للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في دائرة الضوء

[الإسلاميون.. كيف يقرؤون الأحداث؟]

بعض قادة الصحوة يقوّمون الواقع السياسي للأمة

إعداد: أحمد فهمي

قامت مجلة البيان بإجراء استطلاع لآراء نخبة من قادة العمل الإسلامي

ورموزه حول الأحداث الراهنة، وكيفية مواجهة الأمة للمشروع الأمريكي

الصهيوني في المنطقة، وقد شارك في هذا الاستطلاع تسعة وعشرون من رموز

الدعوة ينتمون إلى اثنتي عشرة دولة؛ منها عشر دول عربية..

منذ ما يقرب من أربعة عشر عاماً، وتحديداً منذ سقوط الاتحاد السوفييتي،

وانفراد الولايات المتحدة بالسعي إلى السيطرة العالمية؛ هناك ظاهرة سياسية باتت

تتكرر كل عدة أعوام، يمكن أن نسميها «ظاهرة الحدث الانقلابي» ، ونعني بها

الحدث الذي يتوفر فيه سمات أساسية:

أولاً: يترتب عليه إعادة صياغة لمنظومة التوازن السياسي العالمي لحساب

القوة الأمريكية المتفردة.

ثانياً: يحدث بعده مباشرة تسارع وتداع للأحداث بصورة مختلفة تماماً عما

قبله.

ثالثاً: المنحنى العام لهذه الأحداث يتجه نحو تهميش العمل السياسي

ومؤسساته، وتعظيم العمل العسكري ومؤسساته، وبمعنى آخر طرح مفهوم القوة

كمحدد رئيس، ثم وحيد؛ لأنماط العلاقة بين مختلف الدول والشعوب.

ونستطيع القول إن هناك أحداثاً أربعة بالتحديد يصلح أن تمثِّل هذه الظاهرة،

وهي: سقوط الاتحاد السوفييتي - حرب الخليج الثانية - هجمات ١١ سبتمبر -

العدوان الأمريكي على العراق.

والملاحظ أن أكثر الدول تأثراً سلباً بالطبع بهذه الأحداث هي الدول الإسلامية،

والذي يهمنا في هذا المجال ما يتعلق بموقف الصحوة الإسلامية من الحدث

«الانقلابي» الأخير، وهو العدوان على العراق، وذلك بناءً على أن

الصحوة الإسلامية هي فيما نحسب: عقل الأمة الواعي، وقلبها النابض، ويدها

المجاهدة، ومن ثم فإن المسؤولية الملقاة على عاتق قادتها ورموزها وناشطيها؛

مسؤولية تنوء بحملها الجبال، وأول ما يجب عليها في هذه الأزمة أن تتوفر لديها

القدرة على استيعاب الحدث بكل أبعاده وتداعياته، وقد كان أحد أهداف هذا

الاستطلاع أن نتأكد من تحقق ذلك لدى فصائل الصحوة المؤثرة في العالم

الإسلامي.

أما الهدف الآخر للاستطلاع فهو أن يكون ممارسة لأحد صور التفكير

الجماعي الذي أصبح حتمياً مع التطورات الأخيرة..

إن لزوم التفكير الجماعي في النوازل التي تعرض للأمة الإسلامية ينبع من

تعقد الأحداث، وتراكبها؛ بصورة تجعل من الصعوبة أن تستقل حركة إسلامية

واحدة مهما كانت قوتها وانتشارها بتكوين رؤية شاملة وشافية لمواجهتها، ولن

تتجمع والله تعالى أعلى وأعلم أجزاء الصورة المبعثرة إلا بين أيدي الحركة

الإسلامية العالمية وعقولها.

وهذا الاستطلاع بين أيدينا يُثبت هذه الحقيقة من وجهين متعارضين.

فمن ناحية: يتضمن ما كتبه رموز العمل الإسلامي ما يصلح أن يكون

الخطوط العريضة لرؤية شاملة للحالة الراهنة، والتي يمكن تقسيمها إلى هذه

المحاور:

أولاً: ملامح الأزمة وعلامات الخطر.

ثانياً: تحليل الأزمة.

ثالثاً: دور علماء الأمة.

رابعاً: دور الحركة الإسلامية.

خامسا: دور الأمة الإسلامية

سادساً: استشراف المستقبل.

ومن ناحية أخرى: فإن هذه المحاور لم تتجمع كلها في كلام أي من هؤلاء

الرموز، وإنما هي محصلة لما ذكره الجميع.

وهذه أسماء المشاركين في الاستطلاع وفق الترتيب الأبجدي:

* الشيخ أبو بكر أحمد: الأمين العام لجمعية أهل السنة والجماعة بالهند،

وجامعة مركز الثقافة السُّنية الإسلامية.

* د. أحمد بن عبد الله الزهراني: عميد كلية القرآن في الجامعة الإسلامية

بالمدينة المنورة سابقاً.

* د. أحمد الريسوني: رئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية، أستاذ

بجامعة محمد الخامس - الرباط.

* الشيخ أحمد ياسين: زعيم حركة حماس الفلسطينية ومؤسسها.

* د. إسماعيل محمد حنفي الحاج: عميد كلية الشريعة جامعة إفريقيا العالمية

- الخرطوم.

* الشيخ حامد البيتاوي: رئيس رابطة علماء فلسطين، ورئيس المحكمة

الشرعية بالضفة الغربية.

* الشيخ حامد العلي: من علماء الدعوة السلفية الكويت.

* الشيخ قاضي حسين أحمد القاضي: أمير الجماعة الإسلامية بباكستان.

* الأستاذ راشد الغنوشي: زعيم حزب النهضة التونسي.

* الشيخ رفاعي سرور: داعية مصري.

* الشيخ سلامات هاشم: رئيس جبهة مورو الإسلامية، وأمير بانجسا مورو،

الفلبين.

* د. السيد العربي: داعية مصري.

* د. صلاح الدين النكدلي: رئيس تحرير مجلة الرائد ألمانيا، ومدير

المركز الإسلامي بآخن.

* د. عبد الحق الأنصاري: أمير الجماعة الإسلامية بالهند.

* الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك: أحد علماء السعودية البارزين.

* د. عبد الستار قاسم: أستاذ العلوم الإسلامية جامعة النجاح الوطنية -

الضفة الغربية.

* د. عبد العزيز الرنتيسي: قيادي بارز في حركة حماس الإسلامية -

فلسطين.

* الشيخ عبد الله جاب الله: رئيس حركة الإصلاح الوطني - الجزائر.

* الشيخ عبد المجيد بن محمود الريمي: من علماء الدعوة السلفية - اليمن.

* الشيخ عبد المجيد الزنداني: رئيس جامعة الإيمان - اليمن.

* د. عبد المنعم أبو الفتوح: عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

- مصر، وأمين عام مساعد اتحاد الأطباء العرب.

* الأستاذ عصام العطار: داعية ومفكر إسلامي سوري معروف.

* الأستاذ علي صدر الدين البيانوني: المراقب العام للإخوان المسلمين في

سوريا.

* الشيخ محمد حسان: رئيس مجمع أهل السنة بالمنصورة؛ التابع لجماعة

أنصار السنة المحمدية، مصر.

* الشيخ محمد حسين يعقوب: داعية مصري معروف.

* الشيخ محمد سيد حاج: داعية بجماعة أنصار السنة المحمدية - السودان.

* الأستاذ محمد الهندي: قيادي بارز في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

* الأستاذ محمد يتيم: رئيس تحرير جريدة التجديد المغربية، نائب برلماني.

* د. همام عبد الرحيم سعيد: من رموز العمل الإسلامي في الأردن.

وسوف نستعرض مادة الاستطلاع الثرية من خلال المحاور الخمسة المذكورة

آنفاً:

- أولاً: ملامح الأزمة وعلامات الخطر:

أفاض المشاركون في الاستطلاع في الحديث عن خطورة الأوضاع الحالية،

ويصف الأستاذ الغنوشي الاحتلال الأميركي للعراق بأنه «بلا ريب من نوع

الأحداث الدولية الكبرى التي تمثل عادة منعطفاً كبيراً في التاريخ، وعاملاً رئيساً

في توجيه المستقبل لعشرات السنين، وبالخصوص في مسرح الحدث وما يجاوره» ،

كما يؤكد الدكتور همام سعيد أن هذا العدوان يمثل «الحملة الصليبية العاشرة،

وهي أشد من أي حملة صليبية سابقة، فالهدف منها هو القضاء على جذور الإسلام

في المنطقة؛ في جميع مناحي الحياة، الثقافية، والدينية، والعسكرية،

والاجتماعية، والاقتصادية» .

ويتحدث الشيخ رفاعي سرور عن الالتباس الهائل في أحداث العراق، فيقول:

«وبدت في هذه الأحداث الحيرة التي في الفتنة التي أشار إليها الرسول صلى الله

عليه وسلم حين أشار إلى الشرق أو إلى العراق فقال:» ألا إن الفتنة ها هنا، من

حيث يطلع قرن الشيطان « [١] ، والذي جعل هذه الحيرة واضحة اختلاط الرايات

المرفوعة، فإذا فكَّر الإنسان في الدخول فيها بدا له تساؤل: من سينصر؟ هل

ينصر النظام البعثي الكافر، أم زعيمه الطاغوت؟ أم المنافقين؟ .. وذلك في غيبة

القلة القليلة من المسلمين الموحدين الذين قتلهم صدام برصاص الشوارع.. وإذا

توقف الإنسان عن المشاركة؛ فهل يترك أمريكا الصليبية تعيث فساداً؟» .

وفيما يتعلق بالهدف أو الأهداف الأميركية، يقول الشيخ قاضي حسين: إن

«هدف الاحتلال هو إعادة خريطة المنطقة حسب مصالح أميركا، وإزالة كل

التحديات التي تهدد أمن إسرائيل، والسيطرة على منابع النفط، ومن ثم السيطرة

على مستقبل العالم كله، هذا ما بدا من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر» ،

ويقول الشيخ الزنداني: إن «ما حدث في العراق الخطوة العملية في النظام العالمي

الجديد في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ وضح الهدف وهو البترول، والوجود

العسكري إعادة الاستعمار مرة ثانية، والغزو الثقافي» ، ويعبِّر الشيخ الريمي عن

الأهداف الأميركية في المنطقة بصياغة أخرى، فيقول: إن أميركا تريد «ضرب

القوة العلمية والإيمانية في الأمة؛ من خلال متابعتها للإسلاميين وضربها لهم تحت

شعار مكافحة الإرهاب، و» ضرب «القوة المادية؛ من خلال ضرب القوة

العسكرية في البلدان العربية كالعراق ومصر، وكذلك استنزاف ثروات المسلمين» .

وفيما يتعلق بالأهداف التي تمكنت الإدارة الأميركية من تحقيقها بالفعل من

غزو العراق، يلخصها الأستاذ الغنوشي بأنها:

«- تدمير الجيش العراقي وأسلحته شر تدمير.

- وضع اليد على ثاني، وربما أول، مخزون نفطي عالمي.

- البدء بتشكيل حكم مستأنس ضعيف، ووضع هذا القطر بتركيبته المعقدة على

طريق التفتت.

- توجيه رسائل تهديد مباشرة وقوية إلى بقية الأنظمة العربية.

- توجيه رسائل إلى القوى الدولية.

- البدء بتنفيذ مشاريع بناء تمكيناً لشركاتهم العملاقة من الغرف واعتصار العراق

حتى الدم» .

ويتفق كثير من المشاركين في الاستطلاع على أن الخطر الحقيقي ليس فيما

حدث، ولكن فيما يُنتظر أن يحدث في الفترة المقبلة، فيقول الشيخ عبد الله جاب

الله: إن «سقوط بغداد فاجعة كبيرة تفوق في حجمها وتداعياتها نكبة فلسطين عام

١٩٤٨م؛ لأن أميركا هي حاملة مشروع الحركة الصهيونية» ، ويضيف الأستاذ

عصام العطار: «إنني أعتقد أننا من غزو العراق واستعماره الفعليّ المباشر في

أول البلاء وليس في آخره، وأنّ وجودنا كلّه: ثقافةً وحضارةً، وشعوباً وأمةً؛

مهدّد أشدّ تهديد» ، ويضيف أيضاً: «الخطوة التالية بعد العراق في تفكيرهم

وتخطيطهم قد تكون سورية أو إيران، ثم تتبعها بشكل من الأشكال، ووقت من

الأوقات: السعودية، ومصر، ودول عربية أخرى» ، ويؤكد الشيخ حامد العلي

على المعنى نفسه بالقول إن الأمة «بدأت بالفعل تعيش مرحلة احتلال غربي

صليبي العنصر، صهيوني الروح، وستعصف بالمنطقة كلها، وخاصة على الدول

التي يرى التحالف الصهيو أميركي أنه من الضروري إعادة ترتيبها لتلائم الحقبة

الدولية الجديدة» ، ويشير الأستاذ البيانوني إلى أن «الأهداف الحقيقية لهذه الحرب

كانت تشير بوضوح إلى أن العدوان لن يتوقف عند حدود العراق، كما أنه لم

يتوقف من قبل عند حدود أفغانستان» ، ويقول الأستاذ محمد يتيم: إنهم «لن يقفوا

عند العراق، وسيعلنونها حرباً لا هوادة فيها ضد الإسلام والمسلمين، حرباً مباشرة

وغير مباشرة، لذلك نصبوا عليها (العراق) حاكماً أمريكياً ذا أصول صهيونية،

وبدؤوا بتغيير مناهج التعليم، وجاؤوا بجحافل المنصّرين إلى جنوب البلاد» .

- ثانياً: تحليل الأزمة:

تناول المشاركون أزمة العراق الأخيرة تناولاً سببياً من مختلف الأبعاد،

وبصورة شاملة تعطي رؤية أكثر من واضحة. فمن الناحية العقدية الشرعية: يقول

الشيخ عبد الرحمن البراك: «بالصبر والتقوى يحفظ الله عباده المؤمنين من كيد

الكافرين والمنافقين، قال تعالى: [وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ

اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ] (آل عمران: ١٢٠) ، ويقول أيضاً:» لا يكون

التسليط على المسلمين إلا بسبب من قِبَل أنفسهم، وهو تضييعهم لأمر الله وإقبالهم

على الدنيا وتعطيلهم الجهاد، حتى لا تكون لهم هيبة، لهذا مع كثرة المسلمين لم

تستطع حكوماتهم أن يردوا غزو أمريكا وحلفائها لبلادهم بدءًا بالعراق بعد غزو

الأفغان، بل قد يكون منهم من قدَّم بعض المساعدة لأولئك الغزاة «، ويرى الشيخ

محمد يعقوب أن تفسير ما حدث» لا يعدو إحدى ثلاث - والله أعلم -؛ إما هو من

قبيل العقوبة والجزاء، أو هو من قبيل المحنة والابتلاء، أو هما معاً، وأظن أن

الأمر كذلك «، ثم يلفت إلى أمر مهم يتعلق بالولاء والبراء، فيقول:» كانت

المشكلة الأكبر ولاء بعض المسلمين في الواقعة الأخيرة وتعاطفهم وحماسهم لشخص

هو أبعد ما يكون عن الإسلام ونصرة الدين، فلم يأت الخذلان إلا من جهته، وكان

الضياع منه وبسببه «، ويؤيده في جزء من كلامه الشيخ محمد حسان الذي يقول:

» نحن مسؤولون ابتداءً وانتهاءً عن هزائمنا، ونرفض بشدة كل محاولة تسويغية

تجعل من أعدائنا مشجباً نعلِّق عليه كل أخطائنا، قال تعالى: [لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ

أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيراً]

(النساء: ١٢٣) «.

ويشير الشيخ أحمد ياسين إلى لفتة عقدية طيبة يفسر بها ما حدث فيقول:

» لعل الله سبحانه وتعالى أراد أن تنطلق الشعوب العربية والإسلامية في

جهادها معتمدة على الله عاقدة رايتها عليه بعد أن سقطت الأصنام البشرية «،

ويضيف:» أردنا أمراً وأراد الله أمراً آخر، خرجنا بالمسيرات لدعم العراق؛

من أجل هزيمة الشيطان الأكبر، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يجتث جذور الفساد

والكفر من العراق وغير العراق؛ لتصبح التربة صالحة لغرس الإسلام «.

وأيضاً يشير الشيخ رفاعي سرور إلى الأثر العقدي في هذا الحدث من وجهة

أخرى، فيقول:» من طبيعة الأحداث الخطرة أنها ساهمت بصورة كبيرة جداً في

تأكيد أثر العقيدة، فبمقارنة سريعة بين المجاهدين في أفغانستان وبين صدّام تتأكد

حقيقة العقيدة، وبمقارنة سريعة بين المجاهدين الذين دخلوا العراق ليدفعوا عنه أهل

الصليب وبين كثير من العراقيين الذين انشغلوا بالسرقة والنهب يتأكد أيضاً أثر

العقيدة، وظهور هذا التأثير هو من طبيعة علامات الساعة؛ لأن غاية هذه

العلامات هو تحقيق إيمان الناس «.

ومن الناحية التاريخية: يقول الشيخ السيد العربي:» ابن العلقمي الشيعي

وزير المستنصر يبيعه لجنكيز خان بثمن بخس، ويسلم بغداد وما وراءها للمغول،

بالأمس المغول، واليوم الصليبيون، والروافض هم هم؛ لا يقل جرمهم عن جرم

البعثيين، لقد سقطت بغداد في ساعات بخيانة من الروافض حين خرقوا جدارها

المخرّق أصلاً من قِبَل البعث «، ويوافقه الشيخ محمد حسان على ذلك، فيقول:

» ما حدث وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير: [سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا

مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] (الأحزاب: ٦٢) ، وما زال أبناء العلقمي

يحيون بيننا «.

أما البعد الواقعي السياسي: فقد توجه كثير من المشاركين بالنقد لمواقف

الدول العربية، فيقول الشيخ جاب الله:» كان الواجب عليهم رفض العدوان ومنعه

بكل الوسائل والطرق، ولكنهم لم يفعلوا وسكتوا، أو ساعدوا بالقليل أو الكثير يعني

للتحالف الأميركي حتى وقعت الجريمة، فسقطت بغداد ليتمهد الطريق أمام أميركا،

ومن ورائها إسرائيل «، ويقول الشيخ عبد الحق الأنصاري:» أوضاع البلاد

العربية تتيح للقوى الخارجية الانتهازية فرصة التعدي والظلم، وإن الدول المسلمة

لا ترجع إلى الحق بكل جدية، بالإضافة إلى الاختلاف فيما بينهم من أجل

السياسات الخاطئة «، وينعى الأستاذ العطار على هذه الدول» استسلامها المخزي

للواقع المخزي، وافتقارها إلى إرادة التغيير والنهوض والإصلاح، وانفصالها

الصارخ عن الشعوب «، ويضيف:» لو كان بين بلادنا العربية وحدة وتعاون

لأمكنها أن يكون لها من القوة والمنعة ما يجعلها في مصاف الدول العظمى «.

أما الشيخ عبد المجيد الريمي؛ فيوسع إطار النقد قليلاً ليُدخل فيه القوميين

والإسلاميين، فيقول:» المواقف التي قادنا إليها القوميون مواقف كلها تجر إلى

الهزيمة «، ويضيف:» لا تزال المعالجات عند القوميين أو بعض الدعاة أو

بعض الناس تعالج الخطأ بخطأ أكبر. لا بد من مراعاة الحكمة والمصالح، وآن

الأوان لضرورة أن يُرجع إلى الشرع في كيفية حل هذه المشكلات؛ لا بالهوى

والعصبية والآراء الشخصية «.

وقد تناول بعض المشاركين (البعد الميداني) في العدوان الأميركي على

العراق، فيقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح:» عجيب أن تصمد أم القصر ذات

الأربعين ألف نسمة ثلاثة أيام، وتسقط بغداد في ساعات، ثمة خيانة أو خيانات

وقعت، وسط صمت عربي وإسلامي رهيب. لا شك أن النظام العراقي أحد

المسؤولين عما جرى ويجري حين خسر شعبه باستبداده «، وحول المعنى نفسه

يقول الأستاذ محمد الهندي:» كان بإمكان المقاومين أن يصمدوا في بغداد طويلاً،

ولكن أنا أرجح أن يكون هناك اتفاق مع قادة الحرس الجمهوري الذي عمل على

الاستسلام «، لكن يرى الدكتور الرنتيسي أن» الانهيار السريع كان مفاجئاً، وأما

الانتصار الأمريكي فلم يكن مفاجئاً والسبب في ذلك أن هناك فرقاً هائلاً في ميزان

القوى بين ما يملكه الأمريكان وما يملكه العراق «، أما الدكتور عبد الستار قاسم

فيقول: إن» الانهيار كان متوقعاً؛ لأن الجيش العراقي وجد نفسه لا يحارب من

أجل قضية بل من أجل شخص، خاصة أن كثيرين في العراق لديهم خصومات مع

النظام «.

- ثالثاً: دور علماء الأمة:

الواجب على علماء الأمة وطلبة العلم أكثر من غيرهم، كما يقول الشيخ عبد

الرحمن البراك، ويضيف أن:» الواجب عليهم أولاً توثيق الروابط فيما بينهم ليتم

التعاون والتشاور فيما يجب اتخاذه في مثل هذه النازلة العظيمة، ومن الواجب

عليهم تبصير الناس بحكم الله في أقداره وبما يجب عليهم من محاسبة أنفسهم والعودة

إلى الله بالتوبة «، ويزيد الدكتور أحمد الزهراني دور العلماء وضوحاً بقوله:

» إن من الواجب المتحتم عليهم عدة أمور:

- السعي إلى توحيد صفوف الأمة وجمع الكلمة ضد العدو الداخلي والخارجي.

- التحلي بالشجاعة والإقدام في مواجهة الأمور دون تردد أو خوف.

- تثبيت الأمة ودعوتهم إلى الوقوف ضد الباطل وأهله.

- الصدع بكلمة الحق في وجه كل ظالم وباغ؛ سواء كان حاكماً أو محكوماً حتى

يرتدع.

- كشف حال أهل الباطل.

- نصرة المسلمين بكل ما يستطيعون.

- رفع راية الجهاد ودعوة الناس إليه والمشاركة الحسية والمعنوية في ذلك.

- كشف مخططات الأعداء وتحذير الأمة من الارتماء في أحضانهم.

- أن يكونوا مرجعاً للأمة في الأزمات «.

- رابعاَ: دور الحركات الإسلامية:

يعبِّر الشيخ جاب الله عن أهمية الدور الملقى على عاتق الصحوة الإسلامية

بقوله:» لا أمل للأمة في التصدي لتلك المشاريع والأهداف إلا في الحركة

الإسلامية «، ويُسوِّغ ذلك بقوله:» فَهُم خير من يعرف طبيعة المؤامرة، وحقيقة

العدوان، وخير من يدرك طبيعة الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني الملقى على

عاتق أمة الإسلام، وهم أبرز من يدافع عن دين الأمة ووحدتها ولغتها واستقلالها،

ويحمي حقوقها وثرواتها «، ويقول الأستاذ صلاح الدين النكدلي: إن الأحداث

الأخيرة تلقي» على الربانيين من المسلمين مسؤولية كبيرة في تحرير القلوب

والعقول والنفوس من الشبهات والشهوات التي تهز اليوم معاقد الإيمان، وأن يوقنوا

بقول الله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ

كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] (التوبة: ٣٣) «.

ويحدد بعض الدعاة والعلماء الدور المطلوب من الصحوة الإسلامية في نقاط

محددة، فيقول الشيخ قاضي حسين: إن عليها:

» - مقاومة ما يأتي من قِبَل قوى الشر من الهجمات الفكرية والثقافية والاقتصادية

التي تستهدف إبعاد المسلمين عن ربهم، وجرِّهم نحو الفساد الشامل.

- التركيز على الشباب، والطلبة، والنساء، وأصحاب القرار؛ لإقناعهم بضرورة

أداء الواجب في هذ الفترة الحساسة، ثم بوضع برامج تناسب قدراتهم وكفاءاتهم.

- محاولة تبصير كل المسلمين بما يحاك ضدهم وضد دولهم وأجيالهم ومستقبلهم،

وحثهم على المشاركة في فعاليات المقاومة «.

ويدعو الشيخ محمد سيد حاج إلى أنه ينبغي» تأكيد أن الإسلام لا يُهزم،

ومبادئه الحية لا تموت، وأن ما بيننا وما بين أميركا هدم المباني وبقاء المعاني «،

وينادي الشيخ جاب الله الحركة الإسلامية أن» عليها أن تخرج بنضالها من ميدان

القول والارتجال إلى ميدان التخطيط والعمل، ومن منطلق النخبة على ساحة الأمة،

ومن سياسة التنافي والتصادم إلى سياسة التعايش والتعاون، ومن عقلية المصالح

المائعة إلى منطق المصالح المنضبطة بالحق «، أما الشيخ الريمي فينبه الإسلاميين

إلى أنه» من العجب أن يدعو بعض الناس إلى مقاطعة السلع وهذا أمر طيب،

ويدعون في الوقت نفسه إلى الحلول المستوردة في السياسة والاقتصاد؛ بمعنى أنهم

يدعون إلى الفكرة الديمقراطية والحرية «، ويقول:» فنحن نهيب بأهل الإسلام

والدعاة إلى الله عز وجل أن يبينوا خطورة ما في هذه الأفكار الغربية المستوردة من

مخاطر على وحدتنا، وعلى إيماننا، وعلى عقيدتنا «، ويقدم الشيخ حامد العلي

اقتراحاً أخيراً بأن» يُعقد مؤتمر عام لعلماء الأمة لإعلان النفير العام، وأن على

الأمة تجنيد كل طاقاتها وتركيزها لصد هذه الموجة الصليبية «.

- خامساً: دور الأمة الإسلامية:

توزع الخطاب الموجه إلى الأمة من المشاركين في الاستطلاع إلى نوعين:

الأول موجه إلى الشعوب الإسلامية، والثاني موجه إلى حكومات الدول الإسلامية.

فأولاً: توجه قادة العمل الإسلامي إلى أبناء الأمة الإسلامية يدعونهم إلى

إعلان التوبة والتخلص من الذنوب التي تكبل الأمة، فيقول الشيخ أبو بكر بن أحمد:

» يمكن للأمة الإسلامية أن تواجه المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة

وتستعيد شرفها المفقود بعودتها إلى الله، والتي تتمثل في اتباع القرآن والسنة،

والسير على نهج الأنبياء، والمقاطعة التامة مع الأعداء، قال تعالى: [وَلَن

تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَى]

(البقرة: ١٢٠) .

ويحذر الأستاذ عصام العطار قائلاً: «إما أن نستيقظ فوراً فنرجع إلى ربنا،

ونبدل ما بأنفسنا، ونأخذ بأسباب النجاة والإصلاح الشامل، وإما أن نضيع ونزول

ونبوء بخزي الدنيا والآخرة» ، ويقول الشيخ عبد الرحمن البراك: «في هذه

النازلة درس للمسلمين ليراجعوا أنفسهم، ويأخذوا بأسباب النصر على عدوِّهم؛

وذلك بإقامة دين الله وتحكيم شرعه، وإحياء شريعة الجهاد» ، ويطالب الدكتور

همام سعيد بأن يشمل الإصلاح المطلوب كل مسلم، فيقول: «ما يجري هو

مؤامرة كبيرة ستصيب كل فرد وجماعة، ويجب أن يكون الرد على مستوى هذا

الشمول» .

ويطرح الشيخ قاضي حسين الوحدة بوصفها دوراً أساسياً مطلوباً من الأمة،

فيطالبها بـ «وحدة الصف الداخلي والمصالحة الشاملة بين ألوان الطيف الشعبية

كلها من ناحية، وبين الشعوب وحكوماتها من الناحية الثانية، وبين الحكومات

الإسلامية من الناحية الثالثة» ، ويقول الأستاذ علي البيانوني أنه ينبغي أن

«تتوقف كل أشكال الصراعات البينية، وتُستنفر جميع القوى لمواجهة العدوان؛ قبل

أن يأتي يوم نلوم فيه أنفسنا ولات ساعة مندم» ، ويؤكد الشيخ عبد الحق الأنصاري

أهمية «الرجوع إلى الحق، والهدوء والسكون إليه، واتخاذ خطوات جادة لتنمية

أواصر الوحدة والوئام الكاملين بين الفئة الحاكمة والجماهير» ، أما الشيخ إسماعيل

حنفي الحاج فيحذر الأمة من الاستسلام للحزن الذي يولِّد القعود، ويقول:

«يجب أن يكون الحزن إيجابياً لا سلبياً؛ أي يدفعنا إلى العطاء والبذل لا إلى

الانكماش واليأس.. [فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا]

(آل عمران: ١٤٦) . يجب ألا يزيد الحزن عن حده فينقلب إلى ضده،

يتحول بصاحبه إلى القسوة والتبلد فلا يتجاوب مع الأحداث الآتية» .

