للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملفات

التغيير القادم

[ملامح التغيير الأمريكي المرتقب للمنطقة العربية]

حسن الرشيدي

«إن الإطاحة بصدام حسين ونظامه يمكن أن تؤدي إلى إعادة تشكيل الشرق

الأوسط بطريقة إيجابية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها» .

هذا جزء من شهادة كولن باول وزير الخارجية الأمريكية أمام لجنة العلاقات

الخارجية بمجلس الشيوخ التي عقدت يوم ٦/٢/٢٠٠٣م، ويعلن فيها بصراحة

ووضوح عزم الولايات المتحدة على الشروع في إعادة تشكيل المنطقة.

لقد ظهر للكثيرين أن مسألة القرار الأميركي تجاه العراق ليس قراراً ظرفياً،

وليس قرار ردة فعل على ممارسة عراقية معينة، بل إن مسألة التعاطي بالقرار هي

جزء من نظرة استراتيجية للإدارة الأميركية وفق أسلوب تعاطيها وتواجدها؛ لا بل

وضع يدها على واقع المنطقة ككل.

فالعراق يشكل في وضع المنطقة من الزاوية الجغرافية السياسية والاقتصادية

والاجتماعية مركز قيادة حقيقي لترتيب أوضاع المنطقة على حدوده من إيران

وتركيا والكويت وسوريا والسعودية حتى الخليج العربي عبر إطلالته على شبه

القارة إضافة إلى الأردن كممر على إسرائيل، وطبعاً لا ننسى القضية الفلسطينية

وانتفاضتها.

ولكي نحاول أن نستشف هذا التغيير يجب علينا إدراك أمرين:

١ - فهم الدوافع الأمريكية من هذا التغيير.

٢ - ثم ميادين التغيير التي تبتغيها أمريكا لهذه المنطقة.

* الدوافع الأمريكية للتغيير:

الدافع العقيدي:

أمريكا مثل بريطانيا ذات أغلبية بروتستانتية تغلغلت في تفكير مواطنيها

الأفكار والتنبؤات التوراتية الخاصة بعودة اليهود إلى فلسطين، ومما قوّى هذه

الأفكار التجارب التي مر بها المهاجرون البروتستانت من أوروبا إلى أمريكا حينما

قارنوا بينها وبين التجارب التي مر بها اليهود القدماء عندما فروا من ظلم فرعون

إلى أرض فلسطين.

وفي نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر بدأ التعاطف الأمريكي مع

اليهود يتحول إلى عمل ملموس من خلال جماعات وأفراد؛ فعلى صعيد الأفراد في

عام ١٩٨٥م قام وارد كريون القنصل الأمريكي في القدس بتأسيس مستوطنة

زراعية في منطقة القدس وخطط لتأسيس مستوطنات أخرى ولكن لم يجد الدعم

المطلوب من اليهود.

وعلى صعيد الجماعات ظهرت جماعة أخوة المسيح وجماعة بناي بريث

أي: أبناء العهد وشهود يهوه، ثم جاء دور الرؤساء الأمريكيين في دعم الحركة

الصهيونية، وزاد هذا الدعم في بداية الأربعينيات مع انتقال مركز الثقل في النظام

العالمي إلى الولايات المتحدة؛ فالرئيس روزفلت اتخذ نجمة داود شعاراً رسمياً

للبريد والخوذات التي يلبسها الجنود وعلى أختام البحرية، وجاء بعده ترومان الذي

أصدر بياناً طالب فيه بإدخال مائة ألف يهودي فوراً إلى فلسطين وكان له دور

مشهود بجانب اليهود في حرب ١٩٤٨م.

ولتوضيح أثر العقيدة البروتستانتية في دفع رؤساء أمريكا إلى الانحياز

لإسرائيل نسوق موقف الرئيس الأمريكي جون كنيدي الذي كان الرئيس الكاثوليكي

الوحيد في تاريخ أمريكا؛ حيث قال: إن الانحياز الأمريكي في النزاع

العربي الإسرائيلي لا يهدد الولايات المتحدة فحسب بل يهدد العالم بأسره؛

فالأفكار والتنبؤات التوراتية لم تكن في وجدانه أو عقله مثل سابقيه ولاحقيه.

فالرئيس جونسون الذي قدم الدعم لـ (إسرائيل) أثناء حرب ١٩٦٧م صرح

بعدها قائلاً في إحدى الاحتفالات للحاضرين: إن بعضكم إن لم يكن كلكم لديه

روابط عميقة بأرض إسرائيل مثلي تماماً؛ لأن إيماني النصراني ينبع منكم

وقصص التوراة منقوشة في ذاكرتي تماماً مثل قصص الكفاح البطولي ليهود العصر

الحديث من أجل الخلاص من القهر والاضطهاد.

