للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[إسلام.. على الطريقة الأمريكية]

حسن الرشيدي

تعتقد الولايات المتحدة أن حربها ضد الإرهاب قد تنتهي غداً أو بعد غد أو

حتى بعد عقد من الزمن، وذلك بانتصار الأقوى على الأضعف، ولكن في الوقت

نفسه يظن قسم من مفكريها وسياسيها أن اقتلاع الغضب من الصدور والكراهية من

القلوب في عالم تحركه العواطف أمر يحتاج إلى جهود كثيرة وعقود طويلة.

ففي استطلاع أجراه شبلي تلحمي البروفيسور في جامعة ميريلاند الأمريكية

كانت نتائجه كالآتي: معظم المستفتين في مصر والأردن والسعودية ولبنان

يحبذون دوراً أكبر لعلماء الدين في الحياة العامة، ٦% فقط من الذين شملهم

الاستطلاع يثقون بأن الولايات المتحدة ستُدخل الديمقراطية إلى العراق وباقي الدول

العربية، فيما الغالبية العظمى تعتقد بأن أمريكا تريد فقط الاستيلاء على النفط،

وتدعيم سيطرة إسرائيل على الشرق الأوسط، وأشار الاستطلاع أنه في حال تطبيق

الديمقراطية فإن الحركات الإسلامية ستكون لها الأغلبية الكاسحة في العديد من

الدول العربية.

فالاستطلاع يشير إلى أن الاكتساح العسكري الأمريكي مهما بلغ مداه فإنه لن

ينزع كره أمريكا، ومن ثم لن تقضي على محاولة الإيقاع بها والانتقام منها في

أقرب فرصة سانحة، لذلك لجأت أمريكا إلى ما اصطلح على تسميته بالإسلام

الأمريكي.

فما هي الدوافع الأمريكية لفرض ذلك المفهوم؟ وما الخطوات العملية التي

اتخذتها أو التي في طي التخطيط لها لنشر ذلك الإسلام الموعود؟ وقبل ذلك ما هي

خصائص وجزئيات وعناصر تلك النوعية من الفكر الذي تريد الولايات المتحدة

فرضه على المنطقة؟

* خصائص هذا الفهم:

تبدو قليلة أدوات فهم خصائص الإسلام المراد تعميمه على المسلمين، ولكن

يمكن اكتشاف هذه الخصائص من خلال تصريحات صانعي القرار السياسي

الأمريكي من مفكرين وساسة، ومتابعة التقارير التي تصدرها مراكز الدراسات

والبحوث الأمريكية والتي تسمى ببنوك الأفكار، وأيضاً من خلال حلفاء الولايات

المتحدة من إسرائيليين وأوروبيين غيرهم، كما نتلمس جزئيات هذا الفهم في

تجارب وتصريحات وأقوال؛ سواء المؤيدة أو المنتقدة لهذا النوع من الإسلام بين

المسلمين.

ومن هذه الأدوات تمكنا من استخلاص أهم خصائص ذلك الفهم، وهي:

١ - إسلام علماني:

وهو الوصف الذي أطلقته صحيفة ليبراسيون الفرنسية، أو ما يطلق عليه

العلمانية المؤمنة، ويعرفها الدكتور محمد يحيى بأنها طرح فكري يتقبل العلمانية

تماماً لكنه يسوّغها إسلامياً، ويخلق لها شرعية إسلامية مزعومة باعتبارها نوعاً

من أنواع التجديد والاجتهاد في المجال السياسي والاجتماعي مسموح به في إطار

«أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ... ويضيف إن طرح العلمانية المؤمنة يسمح بوجود

هامشي للدين على سبيل التمويه مرشح للتعميم على البلدان الإسلامية كنموذج جاهز

للتطبيق، يحل محل شتى الأفكار والاتجاهات الإسلامية الموجودة، ويبشر بالعلمنة

كسبيل وحيد أمام هذه الدول للانضمام إلى النظام العالمي الجديد والدخول في

ركب العولمة.

وتزيد صحيفة الإيكونوميست البريطانية هذا المفهوم وضوحاً، فتعرّف

العلمانية المؤمنة بأنها علمانية متصالحة مع الدين مثل العلمانية الأمريكية، وليست

معادية له مثل علمانية فرنسا وأتاتورك.

والعلمانية، والتي هي فصل الدين عن المجتمع أو الدولة، يراها عبد الله

غول هي الحل الأمثل، فحسب تعبيره: «الخلط بين الدين والسياسة يضيرهما

معاً. فالمبدأ الديني محصّن بطبيعته من أي تغيير، أما السياسة فتتغير باستمرار

استجابة للواقع» .

