للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمون والعالم

[ثقافة الاستشهاد في المجتمع الفلسطيني]

باسل يوسف النيرب

* أهمية العمليات الاستشهادية:

عقب إخفاق مباحثات كامب ديفيد وترديد باراك مقولة: «لا يوجد شريك

فلسطيني حقيقي للسلام» ؛ جاءت حكومة شارون إلى سدة الحكم تحت شعار

«أعطوا الجيش فرصة للانتصار» ، وبمنطق أن أي تقدم قادم يتم بواسطة

القوة العسكرية أولاً، وهذا هو سر الوحدة الظاهرية خلف شارون حسبما

تورده استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية. ترى الجهات الرافضة فلسطينياً

للعمل الاستشهادي أنه يعمل على تكتل قوى اليمين الإسرائيلي خلف الحكومة،

مع أن اليمين واليسار والمتدينين في (إسرائيل) هم داخل بوتقة واحدة معادية

للشعب الفلسطيني ومقاومته الجهادية، وحقه في الحرية والاستقلال؛ لهذا لا بد من

التأكيد على أن الحروب الإسرائيلية الكبرى ١٩٦٧م، ١٩٧٣م، واجتياح بيروت

١٩٨٢م، وقمع رابين للانتفاضة الفلسطينية الأولى ١٩٨٧م، وعملية عناقيد

الغضب، وحرب الاغتيالات ضد المجاهدين؛ مستمرة سواء في وقت الحرب أو

السلم.

تهدف العمليات الاستشهادية إلى القضاء على الأمن الإسرائيلي، وضرب

أكبر عدد من القتلى والجرحى في صفوفهم؛ من خلال عمليات المواجهة المستمرة.

وبإسقاط النظرية الأمنية الإسرائيلية؛ فإنها تنعكس على الأوضاع السياسية

والاجتماعية والاقتصادية والخسائر الملحقة في العدو؛ من جراء انتفاضة الأقصى

والعمليات الجهادية الاستشهادية بمختلف صورها وأشكالها، والتي برهنت على

ذلك.

من ناحية أخرى ومع اشتداد حملة التنديد بالعمليات البطولية؛ نجد جانباً آخر

لا يُسلط الضوء عليه كثيراً، هو مطالبة الكثير من الدول والشركات والأفراد الكيان

الغاصب بالاستجابة للشروط الدولية حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما

حملات المقاطعة للسلع والمنتجات التي تصنع في المستوطنات الإسرائيلية إلا أحد

أشكال الرفض للتعامل مع (إسرائيل) ؛ كونها تنشئ مصانع ومساكن في مناطق

محتلة ومتنازع عليها.

* حماس أنموذجاً:

بادئ ذي بدء؛ فالحديث لا يحتاج لبيان مكانة منظمة (حماس) ؛ فقد فرضت

نفسها على الشارع الفلسطيني والإسلامي، ولكن حماس وذراعها العسكري كتائب

الشهيد عز الدين القسام؛ سطرت أروع أمثلة الجهاد التي أغاظت العدو بشكل

منقطع النظير.

كتب (إسرائيل شاحاك) في مارس ١٩٩٤م مقالاً نوه فيه بمصادر قوة حماس

مستنداً إلى أربعة عوامل ما زالت تثبت حتى هذه اللحظة صدقها، وهي أنها

- الحركة - تستمد مكانتها من عملياتها الاستشهادية، وخاصة الموجهة ضد

الجيش الإسرائيلي، ولبعد مقاتلي حماس عن التصادم مع التنظيمات الفلسطينية

الأخرى، كما أن السمعة الحسنة على الصعيد المالي ساهمت في دفع الجميع ليحذو

حذوهم في التحلي بالأمانة والأخلاق والنزاهة، حيث يعيش أغلب قادة حماس

وسط الأحياء الشعبية غير بعيدين عن الجمهور؛ مما يسبب احتكاكاً لهم بالعامة، كما

أن مجاهدي حماس لا يدخلون في استعراضات لا طائل منها، ولا تطلق الرصاص

في الهواء؛ بل على أهداف الجيش الإسرائيلي بالجملة.