ويقول الرئيس كارتر أمام الكنيست الإسرائيلي: إن علاقة أمريكا بإسرائيل

أكثر من علاقة خاصة؛ لأنها علاقة متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات

الشعب الأمريكي نفسه. وقد وضح كارتر الأمر أكثر في حفل أقامته على شرفه

جامعة تل أبيب حيث ذكر أنه باعتباره نصرانياً مؤمناً بالله يؤمن أيضاً أن هناك

أمراً إلهياً بإنشاء دولة إسرائيل. لقد كان كارتر مثالاً للرئيس الملتزم بالصلاة في

الكنيسة كل أحد، وكان عضواً في أكبر كنائس بلدته وشماساً في مدرسة الأحد.

أما ريجان فقد قال في أحد خطبه موجهاً كلامه إلى بعض اليهود الأمريكيين:

«حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات المنبئة بمعركة

هرمجدّون أجد نفسي متسائلاً عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى ذلك لاحقاً» .

لقد عبّر الكاتب اليهودي الأمريكي جون بيتر عن واقع أمريكا عندما قال: إن

الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهاينة كما ينحني العابد أمام قبر

مقدّس. هكذا وصل إيمانهم.

وجاء بوش الذي خصصت مجلة النيوزويك له منذ فترة قصيرة وقبيل الحرب

ضد العراق مباشرة موضوع الغلاف لها حول حياة بوش منذ صباه مع التدين؛ ففي

بداية حملته الانتخابية ذكر أن المفكر المفضل لديه هو المسيح - عليه السلام -،

وبعد بضع دقائق من أدائه اليمين الدستورية وهو يضع يده على الإنجيل ردد بعد

القسم كلاماً صوفياً غامضاً جاء فيه أن ملاكاً يمتطي صهوة الزوبعة ويوجه هذه

العاصفة؛ دون أن يوضح معنى هذه العبارة. وقال الرئيس أثناء فطور وطني

خصص للصلاة: إن الإيمان أعانني في النجاح، ولولا الإيمان لكنت شخصاً آخر،

ومن دونه لما كنت بالتأكيد هنا. حتى إن آلا ليشتمان المؤرخ المتخصص في

شؤون الرئاسة الأميركية في الجامعة الأميركية بواشنطن يقول: إن الربط بهذا

الشكل بين الدين والسياسة أمر لا سابقة له لرئيس بدأ مهامه منذ أسبوعين.

* أحداث ١١ سبتمبر:

لقد جاءت هذه الأحداث في غير السياق المرسوم للتفوق الأمريكي هذا النجم

الذي ظن أصحابه أنه سيبقى ببقاء الحياة. فقبل شهر من هذه الأحداث ذكر تقرير

لوزارة الخارجية البريطانية بأن من شبه الأكيد أن الولايات المتحدة ستظل حتى عام

٢٠٣٠م القوة العسكرية والاقتصادية العظمى الوحيدة في العالم. حتى جاءت هذه

الضربة.

لا شك أن هناك تغييرات حدثت في جميع جوانب هذه الزعامة:

يقول خبراء في الشؤون العسكرية: إن ما شهدته الولايات المتحدة هو بمثابة

تعبير بارز عن مفهوم الحرب غير المتكافئة التي هي حرب القرن الـ ٢١.

وهذه الحرب غير المتكافئة تدور بين طرفين أحدهما دولة محددة واضحة

المعالم، وطرف آخر مبهم جغرافياً؛ بدليل أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول

أعلن رسمياً أن ما حصل هو إعلان حرب على الولايات المتحدة من دون أن يكون

قادراً على تحديد الجهة التي أعلنت هذه الحرب.

ويعتبر الباحث الفلسطيني مروان بشارة أن هذه الحرب هي حرب القرن

الحالي؛ خصوصاً أن فريقاً من المحللين العسكريين الأميركيين يعتبرون أن آخر

حرب متكافئة هي الحرب على الرئيس العراقي صدام حسين الذي خاض حرباً

متكافئة على الأرض مع الولايات المتحدة، وأنه منذ حوالي ثلاثة أعوام بدأ هؤلاء

المحللون يعتبرون أن الحروب المستقبلية المحتملة لن تكون متكافئة.

لقد شهدت المؤسسة العسكرية الأميركية على مدى السنوات الماضية نقاشاً في

شأن الصعيد الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية: الصعيد الدولي الشمولي وما يمثله

من تهديدات بواسطة الصواريخ الباليستية والأسلحة الكيماوية والجرثومية؟ أم

ينبغي تكريس الأولوية لتهديدات الحرب غير المتكافئة؟

لقد انتخب الرئيس الأميركي جورج بوش على أساس برنامج يسعى لرفع

مستوى الاستثمار في الصناعات العسكرية، ومن هذا المنطلق أعطيت الأولوية

للدرع المضاد للصواريخ الباليستية مما أثار العديد من الاحتجاجات في أوساط

الخبراء العسكريين المتنبهين لمخاطر الحرب غير المتكافئة وفقاً لما أظهره مثلاً

حادث تفجير الـ يو إس إس كول.

