للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضايا ثقافية

[البعد العقدي في العلاقة بين الإسلام والغرب]

كمال السعيد حبيب

العلاقة بين الإسلام والغرب أصبحت من أهم القضايا الاستراتيجية والسياسية

منذ نهاية الحرب الباردة، لكنها أصبحت بعد أحداث ١١ سبتمبر أهم قضية كونية،

تلك الأحداث التي هزت بقوة كبرياء القوة العظمى في العالم وغرورها، وكشفت

عن الوجه الحقيقي للغرب في علاقته بالعالم الإسلامي؛ فما كان يُعَدّ له في الخفاء

أصبح مكشوفاً، ولم تعد الخطط والاستراتيجيات قيد البحث في الدهاليز والغرف

المغلقة، وإنما أصبحت مشاعاً لوسائل الإعلام الغربية، تتداولها مرئية ومسموعة

بلا أي تحفظات أو قيود.

وكشفت هذه الخطط فيما كشفت عن وجود بعد عَقَدِيّ يحركها، فالإدارة

اليمينية التي تحكم الولايات المتحدة الأمريكية لا تحركها فحسب الدوافع السياسية

والاقتصادية على الرغم من أهميتها، وإنما تصدر عن بواعث ثقافية وحضارية

ودينية؛ بحيث يمكن القول: إننا بحاجة إلى «علم سياسة» جديد، يجعل من

(الدين، والهوية، والثقافة) موضوعه؛ بناء على أن المصالح لم تعد هي جوهر

«علم السياسة» أو «العلاقات الدولية» ، كما جرت تقاليد هذا العلم منذ

(ميكافيللي) وحتى اليوم.

«علم السياسة» الجديد يجعل الجغرافيا السياسية الجديدة تقوم على الحدود

الحضارية والثقافية والدينية، وليست خطوطاً وهمية على خريطة العالم، وفي

الواقع؛ فإن «الدين» كان أحد محركات الغرب في علاقته بعالم الإسلام، لكن

الجانب الثقافي والاجتماعي والحضاري لم يكن ظاهراً للعيان، كما كان جانباً أقل

أهمية من الجانب السياسي، ومن ثم فإن الاهتمام بالعلاقة السياسية مع الغرب والتي

تمحورت حول التحرر السياسي منه كانت هي الأساس، أما الجوانب الثقافية

والحضارية والدينية فكانت غائمة ومشوشة، بل سعى الغرب إلى إسدال الحُجُب

عليها، ولم ير المناضلون والساعون للتحرر في العالم الإسلامي المسألة الحضارية

ذات بالٍ، بل كانوا ينازعون الغرب على المستوى السياسي، لكن على المستوى

الثقافي كانوا يستلهمون قيم الغرب وطريقته للحياة! وكان الغرب اللئيم يدرك جيداً

أن المعركة مع العالم الإسلامي خصوصاً هي بالأساس معركة الدين الإسلامي

والثقافة العربية الإسلامية، وكأن لسان حاله يقول: إذا كسبنا معركة الدين والثقافة

نكون قد انتصرنا حقاً، أما معركة السياسة والاقتصاد فخسارتها يمكن تعويضها

بأدوات الهيمنة والضغوط المختلفة. واستطاع الغرب أن يستعيد مكاسب السياسة

والاقتصاد، إلى حد أن التحرر السياسي والاقتصادي للعالم الثالث لم يكن سوى

مسألة شكلية، لكن معركة الثقافة والحضارة والدين ظلت قائمة ومشتعلة.

وللحق؛ فإن التيار الإسلامي انتبه منذ البداية لأهمية معركة الحضارة، والتي

يقع الدين في قلبها، أما العلمانيون الذين قادوا معارك الاستقلال في العالم الإسلامي

وكانوا متأثرين بالنموذج الغربي الحضاري؛ فقد اعتبروا قضايا الدين والثقافة

قضايا هامشية يهتم بها دراويش التيار الإسلامي، لكن الذين تحرروا من وهم أن

الصراع مع الغرب هو صراع سياسي بالأساس أعلنوا أنهم كانوا مخطئين [١] .