ويذكر (أهارون كلين) في صحيفة «عل هميشمار» أن قوات الأمن

الإسرائيلية تخشى حماس، وتخاف بشكل خاص من قوتها في غزة.. وعلى الرغم

من تبجح المخابرات الإسرائيلية بالمعرفة؛ فإن القائمين على أجهزة الأمن

الإسرائيلية لا يعرفون الكثير عن حماس، ولا يعرفون بمن يتصلون إذا ما كان

هناك داع للحوار، (وأقول إلا عن طريق الطابور الخامس) .

وفي مقابلة مع صحيفة معاريف قال (موشيه يعلون) رئيس هيئة

الاستخبارات العسكرية: إن كل ضربة توجه لناشطي الذراع العسكري في حماس

لا تشكل ضربة قاتلة، بل تضعفها لفترة محدودة. وأضاف «يعلون» : حماس لا

تنفذ العمليات الكبيرة بصورة ارتجالية؛ بمعنى حينما تلوح فرصة يقوم شخص ما

بتنفيذ العملية، مثل هذا الأمر قد يكون صحيحاً في عمليات صغيرة، ولكن في

العمليات الكبيرة ثمة قرار تتخذه القيادة العليا الموجود غالبيتها خارج الأراضي

الفلسطينية؛ أي أن الطاقة الميدانية متوافرة دائماً ولكن لا تعمل دون أمر من أعلى.

وسط التعقيد البنيوي في هيكلة التنظيم - والذي لا يعرف، وخاصة على

الصعيد العسكري الميداني - تشير أغلب الصحف والمصادر الإسرائيلية تحديداً إلى

أن حركة حماس نجحت في تطوير شبكة معقدة جداً لإرسال الأموال داخل مناطق

السلطة الفلسطينية؛ عبر مؤسسات وصناديق مالية تحت غطاء الرفاهية

الاجتماعية.

وعن اختبار العنصر الاستشهادي، وضح الشيخ صلاح شحادة في حوار معه

قبيل استشهاده آلية اختيار الاستشهادي، فيقول: يتم الاختبار وفقاً لأربعة معايير:

أولها الالتزام الديني، ورضا الوالدين، وأن لا يؤثر استشهاده على أسرته كونه

يعيلها بشكل أساسي، ولا يكون وحيد أخوته، ثم القدرة على تنفيذ المهمة التي

توكل إليه واستيعابها، وأخيراً دعوة للآخرين وتشجيعاً للجهاد في النفوس. وأكد

الشيخ شحادة أن هذه المعايير ليست جامدة ومفصولة بعضها عن بعض، ولكنها

خاضعة لقيادة المنطقة في الجهاز العسكري.

وأكد الشهيد شحادة أن إقبال الشباب الفلسطيني على قوائم الاستشهاد دليل على

صحة المجتمع ووعيه، وليس خطأً أو هروباً من حالة اليأس. والأفراد الذين

يُقبلون على الاستشهاد كثيرون، ولديهم الاستعداد لتقديم أرواحهم وهو أغلى ما

يمتلكه الإنسان، ومع هذا لا نستطيع أن نوفر لكل شاب عملية؛ لكون الأهداف

محددة والأماكن الإسرائيلية محصنة جداً.

ويؤكد الشيخ صلاح أن الاستشهاديين لا يستهدفون الأطفال والشيوخ

والمستشفيات والمعابد رغم أنها أهداف سهلة، ولا يستهدفون اليهود لكونهم يهوداً،

ولكن لأنهم محتلون ومغتصبون لأرضنا، وإن سقط أطفال وشيوخ ونساء فهذا

خارج عن إرادتنا. ولقد كشفت أحداث هبّة الأقصى المباركة الجاهزية العالية

لكتائب القسام في عملياتها المدوية، والتي تركت أروع الآثار في صفوف قوات

الجيش والمستوطنين.

وعن إعداد الاستشهادي للعملية فهو لا يكون بين عشية وضحاها؛ إذ يحتاج

الاستشهادي إلى إعداد جيد يقوم على عدة أركان رئيسة؛ منها التربوي والنفسي.

