للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

مناهج التعليم الإسرائيلية والصراع العربي - الإسرائيلي

بين حقبتي الحرب والسلام

(١٩٤٨ - ١٩٩٦م)

(٢ ـ ٢)

مركز دراسات الشرق الأوسط - الأردن

عبر ثلاث مراحل تاريخية (الاستيطان - إنشاء الكيان - التسوية السلمية)

تقدم هذه الدراسة عرضاً تحليلياً للعملية التربوية الإسرائيلية في مناهج التعليم،

بإلقاء الضوء على أهم مرتكزاتها وأبعادها، مع كشف أهدافها وآثارها، وذلك

بعرض نماذج من الكتب والمؤلفات التربوية والتعليمية اليهودية، والتي يتواصل

الحديث عنها في هذه الحلقة.

- البيان -

ويعرض الكاتب لنموذج آخر من المؤلفات الصهيونية عن الأراضي العربية

هو كتاب (الجولان والجليل بأقسامه والكرمل وشمال البلاد) لمؤلفه أليعازر

بنكتين ١٩٨٢م، ويعتبر المؤلف أن الجولان جزء من شمال أرض إسرائيل،

ويورد صوراً عدة للتزلج على الجليد في جبل الشيخ «حرمون» ، ويتحدث عن

مستوطنات الجليل، ويتناسى بشكل متعمد الاسم التاريخي لهذه الأرض وهو

(فلسطين) ، وعندما يتحدث عن قطاع غزة يعرض لصور عدة من المخيمات

والقرى العربية، وما هي الحال التي يعيشها السكان.

كما يعرض لعدد من الصور للجرافات الإسرائيلية وهي تقوم بهدم بعض

البيوت لبناء غيرها؛ في محاولة منه لطمس معالم قضية اللاجئين، ويعتبر المؤلف

أن سيطرة الجيش المصري على قطاع غزة بمثابة احتلال، وأن الجيش الإسرائيلي

رده على أعقابه. والسبب في رفض إسرائيل عودة اللاجئين هو رفض اللاجئين

العيش في ظل حكمها، ويتحدث الكاتب أن الاحتلال لغزة كان نعمة حين يظهر

التطور والتقدم الصناعي، وأن إسرائيل سمحت للعمال بالعمل في المصانع

الإسرائيلية.

ويدعي المؤلف أن العرب هم الذين باعوا الأرض من خلال سرده لقصة قرية

أم خالد، وكيف أن شيخ القرية هو الذي باع هذه الأراضي لليهود، وعندما اقترب

من الموت قرر إعادة الأرض لأصحابها اليهود على اعتبار أنهم هم أصحابها

الحقيقيون.

ويعرض الكاتب لنموذج آخر من المؤلفات اليهودية ذات الطابع المدرسي،

وهو كتاب (يروشلايم يهودا فشومرون) لمؤلفته رنا هفرون ١٩٨٣م، ويتطرق

الكتاب للضفة الغربية تحت هذا الاسم المهود ليبين مدى العلاقة بين اليهود وبين

هذه المناطق، وأنها علاقة تاريخية أزلية. والملاحظ أن وضع الكتاب بهذا الاسم

يثير في نفوس الطلاب ذكريات تاريخية حول هذه الأرض؛ لكي يتم ربطها

بالحاضر. وتوضح الكاتبة مدى الأعمال التي قام بها اليهود عندما سكنوا هذه

الأرض، وتورد الأسماء العبرية للمناطق الموجودة؛ ليرسخ عند الطالب أن هذه

هي أرض الآباء والأجداد، ويشد ذلك الطلاب إلى التمسك والالتصاق بهذه الأرض

والاستيطان فيها. وتناولت الكاتبة مواضع عدة؛ مثل أورشليم القدس، والجليل

الأوسط، أو التمبل المركزي، والقلاع والمدن التاريخية التي تشكل الصلة الوثيقة

لربط الناشئة اليهود بأرضهم، وعند حديثها عن القدس ركزت على البنية العمرانية

والتنظيم اليهودي لها، وتوضح هذه المؤلفة الحدود الجغرافية لمنطقة الجبل

المركزي.

وفي الفصل الذي يتحدث عن القدس تستهل المؤلفة حديثها عن القدس بعبارة

من سِفْر الجامعة، توضح فيها مدى حاجة القدس لليهود، وأنها لا تمتلئ ولا تمل

مهما كان عددهم مثل النهر الذي يصب في البحر.

وتأتي المؤلفة على قصة عدد من الحاخامات الذين زاروا القدس ووصلوا

حائط المبكى، وأتبعت ذلك بمجموعة من الأشعار التي تتحدث عن المدينة،

وتعرض لقصة الحاخام الذي زار القدس ومات تحت أقدام فرس رجل عربي،

وذلك لتثير الحقد لدى الناشئة اليهود ضد العرب.

وتقول المؤلفة إن قدسية القدس في المسيحية والإسلام تأثرت باليهودية، وإن

هذه المناطق المقدسة عند المسلمين والمسيحيين هي في الأساس أماكن مقدسة

يهودية؛ مثل موقع الحرم القدسي الشريف، وقبة الصخرة التي دفع داود ثمنها

عندما كانت بيدر حتى تكون للأسباط الاثني عشر وليس لسبطين.

وحتى تؤكد على وحدة اليهود؛ أوردت الكاتبة قصة أن الملك داود قام بجمع

الأسباط الاثني عشر ضمن شعب إسرائيل، وتحت قيادة ملك واحد الملك داود

صاحب النبوة والقائد العسكري الذي جعل أورشليم عاصمة له.

وتركز المؤلفة على المداخل التاريخية في تحويل القدس إلى عاصمة يهودية

لإسرائيل منذ عهد داود، وكيف حافظت على يهوديتها وطابعها اليهودي.

ونلاحظ أن هذه المؤلفة شأنها شأن المؤلفين اليهود الآخرين تناست التاريخ

العربي للمدينة والبصمات التي تركها العرب في تاريخ هذه المدينة، وركزت

المؤلفة على موضوع التهويد المتبع في المدينة بعد نقل سائر الدوائر الرسمية وغير

الرسمية إلى المدينة المقدسة.

وتورد الكاتبة مقارنة بين القرية العربية والكيبوتس اليهودي الذي بني على

أساس مخطط وهادف، وبالإضافة إلى الادعاء السائد عن أن الضفة الغربية جزء

من أرض إسرائيل لذلك لا بد من بناء مزيد من المستوطنات، وأن الاحتلال

اليهودي لهذه المناطق نعمة وليست نقمة؛ بسبب التطور الذي حدث بفعل هذا

الاحتلال.