ومع تراجع النظرية السياسية الغربية التي تأسست على جعل الدين قوة عينية

لا صلة لها بالواقع أو الحياة، وإعادة الاعتبار للدين بوصفه قوة محركة للشعوب؛

بدأ النظر للدين وللحركات الإسلامية بوصفها جزءاً من علم السياسة والاجتماع،

لكننا نتحدث اليوم عن اعتبار الدين والثقافة والحضارة هي صلب علم السياسة

والعلاقات الدولية، وكما كان الدين الإسلامي وليس أي دين آخر هُو الذي لفت

انتباه الغرب لأهمية الدين في أن يصبح قوة ثورية إيجابية؛ فإنه - أي الدين

الإسلامي - هو الذي يلفت الانتباه مرة أخرى إلى أن الدين، والجوانب الثقافية

والحضارية هي صلب العلاقات الدولية، وصلب العلوم السياسية والاجتماعية.

والعلاقة بين الإسلام والغرب فيما يتصل بالجانب الحضاري والديني والثقافي

قديمة؛ منذ سَعْي الغرب إلى الدعوة لِقَيمه حتى صار له أتباع وعملاء ينافحون عن

هذه القيم، وكانت مسألة الغزو الثقافي والفكري محوراً أساسياً في علاقة الغرب

بالعالم الإسلامي، ولم تَغِب الروح الصليبية في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي،

واعتبر الاستعمار نفسه جزءاً من استمرار الحملات الصليبية، وحين قدر للجيوش

الفرنسية أن تدخل دمشق ذهب الفرنسي «جور» لقبر صلاح الدين، وقال:

«ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين!» ، ولم يكفّ الفرنسيون والبريطانيون

وغيرهم عن محاولة النفاذ إلى مصادر القوة في الإسلام لتحطيمها، فكانت

(العلمانية) و (فصل الدين عن الدولة) في تركيا وباكستان، ثم على المستوى

الفكري بكتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) ، وكانت الدعوة

لتحرير المرأة التي قادها قاسم أمين، والتي كانت تعني خلع المرأة المسلمة لحجابها

وحيائها، وكانت الدعوة إلى الاجتهاد، والتي لم تكن إلا عنواناً لتطوير

الشريعة ذاتها لتوافق متطلبات العصر الحديث، ثم كانت اللغة العربية والأزهر

ميادين للصراع مع الغرب؛ ثم كانت القومية العربية التي رَوَّجَ لها نصارى

الشام لتفتيت الدولة العثمانية، وظلت معركة المصحف والإسلام والعقيدة حية لم

تمت أبداً في الوعي الغربي، وظلَّ العالم الإسلامي يمثل معضلة أمام الغرب؛

لأن الإسلام بوصفه منهجاً شاملاً للحياة ظل يمثل حصناً لا يمكن القضاء عليه،

وكانت العودة للإسلام مرة أخرى منذ السبعينيات معضلة جديدة أمام الغرب،

فغزله على المستوى السياسي تعافى وقوي واشتد، أما غزله على المستوى

الحضاري والثقافي فقد نُقض أنكاثاً بعد وهم قوته؛ ولمّا كانت المعركة الجديدة

تستهدف ما نطلق عليه «ما قبل السياسة» أي المحاضن الدينية والثقافية التي

حفظت الإسلام طوال الصراع مع الغرب فإن المعركة اليوم مقصود بها العقيدة

والشريعة معاً.

الجديد في الموضوع أن الصراع الثقافي والحضاري الذي يقع الدين في قلبه

كان يقوم به دوائر ثقافية؛ مثل الكنائس والجامعات، أو الدوائر الثقافية في وزارات

الخارجية، أو حتى أجهزة المخابرات، أما اليوم فإن الذي يقوم بتنفيذ معركة

المواجهة هو قلب الإدارة الحاكمة في أمريكا، فالإدارة الأمريكية اليوم تهدف إلى

إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي على أساس ديني وثقافي وحضاري، وهي

تستلهم تقاليد المدرسة الإنجليزية والفرنسية، لكنها تتقدم بخطى واسعة وناجزة،

وبيدها القوة والقرار، ولكن قبل الحديث عن هذه الخطط، نحاول إلقاء الضوء

على البعد العقدي في الصراع بين الإسلام والغرب؛ عبر شهادات لسياسيين

ومثقفين غربيين في هذا السياق.