وحذر هؤلاء الخبراء مراراً من أعمال إرهابية من نوع جديد تستند إلى

شبكات دولية تحظى بدعم مالي مهم، وتستخدم وسائل حديثة للاتصال

والمواصلات، وما جرى في نيويورك وواشنطن لا بد أن يرجح كفة الخبراء

الذين تحدثوا عن الحرب غير المتكافئة.

وأثبتت أحداث ١١ سبتمبر هذه المغامرة العسكرية الكبيرة التي تسمى بالدرع

الصاروخي أنها لن تأتي بالنتائج المرجوة في نهاية المطاف فضلاً عن تكاليفها

الباهظة على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.

وتم اختراق الحواجز الأمنية لأكبر قدرة معلوماتية واستخباراتية في العالم

بحيث أتى الأمر كله مفاجأة فوق تصور الجميع، وهو ما جعل الأمريكيين وغيرهم

يصابون بالذهول ويتساءلون: ماذا لو كان هذا الهجوم من قوة عظمى أو حتى من

إرهابيين يملكون أسلحة فتاكة كالأسلحة النووية أو الجرثومية أو غيرها؟

إن تدمير مركز اقتصادي ضخم كان من نتيجته موت كثير من العقول التي

تصنع الحياة الاقتصادية في أمريكا، وضياع قدر من الوثائق والأموال ناهيك بما

لحق كثيراً من الشركات من خسائر فادحة تقدر بالمليارات، وهذا بلا شك سيضعف

إلى وقت طويل المنظومة الاقتصادية العالمية والتي كانت أمريكا تريد ضم العالم

إليها.

وكمثال واحد فقط أن مؤسسة (مورغان ستانلي آند دين وتر) كانت تحتل

خمسين طابقاً في أحد برجي مركز التجارة العالمي، ولك أن تتصور مدى الخسارة

المالية والبشرية التي ستواجهها مؤسسة استثمارية بهذا الحجم. هذه المؤسسة واحدة

من أكبر ثلاث أو أربع شركات أميركية تتعامل مع أسهم الأسواق المالية والسندات

ليس فقط في الولايات المتحدة بل في آسيا وأوروبا كذلك.

وبعد التفجيرات الأمريكية الأخيرة بدأت نظرية هنتنغتون في صدام

الحضارات هي التي تطغى على العقلية الأمريكية في تفسير صراعها مع الإسلام؛

فقد لاحظت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية على سبيل المثال أنها حين حاولت

استمزاج رأي بعض المسؤولين الأميركيين حول الفكرة بأن السياسة الأميركية

الخاطئة في الشرق الأوسط كانت وراء تفاقم ظاهرة الإرهاب جوبهت بثورات

غضب رافضة لأي بحث في هذه المسألة، وكان رد الجميع أنهم يكرهون أميركا

ليس لأنها تدعم إسرائيل بل لأسباب ثقافية.

وفي هذا الاتجاه نشرت صحيفة نيس الفرنسية الصباحية مقالة للكاتب اليميني

المعروف بتوجهاته مارك شيفانش يذكر فيها أن ما حدث يعكس تماماً ما تنبأ بحدوثه

هنتنغتون في صراع الحضارات، وعلينا أن ننظم أنفسنا لمواجهة مثل هذه

التهديدات الحضارية التي تواجهنا؛ فإن هذه التفجيرات ما هي إلا مقدمة لمواجهات

ومواجهات حضارية.

حتى إن كاتباً آخر ذا ميول يسارية وهو (جان دانييل) رئيس تحرير مجلة

(لونوفل) لم يتردد بدوره من تحليل الأحداث بالقياس إلى عالمية إسلامية بحسب

رأيه، والتي يرى أنها معادية للغرب بشدة ومعادية في الأغلب للمسيحية، وهي

معادية بضراوة للأميركان. وبالقياس إلى فكرة صدام الحضارات يرى أن هذه

العالمية الإسلامية لا تملك هدفاً آخر غير ضرب الغرب وخاصة الولايات المتحدة.

* المحافظون الجدد:

هو المحور الثاني في التحالف السياسي الأيديولوجي الحاكم في واشنطن

والذي يرسم استراتيجيتها الجديدة ويسعى إلى فرض سياستها الجديدة على العالم.

يتكون هذا التيار من مجموعة من المثقفين (المسيحيين واليهود) الليبراليين

السابقين الذين تركوا الحزب الديمقراطي في عهد ريغان وانضموا إلى الحزب

الجمهوري؛ حيث اجتذبتهم السياسة المتشددة التي انتهجها ريغان آنذاك والنزعة

المحافظة التي اتسمت بها سياسته الداخلية والخارجية.