وتتحدث الكاتبة عن العديد من القلاع والحصون التي جاء ذكرها ليؤكد

للطالب مدى علاقته بهذه الأرض وتتحدث الكاتبة عن احتلال العرب والصليبيين

للقدس، وكيف تراجعت المدينة بعهدهم وتأخرت على اعتبار أنهم بدو رحل لا

حضارة لهم.

وفي كتاب (الجولان والجليل والغور الشمالي والكرمل) ، من تأليف أليعازر

بنكتين عام ١٩٨٢م، ويسعى فيه إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية، وهو بمستوى

الصفوف الإلزامية العليا، ويقسم الكتاب إلى عدة فصول:

يتحدث الفصل الأول عن التطور الذي قام به الصهاينة وعمليات الإصلاح

الزراعي في منطقة الشمال الفلسطيني.

والفصل الثاني يتحدث فيه بإسهاب عن المنطقة وينسبها لليهود، ويعتبر

العرب المجاورين أجانب وغرباء عن هذه الدولة. ويتحدث الكتاب عن المناخ،

وكيف يعتبر شمال إسرائيل (فلسطين) مصدراً مهماً للغذاء وعمليات استغلال

الأرض، ويتحدث عن كيفية تقسيم الأرض إلى أسباط متعددة، وكيف قاتل اليهود

من أجل حماية هذه الأرض.

وفي الفصل السابع يتحدث الكاتب عن بداية الاستيطان والإعمار الذي أوجده

اليهود في فلسطين، وكيف امتلك الصندوق القومي اليهودي أراضي في شرق

الأردن وغربه، وما هو التأثير الذي حصل لليهود بسبب الثورات التي حصلت في

روسيا ودفعت السكان إلى الهجرة إلى فلسطين والعمل الزراعي.

ويتحدث في فصل آخر عن الهجرات المتعاقبة لليهود، وكيف تم استيعابها،

وكيف أدت إلى التطور الصناعي والتغير النوعي في معيشة السكان وأسلوب الحياة

وإنشاء المدن الجديدة مثل تل أبيب، وكيف واجه العرب هذا الأمر بقتل اليهود

وتخريب مصالحهم؟ ولذلك تطوع عدد من اليهود للدفاع عن مصالح اليهود،

وكانت ردة الفعل اليهودية بأن تم بناء العديد من المستوطنات وخاصة على الحدود

الفلسطينية «الإسرائيلية» ، وكيف وقفت هذه المستوطنات في وجه الجيوش

العربية، وكيف أن سكان الجولان وبعض المناطق الشمالية من فلسطين هاجروا

وخرجوا مع الجيوش العربية الغازية، وأصبحت هذه الأراضي ملكاً لإسرائيل.

وفي مواضع أخرى من الكتاب يصف الكاتب سكان بعض القرى بالجهلة

المصابين بالأمراض المعدية، وكيف أنعمت عليهم إسرائيل حينما دخلت وطورت

حياتهم.

أما كتاب (من حرب ١٩١٨م إلى حرب ١٩٤٥م) الذي وضع للمدارس

الرسمية ١٩٨١م، فهو بمثابة توجيه موسع للطلاب في مادة التاريخ والتربية

الوطنية، ومن أبرز الادعاءات الكاذبة والظلم الذي وقع على اليهود أن الحرب

العالمية الثانية نشأت من أجل القضاء على اليهود؛ لذلك كان من واجب العالم إيجاد

وطن قومي لهم في فلسطين!

وركز الكتاب على الأقلية اليهودية، وجعلهم قومية أينما وُجدوا، ويتناسى

ذلك فيما يخص العرب، ويتحدث عن الأوضاع المزرية لليهود في شرق أوروبا

ووسطها وخاصة التجار والمزارعين، وإن هذه الإجراءات دفعت اليهود إلى الهجرة

إلى فلسطين، وللدفاع عن حقوق اليهود نظموا أنفسهم في أحزاب خاصة لهم،

ويؤكد أنه كان لليهود مدارسهم الخاصة التي تدرس بالعبرية للتأكيد على الاستقلال

اليهودي الثقافي، ويتحدث الكاتب عن القوانين التي يقول إنها سُنَّت فقط للتمييز

ضد اليهود مثل قوانين نورمبرغ الألمانية العنصرية التي حرّمت على اليهود العمل،

ولاحقتهم ومنعتهم من رفع علمهم القومي، ويتحدث عن الأعمال التي قام بها

النازيون، وأنها كانت ضد اليهود، وهدفها طردهم من ألمانيا وسائر البلدان التي

احتلها هتلر، وأن غرف الغاز حقيقة وليست خيالاً، وأنها حصلت لليهود على يد

النازية الألمانية.

وكل هذه الآراء التي يوردها الكاتب هدفها أن يصل الطالب إلى حقيقة أن

فلسطين هي الأرض الآمنة بالنسبة لليهود ولا بلد سواها.

أما كتاب (تحولات في جغرافية الشرق الأوسط) لمؤلفه البروفيسور أرنون

سوفير ١٩٨٤م، والذي يعتقد أنه معد لطلاب المدارس الثانوية والكليات والجامعات،

ويعتبر مرجعاً للجهات المختصة في إسرائيل، في هذا الكتاب نجد أن الكاتب لا

يتطرق إلى ذكر العرب إطلاقاً إلا من خلال التقليل من شأنهم ووصفهم بصفات

سيئة، ويتعمَّد التنكر للوجود العربي في هذه المناطق، فالخليج العربي يُطلق عليه

اسم الفارسي، وعندما يتحدث عن البلاد يصفها بصفات سيئة؛ فمثلاً يقول إن

الفلاح المصري لم يتطور منذ أيام الفراعنة حتى الآن؛ فالرسوم الفرعونية نجد لها

واقعاً في حياة الإنسان المصري اليوم، وحالته الصحية سيئة جداً، ومصاب

بالأمراض المعدية.

ويرى الكاتب أن الزيادة السكانية العالية في مصر تقلق إسرائيل لإمكانية إقامة

جيش قوي، وعندما يتحدث عن نفط الخليج العربي، يقول إن هذا النفط قدم

مساعدات للعرب خاصة الدول المجاورة لإسرائيل، وخاصة السعودية والعراق

لدعمها الكبير للأردن ومصر وسوريا، وإن علاقة إسرائيل بالخليج العربي

(الفارسي) ازدادت بسبب الطرق والمواصلات الحديثة.

وفي الفصل المخصص للأردن يصفها بأنها منطقة صحراوية قاحلة، وهي

عبارة عن جزء من أراضي إسرائيل لكن الأمير عبد الله سيطر عليها وقام بإنشاء

مملكة بها، وإن سكانها غزوا أجزاء من أرض إسرائيل وامتلكوها، وأن سكانها

عبارة عن بدو رحل يعملون بتجارة السلاح.

وعندما يتحدث عن الزيادة السكانية التي حصلت في الأردن يتغاضى عن

سببها وهي الهجرة القسرية التي حصلت بسبب الحروب الإسرائيلية، وإن قرب

الأردن من إسرائيل ساعد في نقل التكنولوجيا وخاصة الزراعية.

أما نظرته لسوريا فهي سلبية، ويصف الفتح العربي لها بأنه احتلال، وتسود

في دمشق ظاهرة الفقر والبؤس، وتشهد سوريا حالياً تخلفاً في المجال الزراعي

والصناعي، ومواصلاتها قديمة جداً، ويتهم سوريا بشن الحروب المختلفة على

إسرائيل؛ مثل حرب يوم الغفران ١٩٧٣م، وقسم سكانها إلى طوائف متعددة مثل

السنة والعلويين والدروز.

ويتحدث الكاتب أيضاً عن معارضة سوريا لكثير من المشاريع الصهيونية؛

مثل تجفيف بحيرة الحولة، واستغلال مياه نهر الأردن. ويرى أن العداء مستمر

بين الدولتين منذ تأسست إسرائيل حتى اليوم.

وعندما يتحدث المؤلف عن لبنان يسهب في الحديث عن التقسيمات الطائفية

في هذا البلد، وما هي أسباب نشوء ذلك، وأن الدولة العثمانية ركزت على ذلك،

وكانت تفضل السنة على الشيعة، وتحارب المسيحيين، وأن بعض الأقليات

اضطرت للرحيل من لبنان لهذا السبب.

والحرب الأهلية في لبنان في نظره هي بسبب الأطماع السورية في لبنان،

وذلك بسبب دعوات بعض المنظمات للوحدة مع سوريا لتكوين سوريا الطبيعية،

ويقول أيضاً إن المنظمات الفلسطينية كانت السبب المباشر في احتلال إسرائيل

لجنوب لبنان بسبب توسعها وسيطرتها على المنطقة الجنوبية الشرقية للبنان

وتعرضها دائماً للدولة اليهودية.

ويتحدث كذلك عن بعض المشاريع المتعلقة بسياسة إسرائيل وأمنها؛ مثل

محاولة إسرائيل السيطرة على منابع الليطاني.

وعندما يتحدث عن العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني؛ يصفه بأنه

عملية تحررية من أجل الدفاع عن إسرائيل بسبب سياسة المنظمات الإرهابية

الفلسطينية.

ولدى حديثه عن العراق لا يتورع بوصفه بصفات سيئة؛ مثل أن العراق ما

يزال يبحث عن هويته السياسية، وأنه يعاني من الفقر والبؤس والجهل، وأن حالة

الفلاح العراقي أسوأ من الفلاح المصري. وعن صناعة العراق يقول المؤلف لا

يوجد سوى صناعات نفطية.

أما عن رأي أرنون سوفير في الاستيطان؛ فيرى إنه لا بد من طرد

الفلسطينيين من فلسطين وإحلال سكان يهود مكانهم كما حصل في ٤٨ والهجرات

المتلاحقة؛ حتى يكون هناك توازن ديمغرافي؛ لأن زيادة العرب بهذا الحجم ستؤثر

على يهودية الدولة، وفي رأيه أن هذه الفكرة أكثر أخلاقية؛ لأنها ستحول دون

حصول صدامات متلاحقة بين العرب واليهود.

أما فيما يخص السياسة التربوية الإسرائيلية - والدعائم الصهيونية في تهويد

العملية التربوية، وكيف تطورت الاتجاهات التربوية في مرحلة الصراع العربي

الصهيوني؛ فيقول الكاتب إن الكتب المقدسة مثل التوراة والمشنا والجمارا وغيرها،

حتى الكتب الدينية والشروح؛ شكلت الاتجاه والمنطلق الذي تتركز عليه العملية

التربوية وتوجهاتها، وكذلك في توجهات وقرارات الزعماء اليهود، وتشكلت عند

الطالب اليهودي ثقافة مفادها أن كل أرض تطأها قدم اليهودي هي أرض يهودية

يجب طرد السكان منها، وحتى تحقق الصهيونية هذا الأمر وضعت مؤلفات

وشروحاً تعتمد على المنهج السابق؛ سواء كان في رياض الأطفال أو المرحلة

الأساسية والثانوية حتى الجامعية؛ بهدف غرس القيم اليهودية في نفوس هؤلاء

الطلبة.

أما تاريخ بداية هذه الاتجاهات فهو يعود إلى بداية إنشاء المستعمرات

والمستوطنات اليهودية على أرض فلسطين عام ١٨٧٠م، وكذلك كتابات بعض

الكتاب اليهود؛ مثل هس وبنسكر، وجهود زعيم الصهيونية ثيودور هرتسل.

ويركز المفكرون اليهود على ضرورة إيجاد ثقافة خاصة باليهود لتميزهم عن

غيرهم أينما وجدوا، ويجب أن يسود ذلك بشكل كبير في فلسطين، وأن تكون

الثقافة العبرية هي السائدة، ويتلخص جل الفكر الصهيوني في قول المفكر اليهودي

أحد هعام: «من الضروري إقامة المدارس ليتخرج منها جيل يهودي سليم الروح

والعقل والجسم، ومن الضروري تجديد العمل العبري لتقوية الانتماء لهذه الأمة» ،

ويركز المفكرون على مفاصل معينة مهمة في تاريخ اليهود؛ مثل الخروج من

مصر، والسبي البابلي.

ويتفق مفكرو اليهود، سواء المسؤولون عن الكتب المدرسية أو مؤلفو الكتب

الثقافية والقصص، على مبادئ عدة؛ منها الاستعلاء اليهودي والإغراق في

العنصرية والنظرة القومية للجوييم عند اليهود، والإقرار بمبدأ النهب تحت اسم

العودة إلى الأرض.

ويرى باحثون يهود عملوا في مجال الكتب والقصص الموجودة بين يدي

الناشئة اليهود أن هناك أكثر من ١٥٠٠ كتاب من أصناف عديدة تؤكد على مفاهيم

بارزة ومهمة؛ مثل الاستعلاء والقومية والتحقير للعرب والمسلمين، وهذه الكتب

موجودة ومنتشرة في كل أنحاء البلاد.

ويمكن تصنيف الكتب الموجودة والمخصصة للناشئة حسب الآتي:

١ - كتب مخصصة للطلبة اليهود، ويلاحظ أن الأدب في هذه الكتب يعبر

عن وجهة نظر عسكرية تخلو من النظرة الإنسانية للإنسان العربي الفلسطيني،

ويقول بعض المؤلفين إن الكتب المتداولة بين المعلمين تحوي عنصرية وتطرفاً

أكثر مما هو موجود بين يدي الطلاب، ويلاحظ على هذه الكتب عدم تجددها بشكل

مستمر، وإنما يعاد تصويرها دون النظر إلى معلومات حديثة قد تكون حدثت،

وهذا هدفه الإبقاء على الصورة السلبية للعربي في نظر الناشئة اليهود.

ويمارس الكتّاب اليهود تزويراً أدبياً من خلال غسل الأدمغة للناشئة الصغار

بتلقينهم معلومات خاطئة منذ الصغر حول اعتداءات العرب المتكررة على الأراضي

اليهودية والمستعمرات، والأعمال التخريبية التي يقوم بها العرب ضد اليهود ليست

فقط في إسرائيل وإنما في كل البلاد العربية التي يعيش فيها يهود؛ مثل مراكش

التي يورد بعض الكتاب أنه مات فيها عام ١٨٩٩م حوالي ٢٥٠٠ يهودي بسبب

الجدري الذي أصاب أحياء اليهود، وأن اليهود كانوا يُجْبَرون على ارتداء لباس

معين، وأن سبب هجرة اليهود من أكثر البلاد العربية عائد إلى السياسة التي اتبعتها

الحكومات المختلفة ضد اليهود، كما حصل مع يهود العراق.

ويلاحظ أن المؤلفين تجاهلوا المؤامرات اليهودية مع المستعمر الغربي ضد

البلاد العربية، ويعترف الكتاب أن هجرات اليهود من بعض البلاد العربية حصلت

بسبب التعاون مع الاستعمار؛ كما حصل ليهود اليمن، وبالأسلوب نفسه يتم

الحديث عن مختلف المناطق التي كان يعيش فيها اليهود سواء تونس أو الجزائر أو

سوريا..

ويؤلف المفكرون والكتاب اليهود كتباً كثيرة تجسد العودة إلى الأرض،

ويضمنونها قصصاً مستوحاة من التوراة والحنين إلى الأرض المقدسة، وأن اليهود

أعطوا هذه الأرض لذلك لا يمكن التنازل عنها بأي شكل من الأشكال.

ولعل من أهم المرتكزات التي تحرص عليها الصهيونية: هي تشويه الدعوة

والفتوح الإسلامية في أذهان الناشئة اليهود؛ فهي تصور المسلمين بأنهم غزاة

خرجوا من الجزيرة العربية غازين لهذه البلاد، وأن السيف والقتال كان شعار

الدولة، وأن الإسلام هو دين المحاربين. ويصور الكتاب مصير القبائل اليهودية

في الجزيرة زمن الرسول، وأنها وقعت في ظلم، ووصفت كتب عدة أن الفتح هو

عبارة عن فناء وإبادة، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قاد حرب فناء، وأباد قسماً

كبيراً من يهود شبه الجزيرة.

ويرى المفكرون اليهود أن العرب عبارة عن قبائل بدوية رحل لا يعرفون

شيئاً من الحضارة، وهم يعتمدون على النهب والسلب، وأن النبي محمداً صلى الله

عليه وسلم عندما جاء بذل جهداً لمطابقة دينه مع دين اليهود، وعندما أدرك أن

اليهود لم يستجيبوا له تحول عن كثير من أمورهم فحوَّل القبلة إلى مكة، وفرض

عليهم صيام رمضان بدل يوم الغفران، وأمر بالصلاة خمس مرات، وفرض على

المسلمين عدم تناول لحم الخنزير. ويتنافس المؤلفون اليهود بوصف العرب بأبشع

الصور؛ مثل المحتلين، والمخربين، وعديمي الحضارة.

وفي كتاب (هذا موطني) للصف الخامس؛ يروي المؤلف بعض الأحداث

المزورة التي يريد أن يثبت من خلالها أن العرب المسلمين يحاربون اليهود

ويمنعونهم من زيارة الأماكن المقدسة عندهم؛ مثل مغارة المكنيلا والحرم

الإبراهيمي.. وأن العرب مارسوا سياسة إجرامية ضد اليهود.

ويرى كثير من المؤلفين أن الاحتلال الإسلامي أدى إلى خراب العديد من

المدن؛ مثل مدن النقب ويافا. ويرون أن المسلمين قاموا بإفناء قبائل عدة سكنت

البلاد التي احتلها العرب.

وعندما يتحدثون عن مكانة المرأة عند العرب يصورها الكتاب بأبشع صور،

وأن مكانتها متدنية، ولا تقرأ، وتحرم من الميراث.

أما في كتاب (الأقليات في إسرائيل: مسلمين، ومسيحيين، وبهائيين،

ودروز) ، فيصور العرب أنهم لم يسكنوا البلاد إلا بعد الفتح الإسلامي وبالتالي هم

غرباء عنها، وأنهم لم يؤسسوا مراكز حضارية، واقتصروا على بناء العديد من

المساجد.

ولم يتورع اليهود عن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور لا تليق

بنبي عظيم وجليل مثله عليه الصلاة والسلام، فهم يقولون إن زواجه من خديجة

- رضي الله عنها - هو الذي جعل منه رجلاً ذا شأن، وأنه عليه السلام كان يأمل في

أن ينضم إليه اليهود، وعندما رأى بروداً منهم حوَّل القبلة!!

ويرون أيضاً أن السبب في بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة يعود إلى

اعتماد المسلمين على المعتقدات اليهودية، والتي تقدس جبل الهيكل، ويصورون

الخلفاء المسلمين بأنهم غارقون في شرب الخمر، وإقامة الحفلات الموسيقية.

٢ - أما الجانب الثاني من سياسة التربية الصهيونية؛ فهو الموجه نحو

التلاميذ العرب في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨م (عرب ١٩٤٨) ، وهو الذي

يسعى إلى تهميش الأدب العربي بإبعاد المفاهيم والصور القومية الرصينة في هذا

الأدب عن ذاكرة الطفل العربي، ويحاول المفكرون ومؤلفو الكتب سلخ الطفل

العربي ما أمكن عن تراثه العربي والإسلامي.

ويلاحظ من بعض الكتب التي ألفت في الأدب العربي تركيزها على جمع

قصائد شعرية لا تحمل معنى، ولا تركز على القومية العربية وروح الانتماء للوطن

والإسلام واستهجان الحرب والدعوة إلى السلام، ومثال على ذلك كتاب (تاريخ

الأدب العربي) لمؤلفه اليهودي مراد ميخائيل، وكتاب (سنابل من حقول الأدب)

إعداد سامي هبز، ويلاحظ عليها الركاكة في الألفاظ، والعجز عن إعطاء التسمية

الصالحة والصحيحة للظواهر الأدبية، فمثلاً لدى شرحه (الأمة العربية) يركز

على معاني القتل والتخريب، وأن هذه الصفات هي العنصر الأهم في حياة العربي.

إن الملاحظ لمؤلفات الصهاينة للمدارس سواء العربية أو اليهودية؛ يجد أنها

تركز على العصبية وسمو القومية اليهودية والتفوق اليهودي مع إهمال التاريخ

العربي وإعطاء معنى واضح، وهو أن الاحتلال شيء مفيد لرفعة إسرائيل واستعادة

الأرض الموعودة، وهو واجب ديني.

* الجزء الثاني من الدراسة: وهو الذي يتحدث عن مناهج التعليم الإسرائيلية في

فترة السلام:

وهي الفترة التي بدأت بتوقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩م

في زمن الرئيس أنور السادات، يتطرق الكاتب إلى هذه المرحلة ويعتبرها امتداداً

للمرحلة السابقة؛ بحكم التداخل الفكري واستمرار العمل بالمناهج الإسرائيلية

السابقة، ولم يطرأ أي تغيير على مناهج التعليم اليهودية فالنظرة إلى العروبة

والإسلام وإلى من هو غير يهودي؛ لم تتغير سواء قبل أو بعد السلام، فالمفاهيم

اليهودية لا يمكن أن تتغير عند اليهودي؛ لأنها من المسلمات في صراعه مع

العربي.

ويورد المؤلف بعض الكتب الخاصة في هذه المرحلة الزمنية، ويوضح مدى

بقاء كثير من المفاهيم اليهودية دون تغيير.

من هذه الكتب رغم توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية:

كتاب (ديمقراطية إسرائيل) لمؤلفه راحيل غرومان وموشيه يلغ ١٩٩٤م،

ويستهل بوصف ديمقراطية إسرائيل، وأنها هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في

الشرق الأوسط، ولكن هناك من المفكرين الإسرائيليين من ينتقد هذه الديمقراطية

ويصفها بأنها ديمقراطية التماسيح، وهي التي تسمح لفئة معينة بعمل ما تريد وتمنع

الفئة الأخرى من ذلك، ويقصد بذلك العرب، ويرى أنه لو كانت إسرائيل دولة

ديمقراطية صحيحة لمنح العرب كامل حقوقهم، ولألغيت قوانين الطوارئ الانتدابية

التي هي سيف على رقاب العرب.

أما فيما يخص يهودية الدولة فهناك صراع فكري بين أكثر من مفكر حول

يهودية الدولة؛ هل هي خالصة لليهود أم أن الأقليات الأخرى يمكن أن تعيش

وبنفس الحقوق، لذلك يوجد ثلاثة تيارات حول هذا الموضوع:

أ - التيار العلماني، ويقسم إلى عدة أقسام:

١ - قسم يؤمن بيهودية الدولة، وأنها لليهود فقط دون غيرهم.

٢ - قسم آخر يعتقد أن إسرائيل دولة علمانية، ويجب أن تكون محطة

لمختلف اليهود في كل دول العالم، وعلى الدولة تغذية العلاقات بين اليهود في

أنحاء العالم.

٣ - القسم الثالث يدعو لفصل الدين عن الدولة، والتي يجب أن يكون للدولة

طابع معين يميزها؛ أي أن تكون على غرار الدول الغربية.

ب - التيار الديني القومي:

وهو الذي ينادي ببناء دولة إسرائيل على أساس ديني بحت، وأن الدين يجب

أن يتدخل في كل أرجاء الدولة، وأن دولة إسرائيل هي بداية الخلاص بالنسبة

لليهود.

ج - التيار الديني المتعصب «الأتقياء» :

وهو تيار غير صهيوني ومضاد للصهيونية العلمانية وإسرائيل، تشكل نقطة

تجمع لليهود دون أن يكون لذلك أهمية دينية. والمتطرفون فيه لا يعترفون بدولة

إسرائيل، ومن أبرزهم جماعة نطوري كارتا، والمعتدلون يعترفون بالدولة؛ مثل

أغودات إسرائيل وحزب شاس، ويشاركون في النشاطات السياسية لها.

وإذا أردنا أن نعرف النظرة الإسرائيلية التربوية للعرب الذين يعيشون داخل

الدولة على اعتبار أنهم مواطنون لهذه الدولة؛ فإنه لا بد من معرفة مكونات هذه

السياسة التربوية، وأبرز مكونات هذه السياسة التربوية:

١ - أثر الدين اليهودي.

٢ - تأثير تراث وتقاليد الطائفة اليهودية في الشتات.

٣ - قوة فعالية الحركة الصهيونية.

٤ - النشاط الذي يمارسه السيشوف منذ بداية عهد الاستيطان.

٥ - الاستيطان والانتداب.

٦ - دولة إسرائيل دولة يهودية في تشريع الكنيست.

ويورد الكاتب نموذجاً آخر لمؤلفات يهودية، وهو كتاب (تحولات في

جغرافية الشرق الأوسط) تأليف البروفيسور أرنون سوفير أستاذ الجغرافيا بجامعة

حيفا ١٩٩٥م الطبعة الخاصة. ويركز على التحولات التي حصلت في الشرق

الأوسط ومدى علاقة إسرائيل فيها وتأثيرها فيها، وهو مدعم بعشرات الخرائط،

ويتطرق الكتاب إلى طبيعة العلاقة بين إسرائيل والدول العربية ذات اتفاقية السلام

أو الدول العربية التي لم توقع سلاماً مع إسرائيل، وما هي النظرة المستقبلية لهذه

العلاقة، ويورد الكاتب نظرة إسرائيل للدول العربية منفردة؛ فعندما يتحدث عن

علاقات مصر وإسرائيل؛ يقول إن النمو السكاني المصري يهدد وجود إسرائيل.

وينبه المؤلف إلى خطر تجاوز إسرائيل، ويقصد به العلاقة المتنامية بين

ميناء طابا والعقبة ومدينة حقل السعودية، والسفن الإسرائيلية يمكن أن تسلك قناة

السويس للوصول إلى ميناء إيلات، وهذا يمثل خطراً على الميناء. ويرى أن

هناك زيادة في عدد السكان في سيناء وخليج السويس بسبب حقول النفط والغاز،

وهذا سيؤثر على إسرائيل؛ فوجود تجمع سكاني عربي كبير بالقرب من إسرائيل

يهدد أمن الدولة اليهودية؛ لأنه يولد نزاعات على طول الحدود المصرية الإسرائيلية،

أما نظرة إسرائيل للخليج العربي، والذي يصفه بالفارسي، ويرى الكاتب أن

إسرائيل لها علاقة مباشرة بما يحدث بالخليج، وخاصة مسؤولية التنقيب عن

البترول والنفط، وهي تنظر بعين الشك لتحسين الطرق البرية الواصلة بين الدول

العربية، وتنظر بشك أيضاً لزيادة ثروات دول الخليج، وخوفها من استغلالها

عائدات النفط لدعم الدول العربية على خط المواجهة الإسرائيلية.

ويرى المؤلف أن ارتباط العالم العربي بالنفط يؤمن لدول الخليج مصدراً مالياً

هائلاً يساعد في تطور البلاد؛ لذلك فإن إسرائيل لا بد أن تنظر إلى العديد من

الدول الخليجية وتجعلها محايدة في هذا الصراع، وخاصة بعض الدول الإفريقية

التي تحصل على مساعدات خليجية يجب أن تقدم لها إسرائيل مساعدات مالية

وعلمية يجعلها على الحياد. ويرى الكاتب أن الأموال التي تنفق على مجال الوعظ

والإرشاد الإسلامي يمكن أن تحقق صحوة دينية إسلامية تؤثر في وجود الدولة

الإسرائيلية.

أما عن علاقة إسرائيل بتركيا؛ فيرى سوفير أنه من الصعب النظر إلى

طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل في المستقبل؛ لأن الشعب التركي بدأ يتوجه نحو

الأمور الدينية، وهناك صحوة إسلامية لدى الأتراك وميل لدعم المنظمات

الإسلامية.

أما الأردن؛ فيرى أنه متخوف دائماً من الحرب بسبب اعتبار اليهود لشرق

الأردن جزءاً من أرض الميعاد اليهودية، وأن إسرائيل لها الفضل في نقل

التكنولوجيا إلى الأردن وخاصة الزراعية.

أما نظرته لسوريا؛ فيرى أن إقامة المشاريع السكانية السورية بالقرب من

الجولان المحتل يمكن أن يؤثر في يهودية الدولة، ويورد مقولة للرئيس السوري

حافظ الأسد تقول إن الطريق لتحرير الجولان يتم بتنفيذ مشاريع الإسكان على طول

الحدود مع إسرائيل؛ لإحياء المنطقة ومواجهة إسرائيل سكانياً.

أما لبنان؛ فيرى أنه يمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل؛ لأنه يسيطر على أهم

رافد من روافد نهر الأردن، وهو الليطاني؛ لذلك تتخوف إسرائيل من تحويل هذا

الرافد بشكل مباشر ليصب في نهر اليرموك؛ حيث تقتسم الأردن وسوريا مياه النهر،

وسيؤثر ذلك سلباً في مشاريع إسرائيل الزراعية في الشمال.

وفي نظرته للعراق؛ يقول يجب أن تعامل العراق كدولة حدودية؛ لأنها تدعم

الأردن، والجيش العراقي كان مشاركاً في كل الحروب العربية ضد إسرائيل،

وكذلك في حرب الخليج ١٩٩١م ضرب الرئيس العراقي السابق صدام حسين

إسرائيل بـ ٣٩ صاروخاً.

ومن مظاهر التغيير التي تخوف إسرائيل مستقبلاً كما ينظر إليها سوفير ما

يلي:

١ - التزايد السكاني الهائل في المنطقة بالنسبة للعرب.

٢ - التحول من الريف إلى المدينة بشكل متسارع، وكذلك من البادية إلى

المدينة، وهذا الأمر مثير للهلع عند اليهود بسبب اتصال المدن وقربها بشكل كبير

من الحدود الإسرائيلية؛ فإحدى ضواحي عمان لا تبعد عن الحدود أكثر من ٢٥ كم،

وهذا يشكل تحدياً لليهود، وكذلك كثير من المدن السورية والمدن اللبنانية، وكثير

من التجمعات السكانية، ويتخوف الكاتب بشكل كبير من التطور الحاصل في ميناء

العقبة ونويبع المصري ومدينة حقل السعودية، ويقول إنه تم لأول مرة في

التاريخ إنشاء جسر بري بحري ليربط الشرق بالغرب، وهذا الأمر له آثار

اقتصادية بالغة الأهمية دون أن يكون له أثر في إسرائيل.

وتتخوف إسرائيل أيضاً من أمور عدة أهمها نقص المياه والمشاكل الناتجة

عنه، وتعاظم تضخم السكان في المدن وآثاره على الوطن العربي وإسرائيل،

والتحسن الملموس في طرق المواصلات ووسائل الاتصالات. ونمو الحركات

الإسلامية وآثارها في المجتمع العربي المحيط بإسرائيل.