وأكد بعض المشاركين أنه لا سبيل للأمة إلا الجهاد، فيقول الدكتور همام

سعيد: «الحل الوحيد للوقوف في وجه هذه الحملة والمحافظة على المكتسبات

الحالية هو الجهاد» ، ويؤيده الشيخ حامد العلي بالقول: «المطلوب من الأمة

اليوم أن تنهض مجاهدة لصد موجة الاحتلال هذه وتحطيمها، كما حطمت سابقتها،

وأن تستعد لتقديم كل ما يتطلبه ذلك من تضحيات» ، وينسج الشيخ سلامات هاشم

على المنوال نفسه، حيث يقول: «تشير النصوص إلى أن الجهاد لإعلاء كلمة الله

هو السبيل لرد مكايد الكفار ومنهم النصارى، وتاريخ الإسلام يؤكد ذلك، قال تعالى:

[وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى

العَالَمِينَ] (البقرة: ٢٥١) » .

وثانياً: توجه كثير من المشاركين بخطابهم إلى حكومات الدول الإسلامية،

وكان العامل المشترك في كلامهم الدعوة إلى تحكيم شرع الله، وتوحيد الصف،

وإتاحة الفرصة للشعوب كي تعبر عن نفسها، ويقول الدكتور أحمد الريسوني:

«إن المسؤولين في الدول العربية والدول الإسلامية المجاورة لها؛ إن استطاعوا أن يغيروا سلوكهم مع شعوبهم من جهة بالتجاوب معها، ومع أميركا بتصعيد

المناهضة والرفض؛ فإنهم يستطيعون تحاشي الاشتعال الواسع في دول المنطقة» ،

ودعا الأستاذ علي البيانوني إلى «تحصين الجبهة الداخلية، بالمبادرة إلى

مصالحة وطنية شاملة» ، ودعا الدكتور همام سعيد إلى «إيجاد موقف عربي موحد

رافض ومقاوم لهذه الحملة، وإلى اتخاذ موقف مستقل عن القرار الأميركي، مع

الأخذ في الحسبان استبعاد تكوُّن وحدة بين الدول العربية» ، أما الأستاذ عصام

العطار؛ فقد دعا الحكومات الإسلامية إلى أخذ العبرة من الحدث العراقي، فقال:

«الذين كانوا يهتفون أمس خوفاً أو طمعاً أو نفاقاً، ليل نهار: بالروح بالدم نفديك

يا صدّام. لم يفتدوه اليوم بروح أو دم، بل افتدوا أنفسهم بهجره، وربما افتدى

بعضهم نفسه بسبِّه وشتمه وحربه. لا بد أن يقوم في أقطارنا الإسلامية حكم

شوري يرضي الله عز وجل» .

- سادساً: استشراف المستقبل:

أبدى المشاركون في الاستطلاع اهتماماً كبيراً بالمستقبل الغامض الذي ينتظر

العالم الإسلامي بكل مفرداته، وتراوح الحديث عن المستقبل بين منبِّه إلى أخطار،

ومثبِّت للأركان، وداعٍ إلى التفاؤل، ومحللٍّ للخيارات المحتملة.

يقول الشيخ حامد البيتاوي محذراً: «هزيمة العراق ستنعكس سلباً على العالم

العربي والإسلامي، ومعروف أن الولايات المتحدة أعلنت أنها تريد تغيير خريطة

المنطقة؛ يعني لن يتوقف العدوان» ، ويقول الأستاذ محمد يتيم: «نحن الآن

على مشارف مرحلة جديدة يواجه فيها الإسلام والمسلمون تحدياً أخطر من تحدي

الاستعمار في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين» ، ويفسر بعض هذه

الأخطار بقوله: «ستبرز شخصيات وزعامات مصنوعة تتحدث عن حقوق

الإنسان، وعن حقوق المرأة، وعن الحريات الدينية في دول الخليج، وها هم قد

بدؤوا يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل المهربة إلى سوريا» ، ولا يبعد الشيخ

قاضي حسين كثيراً عن هذا التحليل، حيث يقول: «إن هذه المرحلة المصيرية قد

تؤدي إلى حقبة جديدة من التشرذم والتقسيم والاحتلال والهلاك، لكن في الوقت

نفسه هي مرحلة مرشحة لأن تؤدي إلى كسر الأغلال، ومقاومة الانحلال، ودحر

الاحتلال» .

ويلتقط الأستاذ العطار هذا الأمل الأخير فيقول: «إن فرصتنا للنجاة وأداء

رسالتنا الربانية العظيمة لم تضع بعد، فالعالم بأكثرية شعوبه وأنظمته يرفض أن

يتحول إلى إمبراطورية أميركية، ويتمسك بالتعددية، وسنجد في جهادنا سنداً من

كثير من أحرار العالم، وإن كان اعتمادنا أولاً وآخراً على الله عز وجل، ثم على

أنفسنا وما نملكه من طاقات، وما نقدمه من تضحيات، [وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا

وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] (آل عمران: ١٣٩) » ، ويقول الشيخ الريمي:

«هناك بداية تململ، وإن كانت تحتاج إلى ترشيد، وإلى أسباب إيمانية، وأسباب

مادية» .

