للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلمة صغيرة

[الإدارة بالقيم]

في كل قطاع من قطاعات العمل يسعى المشرفون عليه إلى تحفيز موظفيهم

على مزيد من الإنتاج والعطاء بمحفزات مادية ومعنوية متعددة، ومع غلبة الأدبيات

الرأسمالية في العالم أصبحت المادة هي المحرك الرئيس لمعظم العاملين بمختلف

درجاتهم وطبقاتهم الوظيفية.

وفي الوقت نفسه استحدث الإداريون آليات تنظيمية وتقنية تفرض الرقابة

على أداء الموظف داخل مقر العمل وخارجه، وتدفعه إلى الاتقان والانضباط.

لكن هل صحيح أن المادة وحدها هي التي توثِّق الصلة بين الموظف

ومرؤوسيه؟!

وهل المادة هي التي تُكسب العاملين الولاء للمؤسسات التي يعملون فيها؟

وهل الرقابة الإدارية هي التي تضبط سلوك الإنسان الوظيفي، وتزيد من معدل

إنتاجيته؟!

صحيح أن التعلق بالمادة فطرة يجتمع عليها جميع البشر بمختلف أجناسهم

وأديانهم، وليس خطأ أن يحرص الإنسان على تحسين دخله المادي، وأن يُحفَّز

العاملون بذلك، لكن نحسب أن المحفِّز الحقيقي هو شعور الإنسان بالمسؤولية،

ويتحقق ذلك باستشعار عبودية المرء لله تعالى في ذلك العمل الذي يعمله، فهو

يستصحب دائماً معية الله عز وجل له؛ تحقيقاً لقوله تعالى: [وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا

كُنتُمْ] (الحديد: ٤) ، ويسعى إلى إبراء ذمته، ويتقي الله ويخشاه، فإذا كان رب

العمل لا يراه؛ فإن رب السموات والأرضين يراه، [وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ

إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] (الملك: ١٣-

١٤) . ولهذا تراه يتقرب إلى الله بزيادة عطائه وإتقان عمله التزاماً بقول النبي

صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» [١] ، وهذا

معنى من معاني الأمانة عظيم، جاء ذكره في قوله عز وجل: [إِنَّ خَيْرَ مَنِ

اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ] (القصص: ٢٦) .

إن بناء الثقة في نفس العامل، وتربيته على الاحتساب ومراقبة الله تعالى؛

من أعظم ما يدفع العاملين إلى الحرص على أداء العمل والتفاني فيه.. وبقدر

نجاحنا في تحقيق ذلك يكون نجاحنا الإداري.


(١) أخرجه أبو يعلى في مسنده، رقم (٤٣٨٦) ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (١١١٣) .