ويقول الشيخ عبد العزيز الرنتيسي: إننا في حماس نمتلك برنامجاً تربوياً

كاملاً يبدأ مع الشباب من مختلف أعمارهم، وأول عناصر هذا البرنامج القرآن

الكريم حفظاً وتفسيراً، وكتب السيرة النبوية، والدراسات الإسلامية، إضافة إلى

الكتب الحركية التي ترسم لهم الخطوات التي يجب اتباعها فتقولبهم قولبة أخلاقية

تتماشى مع القيم والمفاهيم الإسلامية، وفي مقدمتها العزة والإباء والكرامة،

بالإضافة إلى جميع الأخلاق الحميدة. وأكد الشيخ الرنتيسي في مقابلة مع وكالة

«قدس برس» أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هما دافع الشباب

لتنفيذ العمليات العسكرية، وبعدها يأتي دور الجهاز العسكري لانتقاء من يمكن أن

يقبل بالإقدام على هذا العمل، وعادة ما يكون الانتقاء عبر إلحاح شديد من الشباب

أنفسهم.

أما الشروط لمن أراد أن يكون استشهادياً في حماس؛ فبعد العضوية يمر

بمراحل التربية الخاصة بها، والتي تحببه بالجهاد وتجعله يرى الانضمام للجهاز

العسكري تقرباً للجهاد، ويصبح من ثم مهيئاً للعمل في الجهاز العسكري.

* دور الأمهات وكرامة الشهداء:

تفضل أغلب الجماهير الفلسطينية خيار الاستشهاد الذي يستميل أعداداً كبيرة

من الشارع الفلسطيني، ومع أن أفواج الاستشهاديين على مختلف أجناسهم

وأعمارهم وفئاتهم العمرية؛ تشكل قطاعاً واسعاً من الشارع، فإنه حتى اللحظة لم

تصدر إحصائية توضح النسبة الحقيقية لهم في الشارع الفلسطيني، ولكن بالإجمال

هناك ثقافة عامة في الشارع تكنّ الاحترام والتقدير الشديدين للاستشهادي وأسرته.

لقد قدمت أم الشهيد محمود العابد، والذي نفذ عملية «دوغيت» ، وقُتل

خلالها ثلاثة جنود وجُرح ثلاثة آخرون، أبرز مشاهد هبّة الأقصى مع كل ما تحفل

به من تضحيات، فقد غابت مظاهر الحزن عن بيت العزاء، وقال بعضهم إنه

عرس التهنئة بالشهيد، وقد ارتفعت الأناشيد الوطنية، ووزعت الحلوى والقهوة

والعصير على المتوافدين إلى منزل عائلة الشهيد.

وقد صُورت أم العابد هي وأبناؤها قبيل استشهاده؛ لتكون رسالة إلى أمهات

المسلمين والعرب والفلسطينيين في العالم؛ ليدفعوا أبناءهم للشهادة من أجل

تحرير الأقصى، ولا يبخلوا عن تقديم فلذات أكبادهم من أجله، وليعلموا اليهود أن

أبناءنا لا يُكرهون على القتال؛ بل هم في أشد الشوق إلى الشهادة.

وقالت أم الشهيد: على اليهود أن يعودوا إلى البلدان التي ألقت بهم إلى

أرضنا الطاهرة المقدسة؛ لأنهم لن يذوقوا الأمن والأمان ولا الراحة ما بقوا محتلين

أرضنا المسلوبة، وأقول لأمهات الجنود الذين قتلهم ابني: عليكم أن تشعروا بالعار؛

لأن أبناءكم قُتلوا معتدين ومصيرهم إلى النار، أما ابني محمود فقتل دفاعاً عن

دينه ووطنه وأرضه وشعبه، وهو شهيد في الجنة.

وكانت أم الشهيد في لقائها الأخير مع ابنها، والتي ظهرت خلاله على شريط

فيديو بُث على القنوات الفضائية، مبتسمة وفرحة ولم تذرف دمعة واحدة، وقالت

في هذا السياق بعد استشهاده: قد يستغرب البعض من شدة فرحتي وعدم بكائي على

ابني، وأقول إن واجب الجهاد يجب أن يتغلب على عاطفة الأمومة. وأكدت أنها

ظلت تدعو لابنها أن يوفقه الله في مهمته الجهادية؛ حتى يوقع أكبر عدد من القتلى

في صفوف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين.