* الرؤى الأمريكية الجديدة للعالم الإسلامي:

يقول «روبرت أليسون» في كتابه (اختفاء الهلال) : «ورث الأمريكيون

عن أوروبا المسيحية صورة شبح الإسلام، كدين ولد من الطغيان، يؤيد القمع

الديني والسياسي والجمود الاقتصادي، ولم يهتم الأمريكيون بصحة هذا الوصف أو

خطئه، لكنهم استلهموه؛ لأنه مناسب لهم سياسياً» ، ويضيف: «استخدم

الأمريكيون العالم الإسلامي مراراً وتكراراً كنقطة مرجعية لإظهار تميزهم في

الحرية والقوة والتقدم الإنساني» .

الرؤية التي يتحدث عنها «أليسون» لها جذور نصرانية ورثها الأمريكيون

عن أوروبا، والذي صاغ هذه الرؤية الأوروبية هم المستشرقون الذين أسسوا علماً

من الزيف والبهتان والتحيز ضد الإسلام وعالمه، ولا ننسى أن مرجعية الاستشراق

وأسسه هي دينية ذات طابع عقدي.

وفي تقرير فريق العمل الخاص بالإرهاب والحرب غير التقليدية بمجلس

النواب عام ١٩٩٠م؛ قال: «المسجد في مقدمة جهاد المتشددين المتطرفين ضد

العالم الغربي المعاصر، وقيام صحوة إسلامية متطرفة، مع أهمية النفط، يجعل

الصراع على الشرق الأوسط بمثابة أول مواجهة خطيرة بين هذه الصورة الجديدة

من الإسلام والعالم اليهودي المسيحي» ، ويقول «برنارد لويس» : «الصراع

الحالي ليس سوى صراع بين الحضارات، ورد فعل غير منطقي لمنافس قديم

وتاريخي ضد تراثنا (اليهودي النصراني) ، وحاضرنا العلماني، والتوسع العالمي

للاثنين» ، وهذا هو نفسه ما قاله هانتنجتون عن الحدود الدامية للصراع بين

الإسلام والغرب، والذي أكد أن الصدام سوف يكون حضارياً، ويقول «موريتمر

زوكرمان» : «إننا في الخط الإمامي لصراع يعود تاريخه إلى مئات السنين،

فنحن العقبة الرئيسة في طريق رغبة المتطرفين لإلقاء قيم الغرب الشائنة في البحر،

مثلما دخلوا يوماً مع الصليبيين» .

ويقول «دانيال بايبس» : «إن الأصوليين الإسلاميين يتحدون الغرب بقوة

وعمق أكبر مما فعل ويفعل الشيوعيون، فهؤلاء يخالفون سياساتنا ولكن لا يخالفون

نظرتنا إلى العالم كله؛ بما في ذلك طريقة اللبس والعبادة» .

ويقول «إدوارد ديجيريجيان» مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى:

«الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الوحيدة الباقية، والتي تبحث عن

إيديولوجية لمحاربتها؛ يجب أن تتجه نحو قيادة حملة صليبية جديدة ضد الإسلام» ،

وهو التعبير نفسه الذي استخدمه «بوش الابن» في بداية الحملة الأمريكية

الجديدة على العالم الإسلامي، والتي بدأت بأفغانستان وتتجه الآن إلى العراق.

هذه الرؤية كانت قبل أحداث ١١ سبتمبر، وهو ما يؤكد أن التصورات كانت

معدة، والأفكار جاهزة، وكانت تنتظر لحظة إخراجها المسرحي إلى الوجود،

وجاءت أحداث سبتمبر لتكون الفرصة السانحة لإخراج هذه الخطط إلى عالم الوجود

المنظور، وكما هو واضح؛ فإن البعد العقدي واضح في الرؤية الأمريكية التي

عبر عنها ساسة ومفكرون، وتضمنها بشكل تفصيلي كتاب مهم عنوانه: (أمريكا

والإسلام السياسي.. صدام ثقافات أو صدام مصالح) .

) America and political islam, clash of cultures or clash

of interests (.

لمؤلفه «فواز جرجس» .