وقد انخرط العديد منهم في إدارة ريغان ومن بعده بوش الأب - البعض

كمسؤولين مباشرين، والبعض الآخر بصفة مستشارين رسموا عملياً توجهات

إدارته وسياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ومنهم من أصبح اليوم يلعب دوراً محورياً في إدارة بوش الابن، ومن أبرز

ممثلي هذا التيار أولئك الذين يطلق عليهم اليوم اسم: (حزب الحرب) من أمثال

ريتشارد بيرل، ودوغلاس فيت، وبول وولفوفيتز، وجون بولتون؛ وبالطبع

ديك تشيني، ودونالد رامسفليد، وكونداليزا رايس.. وآخرون.

وتقول جريدة لوس أنجليس تايمز الأميركية يوم ١/٩/٢٠٠٢م إن فكر

المحافظين الجدد بدأ يتشكل في سبعينيات القرن الماضي على مبدأين أساسيين:

١ - رفض انعزالية الديمقراطيين (التي يئست من نشر الديمقراطية والقيم

الأميركية على المستوى الدولي) ورفض واقعية الجمهوريين (التي تنظر إلى

العلاقات الدولية بالأساس كصراع قوى ومصالح، ولا تهتم كثيراً بالرؤى الأخلاقية

مثل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم) .

٢ - البحث عن سياسة خارجية أميركية تضمن هيمنة الولايات المتحدة

عالمياً، وتنشر قيمها الأساسية كالديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المجتمع المدني

والمؤسسات السياسية من خلال سياستها الخارجية. وأن تقرن مساعداتها وضغوطها

على دول العالم المختلفة بتبني هذه الدول للقيم الأميركية وتنفيذها داخل مجتمعاتها

ونظمها السياسية.. سياسة تنطلق من وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة

في العالم، وتعمل للحفاظ على هذا الوضع والاستفادة منه لأكبر فترة ممكنة.

يستمد هذا التيار قوته ونفوذه وقدرته على التأثير ليس من قوته العددية فهو

قليل العدد ويتألف من نخبة من السياسيين والمثقفين والمحللين والباحثين

والإعلاميين من كُتَّاب الأعمدة الرئيسية في الصحف الكبرى والذين لديهم القدرة

على الوصول إلى منابر إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة مما منحهم إمكانية التأثير

في الرأي العام، بل وصنعه، وكذلك القدرة على تبوُّؤ مناصب عالية في مراكز

أبحاث ودراسات استراتيجية؛ حيث أنشؤوا مراكز أدمغة مهمتها وضع الدراسات

والاقتراحات النظرية والتوصيات والخطط المستمدة من رؤيتهم للعالم الراهن في

عصر الأحادية القطبية؛ حيث الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة والآمرة؛ ذلك

هو مصدر قوة ونفوذ.

ولقد هيمن دعاة هذا التيار المتشدد من المحافظين الجدد على إدارة بوش اليوم،

وهم يؤكدون أن الإمبراطورية الفتية لا يمكن أن تقوم بالأعباء التي ألقاها القدر

والتطور العالمي المعاصر على عاتقها إلا باختيار القوة العظمى لقدراتها الردعية

باستمرار لكي تثبت فعاليتها وأحقية زعامتها هؤلاء هم الآباء الروحيون لما صار

يُعرف اليوم باسم مبدأ بوش: (مبدأ الضربات الاستباقية) و (حق التدخل في كل

أنحاء العالم) و (القرارات والخطوات الانفرادية النابعة من مصالح الولايات

المتحدة وحدها) والتي لا تأخذ في الاعتبار مصالح وحقوق أي طرف أو بلد آخر

حتى ولو كان من أقرب حلفاء واشنطن وأصدقائها.

* النفط:

تدرك الولايات المتحدة أن الاعتماد على بترول الخليج وحده أمر محفوف

بالمخاطر في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة؛ وخصوصاً أن منطقة الشرق

الأوسط والخليج تشهد تصعيداً بفعل القضية الفلسطينية وانعكاساتها على المنطقة

والسياسة العربية ومنها الخليجية.

من هنا جاء الاهتمام الأمريكي خاصة والغربي عامة بمفهوم أمن الطاقة،

والسعي للعثور على مناطق بديلة للخليج العربي لإنتاج الطاقة، وظهر الاهتمام

ببحر قزوين في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وقد أشارت التقارير

الأمريكية أن احتياطيه من الطاقة يكفي لعشرات الأعوام المقبلة.

ويزيد من الاهتمام الأمريكي وفق مصادر كثيرة أن حاجة الولايات المتحدة

والمجتمعات الغربية للنفط تزايدت؛ ففي عام ١٩٩٨م بلغت حاجة الولايات المتحدة

والاتحاد الأوروبي واليابان ٣٧ مليون برميل من البترول يومياً استوردت منه

٢٥ مليون برميل؛ بمعنى أن هذه الدول حصلت على ٦٨% من احتياجاتها من

النفط عن طريق الاستيراد.