وفي مؤتمر الثقافة العربية الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر؛ قدَّم

الباحث الفلسطيني ماهر الشريف مصطلح العلمانية المؤمنة لحل الإشكالية بين الدين

والتقدم، معتبراً أن العلمانية المؤمنة تفصل الدين عن الدولة، وتقدم تصوراً غير

معاد للدين، وتحل الإشكالية بين العلم أساس تطور المجتمعات والدين، ويرى

ماهر أن رجال الدين المتنورين يتحملون مسؤولية تجديد الخطاب الديني كضمان

أكيد لتجديد الخطاب الثقافي.

ويعرف غانم جواد وهو باحث عراقي فيما يعرف بقضايا حقوق الإنسان

العلمانية المؤمنة في أحد تعاريفها: هي حرية المعتقد على الصعيد الفردي، تسمح

بممارسة الشعائر الدينية جماعياً لأي كيان اجتماعي مهما صغر أو كبر، متمتعاً

بقدر واف من الاستقلالية عن سلطة الدولة. وهي لا تعني مواطن بلا دين، أو

مجتمع بلا دين، وإنما تعني دولة وسلطات حاكمة لا تنحاز لدين أو أقلية عرقية،

أو طائفة أو مذهب. ومن صفات هذه العلمانية أنها تقوم على المواطن الفرد،

وليس الحزب، أو الطائفة، أو القومية، أو العشيرة. والعلمانية المؤمنة تعني حياد

الإدارة والسياسة الحكومية، بما يتعلق بعقائد الناس، أفراداً وجماعات. وتعني

بشكل آخر استقلالية الوظائف العامة في السلطة.

والعلمانية المؤمنة أخيراً: هي إطار تنظيمي يدير السلطة السياسية، ويحفظ

شرعية الدولة، باعتبارها حقاً لكل المواطنين، وتفعّل حرية الاعتقاد، ومنها

الإيمان الديني، كما تحفظ حقوق الأقليات من هيمنة الأكثرية، وتبعد التسلط

الطائفي أو القومي أو المناطقي أو العشائري. إنها وسيلة لتأكيد التعايش المشترك

بين كل مكونات المجتمع العرقي، بدون طغيان طرف على آخر، أساسها المواطنة.

ويقول الأستاذ أبو بكر القاضي من المؤتمر الوطني الشعبي السوداني بزعامة

الترابي: حاجتنا للعلمانية المؤمنة أكبر من حاجة غيرنا؛ لكون السودان بلداً متعدد

الأديان والثقافات والأعراق، فالعلمانية غير الملحدة هي أفضل أسلوب لحكم هذا

البلد ديمقراطياً وفيدرالياً لحين يكمل الشعب تجانسه الثقافي على المدى الطويل دون

مسخ لهوية أحد، ودون استخدام للدولة وأدواتها في استعلاء ثقافة على أخرى.

ومن خلال هذه التعريفات فالإسلام الذي يريده هؤلاء جميعاً هو مرادف

العلمانية التي هي في جوهرها فصل الدين عن الحياة، ولكن ما الفرق بينه وبين

العلمانية المطبقة في بلاد المسلمين في الوقت الحاضر؟ الفرق يتجلى في أن من

يطبقه هم من لهم خلفية من المنهجية الإسلامية، والذين يقبلون هذا الطرح من

الإسلام، ولذلك وصفت هذه العلمانية بالمؤمنة.

٢ - المزاوجة بين الإسلام والديمقراطية:

فقد نشرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية مقالاً لصاحبه دونيس ماكشاين

دعا فيه إلى «مكافأة تركيا وتصحيح خطايا أوروبا المسيحية» من خلال فتح

أبواب الاتحاد الأوروبي لأنقرة، وقال إن لدى أوروبا اليوم فرصة للتكفير عن

خطاياها التاريخية، والاعتراف بمركزية إرث المسلمين في قلب أوروبا.

وأول خطوة في هذا الاتجاه تشجيع تركيا على سلوك الطريق المؤدي إلى الاتحاد

الأوروبي. فقد شكل ميلاد التيار المسيحي الديمقراطي أحد أكبر الإبداعات

السياسية في أوروبا خلال القرن العشرين، ومكن لـ «الصلح» بين الإيمان

الديني والديمقراطية العلمانية بعد الحرب.

