للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[الأبعاد الاستراتيجية لحرب العراق]

أ. د. ناصر بن سليمان العمر

ينظر الكثير ممن تستغرقهم اللحظة الحاضرة إلى الحرب في العراق على أنها

حرب ذات أهداف محدودة، وغايات آنية؛ فهناك من يظن أنها حرب من أجل

أهداف اقتصادية فقط، وأن مراد المعتدين هو الاستيلاء على نفط العراق فحسب،

وآخرون يصدقون دعاوى أمريكا بأنها من أجل إزالة أسلحة الدمار الشامل، مع أنه

لا يوجد في العالم دولة تملك من أسلحة الدمار الشامل ما تملكه أمريكا، كما لا يوجد

في المنطقة دولة تملك ما تملكه إسرائيل في فلسطين.

ولا يعني هذا أن أمريكا ليست معنية بتحطيم قوة العراق، ولكنها تعلم قبل

غيرها كذب دعوى امتلاك العراق لتلك الأسلحة، وهذا ما أكدته فرق التفتيش التي

فرضتها.

وتصل السذاجة منتهاها عند البعض عندما يقولون: إن أمريكا تريد تغيير

نظام صدام من أجل سعادة وحرية الشعب العراقي، والإتيان بنظام ديمقراطي بديل،

ولذلك سميت هذه المعركة بـ (حرية العراق) ؛ مع أن أمريكا هي التي مكنت

لصدام وبخاصة بعد حرب الخليج الثانية؛ فقد كانت قاب قوسين أو أدنى من القضاء

عليه كما صرح بذلك قائد قوات «الحلفاء» في تلك الحرب (شوارتسكوف) ، لكن

الأوامر صدرت إليه من بوش الأب بعدم التقدم صوب بغداد وترك صدام وشأنه.

ودعوى تخليص الشعب العراقي من ظلم صدام تنهار من أصلها إذا ما تأملنا

ما أحدثته أمريكا في حربها الظالمة في عدة أيام بما يفوق جرائم صدام في عدة عقود،

كما أن ما تحدثه إسرائيل من جرائم في حق الشعب الفلسطيني تحت رعاية وحماية

ودعم أمريكا يؤكد أنها هي راعية وحاضنة الظالمين في العالم، وما بين تاريخي

هيروشيما وأفغانستان ومن ثم العراق يؤكد ذلك التاريخ الأسود، مما تهون عنده

جرائم هتلر وموسوليني.

وحقيقة الأمر أن كل هذه الدعاوى ثبت بطلانها وزيفها وأنها لم تكن الباعث

الحقيقي لتلك الحملة الظالمة، عدا الهدف الاقتصادي؛ فهو أحد الأهداف ولكنه ليس

أهمها. كما سيأتي، ومن أجل إيضاح الصورة وبيان الحقيقة فيمكن إجمال أهم

الأهداف الأمريكية لتلك الحرب الظالمة بما يلي:

١ - ترسيخ النفوذ الأمريكي، وإحكام السيطرة والهيمنة على أهم بقعة على

وجه الأرض، لما تتمتع به تلك المنطقة من بُعد استراتيجي في جميع المجالات

الدينية والعسكرية والاقتصادية والبشرية والجغرافية التي لا تتوافر مجتمعة في أي

بقعة أخرى من العالم. وترسيخ النفوذ الأمريكي في العالم حلم طالما راود ساسة

أمريكا وقادتها وبخاصة بعد سقوط منافسهم الرئيس الاتحاد السوفييتي. أما النظام

العالمي الجديد فهو صناعة أمريكية أرادت تسويقه بقناة ديمقراطية عبر الأمم

المتحدة، ولما لم يحقق نتائجه المرجوة كان الظلم والدمار والاحتلال هو الأداة

لتحقيق ذلك الهدف الرهيب، وهي بذلك تعيد عصور الاستعمار السابقة، ولكن

بصورة تختلف عن الاستعمار الأول في بعض أشكاله لا في مضمونه وأهدافه.