وتصدر دول الخليج ١٨ مليون برميل من إنتاجها النفطي الذي يبلغ

٤٠ مليوناً في اليوم إلى هذه الدول وحسب تقديرات وزارة الطاقة الأمريكية؛ فإن

حصة دول الخليج من تصدير النفط العالمي التي بلغت ٤٥% عام ١٩٩٨م سترتفع

إلى ٦٥% في عام ٢٠٢٠م.

والأمريكيون يريدون إيجاد مصادر بديلة عن نفط الشرق الأوسط الذي يشكل

أكثر من ٥٠ في المائة من استيراداتهم؛ بينما أكد خبير النفط لدى معهد الطاقة في

لندن محمد علي زيني أن الغرب لن يتمكن من تعويض النفط العربي لا بالاستيراد

من روسيا، ولا من غيرها.

وفي هذا الشأن قال ريتشارد ميرفي مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق

في محاضرة له في دبي بنادي دبي للصحافة: إن المصالح الأمريكية في المنطقة

تتمثل في أمرين:

الأول: ضمان الوصول إلى مصادر الطاقة بهدف الهيمنة.

والأمر الثاني: ضمان أمن إسرائيل.

* مجالات التغيير السياسي:

ينطلق التغيير الذي تريده الولايات المتحدة للمنطقة عبر محاور رئيسية:

* النظم العربية نفسها من حيث بنيتها والتفاعلات الداخلية والخارجية لهذه النظم،

ووفق التصور الأمريكي هناك نوعان من النظم:

الأول: نظم ذات علاقة خاصة مع الولايات المتحدة كالنظام الأردني

والمصري والخليجي والمغربي والتونسي والجزائري، وهذه النظم تخطط الولايات

المتحدة لتغيير نظمها التعليمية والإعلامية وأوضاعها السياسية والاقتصادية وفق

آليات تغيير سلمية بالتنسيق مع حكومات تلك الدول مثل الضغوط الدبلوماسية

والمنح والمعونات والبعثات التدريبية لنخبة معينة وبرامج الشراكة الاقتصادية.

أما النوع الثاني من النظم: فهي نظم غير صديقة لأمريكا مثل النظام السوري

والليبي والسوداني والعراقي أيام حكم صدام حسين وهذه تمارس معها الإدارة

الأمريكية الآليات غير السلمية كالعقوبات الاقتصادية أو الوسائل العسكرية. وهذه

لها صورتان: الأولى هي التلويح بالقوة العسكرية المصاحب للضغط الدبلوماسي

كما حصل مع سوريا مؤخراً، أو من خلال عمل عسكري مبشر يتمثل في شن

حرب شاملة أو جزئية مثلما حدث مع النظام العراقي.

* الإطار أو النظام الإقليمي الذي يجمع هذه النظم:

تتعدد الرؤى والأطروحات المتعلقة بالمنظومة الإقليمية التي تحاول أمريكا

السيطرة بها على المنطقة، وبتتبع تاريخ بريطانيا مع هذه المنطقة نجد أنها ساهمت

بشكل كبير في إنشاء جامعة الدول العربية كي تتمكن من إيجاد نظام إقليمي تتمكن

به من السيطرة على المنطقة، وحاولت في وقت لاحق في عام ١٩٥٥م إقامة حلف

بغداد وضم في عضويته العراق وإيران وباكستان وتركيا بهدف تقوية دفاعات

المنطقة، ومنع الاختراق السوفييتي للشرق الأوسط، وكانت بريطانيا تأمل في

انضمام سورية والأردن إلى الحلف في مرحلة لاحقة لإكمال الطوق حول المنطقة،

والآن تحاول الولايات المتحدة ممارسة دور الهيمنة على المنطقة عبر منظومة

إقليمية جديدة، وتأمل إدارة بوش أن يكون الحلف الذي تسعى لتشكيله من الدول

العربية الديمقراطية الحديثة أن يلاقي مصيراً أكثر نجاحاً من حلف بغداد قبل حوالي

نصف قرن؛ فباكستان أصبحت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حليفاً أمريكياً

يعتمد عليه؛ كما أن تركيا حليف قوي حتى وإن بدت بعض الغيوم أثناء الحرب

على العراق.

ولكن الجديد في هذا الحلف هو دخول مصر؛ فقد ظهر اقتراح مصري بإنهاء

دور الجامعة العربية وكأنه يمهّد لصيغة ما تلعب فيها مصر دوراً مركزياً في

التشكيلات الأميركية الجديدة لدول المنطقة بعد التخلص من النظام العراقي؛ كما أن

بعض المحطات الفضائية الأوروبية كشفت الورقة المستورة في الموقف الأردني

عندما أشارت إلى مطار في منطقة الرويشد تنطلق منه طائرات الشبح الأميركية

القاذفة والتي لا يكشفها الرادار فضلاً عن طائرات مروحية مقاتلة إلى شمال العراق.

