للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

موقع السودان

على خريطة الحرب الأنجلوساكسونية

ضد الإسلام

مدثر أحمد إسماعيل [*]

في كلمة عابرة، ولكنها خطيرة في مضمونها، قال عمرو موسى الأمين العام

للجامعة العربية في كلمته أمام مؤتمر القمة العربي الأخير بالقاهرة: (ما يجري في

السودان لا يقل خطورة عما يجري في العراق) ، ويبدو أن هذا الكلام صحيح إلى

حد كبير؛ في ضوء تحليل ما يجري في السودان من تواطؤ مريب بين نصارى

أمريكا ونصارى السودان.

وانطلاقاً من قوله تعالى: [قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ

أَكْبَرُ] (آل عمران: ١١٨) ؛ حقيق على كل مسلم يقرأ كتاب الله ويعيه ويفهمه

أن يربط الأحداث الجارية في واقع الأمة الإسلامية على وجه العموم، والعربية

على وجه الخصوص بتلك الآيات القرآنية المحكمة؛ ليبني عقيدة وتصوراً ومنهاجاً

تنضبط به التفاعلات والمواقف مع الأحداث بضابط الشرع، فإن لم يكن كذلك؛ فلا

أقل من أن يضع الآيات نصب عينيه وهو ينظر إلى سياسات العدو من حوله، فقد

بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار أن أعداء الدين والملة والأمة إنما

ينطلقون في عدائهم من وراء عقيدة متجذرة في سويداء قلوبهم، تواطؤوا وتواثقوا

أن لا يحيدوا عنها قيد أنملة. فاليهود والنصارى ينطلقون في حربهم ضد الإسلام

وأهله من عقيدة تلقوها من كتبهم المقدسة؛ فنصوص العهد القديم والعهد الجديد هي

التي تنطلق منها أمريكا و (إسرائيل) في تأجيج نيران الحرب وتسعيرها؛ ففي

سفر التكوين - الإصحاح رقم ٢٠: (واشتغل نوح بالفلاحة، وغرس كَرْماً،

وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته، فشاهد حام أبو الكنعانيين عورة أبيه،

فخرج وأخبر أخويه، فأخذ سام ويافث الرداء ومشيا القهقرى إلى داخل الخيمة،

وسترا عورة أبيهما من غير أن يستديرا بوجهيهما نحوه فيبصرا عورته، وعندما

أفاق نوح من سُكره وعلم ما فعله به ابنه الصغير قال: «ليكن كنعان ملعوناً،

وليكن عبد العبيد لإخوانه» ، ثم قال: «تبارك الله إله سام، وليكن كنعان عبداً له،

ليوسع الله ليافث فيسكنه في خيام سام ليكن كنعان عبداً له» ) .

وفي الإصحاح السابع عشر: (أقيم عهدي بيني وبينك وبين نفسك من بعدك

في أجيالهم عهداً أبدياً؛ لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من

بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً) .

وفي الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرَّفة الأرض التي هي ملك

وحق أبدي فتقول: (لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر

الفرات) .

السؤال: من هو كنعان الذي وردت عليه اللعنة، وأكدت عبوديته ثلاثاً؟

والجواب: هو جد العرب وسلالتهم قبل إسماعيل عليه السلام.

للعلم هذا النص هو مفتاح الدراسة في عدد كبير من المدارس الإنجيلية في

الولايات المتحدة الأمريكية، هذه المدارس فيها الملايين من التلاميذ يفتتحون

دراساتهم بهذا الكلام، وتتفتح مداركهم عليه.

إن هذه النصوص التي ألَّفها الرهبان والأحبار فيما كتبوه من عند أنفسهم

وقالوا: هو من عند الله، وما هو من عند الله. ابتداءً بحاخامات اليهود، ومروراً

ببولس (شاؤول) ، ثم الباباوات الضالين المضلين، وانتهاءً بهرتزل ومن كان معه.

