البيت الأبيض نفسه، وكذلك اهتمام

أركان الإدارة الأمريكية، كما جاء انعكاساً لاهتمام مراكز البحث التي تجد فيه

ضرورة قومية لحماية الأمن القومي الأمريكي على المدى البعيد ضد ما يسمونه

بالإرهاب (الصحوة الإسلامية) .

الرئيس بوش الابن أشار أكثر من مرة إلى ضرورة مد يد الصداقة إلى

الأطفال وخصوصاً في العالم الإسلامي، ففي كلمة له في أكتوبر ٢٠٠١م أمام طلبة

مدرسة «ثورغود مارشال» الابتدائية قال بوش: «إن أمريكا عازمة على إقامة

علاقات ثقة وصداقة مع الشعوب في جميع أنحاء العالم، وخاصة مع أطفال العالم

الإسلامي وشعوبه» .

وفي هذا الصدد يقول مقدمو المشروع: «إن تشريعنا، ولتسهيل تحقيق

هدف الرئيس في الوصول إلى الأطفال والتأثير فيهم، ينص على إنشاء برنامج

جديد لطلاب المرحلة الثانوية، فلا يوجد في الوقت الحاضر أي برنامج فيدرالي

لتيسير مثل هذا التبادل الطلابي بأعداد تتزايد على الدوام مع العالم الإسلامي..

وهناك فوائد كثيرة تتأتى من التواصل مع الطلبة أثناء مرحلة شبابهم وانفتاحهم

لتشجيع الفهم الثقافي المتبادل، وعدم التعصب، والتسامح، فطلبة المرحلة الثانوية

اليوم هم قادة الغد، وعلينا أن نبدأ العمل معهم اليوم لنصوغ مواقفهم من بلادنا» .

وفي خطاب ألقاه «بول وولفوفتر» وكيل وزارة الدفاع في ٣/٥/٢٠٠٢م

أمام مجلس الشؤون العالمية في كاليفورنيا أشار إلى الحاجة إلى التواصل مع

الأصوات المنادية بالاعتدال في العالم الإسلامي، وإلى تشجيع هذه الأصوات ومد

الجسور معها لتجاوز ما أسماه بالهوة الخطيرة بين الغرب والعالم الإسلامي. وقال:

«إنه ينبغي على أمريكا أن تبدأ الآن.. فالهوة واسعة ولا تحتمل التأجيل» .

بيانات مؤسسة «جالوب» الأمريكية الشهيرة لاستطلاع الرأي عضدت

أيضاً المشروع، فقد أجرت المؤسسة استطلاعاً واسعاً للرأي في تسع دول غالبيتها

من المسلمين؛ عن مواقف الجماهير حيال السياسة الأمريكية، وكانت النتيجة هي

رصد مشاعر عداء متصاعدة بين شعوب هذه الدول ضد الولايات المتحدة.. وهنا

يؤكد السيناتور كيندي: «إننا سنعرض أنفسنا للخطر إن نحن تجاهلنا هذه المشاعر.

أما إن حاولنا علاج المشكلة عبر تعليم القيم الأمريكية لطلبة العالم الإسلامي؛

فستكون أمامنا فرصة على المدى البعيد لتغيير المواقف السلبية، وهذه عملية طويلة،

لقد علَّمنا الحادي عشر من سبتمبر أن علينا أن نبدأها الآن» !

وقد كانت الشهادة التي أدلى بها طالب مصري حائز على منحة «فولبرايت»

للتعليم بالولايات المتحدة على خطورة ما يجري في الجامعات المصرية ضمن

دفاعات مقدمي المشروع للمطالبة بالموافقة على مشروعهم.

فقد أفاد الطالب المصري في مقال نشرته له الواشنطن بوست في ٢٠/١/

٢٠٠٢م بأن جامعته المصرية أرض خصبة للباحثين عن أعضاء جدد يضمونهم إلى

المنظمات الإرهابية أو المتطرفة!!

ولذا يشدد كيندي قائلاً: «التحدي الذي يواجهنا هو منح الطلاب فرصة

للتعرف على جميع أوجه الحياة العائلية الأمريكية، وفهم قيمنا قبل أن يصلوا إلى

تلك الدرجة» (الانضمام إلى الجماعات الإرهابية.. في زعمهم!) .

أما وزارة الخارجية صاحبة الخبرة الطويلة في الإشراف على مثل هذه

المشاريع فهي أشد حماساً له، وزير الخارجية كولن باول كان واضحاً في ذلك؛

ففي بيان ألقاه في أغسطس من عام ٢٠٠١م حول «أسبوع التعليم» قال: «لا

أستطيع التفكير بشيء أنفع لبلدنا من صداقة زعماء العالم المستقبليين (القادمين)

الذين تلقوا دراساتهم هنا» .