ومن المهم متابعة الرؤية الأمريكية الجديدة التي تتحدث عما أسميناه

«السياسة الأمريكية.. ما بعد بن لادن» ، وهذه السياسة عبّر عنها أحسن

تعبير اثنان من المفكرين الأمريكان هم «فوكوياما، هانتنجتون» ، ففي

صحيفة نيوزويك بتاريخ ٢٥/١٢/٢٠٠١م قال «فوكوياما» في مقال خطير:

«الصراع الحالي ليس معركة ضد الإرهاب، ولا ضد الإسلام بوصفه ديناً

وحضارة، ولكن صراع ضد الفاشية الإسلامية؛ أي العقيدة الأصولية غير

المتسامحة، والتي تقف ضد الحداثة» ، ومضى ليقول: «ويمكن تصنيف الفكر

الوهابي بسهولة على أنه إسلامية فاشية، فهناك كتاب دراسي إجباري للصف

العاشر يشرح أنه يجب على المسلمين أن يخلصوا بعضهم لبعض، وأن يعتبروا

الكفار أعداءهم» ، ثم يوضح أكثر فيقول: «التحدي الذي يواجه أمريكا هو أكثر

من مجرد مجموعة صغيرة من الإرهابيين، فبحر الفاشية الإسلامية يقصد الوهابية

الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحدياً إيديولوجياً هو أكثر من الخطر

الشيوعي» ، ويوضح أكثر فيقول: «إن الصراع الأساسي ليس مع الإرهابيين

فقط، ولكن مع الأصوليين الإسلاميين الذين يقدرهم» دانيال بايبس «بحوالي

١٥% إلى ١٠% من العالم الإسلامي، والذين يؤيدون أسامة بن لادن» ،

وينهي المقال بقوله: «الصراع بين الديمقراطية الغربية الليبرالية والفاشية

الإسلامية ليس صراعاً بين نظامين حضاريين يتمتعان بقابلية البقاء نفسها» ،

ويشير هانتنجتون إلى البعد الحضاري في استجابة الغرب مع أمريكا بعد سبتمبر،

فيقول: «الدول الغربية تعاطفت بشكل كاسح مع أمريكا، وأعربت عن التزامها

الانضمام للحرب، خاصة بريطانيا وأستراليا وكندا، وهي مجتمعات تشاطر

أمريكا الثقافة الأنجلوساكسونية، ووقف الألمان والفرنسيون إلى جانب أمريكا؛

لأنهم اعتبروا العدوان على أمريكا عدواناً عليهم، وقالت» لوموند «: (كلنا

أمريكيون) ، وقال الألمان: (كلنا نيويوركيون) ، وذكر أن قلة عدد الشباب

المسلم سوف تؤدي إلى تراجع الحروب بين المسلمين على حد فهمه، وفي السياق

نفسه قال» ستانلي فايس «الكاتب الأمريكي في» هيرالدتريبيون «:» إن

حقيقة الحرب على الإرهاب تكمن في: هل ستقوم الدول الإسلامية باتباع النموذج

السياسي لتركيا، أكثر النماذج نجاحاً في العالم بوصفها دولة مسلمة حديثة وعلمانية

وديمقراطية، أو نموذج السعودية المبني على الرؤية الوهابية المتعصبة للأصولية

الإسلامية، والذي يدفع معتنقيه إلى الوراء «.

إن الرؤية الأمريكية القديمة تنتقل من التفكير إلى التنفيذ، وكما أوضحنا؛ فإن

الإدارة الأمريكية تتبنى الأفكار الأصولية النصرانية، والتي تؤمن بضرورة تدمير

العالم الإسلامي، وتدعيم الكيان الصهيوني تمهيداً لمعركة» هرمجدون «التي

يتربع بعدها المسيح على عرش العالم، وبعدها تبدأ ألفية مسيحية جديدة، ويتحول

اليهود إلى المسيحية، وسوف يكتشف المدقق الذي يولي أهمية للاقتراب الحضاري

أن لحظات الخطر تكشف بقوة وعمق بروز البعد الديني والثقافي، وكما يقول

» بيرلسكوني «رئيس وزراء إيطاليا وقت إعلان روما:» التاريخ والثقافة

والجذور «النصرانية» ؛ هي التي توحد أوروبا في لحظة الخطر الراهن «،

وها هي روسيا الأرثوذكسية، وإيطاليا الكاثوليكية، وأمريكا البروتستانية جميعهم

يقفون صفاً واحداً في مواجهة الإسلام الذي أطلقوا عليه الإرهاب!