ويمكن لديمقراطية إسلامية في تركيا أن تسمح لأوروبا بمد الجسور شرقاً نحو

العالم الإسلامي، تماماً كما عليها أن تمد الجسور غرباً نحو الأطلسي بأمريكيتيه

الشمالية والجنوبية.

ويرفض عبد الله غول نائب أردوغان، في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط،

اعتبار أنفسهم إسلاميين: «لا تسمنا إسلاميين من فضلك، نحن حزب أوروبي

محافظ حديث، لا نعترض إذا وُصِفْنا بأننا ديمقراطيون مسلمون، على غرار

الديمقراطيين المسيحيين في الأقطار الأوروبية الأخرى» .

٣ - التعايش بسلام بين الديانات:

وفق القواعد التي وضعها الغرب لهذا التعايش، وليس بقواعد الشرع الذي

حدد العلاقات بين المسلمين وغيرهم. فقد اعتبر الرئيس الإسرائيلي موشيه

كاتساف خلال تفقده كنيساً تستخدمه الجالية اليهودية في إسطنبول، والتي

تبلغ ٢٥ ألف شخص، إن تركيا تمثل نموذجاً للتعايش الإسلامي اليهودي. وقال

السبب الأكثر أهمية لكوني هنا هو إظهار أن الإسلام واليهودية ليسا عدوّين.

وشكر كاتساف تركيا لمعاملتها الجيدة لليهود، وغالبيتهم قدموا إلى البلاد من

إسبانيا بعد طردهم مع المسلمين في عام ١٤٩٢م، حيث استقبلتهم الإمبراطورية

العثمانية. وقال منذ ذلك اليوم إلى الآن، طوال ٥٠٠ عام، عاشوا في تركيا بحرية

وصداقة.

وأعرب كاتساف عن ارتياحه للتعاون الوثيق بين بلاده وتركيا الدولة

الديمقراطية الوحيدة في المنطقة مع إسرائيل، معتبراً أن البلدين متشابهان

ومتكاملان.

٤ - التوافق بين الإسلام والليبرالية:

باعتبارها مفهوماً شاملاً يجمع الحرية بكل صورها في التصور الغربي، ويؤيد

تشارلز كورزمان وهو خبير أمريكي في الشؤون الإسلامية، وأستاذ علم الاجتماع

في جامعة نورث كارولينا مفهوم الإسلام الليبرالي، حيث يوضح أن هذا التعبير

يراد به تفسيرات واجتهادات خاصة تتعلق بقضايا؛ مثل الديمقراطية، وفصل

الدين عن السياسة، وحقوق المرأة، وحرية الفكر.

لذلك وصف أحد المعلقين السياسيين هذا الزمان بزمان الإسلام الليبرالي.

* الدوافع:

لا شك أن هناك دوافع جعلت الولايات المتحدة خاصة والغرب عموماً تسعى

إلى محاولة الزج بهذا الإسلام، ومحاولة فرضه على الشعوب المسلمة، ومنها:

١ - مناسبته كمرحلة أولى للوصول إلى النموذج الغربي على المسلمين:

وفي هذا يقول الدكتور محمد يحيى: «إن طرح الإسلام العلماني يهدف إلى

إضفاء المشروعية على المذهب الغربي الأب والفلسفة الغربية الأم؛ تمهيداً للإلحاق

والدمج النهائي للإسلام في تلك الثقافة» .

ويستشهد الدكتور محمد يحيى بترحيب الغرب بنجاح حزب العدالة والتنمية

التركي، ويصفه بأنه زائف زيف ترحيب الجزار بالأضحية؛ لأن هذا النجاح هو

في نظرهم مقدمة الإخفاق الذي سوف يدفن معه نهائياً كل فكر الإسلام الشامل أو

السياسي، أو بالأصح فكرة المشروع الإسلامي كلها؛ ليفسح الطريق أمام المشروع

المسخ وهو «العلمانية الإسلامية» .

ويؤكد هذا المنحى ما ذكره فوكوياما من أن الحضارة والمعتقدات الدينية

والعادات الاجتماعية والتقاليد الثابتة هي الحلقة الأخيرة والأضعف في مسلسل تحوُّل

المجتمعات؛ بمعنى التخلي عن القيم التي تدق جذورها عميقاً.. وسيكون من

السذاجة الشديدة الظن بأن الثقافة الأمريكية الشعبية مهما كانت درجة إغرائها ستسود

العالم قريباً، والحقيقة أن انتشار «ماكدونالدز» و «هوليود» حول العالم أشعل

سخطاً عارماً ضد أسس «العولمة» المنتظرة.

