للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[هل تنتهي الانتفاضة الفلسطينية؟]

غازي حمد

الإجابة عن هذا السؤال بنعم كانت الحلم الذي تمنى تحقيقه الإسرائيليون بعد

مرور ألف يوم على الانتفاضة، فيما اعتبر رئيس أركان جيش الاحتلال (موشيه

يعلون) أن إعلان الفصائل الفلسطينية وقف الانتفاضة سيعني انتصار (إسرائيل) .

فلسطينياً ما زالت أصداء دعوات رئيس الوزراء محمود عباس بوقف

الانتفاضة وعسكرتها تتردد بعد استلامه للمنصب وتكرار ذلك على الملأ في بيانه

في قمة العقبة ... ثم تصريحات محمد دحلان التي قال فيها: «أتمنى أن تنتهي

الانتفاضة» .

أما الفصائل الفلسطينية فترى أن وقف الانتفاضة وهم غير منطقي في ظل

استمرار الاحتلال، وهم يتوعدون الاحتلال بنهاية حلمهم بانتهاء الانتفاضة بعد

مرور شهور الهدنة.

وميدانياً الانتفاضة مستمرة في كل مدينة وقرية مع استمرار مظاهر الاحتلال

المتواصلة، وما زالت الممارسات الاحتلالية شاهدة على قرب انطلاق موجة جديدة

من المقاومة.

* انتهاء الانتفاضة وهم:

هذا ما عبر عنه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد قيادي حركة حماس عندما

قال: «نحن لا نستطيع أن نحجر على البعض أن يتمنوا نهاية مقاومة الشعب

الفلسطيني» . وقد رد بذلك على الدعاوى الصادرة من بعض القيادات الفلسطينية

بوقف الانتفاضة، وقال: «هم يتمنون انتهاء الانتفاضة عن طريق التنازلات لكن

الواقع مختلف.. الهدنة مؤقتة، وهدفها المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني،

وحماية مشروع المقاومة الذي كان مهدداً» .

ويكرر القادة الفلسطينيون في تصريحاتهم أن الذين يدعون إلى وقف

الانتفاضة واهمون؛ لأن الواقع يقول بوضوح ما دام الشعب الفلسطيني تحت

الاحتلال فسوف يرد على ذلك بالانتفاضة التي سوف تستمر بجميع أشكالها. وهم

يرون أيضاً أن الانتفاضة لن تتوقف في ظل الهدنة، وأنها سوف تعود مع نهاية

الهدنة سواء بعد ٣ شهور أو إذا أقدم شارون على اختصار الزمن، وذلك ما تثبته

مجريات الأحداث، وهو أن الإسرائيليين يعدون العدة للانقضاض على الشعب

الفلسطيني؛ لأنه عملياً لا يوجد مشروع سياسي حقيقي لديهم، وهناك قناعة عامة

بأن إنهاء الانتفاضة سيكون فقط عندما يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه، وهناك ما

يشبه الاتفاق على ذلك بين الفصائل الفلسطينية، ولهذا لا يستطيع أحد تغيير هذه

القناعات.

إن الانتفاضة تأخذ وضعها وتتغير أشكال مقاومتها حسب الواقع، حيث

استجابت دائماً لمتطلبات المواجهة، ولم تقتصر على لون واحد من المقاومة دون

أن يطغى لون على آخر. ومن أسباب استمرارها أن الهدنة مؤقتة، ومفاوضات

التسوية سوف تصطدم بقضايا الصراع الرئيسة؛ مثل القدس والأسرى،

والمستوطنات، وهذه القضايا سوف تجعل مقاومة الشعب الفلسطيني حية.