* الأهداف الأمريكية.. العقل الإسلامي:

تسعى أمريكا في استراتيجيتها الجديدة نحو العالم الإسلامي إلى تحقيق

مجموعة من الأهداف الخطيرة، وهي:

١ - القضاء على الإسلام السُّنِّي الذي يلتزم المنهج السلفي الصحيح؛ بدعوى

أنه وهابي، والتأسيس لإسلام أمريكي مستنير لا يعترف بعقيدة الولاء والبراء، ولا

يعترف بقتال الكفار أو جهاد الأعداء، ولا يعترف بالأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر، ولا يقول بأن المسلمين أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من

سواهم، الإسلام الجديد كما يريدون نسخة مشوهة من الطقوس النصرانية التي

تُمارس في دور العبادة.

٢ - تغيير المناهج الإسلامية الدينية بوصفها منبعاً للأصولية والالتزام بالدين

الإسلامي، وقد قدمت أمريكا مذكرة لحكومات إسلامية عديدة بضرورة تغيير

مناهجها الدينية؛ حدث ذلك في السعودية واليمن وباكستان، وبالطبع كانت مصر

سبّاقة لهذا، والعمل على علمنة التعليم الديني من أجل تجفيف ينابيع التدين عند

الشعوب الإسلامية، وحتى لا يخرج» بن لادن «من جديد، أو حتى لا تظهر

» طالبان «مرة أخرى.

٣ - العمل على تجنيد» أئمة مستنيرين «يروجون للإسلام الأمريكي الجديد؛

عن طريق زيادة المنح الثقافية لرجال الدين الأمريكان؛ بحيث يقوم هؤلاء الأئمة

بتفسير الإسلام وفق التصور الأمريكي؛ أي الإسلام الذي يعلي قيم الحياة (أي يمنع

العمليات الاستشهادية ضد الغاصبين المعتدين، ويعزز قيم التسامح وقبول الآخر) ،

الدور الآن على تجنيد المشايخ والدعاة بعد أن كانت أمريكا تسعى لتجنيد المثقفين

المدنيين؛ أي أنها تركز الآن على الذين لم يتعلموا تعليماً دينياً.

٤ - تحديث الخطاب الديني طبعاً الإسلامي؛ بحيث يفسر الحجاب بأنه

الحشمة، وبعض المأجورين في مصر يتحدثون عن» الحجاب رؤية عصرية «،

ويفسر الجهاد بالجري وراء لقمة العيش، وتفسر طاعة ولي الأمر بالطاعة المطلقة؛

بصرف النظر عن كونها في المعروف أم لا؟ ثم البحث عما يطلق عليه

الأمريكان:» القواسم المشتركة بين الإسلام والنصرانية «، وتدعيم الجانب

الصوفي والروحي الذي يجعل من الإسلام الجديد طاقة سلبية تعزز البدع والخرافات

ليس إلا.

٥ - هدم النظام الاجتماعي الإسلامي عن طريق» عولمة المرأة «، وتعزيز

انطلاقها وإباحيتها عبر الأجندة الدولية التي ترعاها اتفاقيات الأمم المتحدة؛ بحيث

يعطيها الحق في التضحية بالأسرة، وخلق علاقات شراكة خارجها، بل وهدم

قوامة الرجل، وعدم النظر للأسرة بوصفها أداة للعمران والاستخلاف، وإنما مظلة

للمتعة والشهوة، وأعطيت المرأة في مصر والغرب الحق في السفر دون إذن الزوج

أو موافقته، وصارت قضايا الخُلع مثار سخرية في مصر، فكل من تطلب الخُلع

تتحدث عن أنها لا تستطيع أن تقيم حدود الله مع زوجها!! والوثائق الدولية تتحدث

عن» عولمة الطفل «المسلم أيضاً، فهناك وثيقة الطفل الدولية التي تعطي له

الحرية الكاملة أمام تسلط والده؛ بحيث لا يكون له سلطان عليه، وكذلك البنت

المسلمة.