ويضيف فوكوياما: «إن القيم الغربية ليست نتاجاً حضارياً عشوائياً

للمسيحية الغربية، لكنها الأفضل عالمياً. والسؤال: هل هناك ثقافات أو مناطق في

العالم ستقاوم أو تثبت أنها ممتنعة عن عملية التحديث؟» .. ويجيب قائلاً:

«الإسلام هو الحضارة الرئيسية الوحيدة في العالم التي يمكن القول بأن لديها

بعض المشاكل الأساسية مع الحداثة» .

٢ - محاصرة الإسلام الجهادي بعد أحداث ١١ سبتمبر:

دلّت أحداث ١١ سبتمبر على أن أمريكا بحاجة إلى وجود دولة إسلامية

علمانية تكون نموذجاً لكل الدول العربية والإسلامية الأخرى، وهذه برأيها هي

الطريقة الأسلم لإبعاد المنطقة العربية عن أجواء أسامة بن لادن.

أمريكا الثائرة على كل مسلمي العالم بعد انفجارات سبتمبر؛ أقسمت أن تغير

كل ما لا يعجبها في حياة الشعوب وثقافاتها ومعتقداتها، وخاصة تلك التي تفرز

إرهابيين يكرهونها، ويرون أنها إمبراطورية استعمارية يحكمها عدد من الجهلة

السفَّاحين المتعصبين.

والحل: اللعب في الملف الأصلي، فلماذا ننتظر حتى تكبر الكراهية وتصير

جبلاً وغضباً هادراً قادراً؟ يقول فرانسيس فوكوياما في حديث لمجلة نيوزويك

الأمريكية: يجب على المسلمين المهتمين بصيغة إسلامية أكثر ليبرالية أن يتوقفوا

عن لوم الغرب على أنه يرسم الإسلام بريشة عريضة جداً، وأن يتحركوا لعزل

المتطرفين بينهم وتقويض شرعيتهم، وهناك بعض الدلائل على أن ذلك يحصل

الآن، فلنلحق به من المنبع ولنجفف المنبع.

وفي ندوة مؤسسة بروكنجز في ٥/٩/٢٠٠٢م تحت عنوان ١١ سبتمبر بعد

عام؛ قال نائب وزير الدفاع وولفوتيز أن الحرب ضد الإرهاب هي أوسع نطاقاً

عما كان متصوراً عقب أحداث ١١ سبتمبر مباشرة. فالصراع الأكبر ضمن الحرب

ضد الإرهاب قد تضمنته رسالة الرئيس جورج دبليو بوش عن حالة الاتحاد

٢٠٠٢م؛ وهو البعد الذي لم يلق التوضيح اللازم.

هذا البعد - في رأي نائب وزير الدفاع الأمريكي - يتلخص في أن الحرب

الأوسع التي نواجهها هي حرب الأفكار؛ أي الصراع حول الحداثة والفردية

والعلمانية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

٣ - البعد العقدي في الصراع:

وفي دراسة أمريكية في هذا المضمار؛ رصدت عمق النظرة الأيدلوجية

الأمريكية تجاه العرب والإسلام بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، هي دراسة

كاثلين كريستيسون بعنوان «التصورات عن فلسطين وأثرها في سياسة الولايات

المتحدة في الشرق الأوسط» . ففي دراستها تلك تثبت كريستيسون أن ما تراكم من

نظرة مسبقة وتقليدية إنما هو خليط من الأيدولوجيا وعناصر من المسيحية اليهودية

تجاه فلسطين والشرق الأوسط، تشكل في نهاية الأمر خلفية صلدة لدى الرأي العام

وصناع القرار سواء بسواء في الولايات المتحدة.

٤ - تعزيز الأمن القومي الأمريكي:

وصف الباحثان في الاستراتيجيات وليام كريستول وروبرت كيجان، في

مقال نشرته دوريتهما «ويكلي ستاندرد» اليمينية المتطرفة، تصريحات كوندوليزا

رايس الأخيرة حول استمرار الالتزام الأمريكي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط؛ بأنها

تعكس صلابة الرؤية الشخصية للرئيس بوش لجعل هذا الالتزام الشرق أوسطي

أكثر فعالية؛ إذ يدرك هذا الأخير أن ثمة تقاطعاً بين المثل وبين المصالح الأمريكية

على مستوى هذا المشروع، بحيث أن «شرق أوسط» أكثر ديمقراطية من شأنه

أن يحسن نوعية الحياة لشعوبه، ويعزز في الوقت نفسه الأمن القومي الأمريكي.

* التطبيق:

باستقراء الواقع تبين كثرة وتتعدد الوسائل والأساليب التي تحاول الولايات

المتحدة أن تعمم بها هذا الطرح الفكري على المسلمين، وهذا إنما يدل على الرغبة

العارمة والمحمومة في فرض الإسلام الأمريكي على المسلمين، ولقد شغلت مراكز

الدراسات والأبحاث الأمريكية، وكذلك المفكرون وصانعو القرار، بابتكار وإيجاد

أساليب لتوصيل ذلك المفهوم المشوه للإسلام، ومنها:

١ - ضم علماء المسلمين الراغبين في هذا الفكر:

تقول بولا دوبريانسكي وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية:

«يتحدث الكثير من المسلمين عن الإرهاب وهم يعارضونه، لكن ذلك غير كاف،

علينا أن نواصل القيام بالمزيد لحث المسلمين في الخارج على التحدث علناً عن قيم

دينهم التي تعلي من شأن الحياة» ، وأضافت: «يجب أن نفكر خارج الإطار

التقليدي، ونوظف وسائل خلاقة للنهوض بالحرية الدينية، وهنا أفكر في تمويل

علماء مسلمين، أو أئمة، أو أصوات أخرى للمسلمين» .

ويشرح مسؤول بوازرة الخارجية الأمريكية هذه المسألة فيقول: «إننا نريد

ضم مزيد من علماء المسلمين إلى برامج التبادل الثقافي والأكاديمي التي تمولها

أمريكا.. إننا مشغولون ببذل جهد أكبر لكي نصل لهذه المجتمعات الإسلامية وهذا

الجمهور.. والهدف هو دعم أصوات التسامح في الدول الأخرى» . هذا التسامح

يعني التخلي عن العقيدة الإسلامية التي تجعل للمسلم هوية تحقق له شخصيته

واستقلاله.

٢ - رصد مصادر التأثير في الشعائر الإسلامية:

فمنذ حوالي عشرة أعوام انتبه المصلون في أحد المساجد بمركز الفتح التابع

لمحافظة أسيوط لوجود شخص أجنبي، يمسك في يده بجهاز كاسيت وينصت

باهتمام شديد للشيخ أثناء خطبة الجمعة، ويدوّن الملاحظات، وعندما تجمع حوله

بعض المصلين للاستفسار عن شخصيته وسبب وجوده حاول الهرب، فأمسكوا به

وسلموه إلى الشرطة التي فوجئت بالنتائج: فالرجل الأجنبي أمريكي الجنسية،

يهودي هكذا قيل، كان موجوداً بالمسجد ليتابع بدقة خطبة الجمعة، وأنه لم يترك

مسجداً تقريباً بأسيوط إلا وقد دخله، والسبب أنه يعد دراسة مهمة جداً عن تأثير

خطبة الجمعة في المصلين في مصر.

٣ - محاولة التأثير في أصول الدين والتفسير والحديث من أجل الاتفاق على

مذهب وسط جديد يجمع كل الميزات؛ من نشر قيم التسامح والمحبة والوداعة،

وهذا ما يطلق عليه «تجديد الخطاب الديني» :

ففي دراسة أمريكية أعدت مؤخراً في إطار سلسلة من الدراسات الشاملة بهذا

الشأن، أعدها خبراء أمريكان، تقول هذه الدراسة: اعتقدنا لسنوات طويلة أن

حربنا مع هذا الكتاب يجب أن تستمر، وأن نقنع الآخرين بأن يغيروا الكلمات

والآيات الواردة في هذا الكتاب، ولم يقل لنا أحد إن هذا ضرب من الخيال؛ لأن

المسلمين ببساطة ليسوا هم واضعو الكتاب أو بعض آياته، هم يعتقدون أنه هدية

السماء لهم، وأن من يبدله أو يغيره شرير وفاسد، ومن يملك هذا هو الله وحده،

وأننا في كل اللقاءات والمنتديات التي جمعتنا بالعديد من الشخصيات الأوسطية كانوا

يتحدثون عن كتابهم المقدس باحترام بالغ وتقديس عظيم، وعندما كنا نتحاور عن

معاني ما ورد في هذا الكتاب عن اليهود والقتال وإجبار الآخرين على الدخول في

الإسلام والعديد من العادات السيئة (على حد زعمهم) ؛ كان الأوسطيون يرون أن

ذلك مرده بالأساس للفتاوى والتفسيرات المصاحبة لهذا الكتاب، ناهيك عن آراء

رجال الدين؛ لذا فإن المسلمين على الرغم من أنهم ظاهرياً ينتمون لدين واحد،

وأن القرآن هو الذي يجمع بينهم؛ فإنهم في الحقيقة مختلفون ومنقسمون على أنفسهم

إزاء تعدد وتضارب رجال الدين الذين ينتمون لتفسيراتهم.