الدولتان الوحيدتان من حلف بغداد اللتان استبعدتا من تحالف اليوم الذي ترسمه

الولايات المتحدة هما إيران وسوريا. ولكن الصقور في إدارة بوش قد ألمحوا إلى

أن تغيير النظام في إيران سيكون الخطوة التالية لهم بعد الانتهاء من العراق، ثم

تأتي سورية متأخرة قليلاً على القائمة نفسها. ولعل هذه الضغوط السياسية تدفع

هؤلاء إلى الارتماء الكامل في تلك المنظومة وخاصة أن تلك الدول في النهاية تحقق

للسياسة الأمريكية أهدافها، ولكن مشكلتها تكمن في طموحاتها العالية في المنطقة

والتي تصطدم مع الأهداف الأمريكية، وفي تصريح أخير لكولن باول وزير

الخارجية الأمريكي في أعقاب سقوط بغداد قال بالحرف الواحد: «نأمل أنه نتيجة

لما حدث في العراق وللبغض الذي يكنه العالم للأنشطة الإرهابية وتطوير أسلحة

الدمار الشامل أن بعض الدول التي كنا على اتصال بها ونتحدث إليها.. سوريا

وايران سوف تتحرك في اتجاه جديد» .

وجاءت قمة شرم الشيخ لتخطو بها الولايات المتحدة خطوة جديدة في هذا

السياق؛ حيث أشارت تقارير صحفية إلى أن من ضمن أهداف القمة بحث مسألة

تشكيل نظام إقليمي جديد في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين.

وكشفت تقارير صحفية غربية أن هناك ثلاثة مشروعات تم إعدادها بواسطة

خبراء استراتيجيين ومسؤولين كبار بالإدارة الأمريكية، لكي يتم عرضها على القادة

العرب في قمة شرم الشيخ التي عقدت في مطلع الشهر الماضي، وهذه المشروعات

هي:

المشروع الأول: يطلق عليه النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط وهذا

المشروع يرى أن مرحلته الأولى تبدأ بتبني الدول الخليجية إصلاحات ديمقراطية

وفي مسائل حقوق الإنسان وتعديل الخطاب الديني ليتسم بالاعتدال والواقعية، وكل

ذلك ستتضمنه أوراق تفصيلية يناقشها الخبراء الأمريكيون مع مسؤولي الدول

الخليجية؛ على أن يتم إنجاز هذه الإصلاحات المطلوبة في غضون ١٨ شهراً من

تاريخ البداية.

ويرى المشروع الأمريكي أنه خلال الـ ١٨ شهراً التي سيجري فيها تنفيذ

هذه الإصلاحات فإن الأوضاع في العراق ستكون قد استقرت، وأخذت درجة كبيرة

من التشكل والتطور نحو بناء ما يسمونه بنظام ديمقراطي مستقر وحكومة قوية

جديدة داخل العراق.

وفي إطار المرحلة الثانية يركز هذا المشروع على تطوير مجلس التعاون

الخليجي القائم حالياً ليضم العراق إلى جانبه كخطوة أولى وربما دولاً أخرى في

خطوة ثانية، وأن هذا الاتجاه سيكون غرضه الرئيسي التنسيق في السياسات الأمنية

والدفاعية المشتركة إزاء كافة أنواع التهديدات التي تتعرض لها هذه الدول؛ كما أن

التعاون الاقتصادي بين هذه الدول سيكون محكوماً باتفاقيات مع الولايات المتحدة،

وأن بريطانيا أيضاً قد تنضم إلى هذه الاتفاقيات.

وفي هذه المرحلة أيضاً سيتم الاتفاق على إدارة حوار استراتيجي سياسي ممتد

بين هذه الدول والولايات المتحدة، وسيكون الغرض الرئيسي من هذا الحوار هو

تحقيق الاتفاق والتوافق الكامل في كل المسائل الاستراتيجية والسياسية.

ويشير المشروع إلى أن اليمن ستكون من أوائل الدول المرشحة للانضمام إلى

هذا النظام الإقليمي الجديد بشرط أن تلتزم اليمن بعدد من خطوات الإصلاح

السياسي والاقتصادي، وأنه في حال تعذر انضمام اليمن إلى ذلك المجلس الإقليمي؛

فإن اليمن سيكون مرشحاً لنوع آخر من الترتيبات الأمنية والاقتصادية في البحر

الأحمر.

ويؤكد المشروع أهمية منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية مشيراً إلى أن هذه

المنطقة مرشحة بقوة لأن تكون جزرها مأوى للإرهابيين، وأنه لا يمكن ضمان

نجاح الترتيبات والأوضاع الأمنية الجديدة إلا إذا كان هناك استقرار في التخوم

والمناطق المحيطة بها.

وأشار المشروع إلى أن إريتريا واليمن دولتان رئيسيتان في أمن البحر الأحمر

بالإضافة إلى دول عربية وأفريقية أخرى، وأنه لا بد من النهوض بالتنمية

الاقتصادية في هذه المنطقة، ومساعدة حكامها في اتباع سياسات أمنية ناجحة تمكنهم

من القضاء على بؤر الإرهاب.

وأشار المشروع إلى ضرورة بحث إنشاء مجلس جديد للأمن في البحر الأحمر

يضم اليمن وإريتريا ومصر والأردن، وقد تشارك إسرائيل فيه، وأن هذا المجلس

سيحدد أيضاً جوانب التعاون السياسي والاقتصادي بين أعضائه محكوماً باتفاقيات

سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة.

ويؤكد المشروع ضرورة وجود حلقات تنسيق وتعاون أمني جديد بين المجلس

الجديد للأمن في البحر الأحمر وبين مجلس التعاون الخليجي، وخاصة أن البحر

الأحمر يمثل تخوماً استراتيجية لدول الخليج.

والمشروع لا يستبعد السودان من التفكير في الأطر الإقليمية الجديدة للشرق

الأوسط إلا أنه يؤكد أن السودان عليه إنجاز العديد من الواجبات حتى يعود إلى

مساره الطبيعي وفقاً للرؤية الأمريكية.

وتأمل الإدارة الأمريكية في الانتهاء من بناء النظام الإقليمي الجديد في المنطقة

في غضون الفترة الأولى من الولاية الثانية للرئيس بوش في حال نجاحه حتى يمكن

إرساء أوضاع مستقرة في هذه المنطقة.

أما المشروع الثاني - الذي يحمله الرئيس بوش - فهو يؤكد على ضرورة

ضم مصر والأردن مع دول الخليج والعراق الجديد في منظومة أمنية واحدة تكون

فيها الولايات المتحدة شريكاً كاملاً في الالتزامات والحقوق والواجبات مع هذه الدول.

ويطلق على هذه المنظومة الأمنية الجديدة مسمى مجلس الدفاع المشترك

للشرق الأوسط، ويترك فيه الباب مفتوحاً أمام انضمام دول أخرى وقد رشح

المشروع هنا إسرائيل وتركيا للانضمام إلى هذا المجلس في مرحلة تالية.

أما عن المشروع الثالث فإن هدفه بالأساس يركز على توسيع طبيعة

المنظومة الأمنية ليشمل دول المغرب العربي وخاصة المغرب وتونس، وأن هذه

المنظومة الواسعة سيكون هدفها بالأساس مكافحة الإرهاب واقتفاء أثر ومحاصرة

نظم الحكم التي ترعى الإرهاب في هذه المنطقة!!

* القاعدة الفكرية التي تقوم عليها هذه النظم:

تقوم فكرة تغيير القاعدة أو الأساس الفكري للنظم في المنطقة حول نشر

الديموقراطية.

ويكشف هيس مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية وهو يهودي ذو ميول

صهيونية في محاضرته الشهيرة عن أحد أسباب سعي أمريكا إلى نشر الديموقراطية

وهو كما قال: سوف نزدهر أكثر كشعب وكدولة في عالم من الديمقراطيات بدلاً من

عالم من الأنظمة الاستبدادية والفوضوية.

ويشرح هيس أسباب هذه الخطوة فيقول: العالم الديمقراطي هو عالم مسالم

بشكل كبير؛ فنمط الديمقراطيات المتأصلة التي لا تتحارب مع بعضها البعض هو

أحد أهم النتائج التي أمكن إثباتها في دراسات العلاقات الدولية.

إذن ما تهدف إليه أمريكا هو جعل الشعوب التي تعادي أمريكا شعوباً مسالمة

كما ثبت في التجربة الألمانية واليابانية.

ولكن ماذا إذا أتت هذه الديموقراطية بأحزاب إسلامية؟ يقول هيس: «نحن

ندرك تماماً عندما نشجع الديمقراطية أن التحرك المفاجئ نحو الانتخابات الحرة في

البلدان ذات الأكثرية الإسلامية قد يأتي بالأحزاب الإسلامية إلى الحكم؛ لكن السبب

لا يكمن في كون الأحزاب الإسلامية تتمتع بثقة السكان الساحقة؛ بل لأنها في

الغالب المعارضة المنظمة الوحيدة للحالة الراهنة التي تجدها أعداد متزايدة من

الناس غير مقبولة. بعد الذي قلته دعونا لا نترك مجالاً لسوء الفهم: الولايات

المتحدة لا تعارض الأحزاب الإسلامية تماماً؛ كما لا تعارض الأحزاب المسيحية أو

اليهودية أو الهندوسية في الديمقراطيات ذات الأسس العريضة. إن طريقة استقبالنا

لنتائج انتخابات الشهر الماضي في تركيا تبرهن بوضوح على هذه النقطة. لقد عبّر

عن ذلك رئيس وزراء تركيا عبد الله غول على أحسن ما يرام عندما قال بعد إدلاء

القَسَم قبيل تسلمه منصبه: نريد أن نثبت أن الهوية الإسلامية يمكن أن تكون

ديموقراطية، ويمكن أن تكون شفافة، ويمكن أن تتماشى مع العالم المعاصر.