هذا ما يريده الغرب منا وهو لا يتورع عن الذهاب كل مذهب لتنفيذ مخططه؛

بما في ذلك الإطاحة بأنظمة، وتقسيم دول؛ لحرمان من يصفهم بالأصوليين من

مصادر الثروة (البترول) ، والإدارة الجديدة الأمريكية تسوق خططاً للتنفيذ، وبعد

ضربة العراق؛ فإن» باول «يتحدث عن» شرق أوسط جديد «.

إنها لحظة الحقيقة التي يواجهها العالم الإسلامي.. فماذا يفعل؟

١ - تقوية الجبهة الداخلية في البلدان الإسلامية بتكاتف النظم الإسلامية،

وأبناء الحركات الإسلامية في مواجهة الخطر الأمريكي القادم.

٢ - إعادة الالتزام بالمنطق القرآني في المواجهة، ومنه قوله تعالى: [وَلَن

تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم] (البقرة: ١٢٠) ، والملة هنا

ليست الدين أو العقيدة، ولكنها معنى أوسع يمكن أن نقول عليه: طريقة الحياة

(life of Way) . وآيات الموالاة والمعاداة الكثيرة في القرآن تؤكد أن الصراع

مع الغرب هو صراع عقدي بالأساس، وهو في الوقت نفسه صراع شامل على

جميع المستويات.

٣ - التمسك بالفهم الصحيح لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على

طريقة السلف الصالح بوصفها الطريقة المستقيمة، والطريق الذي يدخل بنا إلى

الجنة، والعض بالنواجذ على هذا الفهم؛ فهو النجاة في وقت الفتنة والمحنة.

٤ - إعادة الالتزام بمبدأ الاعتصام بحبل الله، وتمثل مفهوم الأمة الذي إذا

اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ونبذ التفرق والشقاق،

فالخطر القادم يؤكد أن» حصوننا مقصودة من العدو «، والدفاع عنها يوجب

الاعتصام والوحدة، ونبذ التفرق والخلاف.

٥ - توعية المسلمين كافة بالخطر المحدق بهم، لحماية أسرهم وزوجاتهم من

فتنة مضلة، وإفهامهم أن المعركة هي معركة المسلمين جميعاً، وليس فقط الدعاة،

أو الطليعة من أبناء المسلمين، [وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا

أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ] (التوبة: ٣٦) ، وقوله تعالى: [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ

لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] (آل عمران:

١١٠) ، إن المشهد الراهن يظهر لنا الغرب بقيادة أمريكا كأنه القوة التي لا غالب

لها، وهي فتنة عظيمة أشبه بفتنة الدجال التي يُختبر فيها إيمان الناس، والإيمان

بالله هو الذي يحفظ المسلمين من التزلزل أو الشك في نصر الله، وثقته في أن

المستقبل لهذا الدين، إن تقديم الغرب لنفسه كفرعون يقول: [أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى]

(النازعات: ٢٤) ؛ هو قمة الصراع العقدي معه، وثبات المسلم على عقيدته هو

مفازته وأمته إلى الصبر والمصابرة، والرباط والمرابطة، والنصر بإذن الله [٢] .


(١) مثلاً: البشري في كتابه الحركة السياسية في مصر، ٤٥ - ٥٢، الطبعة الثانية، وغيره كثيرون؛ منهم: محمد عمارة، عادل حسين، وبدأ الوعي بأهمية معركة الحضارة والدين يتسع بين الفصائل القومية واليسارية.
(٢) لطبيعة الموضوع الصعبة، ولتجنب الاستطراد في الاستشهادات؛ أحيل القارئ إلى بعض المصادر المهمة، وهي:
- محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، القاهرة، دار الفرقان،،
- مصطفى خالدي، وعمر فروخ، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، بيروت، صيدا، المكتبة العصرية،،
- زينب عبد العزيز، تنصير العالم، القاهرة، دار الوفاء،،
- منى ياسين، الغرب والإسلام، مجموعة مقالات مختارة عن الغرب والإسلام،،
- نيكسون، الفرصة السانحة، القاهرة، دار الهلال،،
- فواز جرجس، أمريكا والإسلام السياسي، القاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات.