للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

أهل السنة في العراق

والتحديات الجديدة

د. سلمان الظفيري [*]

[email protected]

العراق بلد مسلم، تم فتحه وتمصير الأمصار فيه في عهد الخليفة الراشد أمير

المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو بلد دخله الصحابة وأقاموا به،

وهو موطن أبي حنيفة وأحمد وابن الجوزي وابن رجب، وهو عاصمة

الراشدين في أيام أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، وهو مركز خلافة

المنصور والرشيد والمأمون والمتوكل، وهو بلد الحنفية والحنابلة، وبعد

انكسار بغداد وضمور أمر العباسيين كانت بغداد سُنّية في العهود العثمانية، بل

الجنوب العراقي قبائله سُنّية، وحب الصحابة كان لواؤه عظيماً فيهم، لكن بعد

نجاح الصفويين ونشاط دعاة الرافضة في «المحمرة» و «عبادان» فشا الرفض

في الجنوب. فالداء حديث والبلاد سُنّية.

* الوجود السُّنّي الحالي في العراق:

توجد في العراق الآن عدة محافظات سُنِّية؛ منها ثلاث هي: (الموصل

وصلاح الدين «تكريت» والرمادي «الأنبار» ) ، وأربع محافظات كردية سُنيَّة،

وهي: (دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك) ، وحسب مؤتمر المعارضة

الأخير؛ فإن عدد الأكراد في العراق يمثل ٢٥% من نفوس العراق، وهو ما

يساوي ٦ ملايين نسمة، وحسب التعداد العراقي الرسمي؛ فإن محافظة الرمادي

يبلغ تعداد سكانها مليون نسمة، والموصل مليونين ونصف، وتكريت مليونين،

وأما بغداد فالمشهور أن السُّنَّة فيها لا يقلِّون عن النصف، والتعداد الرسمي يقول إن

بغداد ٦ ملايين نسمة، فهذه ٣ ملايين سُنِّي في بغداد، ويوجد تجمع سُنِّي كبير في

محافظة ديالى، وهي إلى الشرق، وهكذا يوجد تجمع سُنِّي في محافظة بابل

(الحلة) ، ويوجد تجمع سُنِّي ثالث كبير في محافظة البصرة، ولا يقل التجمع

السُّنِّي في هذه المحافظات الثلاث عن المليون.

التركمان في العراق حسب مؤتمر المعارضة الأخير ٦%، وهم في العراق

على النحو التالي:

١ - منطقة كركوك، وأكثرهم في هذه المنطقة، والشيعة قلة في كركوك.

٢ - منطقة تلعفر، وهم قلة شيعية.

٣ - منطقة خانقين، والتركمان قلة في هذه المنطقة، والظاهر أن أكثرهم سُنَّة.

ولو قلنا إن نصف التركمان سُنَّة؛ فلا ينزل العدد عن مليون.

وبناء على هذا التقسيم التقريبي القريب من الحقيقة؛ فإن عدد السُّنَّة يبلغ ١٦

مليون نسمة.

وبالنظر إلى الجدول الآتي الذي اتفق عليه المجتمعون من المعارضة في لندن،

وهو:

١ - العرب: ٦٦% (من السُّنَّة والشيعة) .

٢ - الأكراد: ٢٥%.

٣ - التركمان: ٦%.

٤ - الآشوريون: ٣%.

يظهر لنا أن ١٦ مليوناً من السُّنَّة يتكونون من ٦ ملايين كردي، ومليون

تركماني، فيكون عدد العرب السُّنَّة ٩ ملايين، ويكون عدد الشيعة العرب ٦ ملايين،

ويبقى المليون الأخير من عدد سكان العراق البالغ ٢٣ مليوناً هو للآشوريين وهم

نصارى العراق.

ولا يعترض معترض هنا فيقول هذا كله تخمين، فالجواب كيف تقدر

الولايات المتحدة الأمريكية عدد الشيعة بـ ٦٠% - ٦٧% [١] ؟

وكيف يزعم الشيعة أنهم يساوون ٧٠% من سكان العراق؟ أليس هذا إجحافاً

من غير حياء، وكذباً بلا قرون؟! ثم إن العراق لا يوجد بها إحصاء رسمي للسُّنَّة

أو الشيعة، وفرق بين تخمين قائم على أصول علمية، وتخمين قائم على هوى

وعنصرية.

* التحديات الجديدة:

لقد كان التحدي الدائم لأهل السُّنَّة هو الانفصام النكد بين دوائر صنع القرار

وعلماء السُّنَّة، فبعد أن كان لعلماء السُّنَّة في العهود العثمانية في العراق الكلمة

والذكر؛ انطمست كلمة العلماء في العهود العلمانية، لكن ظل للعلماء قدر لا بأس

به من الحركة والدعوة، وتولي بعض مناصب القضاء والإفتاء والتدريس، وقد

برزت في العهود العلمانية أسماء لامعة في العلم والدعوة، كالشيخ الآلوسي،

والشيخ يوسف عطا، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ نجم

الدين الواعظ، والشيخ محمود الصواف.. وغيرهم، إلا أن الوضع الجديد الحالي

يجعل أهل السُّنَّة أمام تحديات كبيرة وعظيمة تهدد الكيان السُّنِّي من جراء الغارات

العنصرية والطائفية التي يراد لها حصة في إدارة البلاد بعد الوضع الحالي.

وهنا ملاحظات جديرة بالانتباه؛ وهي:

١ - تم التحضير لمؤتمر لندن للمعارضة باجتماع في طهران بين الشيعة

برئاسة الحكيم، والبرزاني، والدكتور أحمد الجلبي علماني شيعي، وقد استبعد

أهل السنة من هذا الاجتماع!