* أثر العمليات الاستشهادية في اليهود:

تشكل العمليات الاستشهادية رعباً حقيقياً داخل المجتمع، وقد أكدت دراسة قام

بها مركز يافا للبحوث التابع لجامعة تل أبيب أن ٩٢% من الجمهور الإسرائيلي

يخشى من العمليات الاستشهادية أن تصيبه أو تصيب أحداً من أفراد عائلته، وتؤكد

الدراسات التي ظهرت خلال هذه الفترة وتأخذ بها الصحف العبرية أن ظاهرة

الاستشهاد بدأت في لبنان في فترة الثمانينيات بشكل عام، أما العمليات الفلسطينية

فقد بدأت عام ١٩٩٣م عندما قام استشهادي في الجهاد الإسلامي بتفجير حزام ناسف

وسط مجموعة من الإسرائيليين.

ويقول رئيس معهد السياسة الدولية لمحاربة الإرهاب «بوعاز جانور» :

ليس هناك حل سحري ولا حل سياسي ولا حل عسكري، ومن المرجح أن يستمر

المهاجمون في التسلل إلى إسرائيل حتى في الوقت الذي تحتل فيه القوات المدن

الفلسطينية، وترغم مئات الآلاف من الفلسطينيين على البقاء في بيوتهم في فترات

حظر التجول، والتي تستمر أحياناً أياماً في المرة الواحدة. ويضيف: مهمة الجيش

هي تقليص عدد الهجمات، وجعل تنفيذها أكثر صعوبة، وإذا وقعت هجمات فإن

الهدف هو محاولة ضمان أن تكون الخسائر عند أدنى حد ممكن. ويؤكد أن الفكرة

وراء الهجمات التي يشنها الجيش هي تقليص قدراتهم على شن هجمات لا القضاء

عليها، فمن المستحيل القضاء عليها.

وفي اجتماع لجنة الخارجية والأمن قال ضابط كبير بالاستخبارات العسكرية:

إن الاستشهاديين ينتظرون أن نخرج من تجمعات المدن الفلسطينية؛ حتى يتسنى

لهم العودة مرة أخرى لتنفيذ عمليات استشهادية. ولمحاربة العمليات الاستشهادية

المستقبلية، والتي أوقعت حتى عملية صفد الأخيرة ٦١١ قتيلاً؛ عمدت قيادة

الأركان إلى تمديد فترة خدمة الاحتياط لمدة ٣٧ يوماً، وتعمل قيادة الجيش على

توجيه الدعوة مرة ثانية بعد أن استدعت كل الوحدات.

أما الإجراء الإسرائيلي الذي له أكبر الأثر في عائلات الاستشهاديين؛ فهو

نسف منازل ذويهم دون مهلة، فقد أقر مستشار الحكومة القضائي «إيكايم

روبنشتاين» قرار الحكومة بهدم ١٣٢ منزل لعائلات استشهاديين دون إعطائهم

مهلة؛ خوفاً أن يعمد الفلسطينيون إلى تلغيم المنازل؛ مما يشكل خطراً على سلاح

الهندسة على حسب قول روبنشتاين.

والاتجاه الآخر لردع منفذي العمليات الاستشهادية هو طرد أقرباء منفذي

العمليات بعد أن طردت إسرائيل فلسطينيين من الضفة الغربية إلى أوروبا وقطاع

غزة إثر فك الحصار عن مدينة بيت لحم، وقد انتقدت صحيفة هآرتس تصرف

الحكومة الرامي إلى طرد عائلات الاستشهاديين بالقول: جاء هذا القرار بناء على

الافتراض الذي جوهره أن في وسع طرد العائلات ردع الاستشهاديين الفلسطينيين

عن زرع الموت والدمار في شوارع إسرائيل. وأكدت الصحيفة رفض قرار الطرد؛

لأنه يعاقب عن دون قصد أبرياء، وهذا مخالف للقانون الدولي، ونصوص

التوراة التي تقول: (لا يزر الابن وزر أبيه، ولا الأب وزر ابنه) ؛ أي أن جيش

الدفاع وحسب ما تقوله الصحيفة يهدف إلى تطبيق عقاب جماعي كوسيلة ردع ضد

جمهور يخرج من بينه استشهاديون.