وتشير التوقعات إلى أن خريطة الطريق تؤسس لعنف جديد في المنطقة كما

كانت أوسلو من قبل، والتي كانت تتحدث عن تحويل الأراضي الفلسطينية إلى

سنغافورة الشرق الأوسط، واليوم خريطة الطريق لا تسوق نفسها حتى بهذا الشكل؛

لأنها لا تعطي الشعب الفلسطيني حقوقه، في حين تريد (إسرائيل) تصدير

الضغوط والأزمات إلى الشعب الفلسطيني، وهو من خلال الهدنة عمل على حل

الخلافات، وعليه فإن لم تحقق الهدنة شروطها فسوف تتواصل الانتفاضة.

ويمكن القول بأن التسريبات حول انتهاء الانتفاضة هي محاولة لتشكيل مناخ

يدفع نحو وقفها، وهناك من يساعد على ترويج مثل هذه السياسات، وذلك من

خلال التصريحات الرسمية للسلطة الفلسطينية؛ مثل تصريحات أبو مازن حول

اعتبار المفاوضات الطريق الوحيد لحل الصراع، وتصريحات دحلان الذي يقول

إنه يأمل أن تنتهي الانتفاضة.

إن ألف يوم من المواجهة قادت الطرفين في النهاية إلى التعب؛ تعب

الإسرائيليين من الركض وراء وهم القضاء على المقاومة، ووهم الانتصار. ولكن

الفلسطينيين أيضاً تعبوا من إحداث تغيير في المجتمع الإسرائيلي، وفي الموقفين

الإقليمي والدولي، ولذلك فلا خيار لهم إلا المقاومة.

* ماذا بعد ١٠٠٠ يوم؟

محللون وكتاب إسرائيليون أرّخوا ليوم الخميس ٢٥/٦/٢٠٠٣م بأنه اليوم رقم

١٠٠٠ على مرور انتفاضة الأقصى، وهذا الرقم ذكرهم بحرب الاستنزاف إبان

حرب الأيام الستة (نكسة ١٩٦٧م) التي استمرت حتى عام ١٩٧٠م، وبين بحثهم

عن اسم للحرب التي يخوضونها ضد الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، أطلق بعض

الإسرائيليين على انتفاضة الأقصى حرب الاستنزاف؛ في إشارة إلى الألف يوم من

الاستنزاف التي يعيشونها.

والأمر المؤكد أن معظم الإسرائيليين غير مقتنعين بأن الانتفاضة انتهت،

ومثال ذلك الاستطلاع الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت يوم ٤/٧/٢٠٠٣م،

حيث جاء في نتائج الاستطلاع أن ٧٣% من الإسرائيليين يعتبرون أن (إسرائيل)

لم تنتصر في معركة الانتفاضة؛ خلافاً لتصريحات يعالون الذي كان قد أعرب يوم

٢/٧/٢٠٠٣م عن اعتقاده بأن الانتفاضة الفلسطينية تقترب من نهايتها، وأن هذا

يعني تحقيق الانتصار.

وأفادت صحيفة معاريف الإسرائيلية يوم ٤/٧/٢٠٠٣م، أن رئيس الوزراء

الإسرائيلي شارون مندهش أيضاً من تصريحات يعلون، ونقلت عن مصدر رفيع

في مكتبه دفاعه عن رئيس الأركان بقوله: «هذه التصريحات ليست واضحة

وليست مفيدة تماماً، ولكن لدينا رئيس أركان ممتاز ولا داعي أن ننسج من ذلك

قصة» .

وفي المقابل وجد قائد جيش الاحتلال نفسه في موضع حرج، فسارع إلى

القول بأن تصريحاته قد أخرجت عن سياقها، موضحاً أنه قال في ذات الموضوع:

إن الفلسطينيين أيضاً سيدّعون النصر في المواجهة.

صحيفة معاريف في عددها الخميس ٢٥/٦/٢٠٠٣م كتبت من بين عناوينها

الرئيسة (١٠٠٠ يوم، ربما يرون النهاية) ، وتساءلت تساؤلاً حائراً عن يوم

انتهاء الانتفاضة؛ متمنية أن يكون اليوم الألف هو آخر يوم للانتفاضة.