٢ - أدركت أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بأنه لا بد من عدو قادم بناء

على نظرية صراع الحضارات، التي أكدها هنتنجتون في كتابه الشهير (صراع

الحضارات) ورسم (سيناريوهاتها) الرئيس الأمريكي نيكسون؛ حيث حدد ذلك

العدو بالإسلام، وأن الصراع القادم سيكون مع المسلمين، ومن هنا انطلقت أمريكا

في وضع الخطط وبناء السياسات، وإعداد القوة وتهيئة الجيوش لخوض تلك

المعارك القادمة، وقد عقد عام ١٩٩٤م مؤتمر في استانبول بتركيا حضرته الدول

الغربية تحت رعاية أمريكا كان الهدف منه تحديد ذلك العدو، ورسم السياسة

والخطط لمواجهته، وتقدمت مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية وبخاصة في

أمريكا بدراساتها وبحوثها التي أكدت فيها بشكل قاطع أن العدو القادم هو الإسلام،

وأن المعركة مع المسلمين. ولم تكن أمريكا قبل ذلك تجهل هذا الأمر، ولكن هذا

المؤتمر من أجل وضع النقاط على الحروف، بناء على دراسات وبحوث أعدتها

مراكز استشراف المستقبل، ومن العجب واللافت للنظر أن يعقد المؤتمر في

عاصمة آخر خلافة إسلامية؛ ذلك الخصم الذي أقض مضاجع الغرب قروناً طويلة

وأسقطته مؤامراتهم وخيانة المنافقين في تلك الدولة، ومن ثم تفريط المسلمين

وبعدهم عن شرع الله.

وكان تنامي المد الإسلامي، وبخاصة الجهادي منه بعد الانتصار الذي حققه

المجاهدون في أفغانستان أثناء الحرب مع الاتحاد السوفييتي والذي انتهى بخروجه

مهزوماً تحت ضربات المجاهدين، ثم قامت ونشطت جبهات جهادية في أماكن

متفرقة من العالم كالشيشان والبلقان والفلبين وكشمير وغيرها، كل ذلك جعل

الغرب وبخاصة أمريكا يدرك أنه سيخوض معركة قادمة مع المسلمين لا مفر منها،

وترسخت لدى أمريكا هذه القناعة بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١م فأرادت أن تأخذ بزمام

المبادرة قبل أن يفلت الأمر من يديها، فتغزى في عقر دارها، كما حدث عندما

ضربت أبراجها، ومعقل القوة فيها ومن هنا فإن هذا الهدف هو قطب الرحى،

ومعقل تلك الاستراتيجية، وهو الذي يجب أن نخضعه لمزيد من الدراسة والتحليل

لما يترتب عليه من آثار ومواقف.

٣ - ومن أهداف هذه الحملة الظالمة؛ حماية إسرائيل، وتأمين استقرارها،

وبخاصة بعد الضربات الموجعة التي وجهها المجاهدون في فلسطين، وما حققته

الانتفاضة الباسلة من انتصارات باهرة، وثبات نادر استعصى على الإرهاب

اليهودي بجميع أشكاله وأنواعه التي قلَّ أن تخطر على قلب بشر، وتزامن هذا

الأمر مع الإخفاق الذريع الذي منيت به مشاريع الاستسلام من سلام موهوم،

وتطبيع مزعوم.

وترسخ هذا الهدف بعد تنامي المد الجهادي في العالم الإسلامي الذي أشرت

إليه في الهدف الثاني، واليهود يدركون قبل غيرهم أنهم هدف استراتيجي لهذا

الجهاد - طال الزمن أو قصر.

ومما جعل لهذا الهدف تلك الأهمية لدى أمريكا تولِّي جيل من القادة الأمريكان

ممن يوصفون بأنهم من الإنجيليين الجدد، الذين يؤمنون بخليط من الإنجيل

والتوراة؛ ولذا يعدون أهداف اليهود ضمن أهدافهم الكبرى، وهم جيل يشكل

خطورة لا يستهان بها؛ حيث يسخرون مقادير وإمكانات دولة علمانية كبرى

لعقيدتهم المبنية على التحريف والضلال.

ومن أفضل ما اطلعت عليه حول علاقة اليهود بغزو العراق ما كتبه (باتريك

بيوكانان) المرشح السابق للانتخابات الأمريكية؛ حيث ذكر فيه من الحقائق الدامغة

ما لا يحتاج بعده إلى مزيد بيان.

وعلاقة هذا الهدف بالحملة الظالمة على العراق يتجلى من خلال السيطرة على

الدول التي يخشى أن تكون منطلقاً لتهديد أمن إسرائيل، والتي قد تنشأ فيها قوة

جهادية تتنامى مع مرور الزمن مما تستحيل معه السيطرة عليها بعد ذلك، ويتعلق

بهذا الهدف أيضاً قطع أي إمداد معنوي أو حسي للمجاهدين في داخل فلسطين،

على أن يتزامن ذلك باستمرار الضربات الموجعة واستعمال جميع أدوات العنف

والإرهاب من قِبَل اليهود ضد المجاهدين في الداخل، ويؤكد هذه الحقيقة تجديد

انتخاب شارون؛ لأنه الأقدر على تحقيق هذا الهدف، وإن كانوا كلهم شركاء في

الإجرام، وليس فيهم صقور وحمائم، بل كلهم ذئاب.

وهذا الهدف يشكل بعداً استراتيجياً لما له من طابع عقدي يتفق عليه اليهود

وحلفاؤهم من الإنجيليين الجدد، ويرتبط بمستقبل إسرائيل وصراعها العقدي مع

خصومها، ويستندون في ذلك إلى نصوص محرفة من التوراة، جعلوها مرتكزاً

أساسياً في خططهم وأهدافهم وتحالفاتهم.

وعلينا ألا نُخدَع فنقلل من هذا الهدف بحجة أن أمريكا دولة علمانية؛ فما

صرح به رؤساؤهم وقادتهم ومفكروهم وقساوستهم يؤكد جدّية هذا الهدف والذي قبله،

ومما يزيد من تمسكهم بهذين الهدفين أنهما ينسجمان مع بقية الأهداف ولا

يعارضانها.

٤ - ومن الأهداف الكبرى لتلك الحملة الظالمة، الهدف الاقتصادي، وإن

كان هذا الهدف يندرج ضمن الهدف الأول، ولكنه يتميز بخصوصية مرحلية،

وبخاصة أن أمريكا تواجه انهياراً اقتصادياً، اتضح جلياً في الإفلاسات الضخمة

التي أعلن عنها في عدد من الشركات الكبرى التي كانت تشكل دعامة أساسية في

الاقتصاد الأمريكي، وهناك قائمة أخرى تتضمن إفلاس عدد من الشركات، ولكن

لم يعلن عنها بعد لأسباب متعددة، بعضها يتعلق بتلك الشركات، وأخرى تتعلق

بالسياسة الاقتصادية الأمريكية، وارتباطاتها الدولية. ثم هناك ما يتعلق بالبترول،

والنقص الحاد في المخزون الاستراتيجي الأمريكي، والإخفاق في البدائل الأخرى

بعد بحوث مضنية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن البترول لا منافس له على وجه

الأرض ولا في باطنها، وأن حاجة أمريكا خصوصاً والغرب عموماً تزداد يوماً بعد

يوم. ثم إن منطقة الخليج والعراق بشكل أخص تسبح على محيطات من البترول

تشكل أكثر من ٥٠% من الاحتياط العالمي أجمع. وأمريكا منزعجة من بقاء هذه

الثروة تحت أيدي خصومها الحقيقيين؛ فهي لا تضمن استمرار تلك التحالفات مع

الأنظمة القائمة؛ لأنها تعلم أن تلك الأنظمة نفسها لا تضمن بقاءها، بالإضافة إلى

الحملات التي بدأت ترتفع أسهمها لمقاطعة الاقتصاد الأمريكي وما حققته تلك

الحملات من أثر ملموس يزداد يوماً بعد يوم ويتأكد كلما تنامى المدّ الإسلامي،

وازدادت أمريكا في صلفها وطغيانها ودعمها اللامحدود لليهود في فلسطين.

بالإضافة إلى أمراض داخلية يشكو منها الاقتصاد الأمريكي نفسه، وكذلك

المنافسة الحادة من قِبَل دول لم تكن تشكل أهمية كبرى من قبل، كاليابان والصين

وألمانيا والهند وغيرها من عمالقة الاقتصاد العالمي.

كل هذه العوامل وغيرها تجعل الهدف الاقتصادي يشكل بعداً استراتيجياً لتلك

الحملة الظالمة، ولكنه لا ينفرد بها، وإنما يشكل غطاء مقنعاً للشعب الأمريكي الذي

لا يستطيع أن يستوعب الأهداف الأخرى، وبخاصة الثاني والثالث، مع أنهما أهم

من هذا الهدف، وهو خاضع لهما، ولا يخضعان له.

وبعد: فتلك هي أهم الأهداف الاستراتيجية التي تشكل البعد الحقيقي للحملة

على العراق، ومن هنا فإن دراسة تلك الأهداف وتحليلها من أولى الواجبات التي

يجب أن تعنى بها الأمة من أجل اتخاذ ما يجب حيالها؛ حيث إن المعركة لن تنتهي

بالانتصار على العراق، بل إن الأسلوب التدميري الذي سلكته أمريكا وحلفاؤها في

حربها مع العراق يشكل عائقاً مهماً في تحقيق ما تصبو إليه، وقد بدأت تلك العوائق

فعلاً على المستوى الدولي، وذلك بتنامي الكره العالمي لأمريكا وسياساتها وبخاصة

بعد جرائمها في العراق وكذب دعاواها.

ففي دراسة أعدها معهد (بيو) للأبحاث في واشنطن تصمنت استطلاع الرأي

في (٨) دول صديقة لأمريكا أثبتت تلك الدراسة انخفاض شعبية أمريكا وزيادة

الكره لها في تلك الدول وبخاصة بعد مقارنة هذه الدراسة بدراسة أعدها معهد

(جالوب) في أمريكا قبل سنة من دراسة معهد (بيو) مما يظهر الفرق الكبير بين

واقع أمريكا قبل سنة فقط وواقعها الآن.

وهذا الانخفاض الشديد في نسبة المؤيدين لها سببه غزو العراق، وما ارتكبته

من جرائم أخلاقية وإنسانية ودولية وسياسية، وهذه إشارة إلى نتائج هاتين

الدراستين.

ففي بريطانيا كانت نسبة المؤيدين لأمريكا (٧٥%) وأصبحت الآن (٤٨%) .

وفي ألمانيا كانت نسبة المؤيدين لأمريكا (٦١%) وأصبحت الآن (٢٥%) .

وفي بولندا كانت نسبة المؤيدين لأمريكا (٧٩%) وأصبحت الآن (٥٠%) .

وفي فرنسا كانت نسبة المؤيدين لأمريكا (٦٣%) وأصبحت الآن (٣١%) .

وفي إيطاليا كانت نسبة المؤيدين لأمريكا (٧٠%) وأصبحت الآن (٣٤%) .

وفي أسبانيا يعارض (٧٠%) السياسة الأمريكية و (٧٩%) يعارضون

سياسة الرئيس بوش شخصياً.

بل داخل أمريكا نفسها يعارض (٣٥%) من الشعب استعمال الحرب لحل

مشكلة العراق كما يعارض (٤٤%) السياسة الخارجية الأمريكية عموماً.

وإذا كان هذا الانخفاض في سنة واحدة، ومن دول صديقة لأمريكا؛ فكيف

تكون شعبيتها في الدول الأخرى وبالذات الدول الإسلامية؟ ونتيجة استطلاع تركيا

يدل على ذلك، بل إن نتيجة استطلاع العام الماضي أثبتت أن نسبة المؤيدين

لأمريكا في باكستان (٤%) فقط؛ فكيف تكون الآن؟ وهذه الأرقام تعطينا فرصة

عظيمة لمواجهة المد الأمريكي وعرقلة أهدافه من خلال محاور عدة؛ فليس كل ما

يخطط له الأمريكيون يتحقق على أرض الواقع، بل إن أمريكا بسبب سياستها

العدوانية في العالم، وظلمها الذي أضحى حقيقة مسلَّمة لدى أكثر شعوب الأرض،

بدأت تفقد زعامتها التي تربعت عليها عقوداً من الزمن، ونشأت لديها مشكلات

داخلية وخارجية كبرى على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية

والأمنية والاجتماعية والثقافية بل والدينية، وهذه المشكلات ستتعمق مع مرور

الأيام والشهور، وتدخل أمريكا في صراعات لا نهاية لها بإذن الله، كل ذلك سيقف

عائقاً مهماًَ دون تحقيق هذه الأهداف التي أشرت إليها، وهذا يتطلب من المسلمين

جهوداً وخططاً تواكب هذه المرحلة، مما يساهم مساهمة فعالة في الحيلولة دون أن

تحقق أمريكا أطماعها ومراميها في منطقتنا الإسلامية، بل ونعمل على قلب نتائج

هذه الخطط وتوظيفها لتكون في صالح المسلمين بإذن الله.

وأرى أن المرحلة المقبلة مواتية جداً للقيام بأعمال على مستوى تطلعات الأمة،

وإن كنت أدرك أن الطريق طويل، ويحتاج إلى جهود مضاعفة تبنى على

الدراسات والخطط الإستراتيجية، وليس على ردود الأفعال، والأعمال الآنية التي

أنهكت الأمة وأضعفت من أثرها على مستوى العالم.