هذه النصوص هي التي تتحكم في إدارة الصراع اليهودي النصراني ضد

المسلمين، فالحرب التي دارت رحاها ضد العراق دافعها الأول العقيدة سالفة الذكر،

ومستندهم في ذلك بعض التأويلات لما جاء في رؤيا يوحنا اللاهوتي، ومنامات

الرهبان، وتكهنات الكهان أمثال (نوسترا دامُس) الذي حولت السينما الأمريكية

توقعاته المستقبلية إلى فيلم لاقى رواجاً كبيراً في العقد الماضي، ثم برز الحديث

عنها أيام حرب الخليج بين الغرب والعراق.

أما سياسة أمريكا و (إسرائيل) المستقبلية فيما يتعلق بإفريقيا عموماً،

وبأرض «كوش» خصوصاً (السودان والحبشة) ؛ فتلك أيضاً متلقاة من كتابهم

المقدس؛ فسيناريو الأحداث في جنوب السودان مثلاً إنما هو مأخوذ من العهد القديم

أشعياء، ومزامير داود، وصفنيا. فكل النبوءات تنص على أن أرض «كوش»

يقطنها شعب أجرد طوال القامة، سيبثون الرعب في القاصي والداني، ويقدمون

هدايا إلى الرب القدير في جبل صهيون.. والترجمات التفسيرية لهذه النصوص

تكاد تجمع على أن أرض «كوش» هي أرض السودان، وأن جنود الرب الجُرْد

طوال القامة هم شعب جنوب السودان؛ لذلك يتوالى المدد المادي والمعنوي خفياً

وجلياً لهذا الشعب من قِبَل أمريكا وإسرائيل؛ لتقوى شوكته ويصلب عوده، فيكون

مهيأً عند نزول المسيح.

وإليك بعض تلك النصوص:

في أشعياء (١٨) : (ويل لأرض حفيف الأجنحة في عبر أنهار كوش التي

تبعث رسلاً في البحر في قوارب البردي السابحة فوق المياه، امضوا أيها الرسل

المسرعون! إلى شعب طوال القامة جرد، إلى شعب بث الرعب في القاصي

والداني، إلى قوم أقوياء وقاهرين تشطر الأنهار أرضهم، يا جميع أهل الأرض

والساكنين فيها! عندما ترتفع راية على الجبال فانظروا، وعندما يدوي نفير بوق

فاسمعوا) .

(وفي ذلك الوقت؛ يقدم الشعب الطويل القامة الأجرد الذي بث الرعب في

القاصي والداني آلامه القوية القاهرة التي تشطر الأنهار أرضها هدايا إلى الرب

القدير في جبل صهيون موضع اسم الرب القدير) .

وفي مزامير داود (مزمور: ٦٨ - ٣٨) : (ستأتيك يا الله! أشراف مصر،

وتسرع كوش بهداياها إليك، انشدوا لله يا ممالك الأرض، رتلوا للرب كل

الترتيل) .

وفي صفنيا (٢ - ١٢) : (وأنتم أيها الكوشيون! تسقطون صرعى سيفي،

ثم يبسط يده نحو الشمال ويبيد آشور، ويجعل نينوى قفراً موحشاً أرضاً قاحلة

كالصحراء، تربض في وسطها القطعان وسائر وحوش البر، ويأوي إلى تيجان

أعمدتها القوق والقنفد، وينعب الغراب....) .

هذه النصوص استغلها المنصِّرون بشكل واسع في تنصير أبناء جنوب

السودان، بل إن المثقفين منهم وفي مقدمتهم (جون جارنج) جعلوها عقيدة

مصيرية يسعون إلى تحقيقها، والتعاون مع من يدين بالصليب وينتظر عودة المسيح.

لقد دفعت تلك النصوص الحكومة الأمريكية الأصولية الإنجيلية؛ ممثلة في

مجلس الكونجرس، إلى إصدار قانون السلام في السودان، والذي أقره الرئيس

الأمريكي جورج بوش الابن، وهو قانون من شأنه أن يؤدي إلى فرض عقوبات

على السودان إذا أخفقت حكومة الخرطوم في تحقيق تقدم لوضع حد للحرب الأهلية

الدائرة منذ تسعة عشر عاماً، أو إذا رأت إدارة الرئيس بوش أن حكومة السودان لا

تتفاوض مع المتمردين (بنيات حسنة) ، أو إذا تبين أنها تعرقل الجهود الإنسانية

في الجنوب.

