للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نص شعري

[جبريل آت بالمدد]

د. أحمد حسبو [*]

في غفلة من أمتي

تلا الدجى بيانه

على الأفق

وأحجم الحكيم عن كلامه

فما نطق!

في غمرة الليل الطويل عندما

تثاءب الحراس

وعندما غزا الكرى أجفانهم

وأقبل النُّعاس

حينئذٍ تتابع اللصوص

يتخافتون..

يتسللون..

يتحسَّسون..

فلربما رأوا هناك منفذا

فجردوا زهر الربا من الشذا

أو فرغوا سنابل الحقول من حباتها

قبلَ الحصاد

أو خضبوا هام المدينة بالسواد

أو أعلنوا فيها الحداد

أو حاصروا أفكارنا

في رأسنا!

أو فكروا أن يُصدروا التعداد

عن أنفاسنا!

جاؤوا بمشروع له جَزْرٌ ومد

إن لينُهم أجدى

وإلا كان شد

وإذا بهم يا حسرة والنفس منها مشبعة

وجدوا المداخل مشروعة

جاسوا خلال ديارنا

بل ربما وصلوا

إلى أغوارِنا

* * *

سرقوا الطعام ...

سرقوا السلام..

سرقوا رغيف الخبزِ

من أفواه جيل

سرقوا ابتساماتِ الصبايا

عند ساعات الأصيل

سرقوا دُعابات النجوم

مع القمر

سرقوا البوادي والحضر

سرقوا الأبوة من حياة صغارِنا

سرقوا الأمومة

سرقوا بدورَ الليلِ

واغتالوا نجومه

لم يتركوا حتى المضاجع!

وصلوا هناك لكل هاجع

سرقوا رؤى المستضعفين في المنام

فالحلم عندهُمُ حرام

سرقوا غبوقَ الغيمِ

من ضرع السحاب

وتسوّروا المحراب

إذا هنا شيخٌ وقورٌ

مشرق الجبين

يتلو ويبدو سابحا

في عالم اليقين

فساءهم وقارُهُ

وراعهم إصرارُهُ

أليس نورُ الصبحِ خير شاهد

على قبح الظلام؟!

أليس الطهرُ تهمةً

تستوجب الإعدام؟!

* * *

وهكذا، وهكذا

لم يبق شيء ها هنا

لم يسرقوه

إلا الأمل!!

فما استطاعوا مطلقا

أن يسرقوه

لأنه المولودُ في حِراء

لأنه - في شرعنا - من أصدق الأنباء

عن أمة لا تحتفي بقاتها

عند المساء

عن بعض آيات ترتَّلُ غضةً

فتعيد رصَّ الصف في وجه الجحافل

وتعيذه من كل سافل

عن ثلة الشرفاء

من يمتطون صهوة الأمجاد

وينسجون من خيوطِ الشمسِ للأوطان

درع المكرمات

من يكتبون للتاريخ أجمل الفصولِ

في الصدق والثبات

من أتقنوا صنع الحياة مثلما قد أتقنوا

صناعة الممات

لكنَّهم لم يتقنوا - لو مرة - أن ينحنوا

إلا لرب الأرض والسماء

عن موكب لا ينتمي للشرق أو للغرب

بل للكعبة الغراء

عن ليلة للعرس باتت أمتي

تضرب الدف

تهتفُ بالذّكر

تضرعُ بالدعاء

لتزف فارسها

إلى الخنساء

فأتى لها بابن الوليد

فجرا يطوِّحُ بالظلام

ويحيل قوتَه حطام

ويقيم حدَّ الله فيمن

قد سَرَق

ويعبِّدُ الطرقات نحو القدسِ

لا يخشى الزَّلَق

يقضي على سنواتِنا

تلك العجاف

ونعيشُ عامًا فيه نعصِرُ

لا نخاف

فغدًا ستلتحم الجموع

والله أكبر يا بلد

جبريلُ آتٍ بالمدد

ولسوف يُحصيم عدد

ولسوف يقتلُهم بدد

ولسوف يقتلُهم بدد

ولسوف يثأرُ للوليد ومن ولد

والله أكبرُ يا بلد..


(*) عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.