إن أفضل وسيلة للتعامل مع المسلمين هي التأثير في أفكارهم واتجاهاتهم

الدينية؛ من خلال الفتاوى والكتب الأخرى وليس من خلال الكتاب المقدس.

وتستمر هذه الدراسة الخطيرة فتقول: يعتمد هذا المنهج على مقومات؛ منها

إظهار الاحترام الكامل للكتاب المقدس للمسلمين، والتأكيد على أن هذا الكتاب محل

تقدير من الإدارة الأمريكية، وأنه يتم التعامل معه بوصفه كتاباً دينياً سماوياً ولا

يشكل خلافاً في التعامل بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، وأن

منهج الاحترام الواجب للكتاب المقدس للمسلمين سيؤدي إلى الشعور بالود والتعاطف

بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى.

إن المنهج الرئيس في تغيير ما هو قائم يتعلق بقسم مهم لدى المسلمين يطلقون

عليه الفتاوى، وهو يشمل آراء رجال الدين الكبار أو المعروفين لدى غالبية هؤلاء

الناس، وفي الوقت الراهن توجد مؤسسات دينية تمارس هذا الدور (الإفتاء) ،

ويلاحظ أن غالبية الإرهابيين مارسوا جهودهم المتواصلة في ترويج أفكارهم السيئة

بين الآخرين اعتماداً على فتاوى معينة صدرت في أزمنة مختلفة تحث على القتل

والتخريب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة.

وتقتضي الخطة الأمريكية أن تبذل جهوداً كبيرة من أجل تنقية هذه الفتاوى

من مواطن الإرهاب والعنف لصالح نشر روح التسامح والمحبة، ولهذا تؤكد

الدراسة ضرورة اتباع تعليمات تقضي بابتداع أنواع جديدة من الفتاوى الإسلامية

فيما يتعلق باليهود وإلغاء مبدأ جهاد النفس أو جهاد الأموال الذي أصبح موضوعاً

شائكاً في إطار مقاومة الإرهاب، والترويج لفتاوى أخرى تحث على التعامل

المباشر مع حضارة وقيم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وإن نقل هذه القيم

للمجتمعات الإسلامية سيزيدها تطوراً يتفق مع الإسلام، وعلى سبيل المثال لا بد أن

تصدر فتاوى جديدة تؤكد حرية المرأة، والقضاء على الانغلاق الذي اعتمد على

فتاوى قديمة مما أجهض دور المرأة سياسياً، وفتاوى أخرى حول الإخاء الإسلامي

المسيحي اليهودي، وأن هذا الإخاء لا يستهدف سوى إرضاء الله.

مطلوب أيضاً وفقاً للدراسة فتاوى تفصيل أخرى جديدة حول الاستعانة بالدول

الصديقة في حال تهديد الأمن الداخلي أو الخارجي لأي دولة إسلامية، حتى لو كان

هذا الصديق غير إسلامي، وفتاوى تكرس لأهمية الديمقراطية الغربية، وأنها

أفضل أنواع الحكم في العالم، وحول ضرورة قتال الإرهابيين والتخلص منهم

داخلياً، وتشجيع الآخرين على القيام بأدوار مهمة من أجل وقف تمويل الإرهاب.

ولم تنس الدراسة أن تشترط ضرورة صدور هذه الفتاوى عن رجال دين

معتدلين بطبعهم، واقترحت أن يتم إنشاء معهد ديني علمي متخصص للدراسات

الإسلامية في واشنطن، وأن يشرف على هذا المعهد الخارجية الأمريكية، وأن يتم

إبرام اتفاقيات تعاون مع الدول العربية من أجل الاعتراف بالدرجة العلمية الكبرى

التي يمكن الحصول عليها من خلال هذا المعهد، وكيفية إمداده بالدعاة والمدرسين،

على أن يتوسع المعهد في فترة لاحقة وتصير له فروع في كل البلاد العربية.

وأكدت الدراسة أهمية مصادرة كل الكتب الدينية المذهبية القديمة التي تحوي

تفسيرات واضحة وصريحة حول القتل والتدمير والاعتداء على حريات الآخرين،

وكذلك تنقية الأجواء من آراء عدد كبير من المفكرين والكتاب الحاليين التي تحض

المسلمين على الإرهاب والعنف، وهؤلاء تحديداً يجب حصارهم إعلامياً وفكرياً

وملاحقة النظم التي تسمح من خلال أجهزة إعلامها ببث مواد دينية تثير مشاعر

عدائية، بعد أن بدؤوا في التزايد مؤخراً في العديد من الدول العربية، ويعملون

على إثارة تجمعات كبيرة للقيام بأعمال غير مقبولة نحو الأمريكان، ولا بد من إلغاء

فكرة إنشاء قنوات إعلامية دينية متخصصة، وأن يتم بدلاً منها إنشاء قنوات دينية

اجتماعية تؤكد التواصل بين الحضارات والأديان، مؤكدين أن استمرار قناة دينية

في البث يؤدي في النهاية لإشاعة ثقافة التطرف.

وإمعاناً في الاستخفاف بعقول المسلمين وحضارتهم وتاريخهم تطالب الدراسة

بتشكيل لجنة من علماء الدول الإسلامية من المعتدلين (بالطبع) الذين تختارهم

الحكومات من أجل مراجعة تفسيرات الكتب الدينية، وخاصة التي تحمل أفكاراً

إرهابية.

وترى الدراسة بعد تحليل ومراجعة المذاهب الأربعة والكثير من الكتب

الشارحة لهذه المذاهب وكافة التعليقات الأخرى الأجنبية أن المذاهب الأربعة

تضمنت أفكاراً قديمة غير لائقة وغير مقبولة في الوقت الراهن، وأن من الأفضل

أن يتفق علماء الإسلام المتطور على مذهب وسط جديد يجمع هذه المذاهب بعد

تنقيتها، ويتم اختيار لجنة تنسيقية بين أكبر عدد من الدول الإسلامية، تسعى

للتوصل لصياغة علمية جديدة لهذا المذهب المعتدل. وهكذا يكون تجديد الخطاب

الديني.

٤ - تعديل مناهج التعليم بما يناسب المفاهيم الخاصة بالإسلام الأمريكي:

في ندوة بعنوان «الإسلام الليبرالي والليبرالية الإسلامية» في المؤتمر

السنوي السادس والخمسين لمعهد الشرق الأوسط الذي عقد في ١١ تشرين

أول / أكتوبر قال أكبر أحمد، رئيس دائرة الدراسات الإسلامية بمركز ابن

خلدون، وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بواشنطن، دي. سي، إن

التعليم هو مفتاح الإصلاح. وقال إنه يجب التأكيد على أهمية التعليم في العالم

الإسلامي. ومضى قائلاً إنه: «عن طريق التعليم وحده يستطيع المسلمون

إعادة اكتشاف جوهر الإسلام» ، وطبعاً يقصد الإسلام بالمفهوم الأمريكي.

٥ - الاستعانة بالمسلمين الأمريكيين:

وفي الندوة نفسها قالت السيدة عزيزة الهبري، أستاذة القانون في معهد تي.

سي. وليامز للقانون بجامعة رتشموند بولاية فرجينيا، «إنه لمناقشة الديمقراطية

والإصلاح في العالم الإسلامي بنجاح، من المهم أن ندرك أن الأفكار الليبرالية

كفصل الدين عن الدولة» موجودة في الإسلام، وأنها ليست أفكاراً أمريكية

فحسب «. وأضافت:» إنه بدلاً من نقل أفكار غربية إلى العالم الإسلامي،

ينبغي للمسلمين أن يركزوا على مفاهيم الإصلاح الإسلامية الموجودة فعلاً «.

وقالت السيدة الهبري إن هناك حاجة إلى التأكيد بشكل أقوى على الحضارة

الإسلامية، وإن واضعي السياسة الأمريكية بحاجة إلى الاستعانة بالمسلمين

الأمريكيين في بناء جسور بين العالمَيْن.

٦ - تشجيع ما يعرف بالمسلمين الليبراليين:

وفي الندوة نفسها قال السيد مقتدر خان، مدير الدراسات الدولية ورئيس دائرة

العلوم السياسية بكلية أدريان بولاية مشيغان، إن» المسلمين المعتدلين والليبراليين

يعتقدون أن هدف الإسلام هو تنوير المجتمع، وأن الاختيار الأول للمسلمين

الليبراليين لمعالجة المشاكل والعقبات هو الاجتهاد، بينما الاختيار الأخير هو

الجهاد «.» أما المسلمون المتزمتون فإن اختيارهم الأول هو الجهاد ولا يشكل

الاجتهاد خياراً لهم «، ومضى السيد خان إلى القول إن» الاجتهاد أسلوب حياة،

فهو حرية التفكير ومصدر أساسي من مصادر التنوير «.

