للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خواطر في الدعوة

أيها الدعاة ...

لا تفسدوا الأخوة

محمد العبدة

من أثمن ما يملكه المسلم في هذه الحياة الدنيا بعد الصلة بالله عقد الأخوة

الإيمانية الذي عقده مع من يحبهم في الله، وتعاهد معهم على العمل سوية في سبيل

نصرة دين الله. هذا العقد من أقوى الأسباب لمجابهة الصعاب والتحديات، ولحل

المشكلات التي تعترض الطريق، وبه يشعر المسلم أنه ليس وحيداً، فهناك من يشد

أزره ويضع يده على يده، غير أن هذه الأخوة قد تعكر صفوها هنات وهزات،

هي صغيرة ولكنها تكبر مع الأيام ويكبر أثرها، فتنفر القلوب، وتقع الوحشة وهذا

مزلق خطير يجب على الأخ المسلم تجنبه فخسارة أخ لا يعوضها أي شيء.

إن كثرة العتاب وكثرة المماراة والجدل، خاصة إذا شابها نية إظهار التميز

وفضل العقل، بل وكثرة المزاح؛ من الأشياء التي تؤدي إلى الوحشة، قال

أصحاب طب القلوب: (إذا قصَّر الأخ في حق أخيه فالواجب الاحتمال والعفو والصفح إلا إن كان بحيث يؤدي استمراره إلى القطيعة فالعتاب في السر خير من القطيعة، والتعريض به خير من التصريح، والمكاتبة خير من المشافهة، والاحتمال خير من الكل) .

إن الأخوة التي نحرص عليها كل الحرص، ونعض عليها بالنواجذ خاصة في

مثل هذه الأيام والظروف التي تمر بالمسلمين لها حقوق إذا قمنا بها فلعلها تستمر

وتقوى، ومن هذه الحقوق التفقد لأحواله والسؤال عن حاجاته، قبل أن يضطر إلى

طلب المساعدة والعون، فهذا هو الأليق، وهذا هو الذي يفرحه ويسره، فإذا نسيت

وسألك حاجته فبادر إلى قضائها، وإذا لم تفعل هذا فكبّر على هذه الأخوة، ومنها:

الوفاء والثبات عليها، فلا يذكره إلا بخير، ويحفظ غيبته، فلا يعرض به أمام

الآخرين بأسلوب ظاهره الشفقة والنصح وباطنه الغيبة المحضة، بل يجب عليه

استحضار محاسن أخيه وحفظه في أسراره فلا يبثها للآخرين، وبذلك لا يدع

للشيطان مدخلاً: [وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ] .

ومن حقوقها: ترك التكلف حتى لا يشعر الأخ أنه غريب عن أخيه، ولا

يلجئه إلى الاعتذار دائماً، بسبب هفوة صغيرة، وكلمة عابرة، ويحاسبه على

النقير والقطمير، وليتذكر قول الشاعر:

ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب؟

والأخوة الإيمانية أكبر من هذا، فإذا أفسدتها ما نحن فيه من أنانية وضيق أفق، وانشغال بصغائر الأمور أحياناً، فيجب أن نعترف أنه ليس هاهنا أخوة، بل

كلمات خطابية جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، وما نحن فيه إنما هو مخالطة

رسمية، وصورة مشوهة عن أخلاق المسلمين الأوائل، ومجاملات ليس لها أثر في

العقل والدين.