ومن اللفتات الطيبة ما أشار إليه الأستاذ الغنوشي بقوله: «ها هم الأميركيون

قد جاؤوا يسوقهم القدر الإلهي لإنجاز ما عجزت عنه أجيال من المناضلين؛ أي

وضع المنطقة على طريق التغيير في الاتجاه الذي تريده شعوبنا وليس فيما أرادوا،

[وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] (آل عمران: ٥٤) . إن نجاحهم في

تحقيق أهدافهم سيكون مستحيلاً بفضل الله ثم ببركات الصحوة» ، ويضيف:

«المرجح مع تضخم الغطرسة الأميركية الصهيونية وإصرارها على الاحتلال

وتوسيعه إلى بلاد عربية وإسلامية أخرى؛ أن تتحول المنطقة كلها من طنجة إلى

جاكرتا ناراً ملتهبة بالثورة» ، ويؤيد الدكتور الريسوني هذا الكلام: «أميركا

أحدثت حالة احتقان لم يسبق لها مثيل في العالم العربي والإسلامي، وهذا

الاحتقان سيعبِّر عن نفسه، وسيجد طريقه إلى الانفجار والاشتعال ولو بعد حين،

ولا أستطيع التكهن بمسار هذا الانفجار» .

وعلى الصعيد السياسي؛ فقد قدم بعض المشاركين توقعات عما يمكن أن يطرأ

على الساحة من تغيرات، فقال الدكتور صلاح الدين النكدلي: «والذي يلوح لي

أن بعض الحكومات العربية ستعمل على توفير أدلة تقنع أمريكا بصيانة مصالحها،

وبمصادرة دين الأمة وثقافتها المناوئة، وستعمد هذه الحكومات إلى المناورة في

ميدان التغييرات السياسية، وربما رفض بعضها الانصياع التام للإجراءات

الأمريكية، وهنا قد تنشأ أزمة أو أزمات» ، ويتحدث الدكتور همام سعيد عن

«إمكانية ظهور كيانات جديدة أو دول جديدة، وهذه الكيانات من الممكن أن

تشكل خطورة كبيرة، ومن الممكن أن يُعاد تقسيم بعض دول المنطقة لكيانات

أصغر، أو إعادة توزيع لبعض الأنظمة على حساب بعضها الآخر» ، وبالنسبة

إلى العراق يتحدث عن «إمكانية إيجاد كيانات ثلاثة: شيعية في الجنوب، وسنِّية

في الوسط، وكردية في الشمال، ومن الممكن إعطاء حكم ذاتي تحت السيطرة

الأميركية» .

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية؛ يقول الدكتور همام أنه من المحتمل

«تطبيق سياسة الترانسفير على الفلسطينيين، ولكن بطريقة طوعية وكثيفة؛

عن طريق تقديم إغراءات مادية، وبالنسبة إلى المسجد الأقصى فمن المحتمل

تطبيق السياسة نفسها التي اتبعها اليهود في تقسيم المسجد الإبراهيمي» .

أما قادة العمل الإسلامي في فلسطين المحتلة؛ فلهم رؤيتهم المتعلقة بتأثير

الأحداث في المقاومة، يقول الشيخ أحمد ياسين: «سيكون تأثير ما حدث في

العراق سلباً على الأنظمة العربية؛ مما سيؤثر على المقاومة في فلسطين خاصة،

حيث سنواجه تياراً فلسطينياً عربياً يسوق الهزيمة ويرفع الرايات البيضاء، وللحق

أقول: إن المقاومة عاقدة العزم بعون الله تعالى أن تستمر في جهادها لتشكل رافعة

للأمة» ، ويقول الدكتور الرنتيسي: «أطمئنكم أن المقاومة ستستمر، ولا علاقة

لنا بما يحدث في العراق، ونحن هنا والحمد لله نقاوم منذ عقود من الزمن ولم

نتوقف؛ لذلك عجبنا للسرعة التي توقفت فيها المقاومة في العراق» ، ويؤيد

الأستاذ محمد الهندي ذلك بقوله: «المقاومة الفلسطينية لم ترتبط ببغداد لذلك

ستستمر. نحن بوصفنا مقاومة إسلامية لا نراهن اليوم على الأنظمة العربية، وأنا

أقول مثلاً عندما اجتاحت إسرائيل الضفة الغربية كان هناك آلاف القوات الرسمية

الفلسطينية خلال ساعات اختفت المقاومة منها، نحن نراهن على مقاومة شعبية» .

ونختم هذا التقرير بما قاله الشيخ محمد حسان في سياق بث الأمل، حيث

تحدث عن أميركا وأنها «استكملت كل حلقات الظلم والفساد، وراحت تردد

باستعلاء كلمات عاد الأولى.. [مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً] (فصلت: ١٥) ، والجواب:

[أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً] (فصلت: ١٥) . فلكل

حضارة دورة فلكية؛ فهي تغرب هنا لتشرق هنالك، قال تعالى: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ

كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ]

(الصافات: ١٧١-١٧٣) » .


(١) أخرجه البخاري، رقم ٦٥٦٤.