* المقاومة بين الوشايات الإسرائيلية والضغوط العربية والدولية:

تواصل الحكومة الإسرائيلية بدعم وتأييد من الإدارة الأمريكية جهودها لدفع

السلطة الفلسطينية إلى توجيه ضربة قاصمة إلى حركة حماس والجهاد الإسلامي،

ولا تنفك أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن تسريب تقارير بطريقة متعمدة بهدف

التأثير على الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، وإشعارها بأن حماس بالذات تمثل

عدواً مشتركاً، وأنها العقبة الرئيسة في وجه المسيرة السلمية، وفي تطلعات رئيس

الحكومة الفلسطينية أبو مازن في تحقيق حلمه بإقامة دولة فلسطينية.

وفي الأسابيع الماضية دأبت الصحف العبرية على نشر تقارير عن نشاطات

حركة حماس ومصادر تمويلها وعلاقتها بدول خليجية ومنظمات دولية، حتى إن

بعض هذه التقارير صور حماس وكأنها «دولة داخل دولة» ، وأنها تكتسب

شعبيتها من عاملين؛ هما النشاط العسكري ضد قوات الاحتلال ثم النشاطات

الخيرية.

فقد قدم مكتب التنسيق والارتباط «الإسرائيلي» في قطاع غزة أخيراً تقريراً

إلى الحكومة «الإسرائيلية» يدّعي فيه أن ارتفاعاً كبيراً طرأ في الآونة الأخيرة

على حجم نشاط الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تسيطر عليها «حماس» في

القطاع، وأشار التقرير الذي نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أواخر شهر

يونيو إلى أن عشرات ملايين الدولارات حولت من الخارج إلى القطاع، واستقرت

المساعدة التي تتلقاها جمعيات إسلامية رئيسية عند نحو مليون دولار في الشهر.

ويقول التقرير إن قسماً من الأموال يصل من إيران!! إلى جانب ما تقوم به

جمعيتان خيريتان مقرهما في مدينة الناصرة وكفر قاسم؛ داخل (إسرائيل) حسب

زعم المخابرات «الإسرائيلية» .

ويشير التقرير إلى أن المؤسسات التابعة لـ «حماس» تقوم بتوزيع المواد

الغذائية على سكان القطاع في الأعياد والمناسبات، فضلاً عن تقديم المساعدات

لأسر الفدائيين الفلسطينيين الذين يقتلون في عمليات المقاومة أو يعتقلون، وهذا ما

تعتبره المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» تشجيعاً على مواصلة عمليات المقاومة.

وجاء في التقرير أن «المساعدة للعائلات توفر تغذية متواصلة لشبكة الإرهاب،

وتمثل تهيئة للقلوب من أجل العمليات، وتساعد على إيجاد جو داعم وعاطف

لصناعة القتل» . كذلك فإن «الدعم الاقتصادي يعزز بديلاً اجتماعياً لحكم السلطة،

ولاستمرار التآكل في مكانتها الجماهيرية» . وبالتوازي، عززت حماس بحسب

التقرير سيطرتها على أكثر من ٣٠٠ مسجد في القطاع؛ في ظل استغلال وهن

الرقابة من وزارة الأوقاف في السلطة. وأثناء الانتفاضة تحققت في القطاع عملية

تعزيز الدين لدى الجمهور، وصارت المساجد بؤر تحريض. وبعد عمليات ١١

أيلول فرضت قيود على الصناديق الإسلامية العاملة في الولايات المتحدة، في

أوروبا وفي دول الخليج، ولكن المنظمات وجدت «مسارات التفافية» . وجاء في

التقرير بأنه اتسعت مؤخراً شبكة التعليم الإسلامي المستقل في القطاع، وأقيمت

رياض أطفال ومدارس جديدة. كما عقدت في رياض الأطفال مخيمات صيفية احتل

فيها التحريض ضد إسرائيل مكانة مركزية. وزعم التقرير أن نشاط الجامعة

الإسلامية في غزة قد اتسع، وهي في تواصل لأن تكون بؤرة «لتجنيد المخربين

لمنظمات الإرهاب» . وذكر التقرير أنه أقيمت عشرات العيادات والمستوصفات

لحركة «الدعوة» ، ووزعت معدات طبية على العيادات، وأجريت «أيام صحية»

في الأحياء ومخيمات اللاجئين. وأحياناً استخدمت أجهزة أمن السلطة العيادات

الإسلامية. وإضافة إلى ذلك فقد قدمت الجمعيات مساعدات دائمة لعائلات الفدائيين

ومتضرري الانتفاضة. وجندت الأموال لبناء المنازل التي هدمها الجيش

الإسرائيلي، وبذلت المساعدات لليتامى والأرامل.

ويحذر التقرير من شبكة التعليم الإسلامي المستقل في قطاع غزة، واعتبرها

بأنها «دفينة تحريض» ضد «إسرائيل» . ويصف الجامعة الإسلامية في غزة

بأنها «بؤرة لتجنيد الإرهابيين» .

تقول الصحفية الإسرائيلية (عميرة هس) ، وهي متخصصة في الشؤون

الفلسطينية، إنه بعد محاولة اغتيال الرنتيسي والتصفيات التي نفذت ضد نشطاء

الذراع العسكري لحماس في غزة، ادعت مصادر إسرائيلية بأن «حماس في حالة

هستيرية» ، وإن هذا التنظيم «خاضع لضغوط كثيرة من أجل الموافقة على وقف

إطلاق النار» ، وكل هذه الوشايات الإسرائيلية المستندة إلى تغطية أمريكية؛

وجدت صداها لدى بعض الأنظمة العربية، فبدأت لغتها ومواقفها تتغير تجاه منظمة

حماس وبقية منظمات المقاومة.

حماس جددت مداولاتها الداخلية حول وقف إطلاق النار من موقع قوة في

الساحة الفلسطينية، ومن خلال الإدراك لقوتها في المجتمع الفلسطيني، فهي لم

تخف من إعلان الموافقة على الهدنة، لأن الشعب يعرف أنها تختار الأصلح.

وهناك مؤيدون لوقف إطلاق النار يقولون في السياق إن ذلك يجب أن يكون بمبادرة

من حماس وليس رداً فقط. كما يقولون إن على الحركة أن تأخذ بالحسبان أيضاً

حياة أبناء شعبها الصعبة في كافة النواحي. وعلى نفس المنوال يوضحون بأنه لا

يتوجب الانجرار من دون تفكير واتزان خلف الموقف السائد في أوساط الجمهور

الفلسطيني (حسب استطلاعات الرأي) بوجوب مواصلة العمليات العسكرية لمجرد

المواصلة..

وتدرك حماس أنها إذا كانت تريد ضمان مكانها كقوة سياسية يتوجب عليها أن

توطد مكانتها في الجمهور الفلسطيني: من جهة كقوة قادرة على اجتذاب كل من

يئس من هذه الحياة البائسة في ظل الاحتلال الأجنبي المديد والهجمات العسكرية،

وكقوة معفية من مسؤولية إدارة الحكومة، ونقية اليدين من ناحية أخرى (حتى

بالنسبة لمؤسسات الزكاة التي تديرها) ؛ خصوصاً في ظل الفساد والبحث عن

الملذات والمتعة التي تميز كبار المسؤولين الفلسطينيين، والذين يدينون بمكانتهم

وثرائهم لعملية أوسلو التي أخفقت، والامتيازات التي حصلوا عليها من إسرائيل.