وبموجب هذا القانون؛ سيكون من حق الحكومة الأمريكية إعادة النظر كل

ستة أشهر فيما إذا كانت الحكومة السودانية والجبهة الشعبية لتحرير السودان

تتفاوضان بنيات حسنة! وإذا قررت الحكومة الأمريكية أن الإدارة السودانية

مقصرة؛ فإنها ستصوِّت ضد منح قروض متعددة الأطراف إلى السودان، وستدرس

تخفيض التمثيل الدبلوماسي، ومحاولة منع حكومة الخرطوم من استخدام عائدات

بيع النفط في شراء الأسلحة، والسعي إلى استصدار قرار من مجلس الأمن بحظر

تصدير السلاح إلى الخرطوم.

كما يخول القانون الإدارة الأمريكية إنفاق ١٠٠ مليون دولار سنوياً على مدى

السنوات الثلاث في مساعدات إنسانية للمناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الحكومة.

وقد ردت الحكومة السودانية بغضب على القانون الذي سنَّته الولايات المتحدة،

ففي حديث أدلى به الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير إلى (بي. بي.

سي) أثناء وجوده بسويسرا لحضور منتدى الاستثمار الدولي في أكتوبر ٢٠٠٢م؛

اتهم الكونجرس والإدارة الأمريكية بتشجيع استمرار الحرب في بلاده؛ مشيراً إلى

أن القانون الأخير هو قانون حرب.

وقال إن القانون يحرض المتمردين على الحرب، وأنه ليس متوازناً، بل إنه

ينحاز للمتمردين بتقديم ٣٠٠ مليون دولار، وعن تفسيره لصدور هذا القانون؛ قال

البشير إن في الولايات المتحدة مجموعات ضغط قوية جداً ومؤثرة، وعلى رأسها

اليمين المسيحي، وهي التي قادت إلى إخراج هذا القانون إلى النور وتمريره على

الكونجرس حتى وصل إلى الرئيس، وهي مجموعات مؤثرة في القرار الأمريكي

والانتخابات التكميلية القادمة في واشنطن.

مما سبق يتضح جلياً أن السياسة الأمريكية تهدف إلى جعل السودان (أرض

كوش) هدفاً عقائدياً لا بد أن تسعى جاهدة إلى تحقيقه وبكل حزم؛ ولذلك فإن هناك

مقترحاً أمريكياً خفي المضمون لإعادة النظر في خريطة السودان عبر نظام

كونفيدرالي يجعل من الجنوب حكومة مستقلة ذات سيادة، ومن الشمال حكومة

مستقلة ذات سيادة، وتجمعهما عاصمة قومية هي (ملكال) .

أما الإجراءات العسكرية التي قامت بها الإدارة الأمريكية في السودان؛ فمنها

الظاهر ومنها الخفي. وأشد الظاهر خطورة إنزال ١٥٠٠ جندي أمريكي في مناطق

جبال النوبة بحجة حفظ السلام.

بهذه المعطيات وغيرها مما لم نذكره يبدو أن أمريكا أوشكت على التدخل

المباشر في السودان لحسم النزاع الدائر في الجنوب لصالح الشعب الأجرد طوال

القامة، وتهيئته لموعد مجيء المسيح، فيقدم ذلك الشعب هداياه لرب الجنود في

جبل صهيون.

لكن لا يُدرى على وجه التحديد ما هو السيناريو الذي سوف تختلقه أمريكا

للتدخل العسكري! ولا يفوتني أن أنبه لحقيقة مهمة، وهي أن الحكومة السودانية

على علم بخبايا أمريكا تجاه السودان، فنرجو منها أن تتقي الله تعالى وتعد العدة من

منظور شرعي، يدفعها عقيدة راسخة مدارها على قول الله تعالى: [وَلَن تَرْضَى

عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: ١٢٠) .


(*) من الدعاة البارزين في السودان، الخرطوم.