أما كتاب (الأقلية العربية في إسرائيل) لراحيل غرومان ١٩٩٥م؛ فهو مادة

تعليمية مقررة وفقاً لمنهاج التعليم الخاص بوزارة المعارف، حيث يورد الكتاب

بعض المغالطات التي يهدف من وراءها سلخ الطالب العربي عن جذوره العربية؛

مثل اعتبار الضفة الغربية وغزة أراضي تابعة لدولة إسرائيل، ويحمل المؤلف

مواطني فلسطين ٤٨ مسؤولية هروبهم منها عام ١٩٤٨م، ويؤكد الكتاب على حقيقة

الاحتلال العسكري؛ فيرى أن دولة إسرائيل احتلت هذه المناطق بناء على وعد

رباني للشعب اليهودي، وعندما يتحدث عن الفتح العربي الإسلامي يصفه بالمحتل

والمخرب، وأن أرض فلسطين لم تعان من دمار كما عانته أثناء الحكم العربي

الإسلامي لها، يوحي الكتاب للطالب العربي أن الإسلام محرف ومشوه لعدة طوائف؛

مثل السنة، والشيعة، والدروز، وحضر وبدو، وفلاحين، ويعتبر الدروز أقلية

مختلفة عن العرب.

أما عن الجانب القانوني للأقلية العربية في إسرائيل؛ فيرى المؤلف أن حقوق

الأقلية العربية تمت صياغتها في وثيقة الاستقلال للدولة اليهودية وفق مكونات

ثلاث:

١ - دولة إسرائيل دولة يهودية.

٢ - دولة إسرائيل دولة ديمقراطية.

٣ - دولة إسرائيل لها احتياجات أمنية.

ويتخوف العرب بشكل كبير من الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل لترسيخ

هذا المفهوم؛ خاصة إذا لقي دعماً وتأييداً من قبل المواطنين، ففي استطلاع للرأي

العام جرى عام ١٩٨٧م ظهر أن ٥٤% من اليهود يؤمنون بأن على إسرائيل ترسيخ

طابعها اليهودي.

إن ما يقال عن الديمقراطية أمر بعيد عن الصدق، وليس الهدف منه إلا

الدعاية الإعلامية، فالسلطات الإسرائيلية كممثلة تنفيذية لهذه الدولة لا تسمح للعرب

بممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فإن المؤسسات

اليهودية تنظر إلى العرب على أنهم معضلة أمنية تقف في وجه الدولة، ويورد

الكاتب العديد من القوانين التي تنتقص من حقوق العرب؛ مثل قانون العودة

الصادر عام ١٩٥٠م، والذي يمنح الجنسية لليهودي وبمجرد العودة إلى فلسطين،

أما غير اليهودي فله طرق عدة وصعبة للحصول على الجنسية، وهو قانون

عنصري، فالعربي الذي عاد إلى وطنه منع من الجنسية، أما اليهودي الذي لم

يعش يوماً واحداً على أرض فلسطين فيمنح الجنسية مباشرة عند العودة.

وهناك قانون يميز المشاريع اليهودية عن العربية؛ مثل قانون (مكانة أو

منزلة الهستدروت والوكالة اليهودية) الصادر عام ١٩٥٤م، والذي يمنح الأفضلية

لهذه المؤسسات في المشاريع الاقتصادية والسكانية، وبما أنها يهودية فإن المستفيد

الأول منها هو اليهودي فقط.

أما قانون أراضي إسرائيل عام ١٩٦٠م؛ فقد اعتبر غالبية الأراضي ملكاً

للدولة وملكاً لسلطة التطوير أو الصندوق القومي اليهودي؛ لذلك فإنه يمنع بيع أو

نقل ملكيته الأرض لغير اليهود، ومعنى ذلك أن مساحة الأرض التي يسيطر عليها

اليهود تزيد بينما العربية تقل.

أما قانون الكنيست لعام ١٩٨٥م؛ فهو يمنح الأحزاب التي تعارض وجود

الدولة من الترشح للانتخابات أو إذا كانت هذه الأحزاب تنكر قيام الدولة اليهودية.

أما التناقض بين الديمقراطية نظرياً وتعبيرياً، فهو كثير فهناك خطوط حمراء

للعرب لا يمكن أن يتعدوها، وإذا حدث ذلك؛ فإن الصحيفة أو الحزب أو المجلة

تغلق بأمر وزير الداخلية، كما فعل وزير الداخلية بإغلاق صحيفة الاتحاد لمدة

أسبوع على خلفية التحريض ضد دولة إسرائيل.

أما حرية السكن والإقامة في المدن والمستوطنات فهي معقدة، فالمواطن

العربي لا يجوز له السكن أو ليس حراً في تحديد مكان السكن الذي يريده، فهناك

مدن لا يمكن أن يسكنها عرب؛ مثل صفد وطبريا وبيسان.

ويورد الكتاب مقارنة بين التعليم في عهد الدولة اليهودية وكيف تتطور بشكل

سريع بسبب الدعم المقدم للتعليم العربي، ولكنه لا يتعرض لمدى الصعوبات التي

تواجه الطالب والمعلم العربي في المدارس العربية في إسرائيل؛ مثل التهديد بفصل

المعلم إذا خالف آراء الدولة أو منع الطالب من إكمال التعليم.

ويرى الكاتب أن مصادرة مساحات من الأراضي العربية كان لأهداف

اقتصادية أي للمصلحة العامة؛ متناسياً الأثر السلبي على هذه المصادرات؛ مثل

تناقص المساحات المزروعة من قبل العرب؛ مما أدى إلى قلة الاعتماد على

الزراعة كمورد اقتصادي أساسي للعرب، وهذا هدف مدروس حتى يتم سلخ

المواطن العربي من الأرض العربية، ويرى المفكرون اليهود أن الاستيلاء على

الأراضي العربية هو حتمية صهيونية عليا، وهدفها هو توطين الشعب المختار

مكان العرب؛ لأن هذه هي الأرض الموعودة لليهود.

ويورد المؤلف نماذج من الصراع العربي الفلسطيني مع الحكومات

الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة حول مصادرة الأراضي حسب العديد من الذرائع.

ويتحدث المؤلف عن أثر الأحداث السياسية في تربية الناشئة العرب بين

عامي ١٩٤٨ وعام ١٩٩٤م، ويوضح أن المواطن العربي أصبح محاطاً بمجموعة

من الدوائر تحيط بهويته وتحدد طبيعة انتمائه، ومن أبرز ذلك:

١ - الدائرة الفلسطينية التي يشعر بانتمائه إليها إلى جانب دعم النضال

العربي في الضفة والقطاع.

٢ - الدائرة الإسرائيلية؛ حيث مطلوب منه المحافظة على قوانين الدولة التي

يخضع لها سياسياً وإدارياً حيث يتكلم العبرية. ويدرس في الجامعات العبرية.