* موقف المقاومة من الضغوط:

حركة حماس من ناحيتها لا ترى ذلك شيئاً غريباً على الطرفين الأمريكي

والإسرائيلي، وتقول الحركة إنه منذ سنوات عدة والحرب ضدها قائمة وبأشكال

مختلفة، غير أن الحركة تؤكد بأن مآل هذه الحرب سيكون الإخفاق. وهي تنفي أن

تكون نشاطاتها الخيرية هي السبب الوحيد في ارتفاع شعبيتها، بل تؤكد بأن جهادها

العسكري ونشاطها الدعوي الإسلامي أوجد لها شعبية واسعة في الشارع الفلسطيني،

بالإضافة إلى أن إخفاق سياسات السلطة الفلسطينية في مختلف المجالات دفع الكثير

من أبناء الشعب الفلسطيني إلى تأييد حماس ودعم سياستها ونشاطها.

ويقول القادة الفلسطينيون من حماس أن حركتهم لا تشتري الناس بالأموال

وبالخدمات، بل إن الناس ينجذبون إليها لما تكرسه من قيم وأخلاق عالية في

التعامل معهم. فهناك الكثير من المؤسسات في الأراضي الفلسطينية، لكن الناس

يثقون بالمؤسسات الإسلامية نظراً لنظافة يد القائمين عليها وإخلاصهم. وبسبب أن

حركة حماس لا تزال تعتبر نفسها حركة سرية؛ فإنها لا تمتلك مؤسسات خيرية

تعلق عليها لافتات تبرز اسمها، غير أن إسرائيل تقول إن هذه المؤسسات تدار من

قبل حماس، وإن القائمين عليها هم من قادة حماس، وإن منظمات خيرية خارجية

تدعم تلك الجمعيات على اعتبار أنها تابعة لحركة حماس. وقد رفض قادة حماس

في مرات عديدة أسئلة تربط بينهم وبين هذه المؤسسات، وقالوا إنها مؤسسات

مستقلة وتعمل في الإطار الخيري.

وفي السنوات الماضية قامت قوات الأمن الفلسطيني بإغلاق هذه المؤسسات

رغم أنها تعمل بترخيص من وزارة الداخلية الفلسطينية وضمن القوانين المعمول

بها.

* ماذا يبقى للسلطة إذا توقفت الانتفاضة؟

على الرغم من عملية المخادعة الكبرى التي غلفت بها قوات الاحتلال

الإسرائيلي عملية انسحابها من قطاع غزة؛ فإن الواقع المرير الذي خلفته وراءها

يجعل من هذا الانسحاب مجرد كذبة كبيرة؛ إذ إن خريطة القطاع بمجملها قد

تغيرت، ومعظم أراضيه الخصبة قد صودرت أو دمرت، والأخطر من ذلك هو

فرض مناطق أمنية عازلة اتسعت شيئاً فشيئاً مع سنوات الانتفاضة، وشملت معظم

مناطق القطاع.

وتصر قوات الاحتلال على أن الواقع الذي فرضته مواجهة الانتفاضة غير

قابل للتغيير؛ باعتبار أنه يمثل ضرورة حيوية لأمن إسرائيل كما قال (دورون

ألموج) قائد قوات الاحتلال في قطاع غزة.

(ألموج) كان واضحاً في حديثه لصحيفة يديعوت أحرونوت عندما أجمل

السياسة الأمنية الإسرائيلية في قطاع غزة خلال السنوات الثلاث، حيث قال:

«أنا بنيت نموذجاً جديداً وأسميته الفصل التكتيكي الذي هو مسألة ذات أهمية

استراتيجية. المواقع الفلسطينية التي كانت موجودة على طول الجدار الذي يفصل

قطاع غزة عن أراضي ١٩٤٨م دمرت، ووضعت مكانها وسائل إلكترونية، وبذلك

أنشئت حول القطاع منطقة أمنية خاصة عرضها ٢٠٠ - ٣٠٠م، لم تسمح بأي

حركة في هذه المنطقة ... ، أصدرنا أوامر إطلاق النار ... اقتلعنا الأشجار ... ،

هدمنا المنازل ... ، وفي المحاور التي توصل إلى المستوطنات؛ أنشأنا ممرات

كهذه ذات ٣٠٠م على جانب الطريق» .

مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (بيتر هانس) عبر عن

صدمته للسياسة الإسرائيلية في قطاع غزة، وقال خلال جولة تفقد بها بعض

الأماكن المدمرة في القطاع: تشعر إسرائيل أن عليها توسيع منطقتها الأمنية على

الحدود (يقصد منطقة رفح جنوب القطاع) ، وبذلك هدمت مئات المنازل وعشرات

المحلات التجارية والمساجد التي كانت مقامة على الحدود، وذكر هانس أن قوات

الاحتلال هدمت ١١٣٤ منزلاً في قطاع غزة، وبذلك أصبح أكثر من عشرة آلاف

فلسطيني بلا مأوى.

وتشير الإحصاءات الواردة في ملفات وكالة الغوث إلى أن هدم المنازل أخذ

منحى تصاعدياً؛ حيث ارتفع المعدل من ٣٢ منزلاً في الشهر خلال السنتين

الأوليين للانتفاضة إلى ٧٢ منزلاً منذ بداية عام ٢٠٠٣م.

هناك مناطق أخرى مثل مطار غزة الدولي الذي احتلته قوات الاحتلال،

ودمرت المدرجات والأبنية، وكذلك معبر رفح الذي دمرت كافة المنشآت الفلسطينية

المقامة فيه.

إن هناك صوراً بائسة خلفتها قوات الاحتلال خلال سنوات الانتفاضة ستجعل

من المفاوضات حول القطاع أكثر صعوبة؛ إذ إن قوات الاحتلال تدرك بأنه لا

يمكن لها أن تتخلى عن المناطق الأمنية التي تعتبر حيوية بالنسبة لها، فشارع

صلاح الدين الملغوم بثلاثة مواقع عسكرية كبيرة لا يمكن للفلسطينيين أن يتحركوا

فيه بحرية بسبب التواجد الاستيطاني، والشريط الحدودي سيظل من القضايا

النهائية التي سيجري التفاوض عليها، أما الأراضي التي صودرت تحت مبررات

أمنية فقد ذكرت مصادر في جيش الاحتلال أنه لن يجري التنازل عنها وإعادتها

للفلسطينيين.

كما أن الجدار الإلكتروني الذي يطوق قطاع غزة بطول ٦٠ كم سيحول

القطاع إلى سجن كبير، ويقول دوف ألموج إن قوات الاحتلال صرفت أكثر من

٢٥٠ مليون شيكل لبناء الجدار، وتم إقامة ٢٨ نقطة مراقبة، وذكر بأن الجدار هو

«أفضل ما يمكن عمله للحفاظ على أمن إسرائيل» رغم اعترافه بأن القطاع تحول

إلى جسد مقطع الأوصال؛ وتتوج الحكومة الإسرائيلية كل هذه الإجراءات التغييرية

على أراضي الضفة والقطاع بقرار جريء في استهتاره واستفزازه، وهو القرار

الصادر عن الكنيست الإسرائيلي في منتصف شهر يوليو ٢٠٠٣م باعتبار أراضي

الضفة الغربية وقطاع غزة غير محتلة!! .... إذن فما هي جدوى الكلام عن

(سلطة فلسطينية) أو (دولة فلسطينية) عن أراضي يعدها اليهود أراضي

إسرائيلية؟!

إن الواقع الذي فرضته قوات الاحتلال في الفترة الماضية سيؤثر سلباً على

قدرات السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على أي شيء، وهذا من تناقضات

السياسات الأمريكية الإسرائيلية فهي تقوض قدرات السلطة، ومع ذلك تراهن على

قدراتها الهشة في إيقاف الانتفاضة مع كل هذه الضغوط والاستفزازات التي يواجه

بها الشعب الفلسطيني.