ونشرت صحيفة معاريف أن الإحباط الذي أصاب جيش الدفاع، وعدم

استطاعته القضاء على العمليات الاستشهادية؛ أوجد العقوبات التي أقرها الجيش،

وأن من شأن هذا الإجراء أن يردع استشهاديين محتملين، وكلما شددت إسرائيل

ردود فعلها ضد «الإرهاب» ؛ فإنها تحتاج إلى وسائل جديدة امتنعت عن

استخدامها في الماضي، وتضيف الصحيفة أن بعض العناصر الأمنية تقول إن

إجراءات الطرد تجعل الاستشهادي يفكر مرتين قبل التنفيذ، وبدلاً من التكريم

سيعرف أن منزله سوف يهدم، وأن أبناء أسرته سوف يبقون في أرض النار في

قطاع غزة، وتؤكد الصحيفة أن قرار الطرد خطوة أخرى في سلسلة عمليات لا

طائل منها، فإذا ردع الطرد استشهادياً أو آخر؛ فإن من شأنه أن يشجع آخرين

على الانضمام إلى قائمة الشهداء.

ويؤكد مدير إدارة الطب الشرعي الإسرائيلي «يهودا ميس» أنه عندما يأتي

إليه أي فلسطيني ليتعرف على جثة أحد الفلسطينيين؛ فإننا نسمح له بأخذها، ولكن

ذلك لا يحدث كثيراً؛ لأن الجميع يعرف ما يحدث لأسرة الاستشهادي الذي يتم

التعرف عليه، حيث تأتي الدبابات الإسرائيلية مصحوبة بالجرافات لهدم منزل

أسرته، وربما تعاقب قريته بالكامل، أما بقايا الجثمان فتدفن في مقبرة جماعية بعد

أخذ البصمات والحامض النووي الخاص بها.

وفي إطار السلسلة الطويلة من القرارات والإجراءات الإسرائيلية للرد على

العمليات الاستشهادية؛ كتب «سيفر بلوتسكر» وهو محلل اقتصادي في صحيفة

يديعوت أحرنوت أن ظاهرة الاستشهاد هي ظاهرة اجتماعية في الشارع الفلسطيني،

والارتفاع في حجم العمليات هو نتاج التسهيلات التي يمكن فيها تجنيد

الاستشهاديين، والقائمة تطول بدءاً من الدوافع الدينية والأيديولوجية، مروراً بتفاقم

الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المناطق، وغياب الحل السياسي، إضافة إلى

حافزية الانتقام، وتقليد نموذج البطل المحلي.

ويضيف أن الإبعاد أو الهدم يجب أن يتم وفق قائمة طويلة لإزالة طبقات

الغلاف المحيط بالاستشهادي. إن إسرائيل لم تتخذ علاجاً إدارياً ضد المرجعية

الدينية وهم الخطباء في المساجد، ورجال الفتوى الذين يشجعون العمليات

الاستشهادية، ولم يجد الجيش ولا الشاباك بعدُ وسيلة لمواجهة عمليات غسل الدماغ

والدعاية والتحريض.

وفي هذا السياق نشرت صحيفة هآرتس أن لجنة تابعة لهيئة الأركان في

الجيش الإسرائيلي؛ أوصت باعتقال خطباء المساجد وجميع المحرضين على

العمليات الاستشهادية، وأقرت اللجنة لمواجهة العمليات مصادرة أملاك الجمعيات

الخيرية التي تقدم مساعدات لمنفذي العمليات، وإغلاق محطات التلفزيون والإذاعة

الخاصة، وهدم الأملاك الشخصية، ونبهت إلى تحول الظاهرة إلى جماهيرية.

اجتماعياً سادت في المجتمع الإسرائيلي ظواهر جديدة لم تكن معروفة بفعل

العمليات الاستشهادية، ومنها اللجوء إلى السحرة، والوشم؛ لاتقاء خطر العمليات،

إضافة إلى الاحتفاظ بنسخة من التوراة في الجيب.

وختاماً ورداً على دعاوى المطالبين بوقف العمليات الاستشهادية؛ نورد ما

أكده المؤرخ الإسرائيلي «رئيف ستيرنمال» في كتابه (الأساطير المؤسسة

لإسرائيل) ، حيث يقول: «ثمة عقيدة صهيونية مركزية، وهي عدم الانسجام أو

التخلي عن موقع أو أرض إلا إذا أجبرتنا على ذلك قوة عظمى» ؛ أي أن

(إسرائيل) لن تنسحب من أي جزء إلا بعد المزيد من الخسائر، والشواهد في

التاريخ كثيرة.