والأمة تملك من مقومات العزة والسؤدد ومفاتيح النصر ما لا مجال للشك فيه

أو الارتياب، ولكن عليها الأخذ بأسباب النصر، ونبذ الوهن؛ وحب الدنيا

وكراهية الموت، ومن أهم ما أشير إليه في هذه الكلمة مما يجب على الأمة أن

تبادر إليه ما يلي:

١ - تهيئة الأمة لمرحلة قادمة تخوض فيها معارك مع عدوها في جميع

الميادين الدعوية والعسكرية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وغيرها،

وهذا يتطلب إعداداً خاصاً لكل فرد من أبناء هذه الأمة رجالاً ونساءً، صغاراً

وكباراً؛ فإن المعركة شاملة طويلة، وتوجيه جهودهم وطاقاتهم من خلال مؤسسات

يكفل لها المشاركة الفعالة في جميع شؤون الأمة، وإقناع أصحاب القرار بالتجاوب

الحقيقي الصادق مع متطلبات المرحلة، وإتاحة الفرصة لكل فرد أن يقوم بواجبه

مما يحقق الأمن ويصد كيد العدو ويقضي على أسباب المركزية والأثرة والارتجال

والفوضى. ويكون كل ذلك ضمن مؤسسات مؤهلة فعالة وليست شكلية.

٢ - السعي الجاد لتوحيد صفوف الأمة على كلمة سواء، ونبذ الخلافات التي

لم تجن منها الأمة إلا الويلات مما زاد من أطماع عدوها فيها، ويكون نبراسنا في

ذلك قوله سبحانه: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا] (آل عمران:

١٠٣) ، وقوله سبحانه: [وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] (الأنفال:

٤٦) .

٣ - المبادرة إلى إنشاء مراكز الدراسات الإستراتيجية التي تعنى باستشراف

المستقبل بطريقة علمية، مما يساهم في التخطيط الجاد، وتحديد متطلبات المرحلة،

والأسلوب الأمثل لاستثمار الإمكانات بناء على أسس علمية وحقائق ثابتة بعيداً

عن الاستعجال والارتجال.

٤ - تربية الأمة تربية جادة، تتجاوز فيها حياة اللهو والعبث، وتستشعر

مسؤوليتها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها، متطلعة إلى مستقبل مشرق باهر

بإذن الله وهذا يتطلب إنشاء المؤسسات التي تعنى بهذا الأمر من مدارس وجامعات

ومراكز تعليم وتدريب ومحاضن تربوية متنوعة تتناسب مع ظروف المرحلة

ومتطلباتها؛ فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

٥ - إقامة المؤسسات والندوات والملتقيات التي تطرح فيها هموم الأمة

ومشكلاتها، يستثمر في ذلك خلاصة عقول أبنائها، ضمن أطر علمية شرعية تكون

الشورى خلاصتها وقطب الرحى فيها، من أجل توجيه جهود الأمة إلى مقاومة

أعدائها، واستثمار إمكاناتها، دون إفراط أو تفريط.

٦ - العناية الخاصة بإنشاء المؤسسات الإعلامية المتنوعة، نظراً لما تحتله

الوسائل الإعلامية من مكانة في قيادة الأمم وتوجيه شعوبها، وتنشئة الكوادر

المؤهلة لإدارة تلك المؤسسات، والاستغناء عن أعدائنا، والاستقلال بوسائلنا حتى

لا نؤخذ على حين غرة، ويكون من أبرز ما تعنى به في المرحلة القادمة هو فضح

الأخلاق والقيم الأمريكية الخادعة، مع فضح ومزاحمة المروجين لهذه القيم بيننا

والداعين للاستسلام للقوة الغربية ممثلة بأمريكا وحلفائها، الذين يأخذون بدعوى من

سبقوهم [لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ] (البقرة: ٢٤٩) .

هذه خلاصة موجزة حول بعض متطلبات المرحلة القادمة التي من خلالها

سيتحقق للأمة ما تصبو إليه من سؤدد ومكانة، وما ستلحقه بعدوها من هزيمة

محققة بإذن الله، على أن لا نغلِّب العاطفة على العقل، وألا نخضع لضغط الواقع،

وإنما نسير بخطى ثابتة، مستهدين في ذلك بهدي الكتاب والسنة؛ فلن يصلح آخر

هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، [وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا

السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (الأنعام: ١٥٣) ،

ومعنا البرهان واليقين: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً:

كتاب الله، وسنتي» .

فهلموا إخوتي إلى الفلاح وعز الدنيا والآخرة، وإلا فستصدق علينا سنة الله

الثابتة: [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد: ٣٨) .

[وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ] (المنافقون: ٨) .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.