٣ - الدائرة العربية ذات الانتماء القومي للأمة العربية لغة وحضارةً.

٤ - الدائرة الإسلامية التي ينتمي لها عقدياً ويعبر عنها من خلال التزامه

بتعاليم الإسلام في مختلف المجالات والقيام بالعبادات المكلف بها.

في ضوء الأحداث السابقة والتأثيرات يمكن أن تحدد تطور الهوية العربية في

إسرائيل؛ بالشكل التالي:

١ - المرحلة الأولى مرحلة الهوية الجنسية الإسرائيلية منذ ١٩٤٨ -

١٩٦٦م.

٢ - المرحلة الثانية الهوية القومية الفلسطينية ١٩٦٧ - ١٩٩٥م.

وهناك مؤثرات خارجية أثرت في الهوية لدى عرب إسرائيل؛ منها:

١ - عدوان حزيران وحرب الأيام الستة عام ١٩٦٧م.

٢ - أثر تصاعد التطرف العنصري اليهودي.

٣ - بروز منظمة التحرير الفلسطينية على الساحة الدولية؛ حيث أصبح

ينظر لها المواطن العربي بأنها تتحدث عن الشعب الفلسطيني كله داخلاً وخارجاً؛

خاصة بعد اختيار ثلاثة من عرب الداخل أعضاء في منظمة التحرير.

٤ - الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عام ١٩٦٧م، والذي أدى

إلى إعادة الاتصال بالعرب مرة أخرى بعد عزلة طويلة.

٥ - حرب تشرين ١٩٧٧م عندما استخدم العرب سلاح البترول، وشعروا أن

لهم قوة ونظرة في تغيير الواقع، ويستطيعون الضغط من خلاله.

٦ - حرب لبنان ١٩٨٢ - ١٩٨٥م أكدت على وحدة الشعب أينما وجد،

وأعلمت العرب أن إسرائيل كانت مسؤولة مباشرة عن المذابح التي وقعت بحق

العرب في المخيمات جنوب لبنان.

٧ - الانتفاضة الفلسطينية ١٩٨٧ - ١٩٩٣م؛ حيث نظر العرب في الداخل

بأنها حرب تحرر قومي؛ ولذا من واجبهم دعمها خاصة أنها تحدث في أماكن ليست

بعيدة عن منازلهم.

أما المؤثرات الداخلية فهناك جملة منها أخذت تعرف المشاعر القومية العربية

لدى المواطنين العرب الإسرائيليين، والتي ساهمت في إبراز الشخصية العربية،

ومنها:

١ - الشعور بالتزايد السكاني لدى العرب؛ حيث أصبحوا أقلية ذات عدد

كبير تمثل ٢١% من مجموع السكان.

٢ - القهر والتمييز الاجتماعي من قبل الدولة والمواطنين اليهود.

٣ - بروز قيادة وطنية قطرية، والذي تمثل وتجسد بيوم الأرض في

٣/٣/١٩٧٦م.

لقد أفرزت الظروف والأحداث المتعاقبة منذ ١٩٤٨م ثلاث اتجاهات لدى

المواطنين الذين خضعوا للاحتلال وحملوا الهوية، ويرى المستشرق اليهودي أوري

تندل أنها تلخصت فيما يلي:

١ - التطرف.

٢ - الاندماج.

٣ - الأسرلة.

أما الاتجاه الأول؛ فسبب ظهوره رغبة العرب بتحقيق ذاتهم رغماً عن

السلطة، بينما الاتجاه الثاني؛ فإنه يدعو إلى العيش داخل إسرائيل مع المحافظة

على الطابع العام للشعب العربي، أما الاتجاه الثالث (الأسرلة) ؛ فهي شبيهة

بالثانية بتعاطف أقل مع الفلسطينيين، ولكنها على استعداد للتضامن مع العرب

الفلسطينيين؛ بحيث لا يتعارض هذا مع إسرائيليتهم.

ويورد المؤلف فصلاً حول الأردن في نظر مؤسسة أرئيل من كتاب مواقع

وأماكن في الأردن، حيث يطرح هذا الكتاب اسم الأردن كجزء من أرض إسرائيل؛

حيث يعتبرون شرق الأردن مكملاً لإسرائيل من حيث التاريخ والجغرافيا، وأن

اليهود استقروا في مناطق عدة من شرق الأردن، ومع نشوء إمارة شرق الأردن

فُصل الأردن نهائياً عن الوطن اليهودي.

* التربية والثقافة الفكرية بعد عملية السلام:

إن المتتبع للكتب الفكرية التي تصدر في إسرائيل سواء كانت منهجية

(مدرسية أو جامعية) أو تطرح في الأسواق؛ لا يلحظ أي تغير في نمط تفكير

المفكرين سواء قبل السلام أو بعده، فالعرب ما زالوا يوصفون بالأغيار، وأنهم

رعاة لا يعرفون من الحضارة شيئاً، وإنكار الحق العربي حتى في البلاد التي

وقَّعت معها إسرائيل اتفاقيات السلام، واعتبار شرق الأردن مثلاً حتى اليوم جزءاً

من أرض إسرائيل، وما زالوا يقومون بذكر كثير من المواقع الأثرية الموجودة في

الأردن ووصفها بأنها مناطق يهودية استقر فيها اليهود؛ مثل جلعاد ومكاور، وأن

يهود الأردن كان لهم علاقات مع يهود فلسطين، وكان لهم تجمعات سكانية كبيرة لم

يبق منها في العصور الوسطى إلا القليل، وأن آخر اليهود المتبقين في الأردن

غادروها في نهاية الانتداب، ومع بداية الحركة الصهيونية كانت هناك مشاريع

كبيرة للحركة الصهيونية في شرق الأردن، ولكنها لم تتحقق بسبب قيام إمارة شرق

الأردن عام ١٩٢١م.

ولم ينفك مؤلفو الكتب اليهودية يذكرون بماضي اليهود في هذه البلاد،

ويحاولون ربط الماضي بالحاضر، ويتم الإحياء من خلاله بتواصل الوجود اليهودي

التاريخي في شرق الأردن منذ القدم من عهد الانتداب، وأن لهم آثاراً متعددة في

مناطق مختلفة؛ مثل جرش، ومادبا، وأم قيس «جدارا» التي وجدت فيها

طائفة يهودية متميزة في نظرهم، أما فحل أو فيلا فهي إحدى المدن الإسرائيلية

القديمة ومن أكثرها قدماً.