وتدير وزارة الخارجية حالياً العديد من برامج التبادل الثقافي والطلابي

الناجحة لطلاب الجامعات والمرحلة الثانوية، مثل برنامج «تبادل قادة المستقبل»

أو «فيلكس» ، وهو البرنامج الذي يتم بمقتضاه سنوياً إحضار حوالي ألف طالب

تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة من الدول حديثة الاستقلال عن

الاتحاد السوفييتي المنفك، إلى الولايات المتحدة للدراسة في مدرسة ثانوية لمدة عام،

والإقامة مع عائلة أمريكية خلال ذلك العام، ومن بين هذه الدول ست دول

غالبيتها العظمى من المسلمين، وهي: أذربيجان - كازاخستان - قيرغيزستان -

طاجيكستان - تركمانستان - أوزبكستان.

تقول نتائج هذا البرنامج إنه بالغ التأثير في صياغة مواقف الطلبة الذين وقع

عليهم الاختيار.

وتشير دراسة أجرتها الحكومة الأمريكية عام ١٩٩٨م، قارنت فيها بين

الطلبة الذين اشتركوا في البرنامج وغيرهم من زملائهم الذين لم يشتركوا، قائلة:

«إن الشبان الذين اشتركوا أكثر انفتاحاً وتقبلاً للقيم الغربية والمثل الديمقراطية،

كما أن هناك احتمالاً أكبر في أنهم يتطلعون إلى ممارسة دور قيادي في مجتمعهم» .

وبناءً على النجاح الذي يحققه مشروع «فيلكس» يؤكد مقدمو المشروع

الجديد أنهم صاغوا مشروعهم على نهجه.

وقد حصل مقدمو المشروع على دعم العديد من المؤسسات المعنية المهمة

وموافقتها داخل الولايات المتحدة، وفي مقدمتها: رابطة التبادل الطلابي والثقافي

الدولية، وأكاديمية التنمية التعليمية، والمجالس الأمريكية للتعليم الدولي، والمعهد

الأمريكي للدراسة في الخارج، والمجلس القومي للزوار الدوليين، ومؤسسات

المدن الشقيقة الدولية، والتعليم العالمي، ومجموعة الدراسة العالمية.

ولم يكتف السيناتور كيندي وهو يقدم مشروعه بهذا التأييد غير المسبوق في

الداخل، وإنما لفت الانتباه لتأييد آخر في العالم الإسلامي يمكن أن يسهم بقوة في

نجاح المشروع، فقد أشار إلى تأييد كثير من الدول الإسلامية للولايات المتحدة في

حربها ضد ما تسميه بالإرهاب، وذكّر أعضاء المجلس بالآية القرآنية الكريمة:

[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا]

(الحجرات: ١٣) ، ولم يكمل الآية: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم] (الحجرات:

١٣) ، وانطلق من الكلمات التي ذكرها من الآية إلى اعتبارها مدخلاً جيداً لتسويق

مشروعه دون مشاكل داخل العالم الإسلامي، فالآية في رأيه تدعو إلى التعارف ومد

الجسور، والمشروع كذلك: «من شأنه بناء جسور توعية وتفاهم وتسامح بين

الثقافات، ويساعد في جعل الشعب الأمريكي وشعوب العالم الإسلامي يفهم كل منهم

الآخر حقاً..» .

وهناك نقطة جديرة بالتسجيل هنا؛ وهي أن البيانات السالفة الذكر لم أطلع

عليها في مطبوعة معارضة للسياسات الأمريكية مثلاً، وإنما مصدرها هو مصدر

أمريكي رسمي، فقد وردت معظمها في «نشرة واشنطن العربية» (إصدار يوم

١٥/٥/٢٠٠٢م) التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية بصورة شبه يومية!

وهكذا.. بدأت الولايات المتحدة التحرك للإجابة عن السؤال الكبير المطروح

منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر: لماذا يكرهنا العالم؟ أو بالأحرى: لماذا

يكرهنا المسلمون؟ الإجابة بالطبع لم تتحرك في اتجاه تغيير السياسات الأمريكية

المجحفة بحق العالم الإسلامي وقضايا المسلمين، وإنما تتحرك كما نرى لسرقة

عقول أجيالنا القادمة لتكون أمريكية!!


(*) كاتب صحفي، وسكرتير تحرير مجلة المجتمع الكويتية.