والأمريكيون على ثقة بأن الشعب التركي قادر على إثبات كل هذا، ونريد أن

نساعدهم في ذلك» .

ولكن هذه الديموقراطية لا بد لها من بيئة تتوافر فيها اشتراطات معينة مثل

تعديل مناهج التعليم وتحرير المرأة وغيرها من المفردات الثقافية التي تتهيأ أمريكا

لتعميمها.

لكن أخطر ما يمكن أمريكا فعله لتهيئة ما يسمى الأجواء لتطبق ديمقراطيتها

تلك هي محاولة التلاعب بالإسلام كشريعة وعقيدة؛ فقد ذكر أحد الباحثين

الأمريكيين في دراسة نشرت مؤخراً أن الإسلام ذاته هو العائق في سبيل نشر

الأفكار الغربية بين المسلمين؛ ولذلك إذا أراد الغرب السيطرة على تلك البقعة فعليه

بتغيير المنابع التي ينهل منها المسلمون.

ولاحظ الباحث أن المسلمين يرجعون إلى النموذج الحنبلي كلما ضاقت بهم

السبل؛ ولذلك يجب التعامل مع هذه المدرسة وإفرازاتها وما يتفرع منها، ولعل

نغمة تغيير الخطاب الديني تصب في هذا الاتجاه.

* الحدود والجغرافيا السياسية للكيانات العربية:

حيث إن هناك نظريات أمام الإدارة الأمريكية لتغيير الوضع الجيوسياسي

للمنطقة تتمثل في:

- الإبقاء على الوضع الحالي للأنظمة في الخلط بين الأنظمة والكيانات،

والتي سادت في حقبة النصف الأخير من القرن العشرين، بحيث كان بعض الحكام

يمزجون بين حتمية استمرار النظام السياسي القائم ووحدة الكيان الوطني.

- تجزئة المنطقة العربية إلى كيانات عرقية وطائفية.

- الفيدراليات الديمقراطية. والمقصود به أوطان منقسمة على أسسٍ عرقية أو

دينية أو مذهبية، ثمّ تجميع للقطع المبعثرة في صيغٍ فيدرالية ديمقراطية. وسيكون

الوجود العسكري الأميركي القوي في منطقة الخليج وداخل العراق مستقبلاً بمثابة

قوة ضاغطة (ومساعدة أحياناً) لضمان حقوق الأقليات في المنطقة وللوصول إلى

الصيغ الفيدرالية الديمقراطية.

ولعل ما حدث في العراق يوضح ما تنويه أمريكا للمنطقة؛ حيث تصر على

أن العراق سيكون المثل؛ فمنذ سقوط النظام العراقي والولايات المتحدة حريصة

على إبقاء درجة من الفوضى تسري في أوصاله، بل ذكرت مصادر إعلامية غربية

أن بعض هذه الفوضى قد سعى لها الحكم الأمريكي للعراق، وهذه الفوضى تحقق

للولايات المتحدة الذريعة لتقسيم العراق إلى كانتونات في حالة إخفاق القوى السياسية

العراقية في إيجاد نظام يحقق المصالح الأمريكية في المنطقة.

ولكن يجب أن نقف عند حقيقة لا بد من تبيانها وهو أن ما تريده الولايات

المتحدة أو ما تحاول أن ترسمه مراكز أبحاثها ليس شرطاً أن يحدث في الواقع،

وقد تمر عقود والأمر أحلام وتمنيات، وقد تحدث متغيرات غير متوقعة تقلب

الطاولة السياسية بمن عليها كمجيء إدارة أمريكية ديموقراطية لا تضع هذا التغيير

في سلم أولوياتها، أو تقع هجمات وتفجيرات هنا وهناك تؤخر تسلسل الأحداث كما

تريدها أمريكا، ويكفي أن إرادة تغيير النظام العراقي كانت عند الإدارات الأمريكية

المتعاقبة منذ انتهاء حرب الخليج عام ١٩٩١م منذ عهد بوش الأب ومروراً بكلينتون

وحتى في السنة الأولى من حكم بوش الابن؛ حيث سعى لإيجاد تكتل إقليمي

لضرب العراق، ولم تفلح جولة لتشيني وباول في المنطقة بهذا الصدد، ولكن هذه

الإدارة انتهزت فرصة أحداث ١١ سبتمبر لتعيد صياغة قواعد كثيرة من النظام

الدولي ومفردات الصراع العالمي؛ فالأمر ومناط الأحداث لا يتوقف على ما تريده

الإدارة الأمريكية فقط؛ بل إن إرادات أخرى سوف تكون لها كلمتها في المستقبل

القريب إن شاء الله.