٧ - اعتماد الدبلوماسية الممثلة في وزارة الخارجية الأمريكية وسفاراتها

المنتشرة في العالم:

فقد جاء في التقرير الذي وجهه الرئيس بوش إلى الكونجرس في ٢٠/٩/

٢٠٠٢م بعنوان (استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية) :» في

حين تعتمد الولايات المتحدة على القوات المسلحة للدفاع عن المصالح الأمريكية،

عليها أن تعتمد على الدبلوماسية للتفاعل مع الدول الأخرى، وسوف نضمن أن

تتلقى وزارة الخارجية التمويل الكافي لضمان نجاح الدبلوماسية الأمريكية، وفي

هذه الحقبة الجديدة يتوجب على موظفيها ومؤسساتها التمكن من التفاعل بالبراعة

نفسها مع كل من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية، وعلى المسؤولين

المدربين أساساً في شؤون السياسة الدولية القيام أيضاً بتوسيع نطاق عملهم؛ كي

يشمل فهم المسائل المعقدة للحكم المحلي في سائر أنحاء العالم، بما في ذلك قطاعات

الصحة العامة، والتعليم، وفرض تطبيق القوانين، والقضاء، والدبلوماسية

العامة «.

وكشف الرئيس بوش عن الهدف الاستراتيجي من السيطرة الأمريكية على

الإدارات المحلية للدول المقصودة (الإسلامية) ، وهو إدارة أجهزة الشرطة،

والقضاء؛ للسيطرة المباشرة على عمليات ملاحقة الجماعات والشخصيات المعادية

لأمريكا، وعدم الاكتفاء بالمعاونة والبروتوكولات الموجودة حالياً.

وفي هذا الإطار عرض وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي

لشؤون الشرق الأدنى، أربعة أهداف دبلوماسية تنوي الحكومة الأمريكية السعي إلى

تنفيذها خلال السنوات القادمة، وهي: مكافحة الإرهاب، نزع أسلحة العراق،

السلام العربي الإسرائيلي، ودعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية المحلية المنشأ.

٨ - تخطي الحكومات والوصول للشعوب مباشرة:

ويستخلص وولفوتيز أنه بينما تشن أمريكا حرباً على الإرهاب فإنها تفكر في

الحرب الأوسع؛ أي الصراع ضد أعداء التسامح والحرية في العالم. وأحد أسلحتنا

في هذه الحرب هو مدى قدرتنا على تخطي الحكومات والوصول إلى الشعوب

والأفراد، وخصوصاً الأصوات التي تصارع من أجل أن تعلو فوق التطرف،

الأصوات التي تنادي بأن إسلام محمد صلى الله عليه وسلم ليس هو دين أسامة بن

لادن وأتباعه الانتحاريين.

٩ - البحث عن نموذج يكون قدوة ومثلاً يحتذى:

فقد صرح نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفوتيز يوم ٢٥/٣/١٤٢٣هـ

لصحيفة واشنطن تايمز، حيث قال:» إن من أكثر الدول التي يمكن أن تكون

أمثلة للدول الإسلامية الحرة الديمقراطية هي: تركيا، وإندونيسيا، والمغرب «،

وقال:» نروج لذلك النوع من النجاح كحل للإرهاب على المدى البعيد، أما على

المدى القريب فمن المهم اعتقال وأسر وقتل الإرهابيين «.

وفي هذا الإطار أعلن باول من أنقرة ٢/٤/٢٠٠٣م أنه سيكون لتركيا:

» دور مهم تلعبه في جهود إعادة بناء المؤسسات في العراق في فترة ما بعد الحرب،

ليس في إعادة الأعمار فحسب، بل أيضاً في إقامة نموذج لديمقراطية إسلامية

تعيش في سلام مع دول الجوار «، معرباً عن أمله في أن يكون النظام التركي

نموذجاً لجميع الدول في منطقة الشرق الأوسط.

هذه بعض الآليات الأمريكية لفرض نموذجها للإسلام، والمقام لا يتسع لسرد

كل الأدوات الأمريكية، ولكن ما يعنينا أن ينتبه المسلمون بصفة عامة والإسلاميون

بنحو خاص لما يدبر ويجري في هذه الأيام، فإن فقه الأولويات وضغط الواقع ليسا

مسوِّغاً لتقبل هذا النوع من الإسلام الذي يفرغه من مضامينه الأساسية، وخاصة

السياسية منها والتشريعية؛ لعزله عن الحياة.