٢ - خلال اجتماع المعارضة في لندن تم انتخاب ٦٥ عضواً في لجنة المتابعة،

وهي الهيئة التي ستقوم بالإشراف على سير الحكومة الجديدة، فلم يُنتخب أحد من

علماء السُّنَّة في هذه اللجنة؛ علماً بأن عدد الشيعة المعممين كان كثيراً في عضوية

اللجنة!

٣ - ظهر في المؤتمر أن هناك اتجاهاً أمريكياً شيعياً يسعى إلى العمل سوياً؛

مما دعا الحزب الإسلامي العراقي الإخوان المسلمون إلى الانسحاب من المؤتمر،

وتهديد الأمين العام للحزب بأن الورقة الشيعية التي لوح بها مندوب «الحكيم»

نقابلها بأن هناك جموعاً كبيرة من الشيعة لا يحملون الجنسية العراقية [٢] ، ثم

انسحب فصيل شيعي آخر متذمراً من أن جماعة «الحكيم» قد أكلوا الكتف كله،

وانسحب من السُّنَّة الحركة الإسلامية لكردستان العراق.

٤ - التقارير الصحفية تشير إلى اتفاق سري بين أمريكا وإيران على أن

تعطي أمريكا لجماعة «الحكيم» حصة في مستقبل العراق السياسي، مقابل تفهم

إيران للوضع الجديد [٣] .

٥ - موقع (BBC العربية) سلط الضوء على الدكتور أحمد الجلبي،

ووصفه بأنه حاكم العراق القادم!

٦ - طالب بعض العلمانيين العراقيين أن تكون حرية المرأة على النمط

الغربي، وحرية الشاذين جنسياً مضمونة في الدستور الجديد، وكان علماء الشيعة

حاضرين في المؤتمر؛ فلم تنقل جهات المؤتمر الصحفية أي اعتراض صدر منهم!

فالتحدي الذي يخيف هو هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها الشيعة والعلمانيون،

في حين أن أهل السُّنَّة للأسف ليس لهم رابطة؛ اللهم إلا الحزب الإسلامي العراقي،

وحركة كردستان الإسلامية، والمطلوب في هذه الظروف أن يكون لأهل السُّنَّة

رابطة أكبر، وتجمع أوسع؛ يعي الظروف الحالية والمؤامرات التي تحاك في السر

بين واشنطن وطهران، ويمارس فيها «الحكيم» و «الجلبي» دور أدوات

التنفيذ والحماية لذلك المشروع السري، وإذا بقي أهل السُّنَّة ولا سيما العلماء

كالمتفرجين في أعلى المدرج؛ فإن الدائرة على أهل السنة تكون - والعياذ بالله -

كما حدث في إيران الخميني بعد انتصاره.

ومن الواضح في الملاحظات السابقة أن هناك تجاذباً وحرارة بين الشيعة

والغرب، وخاصة أن رئيس المجلس الشيعي العراقي «الحكيم» تمت دعوته إلى

أمريكا للتفاهم معه، كما تم تحت سمع أمريكا والغرب التحضير لمؤتمر المعارضة

الذي انعقد في لندن في طهران، وقد حضر هذه الاجتماعات مهدي كروبي رئيس

البرلمان الإيراني، وتم إعداد الطبخة هناك، والتي كانت هي الزبدة بعد ذلك في

مؤتمر لندن.

فأهل السُّنَّة في العراق يواجههم تحد عظيم، هو هذا الطوق الشيعي العلماني،

والشيعة ليس عندهم مانع للتعامل مع العلمانيين ضد أهل السُّنَّة، وهذا واضح في

مذكرات التفاهم بين الأحزاب الكردية العلمانية والشيعية، وكذلك التفاهم بين

«الجلبي» رئيس المؤتمر الوطني العراقي وهو أكبر جهة في المعارضة مع إيران،

وجماعة «الحكيم» .

وقد كان المتحدث في المؤتمر الصحفي الذي عقد في آخر مؤتمر المعارضة

هو مندوب «الحكيم» و «الجلبي» و «الطالباني» ، وهي إشارة واضحة إلى

إقصاء أهل السُّنَّة، وأن كعكة العراق ستكون وقفاً على الرافضة والعلمانية،

ومستقبل العراق إذا كان يجري على هذا النسق؛ فإن أنوار الحرية لن تكون كما

يقولون سوف تشرق على جميع البلاد وأحراره، بل سوف تكون معوقات الحياة

أصعب وأكثر مما هي عليه الآن.

ويظهر لي أن التعاون بين الغرب والشيعة في العراق هو جزء من مخطط

تلميع الشيعة في المنطقة؛ بوصفهم طرفاً يمكن التفاهم معه، وغطاء إسلامياً للغرب

في المنطقة، وما احتواء الشيعة في البحرين، و «حزب الله» في لبنان إلا

خطوات مبكرة في هذا الاتجاه، فقد لُمِّع «حزب الله» وأُعطي هالة إعلامية أكبر

من حجمه، وهكذا شيعة البحرين أُعطوا هالة إعلامية، وصار الحديث عنهم وعن

دورهم حديث الصحافة وجمعيات الحقوق المدنية والإنسانية، ويأتي الاهتمام

بجماعة «الحكيم» الآن كحلقة مكملة لهذا المسار المتآمر على أهل السُّنَّة.


(*) أكاديمي عراقي مقيم في بريطانيا.
(١) كما جاء في خطاب الرئيس بوش الذي أذيع في محطة (ABS) خلال انعقاد مؤتمر المعارضة، وكذلك موقع (ياهو) نقل عن تقارير أمريكية النسبة نفسها.
(٢) وقد جاء ذلك في لقاء (الجزيرة نت) مع الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي.
(٣) نشرت ذلك مجلة العصر الإلكترونية.